[الأنعام : 153] وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
153 - (وأنَّ) بالفتح على تقدير اللام والكسر استئنافا (هذا) الذي وصيتكم به (صراطي مستقيما) حال (فاتبعوه ولا تتبعوا السبل) الطرق المخالفة له (فتفرق) فيه حذف إحدى التاءين تميل (بكم عن سبيله) دينه (ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وهذا الذي وصاكم به ربكم ، أيها الناس ، في هاتين الأيتين من قوله : " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم " ، وأمركم بالوفاء به ، هو صراطه ، يعني : طريقه ودينه الذي ارتضاه لعباده ، " مستقيما" ، يعني : قويما لا اعوجاج به عن الحق ، " فاتبعوه " ، يقول : فاعملوا به ، واجعلوه لأنفسكم منهاجاً تسلكونه ، فاتبعوه ، " ولا تتبعوا السبل " ، يقول : ولا تسلكوا طريقا سواه ، ولا تركبوا منهجاً غيره ، ولا تبغوا ديناً خلافه ، من اليهودية والنصراينة والمجوسية وعبادة الأوثان ، وغير ذلك من الملل ، فإنها بدع وضلالات ، " فتفرق بكم عن سبيله " ، يقول ، فيشتت بكم ، إن اتبعتم السبل المحدثة التي ليست لله بسبل ولا طرق ولا أديان ، اتباعكم إياها، " عن سبيله " ، يعني : عن طريقه ودينه الذي شرعه لكم وارتضاه ، وهو الإسلام الذي وصى به الأنبياء، وأمر به الأمم قبلكم ، " ذلكم وصاكم به " ، يقول تعالى ذكره : هذا الذي وصاكم به ربكم من قوله لكم : " أن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل " ، وصاكم به " لعلكم تتقون " ، يقول : لتتقوا الله في أنفسكم فلا تهلكوها، وتحذروا ربكم فيها فلا تسخطوه عليها، فيحل بكم نقمته وعذابه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التاويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله " ، قال : البدع والشبهات
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة ، عن شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قاله .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيج ، عن مجاهد : " ولا تتبعوا السبل " ، البدع والشبهات .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثنا معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله " وقوله : " أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه " : ونحو هذا في القرآن . قال : أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله " ، يقول : لا تتبعوا الضلالات
حدثني المثنى قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا حماد ، عن عاصم ، عن أبي وإئل ، عن عبد الله قال ة خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خطاً فقال : هذا سبيل الله . ثم خط عن يمين ذلك الخط وعن شماله خطوطاً فقال : هذه سبل ، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها. ثم قرأ هذه الاية: " وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله " .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله " ، قال : " سبيله " ، الإسلام ، و صراطه ، الإسلام . نهاهم أن يتبعوا السبل سواه ، " فتفرق بكم عن سبيله " ، عن الإسلام .
حدثني محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن أبان : أن رجل قال لابن مسعود : ما الصراط المستقيم ؟ قال : تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه ، وطرفه في الجنة، وعن يمينه جواد وعن يساره جواد وثم رجال يدعون من مر بهم . فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة . ثم قرأ ابن مسعود : " وأن هذا صراطي مستقيما" ، الأية.
قال أبو جعفر : واختلفت القرأة في قراءة قوله : " وأن هذا صراطي مستقيما" .
فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة والبصرة وبعض الكوفيين : " وأن " بفتح الألف من أن ، وتشديد النون ، ردا على قوله : " أن لا تشركوا به شيئا " ، بمعنى : " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا " ، " أن هذا صراطي مستقيما" . وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين : ط ن بكسر الألف من أن وتشديد النون منها ، على الابتدإء وانقطاعها عن الأول ، إذ كان الكلام قد انتهى بالخبر عن الوصية التي أوصى الله بها عباده دونه ، عندهم .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي ، أنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار وعوام المسلمين ، صحيح معنياهما، فباقي القراءتين قرأ القارىء فهو مصيب الحق في قراءته .
وذلك أن الله تعالى ذكره قد أمر باتباع سبيله ، كما أمر عباده الأنبياء وإن أدخل ذلك مدخل فيما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين : " تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم " ، وما أمركم به ، ففتح على ذلك أن ، فمصيب ، لان كسرها، إذ كانت التلاوة قولا، وإن كان بغير لفظ القول لبعدها من قوله : لإ أتلإ ، وهو يريد إعمال ذلك فيه ، فمصيب ، وإن كسرها بمعنى ابتداء وانقطاع عن الأول و التلأوة وأن ما امر النبي صلى الله عليه وسلم بتلاوته على من أمر بتلاوة ذلك عليهم قد انتهى دون ذلك ، فمصيب .
