[الأنعام : 125] فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ
125 - (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) بأن يقذف في قلبه نورا فينفسح له ويقبله كما ورد في حديث (ومن يرد) الله (أن يضله يجعل صدره ضيْقا) بالتخفيف والتشديد عن قبوله (حرِجا) شديد الضيق بكسر الراء صفة وفتحها مصدر وصف فيه مبالغة (كأنما يصَّعد) وفي قراءة {يصَّاعد} وفيهما إدغام التاء في الأصل في الصاد وفي أخرى بسكونها (في السماء) إذا كلف الإيمان لشدته عليه (كذلك) الجعل (يجعل الله الرجس) العذاب أو الشيطان أي يسلطه (على الذين لا يؤمنون)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فمن يرد الله أن يهديه للإيمان به وبرسوله وما جاء به من عند ربه، فيوفقه له، "يشرح صدره للإسلام"، يقول: فسح صدره لذلك وهونه عليه، وسهله له، بلطفه ومعونته، حتى يستنير الإسلام في قلبه، فيضيء له، ويتسع له صدره بالقبول، كالذي جاء الأثر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي:
حدثنا سوار بن عبد الله العنبري قال، حدثنا المعتمر بن سليمان قال، سمعت أبي يحدث، عن عبد الله بن مرة، عن أبي جعفر قال: لما نزلت هذه الآية: "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام"، قالوا: كيف يشرح الصدر؟ قال: إذا نزل النور في القلب انشرح له الصدر وانفسح. قالوا: فهل لذلك آية يعرف بها؟ قال: نعم، الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الموت.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن عمرو بن قيس، عن عمرو بن مرة، عن أبي جعفر قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي المؤمنين أكيس؟ قال: أكثرهم للموت ذكراً، وأحسنهم لما بعده استعداداً. قال: وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام"، قالوا: كيف يشرح صدره، يا رسول الله؟ قال: نور يقذف فيه، فينشرح له وينفسح. قالوا : فهل لذلك من أمارة يعرف بها؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الموت.
حدثنا هناد قال، حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن عمرو بن مرة، عن رجل يكنى أبا جعفر، كان يسكن المدائن قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله: "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام"، قال: نور يقذف في القلب فينشرح وينفسح. قالوا: يا رسول الله، هل له من أمارة يعرف بها؟ ثم ذكر باقي الحديث مثله. حدثني هلال بن العلاء قال، حدثنا سعيد بن عبد الملك بن واقد الحراني قال، حدثنا محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية: "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام"، قال: إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح. قالوا: فهل لذلك من أمارة يعرف بها؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود، والتنحي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الموت.
حدثني سعيد بن الربيع الرازي قال، حدثنا سفيان بن عيينة، عن خالد بن أبي كريمة، عن عبد الله بن المسور قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح . قالوا : يا رسول الله ، وهل لذلك من علامة تعرف؟ قال: نعم، الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزول الموت.
حدثني ابن سنان القزاز قال، حدثنا محبوب بن الحسن الهاشمي، عن يونس، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن مسعود، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام"، قالوا: يا رسول الله، وكيف يشرح صدره ؟ قال : يدخل فيه النور فينفسح . قالوا : وهل لذلك من علامة يا رسول الله ؟ قال : التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل أن ينزل الموت .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام"، أما يشرح صدره للإسلام ، فيوسع صدره للإسلام.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام"، بلا إله إلا الله.
حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد بن نصر قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن جريج قراءة : "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام"، بلا إله إلا الله ، يجعل لها في صدره متسعاً.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره : ومن أراد الله إضلاله عن سبيل الهدى، يشغله بكفره وصده عن سبيله ، ويجعل صدره بخذلانه وغلبة الكفر عليه ، حرجاً.
والحرج، أشد الضيق ، وهو الذي لا ينفذه ، من شدة ضيقه ، وهو ههنا الصدر الذي لا تصل إليه الموعظة، ولا يدخله نور الإيمان ، لرين الشرك عليه . وأصله من الحرج ، و الحرج جمع حرجة، وهي الشجرة الملتف بها الأشجار، لا يدخل بينها وبينها شيء لشدة التفافها بها، كما:
حدثني المثنى قال ، حدثنا الحجاج بن المنهال قال ، حدثنا هشيم قال ، حدثنا عبد الله بن عمار- رجل من أهل اليمن - عن أبي الصلت الثقفي : أن عمربن الخطاب رحمة الله عليه قرأ هذه الآية: "ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا"، بنصب الراء. قال: وقرأ بعض من عنده من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضيقاً حرجاً. قال صفوان : فقال عمر: ابغوني رجلاً من كنانة، واجعلوه راعياً، وليكن مدلجيا. قال : فأتوه به . فقال له عمر: يا فتى، ما الحرجة؟ قال : الحرجة فينا، الشجرة تكون بين الأشجار التي لا يصل إليها راعية ولا وحشية ولا شيء . قال : فقال عمر: كذلك قلب المنافق ، لا يصل إليه شيء من الخير.
