[الأنعام : 154] ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ
154 - (ثم آتينا موسى الكتاب) التوراة وثم لترتيب الأخبار (تماما) للنعمة (على الذي أحسن) بالقيام به (وتفصيلا) بيانا (لكل شيء) يحتاج إليه في الدين (وهدى ورحمة لعلهم) أي بني إسرائيل (بلقاء ربهم) بالبعث (يؤمنون)
قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " ثم آتينا موسى الكتاب " ، ثم قل بعد ذلك يا محمد: آتى ربك موسى الكتاب ، فترك ذكر قل ، إذ كان قد تقدم في أول القصة ما يدل على أنه مراد فيها، وذلك قوله " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم " ، فقص ما حرم عليهم وأحل ، ثم قال : ثم قل : " آتينا موسى" ، فحذف قل لدلالة قوله قل عليه ، وأنه مراد في الكلام . وإنما قلنا: ذلك مراد في الكلام ، لأن محمدا صلى الله عليه وسلم لا شك أنه بعث بعد موسى بدهر طويل ، وأنه إنما أمر بتلاوة هذه الآيات على من أمر بتلاوتها عليه بعد مبعثه . ومعلوم أن موسى أوتي الكتاب من قبل أمر الله محمدا بتلاوة هذه الآيات على من أمر بتلاوتها عليه . و ثم ، في كلام العرب ، حرف يدل على أن ما بعده من الكلام والخبر، بعد الذي قبلها. ثم اختلف أهل التاويل في معنى قوله : " تماما على الذي أحسن " . فقال بعضهم : معناه : تماما على المحسنين .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبوحذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبى نجيح ، عن مجاهد " تماما على الذي أحسن " ، المؤمنين والمحسنين .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " تماما على الذي أحسن " ، المؤمنين والمحسنين .
وكان مجاهداً وجه تأويل الكلام ومعناه إلى أن الله جل ثناؤه أخبر عن موسى أنه اتاه الكتاب فضيلة على ما آتى المحسنين من عباده .
فإن قال قائل : فكيف جاز أن يقال : " على الذي أحسن " ، فيوحد الذي ، والتأويل على الذين أحسنوا ؟ قيل : إن العرب تفعل ذلك خاصة في الذي وفي الألف واللام ، إذا أرادت به الكل والجميع ، كما قال جل ثناؤه : " والعصر * إن الإنسان لفي خسر" ، وكما قالوا : كثر الدرهم في أيدي الناس .
وقد ذكر عن عبد الله بن مسعود : أنه كان يقرأ ذلك : تماما على الذين أحسنوا، وذلك من قراءته كذلك ، يؤيد قول مجاهد . وإذا كان المعنى كذلك ، كان قوله : " أحسن " ، فعلا ماضيأ، فيكون نصبه لذلك . وقد يجوز أن يكون أحسن في موضع خفض ، غير أنه نصب إذ كان أفعل ، و أفعل ، لا يجري في كلامها. فإن قيل : فبأي شيء خفض ؟
قيل : ردا على الذي ، إذ لم يظهر له ما يرفعه ، فيكون تاويل الكلام حينئذ: ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي هو أحسن ، ثم حذف هو ، وجاور " أحسن " " الذي" ، فعرب بتعريبه ، إذ كان كالمعرفة ، من أجل أن الألف واللام لا يدخلانه ، و " الذي " مثله ، كما تقول العرب : مررت بالذي خير منك ، وشر منك ، كما قال الراجز:
إن الزبيري الذي مثل الحلم مسى بأسلا بكم أهل العلم
فاتبع مثل الذي ، في الإعراب .
ومن قال ذلك ، لم يقل مررت : بالذي عالم ، لأن عالما نكرة، و الذي معرفة، ولا تتبع نكرة معرفة . وقال اخرون : معنى ذلك : " تماما على الذي أحسن " ، موسى، فيما امتحنه الله به في الدنيا من أمره ونهيه.
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحق قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن " ، فيما أعطاه الله .
