[الأنعام : 20] الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ
20 - (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه) أي محمداً بنعته في كتابهم (كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم) منهم (فهم لا يؤمنون) به
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره : "الذين آتيناهم الكتاب"، التوراة والإنجيل - يعرفون أنما هو إله واحد - لا جماعة الآلهة، وأن محمداً نبي مبعوث ، "كما يعرفون أبناءهم".
وقوله : "الذين خسروا أنفسهم" من نعت "الذين" الأولى .
ويعني بقوله : "خسروا أنفسهم"، أهلكوها وألقوها في نار جهنم ، بإنكارهم محمداً أنه لله رسول مرسل ، وهم بحقيقة ذلك عارفون ، "فهم لا يؤمنون"، يقول : فهم بخسارتهم بذلك أنفسهم لا يؤمنون.
وقد قيل : إن معنى خسارتهم أنفسهم ، أن كل عبد له منزل في الجنة ومنزل في النار. فإذا كان يوم القيامة، جعل الله لأهل الجنة منازل أهل النار في الجنة، وجعل لأهل النار منازل أهل الجنة في النار، فذلك خسران الخاسرين منهم ، لبيعهم منازلهم من الجنة بمنازل أهل الجنة من النار، بما فرط منهم في الدنيا من معصيتهم الله ، وظلمهم أنفسهم ، وذلك معنى قول الله تعالى ذكره : "الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون" [المؤمنون : 11].
وبنحو ما قلنا في معنى قوله : "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" قال أهل التأوبل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم"، يعرفون أن الإسلام دين الله ، وأن محمداً رسول الله ، يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل .
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر، عن قتادة في قوله : "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم"، النصارى واليهود، يعرفون رسول الله في كتابهم ، كما يعرفون أبناءهم .
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" يعني : يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم "كما يعرفون أبناءهم"، لأن نعته معهم في التوراة.
حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم"، يعني النبي صلى الله عليه وسلم . قال : زعم أهل المدينة عن أهل الكتاب ممن أسلم ، أنهم قالوا : والله لنحن أعرف به من أبنائنا، من أجل الصفة والنعت الذي نجده في الكتاب ، وأما أبناؤنا فلا ندري ما أحدث النساء!
قوله تعالى :" الذين آتيناهم الكتاب" يريد اليهود والنصارى الذين عرفوا وعاندوا وقد تقدم معناه في البقرة والذين في موضع رفع بالابتداء " يعرفونه " في موضع الخبر أي يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن وقتادة وهو قول الزجاج . وقيل: يعود على الكتاب أي يعرفونه على ما يدل عليه أي على الصفة التي هو بها دلالته على صحة أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم " الذين خسروا أنفسهم " في موضع النعت ،ويجوز أن يكون مبتدأ وخبر " فهم لا يؤمنون " .
يقول تعالى مخبراً: أنه مالك الضر والنفع, وأنه المتصرف في خلقه بما يشاء, لا معقب لحكمه, ولا راد لقضائه, "وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير" كقوله تعالى: "ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده" الاية, وفي الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول "اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت, ولا ينفع ذا الجد منك الجد" ولهذا قال تعالى "وهو القاهر فوق عباده" أي وهو الذي خضعت له الرقاب, وذلت له الجبابرة, وعنت له الوجوه, وقهر كل شيء, ودانت له الخلائق, وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه, وعظمته وعلوه, وقدرته على الأشياء, واستكانت وتضاءلت بين يديه, وتحت قهره وحكمه, "وهو الحكيم" أي في جميع أفعاله "الخبير" بمواضع الأشياء ومحالها, فلا يعطي إلا من يستحق, ولا يمنح إلا من يستحق, ثم قال "قل أي شيء أكبر شهادة" أي من أعظم الأشياء شهادة "قل الله شهيد بيني وبينكم" أي هو العالم بما جئتكم به, وما أنتم قائلون لي, " وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ " أي وهو نذير لكل من بلغه, كقوله تعالى: "ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده" قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا وكيع وأبو أسامة, وأبو خالد, عن موسى بن عبيدة, عن محمد بن كعب, في قوله: "ومن بلغ" من بلغه القرآن, فكأنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم, زاد أبو خالد وكلمه, ورواه ابن جرير من طريق أبي معشر: عن محمد بن كعب, قال: من بلغه القرآن, فقد أبلغه محمد صلى الله عليه وسلم, وقال عبد الرزاق: عن معمر عن قتادة, في قوله تعالى: "لأنذركم به ومن بلغ" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "بلغوا عن الله فمن بلغته آية من كتاب الله, فقد بلغه أمر الله " وقال الربيع بن أنس: حق على من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم, أن يدعو كالذي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأن ينذر بالذي أنذر, وقوله " أإنكم لتشهدون " أيها المشركون "أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد" كقوله "فإن شهدوا فلا تشهد معهم" "قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون" ثم قال تعالى مخبراً عن أهل الكتاب: أنهم يعرفون هذا الذي جئتهم به, كما يعرفون أبناءهم بما عندهم من الأخبار والأنباء, عن المرسلين المتقدمين والأنبياء, فإن الرسل كلهم بشروا بوجود محمد صلى الله عليه وسلم ونعته وصفته, وبلده ومهاجره وصفة أمته, ولهذا قال بعده "الذين خسروا أنفسهم" أي خسروا كل الخسارة "فهم لا يؤمنون" بهذا الأمر الجلي الظاهر الذي بشرت به الأنبياء ونوهت به في قديم الزمان وحديثه ثم قال "ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته" أي لا أظلم ممن تقول على الله, فادعى أن الله أرسله, ولم يكن أرسله, ثم لا أظلم ممن كذب بآيات الله, وحججه وبراهينه ودلالاته, "إنه لا يفلح الظالمون" أي لا يفلح هذا ولا هذا, لا المفتري ولا المكذب .
قوله: 20- "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" الكتاب للجنس فيشمل التوراة والإنجيل وغيرهما: أي يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال به جماعة من السلف، وإليه ذهب الزجاج، وقيل إن الضمير يرجع إلى الكتاب: أي يعرفونه معرفة محققة بحيث لا يلتبس عليهم منه شيء، و "كما يعرفون أبناءهم" بيان لتحقق تلك المعرفة وكمالها وعدم وجود شك فيها، فإن معرفة الآباء للأبناء هي البالغة إلى غاية الإتقان إجمالاً وتفصيلاً. قوله: "الذين خسروا أنفسهم" في محل رفع على الابتداء، وخبره "فهم لا يؤمنون" ودخول الفاء في الخبر لتضمن المبتدأ معنى الشرط: وقيل إن الموصول خبر مبتدأ محذوف، وقيل هو نعت للموصول الأول. وعلى الوجهين الأخيرين يكون "فهم لا يؤمنون" معطوفاً على جملة "الذين آتيناهم الكتاب". والمعنى على الوجه الأول أن الكفار الخاسرين لأنفسهم بعنادهم وتمردهم لا يؤمنون بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الوجهين الأخيرين أن أولئك الذين آتاهم الله الكتاب هم الذين خسروا أنفسهم بسبب ما وقعوا فيه من البعد عن الحق وعدم العمل بالمعرفة التي ثبتت لهم فهم لا يؤمنون.
20- قوله عز وجل: " الذين آتيناهم الكتاب "، يعني: التوراة والإنجيل، " يعرفونه "، يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم بنعته وصفته، " كما يعرفون أبناءهم "، من بين الصبيان." الذين خسروا أنفسهم "، غبنوا أنفسهم " فهم لا يؤمنون "، وذلك أن الله جعل لكل آدمي منزلاً في الجنة ومنزلاً في النار، وإذا كان يوم القيامة جعل الله للمؤمنين منازل أهل النار في الجنة، ولأهل النار منازل أهل الجنة في النار،وذلك الخسران .
20- " الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه " يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم بحليته المذكورة في التوراة والإنجيل. " كما يعرفون أبناءهم " بحلاهم . " الذين خسروا أنفسهم " من أهل الكتاب والمشركين . " فهم لا يؤمنون " لتضييعهم ما به يكتسب الإيمان.
20. Those unto whom We gave the Scripture recognize (this Revelation) as they recognize their sons. Those who ruin their own souls will not believe.
20 - Those to whom we have given the book know this as they know their own sons. those who have lost their own souls refuse therefore to believe.