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا"، يقول : من أراد الله أن يضله يضيق عليه صدره حتى يجعل الإسلام عليه ضيقاً. والإسلام واسع. وذلك حين يقول: "وما جعل عليكم في الدين من حرج "، [الحج : 78 ] ، يقول : ما جعل عليكم في الإسلام من ضيق.
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم معناه : شاكاً.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا عمران بن موسى قال ، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال ، حدثنا حميد، عن مجاهد: "ضيقا حرجا"، قال: شاكاً.
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "ضيقا حرجا" ، أما "حرجا" ، فشاكا.
وقال آخرون : معناه : ملتبسا.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة : "يجعل صدره ضيقا حرجا"، قال : ضيقاً ملتبساً.
حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن الحسن ، عن قتادة أنه كان يقرأ: "ضيقا حرجا"، يقول : ملتبساً.
وقال آخرون : معناه : أنه من شدة الضيق لا يصل إليه الإيمان.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير: "يجعل صدره ضيقا حرجا"، قال : لا يجد مسلكاً إلا صعداً.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن عطاء الخراساني : "ضيقا حرجا"، قال : ليس للخير فيه منفذ.
حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد بن نصر قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر، عن عطاء الخراساني ، مثله.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : "ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا"، بلا إله إلا الله، لا يجد لها في صدره مساغاً.
حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد بن نصر قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن جريج قراءة في قوله : "ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا"، بلا إله إلا الله، حتى لا تستطيع أن تدخله.
واختلفت القرأة في ذلك.
فقرأه بعضهم : "ضيقا حرجا"، بفتح الحاء والراء من "حرجا"، وهي قراءة عامة المكيين والعراقيين ، بمعنى جمع حرجة، على ما وصفت.
وقرأ ذلك عامة قرأة المدينة: ضيقاً حرجاً ، بفتح الحاء وكسر الراء.
ثم اختلف الذين قرأوا ذلك في معناه.
فقال بعضهم: هو بمعن : الحرج . وقالوا : الحرج بفتح الحاء والراء، والحرج بفتح الحاء وكسر الراء ، بمعنى واحد ، وهما لغتان مشهورتان ، مثل : الدنف و الدنف، و الوحد و الوحد ، والفرد والفرد.
وقال آخرون منهم : بل هو بمعنى الإثم ، من قولهم : فلان آثم حرج، وذكر عن العرب سماعاً منها: حرج عليك ظلمي ، بمعنى ضيق وإثم.
قال أبو جعفر: والقول عندي في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان، ولغتان مستفيضتان بمعنى واحد، و بآيتهما قرأ القارىء فهو مصيب، لاتفاق معنييهما . وذلك كما ذكرنا من الروايات عن العرب في الوحد و الفرد بفتح الحاء من الوحد والراء من الفرد، وكسرهما، بمعنى واحد.
وأما الضيق، فإن عامة القرأة على فتح ضاده وتشديد يائه، خلا بعض المكيين فإنه قرأه : ضيقاً، بفتح الضاد وتسكين الياء، وتخفيفه.
وقد يتجه لتسكينه ذلك وجهان : أحدهما: أن يكون سكنه وهو ينوي معنى التحريك والتشديد، كما قيل : هين لين ، بمعنى : هين لين.
والآخر: أن يكون سكنه بنية المصدر، من قولهم : ضاق هذا الأمر يضيق ضيقاً، كما قال رؤبة:
قد علمنا عند كل مأزق ضيق بوجه الأمر أو مضيق
ومنه قول الله : "ولا تك في ضيق مما يمكرون" [النحل : 27]. وقال رؤبة أيضاً: وشفها اللوح بمأزول ضيق
بمعنى ضيق. وحكي عن الكسائي أنه كان يقول : الضيق ، بالكسر في المعاش والموضع ، وفي ا لأمر الضيق.