حدثني محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : " ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن " ، قال : من أحسن في الدنيا، تمم الله له ذلك في الاخرة .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن " ، يقول : من أحسن في الدنيا، تمت عليه كرامة الله في الآخرة.
وعلى هذا التأويل الذي تأوله الربيع ، يكون " أحسن " ، نصبا، لأنه فعل ماض ، و " الذي " بمعنى ما، وكان الكلام حينئذ: ثم اتينا موسى الكتاب تماما على ما أحسن موسى، أي : آتيناه الكتاب لأتمم له كرامتي في الاخرة، تماما على إحسانه في الدنيا في عبادة الله والقيام بما كلفه به من طاعته . وقال آخرون في ذلك : معناه : ثم آتينا موسى الكتاب تماما على إحسان الله إلى أنبيائه وأياديه عندهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن " ، قال : تماما من الله لاحسانه الذي أحسن إليهم وهداهم للإسلام ، وآتاهم ذلك الكتاب تماماً، لنعمته عليهم واحسانه . و " أحسن " على هذا التأويل أيضا، في موضع نصب ، على أنه فعل ماض ، و االذي على هذا القول والقول الذي قاله الربيع ، بمعنى : ما، . وذكر عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأ ذلك : تماما على الذي أحسن رفعا، بتأويل على الذى هو أحسن .
حدثني بذلك أحمد بن يوسف قال ، حدثنا القاسم بن سلام قال ، حدثنا الحجاج ، عن هرون ، عن أبي عمروبن العلاء ، عن يحيى بن يعمر .
قال أبو جعفر : وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها، لان كان لها في العربية وجه صحيح ، لخلافها ما عليه الحجة مجمعة من قرأة الأمصار.
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب ، قول من قال معناه : ثم اتينا موسى الكتاب تماما لنعمنا عنده ، على الذي أحسن موسى في قيامه بأمرنا ونهينا، لأن ذلك أظهر معانيه في الكلام ، وأن إيتاء موسى كتابه نعمة من الله عليه ومنة عظيمة. فاخبر جل ثناؤه أنه أنعم بذلك عليه لما سلف له من صالح عمل وحسن طاعة.
ولو كان التأويل على ما قاله ابن زيد ، كان الكلام : ثم اتينا موسى الكتاب تماماً على الذي أحسنا، أو: ثم آتى الله موسى الكتاب تماما على الذي أحسن . وفي وصفه جل ثناؤه نفسه بإيتائه الكتاب ، ثم صرفه الخبر بقوله : أحسن إلى غير المخبر عن نفسه بقرب ما بين الخبرين ، الدليل الواضح على أن القول غير القول الذي قاله ابن زيد .
وأما ما ذكر عن مجاهد من توجيهه " الذي " إلى معنى الجميع ، فلا دليل في الكلام يدل على صحة ما قال من ذلك ، بل ظاهر الكلام بالذي اخترنا من القول أشبه . وإذا تنوزع في تاويل الكلام ، كان أولى معانيه به أغلبه على الظاهر، إلآ أن يكون من العقل أو الخبر دليل واضح على أنه معني به غير ذلك .
وأما قوله : " وتفصيلا لكل شيء " ، فإنه يعني : وتبييناً لكل شيء من أمر الدين الذي أمروا به .
فتأويل الكلام إذا: ثم آتينا موسى التوراة تماما لنعمنا عنده وأيادينا قبله ، تتم به كرامتنا عليه على إحسانه وطاعته ربه وقيامه بما كلفه من شرائع دينه ، وتبيينا لكل ما بقومه وأتباعه إليه الحاجة من أمر دينهم ، كما : حدثني بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وتفصيلا لكل شيء " ، فيه حلاله وحرامه .
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره : اتينا موسى الكتاب تماما وتفصيلا لكل شيء ، " وهدى" ، يعني بقوله : " وهدى" ، تقويما لهم على الطريق المستقيم ، وبيانا لهم سبل الرشاد لئلا يضلوا، " ورحمة" ، يقول : ورحمة منا بهم ورأفة، لننجيهم من الضلالة وعمى الحيرة .