وقد قرأ ذلك عبد الله بن أبي إسحق البصري : وأن بفتح الألف من أن وتخفيف النون ! منها ، بمعنى : " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا " ، وأن هذا صراطي ، فخففها، إذ كانت أن في قوله : " أن لا تشركوا به شيئا " ، مخففة، وكانت أن من قوله : " وأن هذا صراطي " ، معطوفة عليها، فجعلها نظيرة ماعطفت عليه . وذلك وإن كان مذهبا، فلا أحب القراءة به ، لشذوذها عن قراءة قرأة الأمصار، وخلاف ما هم عليه في أمصارهم .
الرابعة عشرة- قوله تعالى: "وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه" هذه آية عظيمة عطفها على ما تقدم، فإنه لما نهى وأمر حذر هنا عن اتباع غير سبيله، فأمر فيها باتباع طريقه على ما نبينه بالأحاديث الصحيحة وأقاويل السلف. وأن في موضع نصب، أي وأتل أن هذا صراطي، عن الفراء والكسائي. قال الفراء: ويجوز أن يكون خفضاً، أي وصاكم به وبأن هذا صراطي. وتقديرها عند الخليل وسيبويه: ولأن هذا صراطي، كما قال: "وأن المساجد لله" [الجن: 18] وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي وإن هذا بكسر الهمزة على الاستئناف، أي الذي ذكر في هذه الآيات صراطي مستقيماً. وقرأ ابن أبي إسحاق ويعقوب وأن هذا بالتخفيف. والمخففة مثل المشددة، إلا أن فيه ضمير القصة والشأن، أي وأنه هذا. فهي في موضع رفع. ويجوز النصب. ويجوز أن تكون زائدة للتوكيد، كما قال عز وجل: "فلما أن جاء البشير" [يوسف: 96] والصراط: الطريق الذي هو دين الإسلام. "مستقيماً" نصب على الحال، ومعناه مستوياً قويماً لا اعوجاج فيه. فأمر باتباع طريقه الذي طرقه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وشرعه ونهايته الجنة. وتشعبت منه طرق فمن سلك الجادة نجا، ومن خرج إلى تلك الطرق أفضت به إلى النار. قال الله تعالى: "ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله" أي تميل. روى الدارمي أبو محمد في مسنده بإسناد صحيح: أخبرنا عفان حدثنا حماد بن زيد حدثنا عاصم بن بهدلة عن أبي وائل "عن عبد الله بن مسعود قال:
خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً خطاً، ثم قال: هذا سبيل الله ثم خط خطوطاً عن يمينه وخطوطاً عن يساره ثم قال هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعوا إليها ثم قرأ هذه الآية". وأخرجه ابن ماجة في سننه "عن جابر بن عبد الله قال:
كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فخط خطاً، وخط خطين عن يمينه، وخط خطين عن يساره، ثم وضع يده في الخط الأوسط فقال: هذا سبيل الله -ثم تلا هذه الآية-" "وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله" وهذه السبل تعم اليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر أهل الملل وأهل البدع والضلالات من أهل الأهواء والشذوذ في الفروع، وغير ذلك من أهل التعمق في الجدل والخوض في الكلام. هذه كلها عرضة للزلل، ومظنة لسوء المعتقد، قاله ابن عطية.