قال أبو جعفر: وفي هذه الآية أبين البيان لمن وفق لفهمها، عن أن السبب الذي به يوصل إلى الإيمان والطاعة، غير السبب الذي به يوصل إلى الكفر والمعصية، وأن كل السببين من عند الله. وذلك أن الله جل ثناؤه أخبر عن نفسه أنه يشرح صدر من أراد هدايته للإسلام، ويجعل صدر من أراد إضلاله ضيقاً عن الإسلام حرجاً كأنما يصعد في السماء. ومعلوم أن شرح الصدر للإيمان خلاف تضييقه له ، وأنه لو كان يوصل بتضييق الصدر عن الإيمان إليه ، لم يكن بين تضييقه عنه وبين شرحه له فرق ، ولكان من ضيق صدره عن الإيمان ، قد شرح صدره له ، ومن شرح صدره له ، فقد ضيق عنه ، إذ كان موصولاً بكل واحد منهما- أعني من التضييق والشرح - إلى ما يوصل به إلى الآخر. ولو كان ذلك كذلك ، وجب إن يكون الله قد كان شرح صدر أبي جهل للإيمان به ، وضيق صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه . وهذا القول من أعظم الكفر بالله. وفي فساد ذلك أن يكون كذلك ، الدليل الواضح على أن السبب الذي به آمن المؤمنون بالله ورسله ، وأطاعه المطيعون ، غير السبب الذي كفر به الكافرون بالله وعصاه العاصون ، وأن كلا السببين من عند الله وبيده ، لأنه أخبر جل ثناؤه أنه هو الذي يشرح صدر هذا المؤمن به للإيمان إذا أراد هدايته ، وبضيق صدر هذا الكافر عنه إذا أراد ضلاله.
قال أبو جعفر: وهذا مثل من الله تعالى ذكره ، ضربه لقلب هذا الكافر في شدة تضييقه إياه عن وصوله إليه ، مثل امتناعه من الصعود إلى السماء وعجزه عنه ، لأن ذلك ليس في وسعه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن عطاء الخراساني : "كأنما يصعد في السماء"، يقول : مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد في السماء.
حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر، عن عطاء الخراساني ، مثله.
وبه قال ، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج قراءة : "يجعل صدره ضيقا حرجا"، بلا إله إلا الله، حتى لا تستطيع أن تدخله، "كأنما يصعد في السماء"، من شدة ذلك عليه.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج، مثله.
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط، عن السدي : "كأنما يصعد في السماء"، من ضيق صدره.
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة أهل المدينة والعراق : "كأنما يصعد"، بمعنى : يتصعد، فأدغموا التاء في الصاد ، فلذلك شددوا الصاد.
وقرأ ذلك بعض الكوفيين: يصاعد، بمعنى، يتصاعد، فأدغم التاء في الصاد، وجعلها صاد مشددة.
وقرأ ذلك بعض قرأة المكيين: "كأنما يصعد"، من صعد يصعد.
وكل هذه القراءات متقاربات المعاني ، وبأيها قرأ القارىء فهو مصيب ، غير أني أختار القراءة في ذلك بقراءة من قرأه : "كأنما يصعد"، بتشديد الصاد بغير ألف ، بمعنى : يتصعد، لكثرة القرأة بها، ولقيل عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ما تصعدني شيء ما تصعدتني خطبة النكاح.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره : كما يجعل الله صدر من أراد إضلاله ضيقاً حرجاً، كأنما يصعد في السماء من ضيقه عن الإيمان فيجزيه بذلك ، كذلك يسلط الله الشيطان عليه وعلى أمثاله ممن أبى الإيمان بالله ورسوله ، فيغويه ويصده عن سبيل الحق.
وقد اختلف أهل التأويل في معنى "الرجس".
فقال بعضهم : هو كل ما لا خير فهي.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمر وقال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : "الرجس"، ما لا خير فيه.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون"، قال: ما لا خير فيه.
وقال آخرون : "الرجس"، العذاب.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد: "كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون"، قال : الرجس عذاب الله.
وقال آخرون: الرجس، الشيطان.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "الرجس"، قال: الشيطان.
وكان بعض أهل المعرفة بلغات العرب من الكوفيين يقول: "الرجس"، والنجس لغتان.ويحكى عن العرب أنها تقول : ما كان رجساً، ولقد رجس رجاسة، و نجس نجاسة.
وكان بعض نحويي البصريين يقول: الرجس و الرجز، سواء، وهما العذاب.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي ما قاله ابن عباس ، ومن قال إن "الرجس" والنجس، واحد، للخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا دخل الخلاء : اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم.
حدثني بذلك عبد الرحمن بن البختري الطائي قال ، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن إسماعيل بن مسلم ، عن الحسن وقتادة، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد بين هذا الخبر أن "الرجس" هو النجس، القذر الذي لا خير فيه، وأنه من صفة الشيطان.