وأما قوله : " لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون " ، فإنه يعني : إيتائي موسى الكتاب تماما لكرامة الله موسى، على إحسان موسى، وتفصيلا لشرائع دينه ، وهدى لمن اتبعه ، ورحمة لمن كان منهم ضالأ لينجيه الله به من الضلالة، وليؤمن بلقاء ربه إذا سمع مواعظ الله التي وعظ بها خلقه فيه ، فيرتدع عما هوعليه مقيم من الكفر به ، وبلقائه بعد مماته ، فيطيع ربه ، ويصدق بما جاءه به نبيه موسى صلى الله عليه وسلم .
قوله تعالى: "ثم آتينا موسى الكتاب" مفعولان. "تماماً" مفعول من أجله أو مصدر. "على الذي أحسن" قرئ بالنصب والرفع. فمن رفع- وهي قراءة يحيى بن يعمر و ابن أبي إسحاق- فعلى تقدير: تماماً على الذي هو أحسن. قال المهدوي: وفيه بعد من أجل حذف المبتدأ العائد على الذي. وحكى سيبويه عن الخليل أنه سمع ما أنا بالذي قائل لك شيئاً. ومن نصب فعلى أنه فعل ماض داخل في الصلة، هذا قول البصريين. وأجاز الكسائي والفراء أن يكون اسماً نعتاً للذي. وأجازا مررت بالذي أخيك ينعتان الذي بالمعرفة وما قاربها. قال النحاس: وهذا محال عند البصريين، لأنه نعت للاسم قبل أن يتم، والمعنى عندهم: على المحسن. قال مجاهد: تماماً على المحسن المؤمن. وقال الحسن في معنى قوله: "تماماً على" كان فيهم محسن وغير محسن، فأنزل الله الكتاب تماماً على المحسنين. والدليل على صحة هذا القول أن ابن مسعود قرأ: تماماً على الذين أحسنوا وقيل: المعنى أعطينا موسى التوراة زيادة على ما كان يحسنه موسى مما كان علمه الله قبل نزول التوراة عليه. قال محمد بن يزيد: فالمعنى تماماً على الذي أحسن أي تماماً على الذي أحسنه الله عز وجل إلى موسى عليه السلام من الرسالة وغيرها. وقال عبد الله بن زيد معناه على إحسان الله تعالى إلى أنبيائه عليهم السلام [من الرسالة وغيرها]. وقال الربيع بن أنس: تماماً على إحسان موسى من طاعته لله عز وجل وقاله الفراء. ثم قيل: ثم يدل على أن الثاني بعد الأول، وقصة موسى صلى الله عليه وسلم وإتيانه الكتاب قبل هذا، فقيل: ثم بمعنى الواو، أي آتينا موسى الكتاب، لأنهما حرفا عطف. وقيل: تقدير الكلام ثم كنا قد آتينا موسى الكتاب قبل إنزالنا القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: المعنى قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم، ثم أتل ما آتينا موسى تماماً. "وتفصيلا" عطف عليه. وكذا "وهدى ورحمة".
قال ابن جرير: "ثم آتينا موسى الكتاب" تقديره ثم قل يا محمد مخبراً عنا أنا آتينا موسى الكتاب, بدلالة قوله "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم" قلت: وفي هذا نظر, وثم ههنا إنما هي لعطف الخبر بعد الخبر لا للترتيب ههنا كما قال الشاعر:
قل لمن ساد ثم ساد أبوه ثم قد ساد قبل ذلك جده
وههنا لما أخبر الله سبحانه عن القرآن بقوله "وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه" عطف بمدح التوراة ورسولها, فقال: ثم آتينا موسى الكتاب, وكثيراً ما يقرن سبحانه بين ذكر القرآن والتوراة, كقوله تعالى: "ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة وهذا كتاب مصدق لساناً عربياً" وقوله أول هذه السورة "قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً" الاية, وبعدها "وهذا كتاب أنزلناه مبارك" الاية.