قلت: وهو الصحيح. ذكر الطبري في كتاب آداب النفوس: حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن أبان أن رجلاً قال لابن مسعود: ما الصراط المستقيم؟ قال: تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه وطرفه في الجنة، وعن يمينه جواد وعن يساره جواد، وثم رجال يدعون من مر بهم فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة، ثم قرأ ابن مسعود: "وأن هذا صراطي مستقيما" الآية. وقال عبد الله بن مسعود: تعلموا العلم قبل أن يقبض، وقبضه أن يذهب أهله، ألا وإياكم والتنطع والتعمق والبدع، وعليكم بالعتيق. أخرجه الدارمي. وقال مجاهد في قوله: "ولا تتبعوا السبل" قال: البدع. قال ابن شهاب: وهذا كقوله تعالى: "إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا" [الأنعام: 159] الآية. فالهرب الهرب، والنجاة النجاة! والتمسك بالطريق المستقيم والسنن القويم، الذي سلكه السلف الصالح، وفيه المتجر الرابح. روى الأئمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما أمرتكم به فخذوه وما نهيتكم عنه فانتهوا" وروى ابن ماجة وغيره "عن العرباض بن سارية قال:
وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله، إن هذه لموعظة مودع، فما تعهد إلينا؟ فقال: قد تركتم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم والأمور المحدثات فإن كل بدعة ضلالة وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد" أخرجه الترمذي بمعناه وصححه وروى أبو داود قال حدثنا ابن كثير قال أخبرنا سفيان قال: كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر، فكتب إليه: أما بعد، فإني أوصيك بتقوى اله والاقتصاد في أمره واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك ما أحدث المحدثون بعدما جرت به سنته، وكفوا مؤونته، فعليك بلزوم الجماعة فإنها لك بإذن الله عصمة، ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إلا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها أو عبرة فيها، فإن السنة إنما سنها من قد علم ما في خلافها من الخطأ والزلل، والحمق والتعمق، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم، فإنهم على علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، وإنهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أولى، فإن كان الهدى ما أنتم عليه فقد سبقتموهم إليه، ولئن قلتم إنما حدث بعدهم فما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم ورغب بنفسه عنهم، فإنهم هم السابقون، قد تكلموا فيه بما يكفي ووصفوا ما يشفي، فما دونهم من مقصر، وما فوقهم من مجسر، وقد قصر قوم دونهم فجفوا، وطمح عنهم أقوام فعلوا وإنهم مع ذلك لعلى هدىً مستقيم. وذكر الحديث. وقال سهل بن عبد الله الستري عليكم بالاقتداء بالأثر والسنة، فإني أخاف أنه سيأتي عن قليل زمان إذا ذكر إنسان النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به في جميع أحواله ذموه ونفروا عنه وتبرءوا منه وأذلوه وأهانوه. قال سهل: إنما ظهرت البدعة على يدي أهل السنة لأنهم ظاهروهم وقاولوهم، فظهرت أقاويلهم وفشت في العامة فسمعه من لم يكن يسمعه، فلو تركوهم ولم يكلموهم لمات كل واحد منهم على ما في صدره ولم يظهر منه شيء وحمله معه إلى قبره، وقال سهل: لا يحدث أحدكم بدعة حتى يحدث له إبليس عبادة فيتعبد بها ثم يحدث له بدعة، فإذا نطق بالبدعة ودعا الناس إليها نزع منه تلك الخذمة. قال سهل: لا أعلم حديثاً جاء في المبتدعة أشد من هذا الحديث:
"حجب الله الجنة عن صاحب البدعة" قال: فاليهودي والنصراني أرجى منهم. قال سهل: من أراد أن يكرم دينه فلا يدخل على السلطان، ولا يخلون بالنسوان، ولا يخاصمن أهل الأهواء. وقال أيضاً: اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم. وفي مسند الدارمي: أن أبا موسى الأشعري جاء إلى عبد الله بن مسعود فقال: يا أبا عبد الرحمن، إني رأيت في المسجد آنفاً شيئاً أنكرته ولم أر والحمد لله إلا خيراً! قال: فما هو؟ قال: إن عشت فستراه، قال: رأيت في المسجد قوماً حلقاً جلوساً ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى فيقول لهم: كبروا مائة، فيكبرون مائة. فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة. ويقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة. قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئاً، انتظار رأيك وانتظار أمرك. قال أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم ألا يضيع من حسناتهم. ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن، حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح. قال: فعدوا سيئاتكم وأنا ضامن لكم ألا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد! ما أسرع هلكتكم. أو مفتتحي باب ضلالة! قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن، ما أردنا إلا الخير. فقال: وكم من مريد للخير لن يصيبه. وعن عمر بن عبد العزيز وسأله رجل عن شيء من أهل الأهواء والبدع، فقال: عليك بدين الأعراب والغلام في الكتاب، واله عما سوى ذلك. وقال الأوزاعي: قال إبليس لأوليائه من أي شيء تأتون بني أدم؟ فقالوا: من كل شيء. قال: فهل تأتونهم من قبل الاستغفار؟ قالوا: هيهات! ذلك شيء قرن بالتوحيد. قال: لأبثن فيهم شيئاً لا يستغفرون الله منه. قال: فبث فيهم الأهواء. وقال مجاهد: ولا أدري أي النعمتين علي أعظم أن هداني للإسلام، أو عافاني من هذه الأهواء. وقال الشعبي: إنما سموا أصحاب الأهواء لأنهم يهوون في النار. كله عن الدارمي. وسئل سهل بن عبد الله عن الصلاة خلف المعتزلة والنكاح منهم وتزويجهم فقال: لا، ولا كرامة! هم كفار، كيف يؤمن من يقول: القرآن مخلوق، ولا جنة مخلوقة ولا نار مخلوقة، ولا لله صراط ولا شفاعة، ولا أحد من المؤمنين يدخل النار ولا يخرج من النار من مذنبي أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولا عذاب القبر ولا منكر ولا نكير، ولا رؤية لربنا في الآخرة ولا زيادة، وأن علم الله مخلوق، ولا يرون السلطان ولا جمعة، ويكفرون من يؤمن بهذا. وقال الفضيل بن عياض: من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله، وأخرج نور الإسلام من قلبه. وقد تقدم هذا من كلامه وزيادة. وقال سفيان الثوري: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها. وقال ابن عباس: النظر إلى الرجل من أهل السنة يدعو إلى السنة وينهى عن البدعة، عبادة. وقال أبو العالية: عليكم بالأمر الأول الذي كانوا عليه قبل أن يفترقوا. قال عاصم الأحول: فحدثت به الحسن فقال: قد نصحك والله وصدقك. وقد مضى في آل عمران معنى قوله عليه السلام:
"تفرقت بنو إسرائيل على ثنتين وسبعين فرقة وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين". الحديث. وقد قال بعض العلماء العارفين: هذه الفرقة التي زادت في فرق أمة محمد صلى الله عليه وسلم هم قوم يعادون العلماء ويبغضون الفقهاء، ولم يكن ذلك قط في الأمم السالفة. وقد روى رافع بن خديج أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"يكون في أمتي قوم يكفرون بالله وبالقرآن وهم لا يشعرون كما كفرت اليهود والنصارى. قال فقلت: جعلت فداك يا رسول الله! كيف ذاك؟ قال: يقرون ببعض ويكفرون ببعض. قال قلت: جعلت فداك يا رسول الله! وكيف يقولون؟ قال: يجعلون إبليس عدلاً لله في خلقه وقوته ورزقه ويقولون الخير من الله والشر من إبليس. قال فيكفرون بالله ثم يقرءون على كتاب الله، فيكفرون بالقرآن بعد الإيمان والمعرفة؟ قال: فما تلقى أمتي منهم من العداوة والبغضاء والجدال أولئك زنادقة هذه الأمة". وذكر الحديث. ومضى في النساء وهذه السورة النهي عن مجالسة أهل البدع والأهواء، وأن من جالسهم حكمه حكمهم فقال: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا" [الأنعام: 68] الآية. ثم بين في سورة النساء وهي مدنية عقوبة من فعل ذلك وخالف ما أمر الله به فقال: "وقد نزل عليكم في الكتاب" [النساء: 14] الآية. فألحق من جالسهم بهم. وقد ذهب إلى هذا جماعة من أئمة هذه الأمة وحكم بموجب هذه الآيات في مجلس أهل البدع على المعاشرة والمخالطة منهم أحمد بن حنبل والأوزاعي وابن المبارك فإنهم قالوا في رجل شأنه مجالسة أهل البدع قالوا: ينهى عن مجالستهم، فإن انتهى وإلا ألحق بهم، يعنون في الحكم. وقد حمل عمر بن عبد العزيز الحد على مجالس شربة الخمر، وتلا "إنكم إذا مثلهم" [النساء: 140]. قيل له: فإنه يقول إني أجالسهم لأباينهم وأرد عليهم قال ينهى عن مجالستهم، فإن لم ينته ألحق بهم.
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله "ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله" وفي قوله "أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه" ونحو هذا في القرآن, قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والتفرقة, وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله ونحو هذا, قاله مجاهد وغير واحد.