قوله تعالى: "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام" أي يوسعه له، ويوفقه ويزين عنده ثوابه. ويقال: شرح شق، وأصله التوسعة. وشرح الله صدره وسعه بالبيان لذلك. وشرحت الأمر: بينته وأوضحته. وكانت قريش تشرح النساء شرحاً، وهو مما تقدم: من التوسعة والبسط، وهو وطء المرأة مستلقيةً على قفاها. فالشرح: الكشف، تقول: شرحت الغامض، ومنه تشريح اللحم. قال الراجز:
كم قد أكلت كبداً وإنفحه ثم ادخرت إليةً مشرحه
والقطعة منه شريحة. وكل سمين من اللحم ممتد فهو شريحة. "ومن يرد أن يضله" يغويه "يجعل صدره ضيقا حرجا" وهذا رد على القدرية. ونظير هذه الآية من السنة قوله عليه السلام:
"من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" أخرجه الصحيحان. ولا يكون ذلك إلا بشرح الصدر وتنويره. والدين العبادات، كما قال: "إن الدين عند الله الإسلام" [آل عمران: 19]. ودليل خطابه أن من لم يرد الله به خيراً ضيق صدره، وأبعد فهمه فلم يفقهه. والله أعلم. وروي "أن عبد الله بن مسعود قال:
يا رسول الله، وهل ينشرح الصدر؟ فقال: نعم يدخل القلب نور فقال: وهل لذلك من علامة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزول الموت". وقرأ ابن كثير ضيقاً بالتخفيف، مثل هين ولين لغتان. ونافع وأبو بكر حرجاً بالكسر، ومعناه الضيق. كرر المعنى، وحسن ذلك لاختلاف اللفظ. والباقون بالفتح. جمع حرجة، وهو شدة الضيق أيضاً، والحرجة الغيضة، والجمع حرج وحرجات. ومنه فلان يتحرج أي يضيق على نفسه في تركه هواه للمعاصي، قاله الهروي. وقال ابن عباس: الحرج موضع الشجر الملتف، فكأن قلب الكافر لا تصل إليه الحكمة كما لا تصل الراعية إلى الموضع الذي التف شجره. وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا المعنى، ذكره مكي والثعلبي وغيرهما. وكل ضيق حرج وحرج. قال الجوهري: مكان حرج وحرج أي ضيق كثير الشجر لا تصل إليه الراعية. وقرئ "يجعل صدره ضيقا حرجا" وحرجاً. وهو بمنزلة الوحد والوحد والفرد والفرد والدنف والدنف، في معنىً واحد، وحكاه غيره عن الفراء. وقد حرج صدره يحرج حرجاً. والحرج الإثم. والحرج أيضاً: الناقة الضامرة. ويقال: الطويلة على وجه الأرض، عن أبي زيد، فهو لفظ مشترك. والحرج: خشب يشد بعضه إلى بعض يحمل فيه الموتى، عن الأصمعي. وهو قول امرئ القيس:
فإما تريني في رحالة جابر على حرج كالقر تخفق أكفاني
وربما وضع فوق نعش النساء، قال عنترة يصف ظليماً:
يتبعن قلة رأسه وكأنه حرج على نعش لهن مخيم
وقال الزجاج: الحرج: أضيق الضيق. فإذا قيل: فلان حرج الصدر، فالمعنى ذو حرج في صدره. فإذا قيل: حرج فهو فاعل. قال النحاس: حرج اسم الفاعل، وحرج مصدر وصف به، كما يقال: رجل عدل ورضاً.
قوله تعالى: "كأنما يصعد في السماء" قرأه ابن كثير بإسكان الصاد مخففاً، من الصعود وهو الطلوع. شبه الله الكافر في نفوره من الإيمان وثقله عليه بمنزلة من تكلف ما لا يطيقه، كما أن صعود السماء لا يطاق. وكذلك يصاعد وأصله يتصاعد، أدغمت التاء في الصاد، وهي قراءة أبي بكر و النخعي، إلا أن فيه معنى فعل شيء بعد شيء، وذلك أثقل على فاعله. وقرأ الباقون بالتشديد من غير ألف، وهو كالذي قبله. معناه يتكلف ما لا يطيق شيئاً بعد شيء، كقولك: يتجرع ويتفوق. وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ كأنما يتصعد. قال النحاس: ومعنى هذه القراءة وقراءة من قرأ يصعد ويصاعد واحد. والمعنى فيهما أن الكافر من ضيق صدره كأنه يريد أن يصعد إلى السماء وهو لا يقدر على ذلك، فكأنه يستدعي ذلك. وقيل: المعنى كاد قلبه يصعد إلى السماء نبواً عن الإسلام. "كذلك يجعل الله الرجس" عليهم، جعله ضيق الصدر في أجسادهم. وأصل الرجس في اللغة النتن. قال ابن زيد: هو العذاب. وقال ابن عباس: الرجس هو الشيطان، أي يسلطه عليهم. وقال مجاهد: الرجس ما لا خير فيه. وكذلك الرجس عند أهل اللغة هو النتن. فمعنى الآية والله أعلم: ويجعل اللعنة في الدنيا والعذاب في الآخرة "على الذين لا يؤمنون".