وقال تعالى مخبراً عن المشركين "فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى" قال تعالى: " أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون " وقال تعالى مخبراً عن الجن أنهم قالوا "يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق" الاية, وقوله تعالى: " تماما على الذي أحسن وتفصيلا " أي آتيناه الكتاب الذي أنزلناه إليه تماماً كاملاً جامعاً, لما يحتاج إليه في شريعته كقوله "وكتبنا له في الألواح من كل شيء" الاية, وقوله تعالى: "على الذي أحسن" أي جزاء على إحسانه في العمل وقيامه بأوامرنا وطاعتنا كقوله "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان" وكقوله "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً" وكقوله "وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون".
وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس "ثم آتينا موسى الكتاب تماماً على الذي أحسن" يقول أحسن فيما أعطاه الله. وقال قتادة من أحسن في الدنيا تمم له ذلك في الاخرة, واختار ابن جرير أن تقديره "ثم آتينا موسى الكتاب تماماً" على إحسانه فكأنه جعل الذي مصدرية كما قيل في قوله تعالى: "وخضتم كالذي خاضوا" أي كخوضهم وقال ابن رواحة:
وثبت الله ما آتاك من حسن في المرسلين ونصراً كالذي نصروا
وقال آخرون: الذي ههنا بمعنى الذين, قال ابن جرير: وذكر عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرؤها تماماً على الذين أحسنوا, وقال ابن أبي نجيح: عن مجاهد تماماً على الذي أحسن, قال على المؤمنين والمحسنين, وكذا قال أبو عبيدة وقال البغوي المحسنون الأنبياء والمؤمنون, يعني أظهرنا فضله عليهم قلت: كقوله تعالى "قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي" ولا يلزم اصطفاؤه على محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والخليل عليهما السلام لأدلة أخرى.
قال ابن جرير وروى أبو عمرو بن العلاء عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرؤها تماماً على الذي أحسن رفعاً بتأويل على الذي هو أحسن ثم قال وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها وإن كان لها في العربية وجه صحيح, وقيل: معناه تماماً على إحسان الله إليه زيادة على ما أحسن إليه حكاه ابن جرير والبغوي ولا منافاة بينه وبين القول الأول, وبه جمع ابن جرير كما بيناه, ولله الحمد. وقوله تعالى: "وتفصيلاً لكل شيء وهدى ورحمة" فيه مدح لكتابه الذي أنزله الله عليه " لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون * وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون " فيه الدعوة إلى اتباع القرآن يرغب سبحانه عباده في كتابه ويأمرهم بتدبره والعمل به والدعوة إليه ووصفه بالبركة لمن اتبعه وعمل به في الدنيا والاخرة لأنه حبل الله المتين .
هذا الكلام مسوق لتقرير التوصية التي وصى الله عباده بها، وقد استشكل العطف بثم مع كون قصة موسى وإيتائه الكتاب قبل المعطوف عليه، وهو ما تقدم من قوله: "ذلكم وصاكم به" فقيل: إن ثم هاهنا بمعنى الواو، وقيل تقدير الكلام: ثم كنا قد آتينا موسى الكتاب قبل إنزالنا القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل المعنى: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم، ثم أتل إيتاء موسى الكتاب، وقيل: إن التوصية المعطوف عليها قديمة لم يزل كل نبي يوصي بها أمته، وقيل: إن ثم للتراخي في الإخبار كما تقول: بلغني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت بالأمس أعجب. قوله: 154- "تماماً" مفعول لأجله أو مصدر، و "على الذي أحسن" قرئ بالرفع وهي قراءة يحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق، فيكون رفع أحسن على تقدير مبتدأ: أي على الذي هو أحسن، ومنه ما حكى سيبويه عن الخليل أنه سمع: ما أنا بالذي قائل لك شيئاً. وقرأ الباقون بالنصب على أنه فعل ماض عند البصريين، وأجاز الفراء والكسائي أن يكون اسماً نعتاً للذي، وهذا محال عند البصريين لأنه نعت للاسم قبل أن يتم، والمعنى عندهم تماماً على من أحسن قبوله والقيام به كائناً من كان، ويؤيد هذا أن ابن مسعود قرأ: (تماماً على الذين أحسنوا) وقال الحسن: كان فيهم محسن وغير محسن، فأنزل الله الكتاب تماماً على المحسنين، وقيل المعنى: أعطينا موسى التوراة زيادة على ما كان يحسنه موسى مما علمه الله قبل نزول التوراة عليه، وقيل المعنى: تماماً على الذي أحسن به الله عز وجل إلى موسى من الرسالة وغيرها، وقيل: تماماً على إحسان موسى بطاعة الله عز وجل قاله الفراء. قوله: "وتفصيلاً لكل شيء" معطوف على تماماً: أي ولأجل تفصيل كل شيء وكذا "هدى ورحمة" معطوفتان عليه: أي وللهدى والرحمة، والضمير في لعلهم راجع إلى بني إسرائيل المدلول عليه بذكر موسى، والباء في "بلقاء" متعلقة بيؤمنون.