وقال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا الأسود بن عامر شاذان, حدثنا أبو بكر هو ابن عياش, عن عاصم هو ابن أبي النجود, عن أبي وائل, عن عبد الله هو ابن مسعود رضي الله عنه: قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً بيده, ثم قال "هذا سبيل الله مستقيماً" وخط عن يمينه وشماله ثم قال "هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه" , ثم قرأ "وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله", وكذا رواه الحاكم عن الأصم عن أحمد بن عبد الجبار عن أبي بكر بن عياش به, وقال: صحيح ولم يخرجاه, وهكذا رواه أبو جعفر الرازي وورقاء وعمرو بن أبي قيس, عن عاصم عن أبي وائل شقيق سلمة عن ابن مسعود مرفوعاً به نحوه, وكذا رواه يزيد بن هارون ومسدد والنسائي, عن يحيى بن حبيب بن عربي وابن حبان من حديث ابن وهب, أربعتهم عن حماد بن زيد عن عاصم عن أبي وائل عن ابن مسعود به, وكذا رواه ابن جرير عن المثنى عن الحماني عن حماد بن زيد به, ورواه الحاكم عن أبي بكر بن إسحاق عن إسماعيل بن إسحاق القاضي عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد به كذلك, وقال: صحيح ولم يخرجاه. وقد روى هذا الحديث النسائي والحاكم من حديث أحمد بن عبد الله بن يونس, عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود به مرفوعاً, وكذا رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه من حديث يحيى الحماني عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عن زر به, فقد صححه الحاكم كما رأيت من الطريقين, ولعل هذا الحديث عن عاصم بن أبي النجود عن زر وعن أبي وائل شقيق بن سلمة, كلاهما عن ابن مسعود به والله أعلم.
وقال الحاكم: وشاهد هذا الحديث حديث الشعبي, عن جابر من وجه غير معتمد, يشير إلى الحديث الذي قال الإمام أحمد وعبد بن حميد واللفظ لأحمد: حدثنا عبد الله بن محمد وهو أبو بكر بن أبي شيبة, أنبأنا أبو خالد الأحمر عن مجاهد عن الشعبي عن جابر, قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فخط خطا هكذا أمامه فقال "هذا سبيل الله" وخطين عن يمينه وخطين عن شماله وقال "هذه سبل الشيطان" ثم وضع يده في الخط الأوسط, ثم تلا هذه الاية "وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون" ورواه أحمد وابن ماجه: في كتاب السنة من سننه, والبزار عن أبي سعيد عبد الله بن سعيد عن أبي خالد الأحمر به, قلت: ورواه الحافظ بن مردويه من طريقين عن أبي سعيد الكندي, حدثنا أبو خالد عن مجالد عن الشعبي عن جابر, قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً, وخط عن يمينه خطاً وخط عن يساره خطاً, ووضع يده على الخط الأوسط, وتلا هذه الاية "وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه" ولكن العمدة على حديث ابن مسعود مع ما فيه من الاختلاف إن كان مؤثراً, وقد روي موقوفاً عليه, قال ابن جرير: حدثنا محمد بن عبد الأعلى, حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن أبان عن عثمان, أن رجلاً قال لابن مسعود ما الصراط المستقيم ؟ قال: تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه وطرفه في الجنة, وعن يمينه جواد وعن يساره جواد ثم رجال يدعون من مر بهم, فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة, ثم قرأ ابن مسعود "وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله" الاية, وقال ابن مردويه: حدثنا أبو عمرو, حدثنا محمد بن عبد الوهاب, حدثنا آدم, حدثنا إسماعيل بن عياش, حدثنا أبان بن عياش عن مسلم بن عمران عن عبد الله بن عمر, سأل عبد الله عن الصراط المستقيم فقال ابن مسعود: تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه وطرفه في الجنة, وذكر تمام الحديث كما تقدم والله أعلم.
وقد روي من حديث النواس بن سمعان نحوه, قال الإمام أحمد: حدثني الحسن بن سوار أبو العلاء, حدثنا ليث يعني ابن سعد عن معاوية بن صالح, أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير حدثه عن أبيه عن النواس بن سمعان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً, وعن جنبي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة, وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى باب الصراط داع يدعو: يا أيها الناس هلموا ادخلوا الصراط المستقيم جميعاً ولا تفرقوا وداع يدعو من فوق الصراط فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب قال ويحك لا تفتحه فإنك إن فتحته تلجه فالصراط الإسلام والسوران حدود الله والأبواب المفتحة محارم الله, وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله, والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم" ورواه الترمذي والنسائي عن علي بن حجر, زاد النسائي وعمرو بن عثمان كلاهما عن بقية بن الوليد عن يحيى بن سعد عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن النواس بن سمعان به, وقال الترمذي: حسن غريب.
