[الأنعام : 163] لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ
163 - (لا شريك له) في ذلك (وبذلك) أي التوحيد (أمرت وأنا أول المسلمين) من هذه الأمة
وأما قوله : " وأنا أول المسلمين " ، فإن :
محمد بن عبد الأعلى حدثنا قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : " وأنا أول المسلمين " ، قال : أول المسلمين من هذه الأمة .
قوله تعالى: "لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين".
يقول تعالى آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين أن يخبر بما أنعم به عليه من الهداية إلى صراطه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف "ديناً قيماً" أي قائماً ثابتاً "ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين" كقوله " ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه " وقوله "وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم" وقوله " إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين * شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم * وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين * ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين " وليس يلزم من كونه صلى الله عليه وسلم أمر باتباع ملة إبراهيم الحنيفية, أن يكون إبراهيم أكمل منه فيها لأنه عليه السلام قام بها قياماً عظيماً وأكملت له إكمالاً تاماً لم يسبقه أحد إلى هذا الكمال, ولهذا كان خاتم الأنبياء وسيد ولد آدم على الإطلاق, وصاحب المقام المحمود الذي يرغب إليه الخلق حتى الخليل عليه السلام .
وقد قال ابن مردويه: حدثنا محمد بن عبد الله بن حفص, حدثنا أحمد بن عصام, حدثنا أبو داود الطيالسي, حدثنا شعبة أنبأنا سلمة بن كهيل, سمعت ذر بن عبد الله الهمداني يحدث عن ابن أبزى عن أبيه, قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال "أصبحنا على ملة الإسلام وكلمة الإخلاص ودين نبينا محمد وملة أبينا إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين" وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد أخبرنا محمد بن إسحاق, عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأديان أحب إلى الله تعالى ؟ قال "الحنيفية السمحة" وقال أحمد أيضاً: حدثنا سليمان بن داود, حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذقني على منكبه, لأنظر إلى زفن الحبشة حتى كنت التي مللت فانصرفت عنه. قال عبد الرحمن عن أبيه قال: قال لي عروة إن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ "لتعلم يهود أن في ديننا فسحة, إني أرسلت بحنيفية سمحة", أصل الحديث مخرج في الصحيحين والزيادة لها شواهد من طرق عدة, وقد استقصيت طرقها في شرح البخاري ولله الحمد والمنة, وقوله تعالى "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين" يأمره تعالى أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله ويذبحون لغير اسمه أنه مخالف لهم في ذلك, فإن صلاته لله ونسكه على اسمه وحده لا شريك له, وهذا كقوله تعالى "فصل لربك وانحر" أي أخلص له صلاتك وذبحك, فإن المشركين كانوا يعبدون الأصنام ويذبحون لها, فأمره الله تعالى بمخالفتهم والانحراف عما هم فيه والإقبال بالقصد والنية والعزم على الإخلاص لله تعالى, قال مجاهد في قوله "إن صلاتي ونسكي" النسك الذبح في الحج والعمرة, وقال الثوري عن السدي عن سعيد بن جبير "ونسكي" قال ذبحي, وكذا قال السدي والضحاك.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عوف, حدثنا أحمد بن خالد الذهبي, حدثنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن عباس عن جابر بن عبد الله قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد النحر بكبشين وقال حين ذبحهما "وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين" وقوله عز وجل "وأنا أول المسلمين" قال قتادة: أي من هذه الأمة, وهو كما قال فإن جميع الأنبياء قبله كلهم كانت دعوتهم إلى الإسلام, وأصله عبادة الله وحده لا شريك له كما قال "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" وقد أخبرنا تعالى عن نوح أنه قال لقومه "فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين" وقال تعالى " ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين * إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين * ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون " وقال يوسف عليه السلام " رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين " وقال موسى "يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين * فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين * ونجنا برحمتك من القوم الكافرين" وقال تعالى "إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار" الاية, وقال تعالى " وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون " فأخبر تعالى أنه بعث رسله بالإسلام, ولكنهم متفاوتون فيه بحسب شرائعهم الخاصة التي ينسخ بعضها بعضاً, إلى أن نسخت بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم التي لا تنسخ أبد الابدين, ولا تزال قائمة منصورة وأعلامها منشورة إلى قيام الساعة, ولهذا قال عليه السلام "نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد" فإن أولاد العلات هم الإخوة من أب واحد وأمهات شتى, فالدين واحد وهو عبادة الله وحده لا شريك له وإن تنوعت الشرائع التي هي بمنزلة الأمهات, كما أن إخوة الأخياف عكس هذا بنو الأم الواحدة من آباء شتى, والإخوة الأعيان الأشقاء من أب واحد وأم واحدة. والله أعلم.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد, حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الماجشون, حدثنا عبد الله بن الفضل الهاشمي, عن الأعرج, عن عبيد الله بن أبي رافع, عن علي رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر استفتح ثم قال: "وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين, إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين", "اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت, أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعاً لا يغفر الذنوب إلا أنت, واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت, واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت, تباركت وتعاليت, أستغفرك وأتوب إليك" ثم ذكر تمام الحديث فيما يقوله في الركوع والسجود والتشهد وقد رواه مسلم في صحيحه.
والإشارة 163- "بذلك" إلى ما أفاده " لله رب العالمين * لا شريك له " من الإخلاص في الطاعة وجعلها لله وحده. قوله: "وأنا أول المسلمين" أي أول مسلمي أمته، وقيل: أول المسلمين أجمعين، لأنه وإن كان متأخراً في الرسالة فهو أولهم في الخلق، ومنه قوله تعالى: "وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح" الآية، والأول أولى. قال ابن جرير الطبري: استدل بهذه الآية الشافعي على مشروعية افتتاح الصلاة بهذا الذكر، فإن الله أمر به نبيه وأنزله في كتابه، ثم ذكر حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة قال: "وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين" إلى قوله: "وأنا أول المسلمين" قلت: هذا هو في صحيح مسلم مطولاً، وهو أحد التوجهات الواردة، ولكنه مقيد بصلاة الليل كما في الروايات الصحيحة، وأصح التوجهات الذي كان يلازمه النبي صلى الله عليه وسلم ويرشد إليه هو: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي" إلى آخره، وقد أوضحنا هذا في شرحنا للمنتقى بما لا يحتاج إلى زيادة عليه هنا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله: "إن صلاتي" قال: يعني المفروضة "ونسكي" يعني الحج. وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير "ونسكي" قال: ذبيحتي. وأخرجا أيضاً عن قتادة "إن صلاتي ونسكي" قال: حجي وذبيحتي. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: "ونسكي" قال: ذبيحتي في الحج والعمرة. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "ونسكي" قال: ضحيتي. وفي قوله: "وأنا أول المسلمين" قال: من هذه الأمة. وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا فاطمة قومي فاشهدي أضحيتك فإنه يغفر لك بأول قطرة تقطر من دمها كل ذنب عملته، وقولي إن صلاتي إلى وأنا أول المسلمين، قلت يا رسول الله: هذا لك ولأهل بيتك خاصة، فأهل ذلك أنتم أم للمسلمين عامة؟ قال:لا بل للمسلمين عامة".
163- قوله تعالى: " لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين "، قال قتادة : وأنا أول المسلمين من هذه الأمة.
163-" لا شريك له " خالصة له لا أشرك فيها غيرا " وبذلك " القول أو الإخلاص " أمرت وأنا أول المسلمين " لأن إسلام كل نبي متقدم على إسلام أمته .
163. He hath no partner. This am I commanded, and I am first of those who surrender (unto Him).
163 - No partner hath he: this am I commanded, and I am the first of those who bow to his will.