154- " ثم آتينا موسى الكتاب "، فإن قيل: لم قال: (ثم آتينا) وحرف (ثم) للتعقيب وإيتاء موسى الكتاب كان قبل مجيء القرآن ؟ قيل: معناه ثم أخبركم أنا آتينا موسى الكتاب، فدخل (ثم) لتأخير الخبر لا لتأخير النزول.
" تماماً على الذي أحسن "، اختلفوا فيه، قيل: تماماً على المحسنين من قومه، فتكون (الذي ) بمعنى من، أي: على من أحسن من قومه، وكان بينهم محسن ومسيء، يدل عليه قراءة ابن مسعود: ( على الذين احسنوا )، وقال أبو عبيدة: معناه على كل من أحسن، أي: أتممنا فضيلة موسى بالكتاب على المحسنين، يعني: أظهرنا فضله عليهم، والمحسنون هم الأنبياء والمؤمنون، وقيل: ( الذي أحسن ) هو موسى، و( الذي )بمعنى ما، أي: على ما أحسن موسى، تقديره: آتيناه الكتاب، يعني التوراة، إتماماً عليه للنعمة، لإحسانه في الطاعة والعبادة، وتبليغ الرسالة وأداء الأمر .
وقيل الإحسان بمعنى العلم ، وأحسن بمعنى علم، ومعناه: تماماً على الذي أحسن موسى من العلم والحكمة، أي آتيناه الكتاب زيادة على ذلك .
وقيل معناه تماماً مني على إحساني إلى موسى.
" وتفصيلاً "، بياناً " لكل شيء "، يحتاج إليه من شرائع الدين، " وهدىً ورحمةً "، هذا في صفة التوراة، " لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون "، قال ابن عباس: كي يؤمنوا بالبعث ويصدقوا بالثواب والعقاب.
154" ثم آتينا موسى الكتاب " عطف على "وصاكم " وثم للتراخي في الإخبار أو للتفاوت في الرتبة كأنه قيل ، ذلكم وصاكم به قديما وحديثا ثم أعظم من ذلك " ولقد آتينا موسى الكتاب " " تماماً " للكرامة والنعمة " على الذي أحسن " على كل من أحسن القيام به ، ويؤيده إن قرئ على الذين أحسنوا أو على الذي أحسن تبليغه وهو موسى عليه الصلاة والسلام ، أو تماما على ما أحسنه أي أجاده من العلم والتشريع أي زيادة على علمه إتماما له وقرئ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي على الذي هو أحسن أو على الوجه الذي هو حسن ما يكون عليه الكتب " وتفصيلا لكل شيء " وبيانا مفصلا لكل ما يحتاج إليه في الدين ، وهو عطف على تمام ونصبهما يحتمل العلة والحال والمصدر " وهدى ورحمة لعلهم " لعل بني إسرائيل " بلقاء ربهم يؤمنون " أي بلقائه للجزاء .
154. Again, We gave the Scripture unto Moses, complete for him who would do good, an explanation of all things, a guidance and a mercy, that they might believe in the meeting with their Lord.
154 - Moreover, we gave Moses the book, completing (our favour) to those who would do right, and explaining all things in detail, and a guide and a mercy, that they might believe in the meeting with their lord.