وقوله تعالى: "فاتبعوه ولا تتبعوا السبل" إنما وحد سبيله لأن الحق واحد, ولهذا جمع السبل لتفرقها وتشعبها كما قال تعالى: "الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان الواسطي, حدثنا يزيد بن هارون, حدثنا سفيان بن حسين عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني عن عبادة بن الصامت, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أيكم يبايعني على هؤلاء الايات الثلاث ؟" ثم تلا "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم" حتى فرغ من ثلاث آيات ثم قال "ومن وفى بهن فأجره على الله, ومن انتقص منهن شيئاً فأدركه الله في الدنيا كانت عقوبته ومن أخره إلى الاخرة كان أمره إلى الله إن شاء آخذه وإن شاء عفا عنه".
قوله: 153- "وأن هذا صراطي مستقيماً" أن في موضع نصب: أي واتل أن هذا صراطي قاله الفراء والكسائي. قال الفراء: ويجوز أن يكون خفضاً: أي وصاكم به، وبأن هذا. وقال الخليل وسيبويه: إن التقدير ولأن هذا صراطي مستقيماً كما في قوله سبحانه: "وأن المساجد لله". وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي: " وأن هذا " بكسر الهمزة على الاستئناف، والتقدير: الذي ذكر في هذه الآيات صراطي. وقرأ ابن أبي إسحاق ويعقوب " وأن هذا صراطي " بالتخفيف على تقدير ضمير الشأن. وقرأ الأعمش " هذا صراطي " وفي مصحف عبد الله بن مسعود (وهذا صراط ربكم) وفي مصحف أبي (وهذا صراط ربك) والصراط: الطريق، وهو طريق دين الإسلام، ونصب مستقيماً على الحال، والمستقيم المستوى الذي لا اعوجاج فيه، ثم أمرهم باتباعه ونهاهم عن اتباع سائر السبل: الأديان المتباينة طرقها "فتفرق بكم" أي تميل بكم "عن سبيله" أي عن سبيل الله المستقيم الذي هو دين الإسلام. قال ابن عطية: وهذه السبل تعم اليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر أهل الملل وأهل البدع والضلالات من أهل الأهواء والشذوذ في الفروع وغير ذلك من أهل التعمق في الجدل والخوض في الكلام، هذه كلها عرضة للزلل ومظنة لسوء المعتقد، والإشارة بـ "ذلكم" إلى ما تقدم وهو مبتدأ وخبره "وصاكم به" أي أكد عليكم الوصية به "لعلكم تتقون" ما نهاكم عنه.
وقد أخرج الترمذي وحسنه وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيكم يبايعني على هؤلاء الآيات الثلاث؟ ثم تلا "قل تعالوا" إلى ثلاث آيات، ثم قال: فمن وفى بهن فأجره على الله ومن انتقص منهن شيئاً فأدركه الله في الدنيا كانت عقوبته، ومن أخره إلى الآخرة كان أمره إلى الله إن شاء آخذه وإن شاء عفا عنه". وأخرج ابن أبي شيبة وابن الضريس وابن المنذر عن كعب الأحبار قال: أول ما أنزل في التوراة عشر آيات، وهي العشر التي أنزلت من آخر الأنعام "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم" إلى آخرها. وأخرج أبو الشيخ عن عبيد الله بن عبد الله بن عدي بن الخيار قال: سمع كعب رجلاً يقرأ " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا " فقال كعب: والذي نفس كعب بيده إنها لأول آية في التوراة: بسم الله الرحمن الرحيم "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم" إلى آخر الآيات انتهى. قلت: هي الوصايا العشر التي في التوراة، وأولها أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية لا يكن لك إله آخر غيري. ومنها: أكرم أباك وأمك ليطول عمرك في الأرض التي يعطيك الرب إلهك، لا تقتل، لا تزن، لا تسرق، لا تشهد على قريبك شهادة زور، لا تشته بيت قريبك، ولا تشته امرأة قريبك ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئاً مما لقريبك فلعل مراد كعب الأحبار هذا، ولليهود بهذه الوصايا عناية عظيمة وقد كتبها أهل الزبور في آخر زبورهم، وأهل الإنجيل في أول إنجيلهم. وهي مكتوبة في لوحين، وقد تركنا منها ما يتعلق بالسبت. وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة "ولا تقتلوا أولادكم من إملاق" قال: من خشية الفاقة، قال: وكان أهل الجاهلية يقتل أحدهم ابنته مخافة الفاقة عليها والسبي "ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن" قال: سرها وعلانيتها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس "ولا تقتلوا أولادكم من إملاق" قال: خشية الفقر "ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن" قال: كانوا في الجاهلية لا يرون بالزنا بأساً في السر ويستقبحونه في العلانية فحرم الله الزنا في السر والعلانية. وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: "وأن هذا صراطي مستقيماً" قال: اعلموا أن السبيل سبيل واحد جماعة الهدى ومصيره الجنة، وأن إبليس اشترع سبلاً متفرقة جماعة الضلالة ومصيرها النار. وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبزار والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن مسعود قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً بيده ثم قال: هذا سبيل الله مستقيماً، ثم خط خطوطاً عن يمين ذلك الخط وعن شماله ثم قال: وهذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: "وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله". وأخرج أحمد وابن ماجه وابن مردويه من حديث جابر نحوه. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن مردويه عن ابن مسعود أن رجلاً سأله: ما الصراط المستقيم؟ قال: تركنا محمداً صلى الله عليه وسلم في أدناه وطرفه الجنة، وعن يمينه جواد وعن شماله جواد، وثم رجال يدعون من مر بهم، فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار، ومن أخذ على الصراط المستقيم انتهى به إلى الجنة، ثم قرأ ابن مسعود: "وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه" الآية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس "ولا تتبعوا السبل" قال: الضلالات.
153- " وأن هذا "، أي: هذا الذي وصيتكم به في هاتين الآيتين، " صراطي "، طريقي وديني، " مستقيماً "، مستوياً، قويماً، " فاتبعوه"، قرأ حمزة و الكسائي و (إن) بكسر الألف على الاستئناف، وقرأ الآخرون: بفتح الألف، قال الفراء : والمعنى وأتل عليكم أن هذا صراطي مستقيماً. وقرأ ابن عامر و يعقوب : بسكون النون. " ولا تتبعوا السبل "، أي: الطرق المختلفة التي عدا هذا الطريق، مثل اليهودية والنصرانية وسائر الملل، وقيل: الأهواء والبدع، " فتفرق "، فتميل، " بكم "، وتشتت، " عن سبيله "، عن طريقة ودينه الذي ارتضى، وبه أوصى، " ذلكم "، الذي ذكرت، " وصاكم به لعلكم تتقون ".
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الصمد الترابي المعروف بـ أبي بكر بن أبي الهيثم أنا الحاكم أبو الفضل محمد بن الحسين الحدادي ثنا أبو يزيد محمد بن يحيى بن خالد ثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن عبد الله قال:" خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً ثم قال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله، وقال: هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ: " وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه " الآية".

153" وأن هذا صراطي مستقيما " الإشارة فيه إلى ما ذكر في السورة فإنها بأسرها في إثبات التوحيد والنبوة وبيان الشريعة . وقرأ حمزة والكسائي " إن " بالكسر على الاستئناف ، وابن عامر و يعقوب بالفتح والتخفيف . وقرأ الباقون بها مشددة بتقدير اللام على أنه علة لقوله " فاتبعوه " وقرأ ابن عامر " صراطي " بفتح الياء ، وقرئ وهذا صراطي وهذا صراط ربك " ولا تتبعوا السبل " الأديان المختلفة أو الطرق التابعة للهوى ، فإن مقتضى الحجة واحد ومقتضى الهوى متعدد لاختلاف الطبائع والعادات " فتفرق بكم " فتفرقكم وتزيلكم " عن سبيله " الذي هو اتباع الوحي واقتفاء البرهان " ذلكم " الاتباع " وصاكم به لعلكم تتقون " الضلال والتفرق عن الحق .
153. And (He commandeth you, saying) : This is My straight path, so follow it Follow not other ways, lest ye be parted from His way: This hath He ordained for you, that ye may ward off (evil).
153 - Verily, this is my way, leading straight: follow it: follow not (other) paths: they will scatter you about from his (great) path: thus doth he command you, that ye may be righteous.