يقول تعالى: "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام" أي ييسره له وينشطه ويسهله, لذلك فهذه علامات على الخير, كقوله تعالى: "أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه" الاية, وقال تعالى: "ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون" وقال ابن عباس رضي الله عنهما: في قوله "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام" يقول تعالى: يوسع قلبه للتوحيد والإيمان به, وكذا قال أبو مالك وغير واحد وهو ظاهر .
وقال عبد الرزاق, أخبرنا الثوري عن عمرو بن قيس, عن عمرو بن مرة, عن أبي جعفر, قال, سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المؤمنين أكيس ؟ قال "أكثرهم ذكراً للموت وأكثرهم لما بعده استعداداً" قال: وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الاية "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام" قالوا: كيف يشرح صدره يا رسول الله ؟ قال "نور يقذف فيه فينشرح له وينفسح" قالوا: فهل لذلك من أمارة يعرف بها ؟ قال "الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور, والاستعداد للموت قبل لقاء الموت" وقال ابن جرير: حدثنا هناد, حدثنا قبيصة عن سفيان يعني الثوري, عن عمرو بن مرة, عن رجل يكنى أبا جعفر كان يسكن المدائن, قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم, عن قول الله تعالى: "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام" فذكر نحو ما تقدم .
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا ابن إدريس, عن الحسن بن الفرات القزاز, عن عمرو بن مرة, عن أبي جعفر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا دخل الإيمان القلب انفسح له القلب وانشرح" قالوا: يا رسول الله هل لذلك من أمارة ؟ قال "نعم الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور, والاستعداد للموت قبل الموت" وقد رواه ابن جرير: عن سوار بن عبد الله العنبري, حدثنا المعتمر بن سليمان, سمعت أبي يحدث عن عبد الله بن مرة, عن أبي جعفر فذكره .
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا أبو خالد الأحمر, عن عمرو بن قيس, عن عمرو بن مرة, عن عبد الله بن المسور, قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام" قالوا: يا رسول الله ما هذا الشرح ؟ قال "نور يقذف به في القلب" قالوا: يا رسول الله فهل لذلك من أمارة تعرف ؟ قال "نعم" قالوا: وما هي ؟ قال "الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور, والاستعداد للموت قبل الموت" .
وقال ابن جرير أيضاً: حدثني هلال بن العلاء, حدثنا سعيد بن عبد الملك بن واقد, حدثنا محمد بن سلمة, عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة, عن عمرو بن مرة, عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود, قال: قال رسول الله "إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح" قالوا: فهل لذلك من علامة يعرف بها ؟ قال "الإنابة إلى دار الخلود والتنحي عن دار الغرور, والاستعداد للموت قبل لقاء الموت" وقد رواه من وجه آخر عن ابن مسعود متصلاً مرفوعاً فقال: حدثني ابن سنان القزاز, حدثنا محبوب بن الحسن الهاشمي, عن يونس, عن عبد الرحمن بن عبيد الله بن عتبة, عن عبد الله بن مسعود, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام" قالوا: يا رسول الله وكيف يشرح صدره ؟ قال "يدخل فيه النور فينفسح" قالوا: وهل لذلك علامة يا رسول الله ؟ قال "التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود, والاستعداد للموت قبل أن ينزل الموت" فهذه طرق لهذا الحديث مرسلة ومتصلة, يشد بعضها بعضاً, والله أعلم.
وقوله تعالى: "ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً" قرىء بفتح الضاد وتسكين الياء, والأكثرون ضيقاً بتشديد الياء وكسرها, وهما لغتان كهين وهين, وقرأ بعضهم حرجاً بفتح الحاء وكسر الراء قيل بمعنى آثم, قاله السدي, وقيل: بمعنى القراءة الأخرى حرجاً بفتح الحاء والراء, وهو الذي لا يتسع لشيء من الهدى, ولا يخلص إليه شيء ما ينفعه من الإيمان, ولا ينفذ فيه.
وقد سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً من الأعراب من أهل البادية من مدلج عن الحرجة, فقال: هي الشجرة تكون بين الأشجار, لا تصل إليها راعية ولا وحشية ولا شيء, فقال عمر رضي الله عنه: كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير. وقال العوفي: عن ابن عباس, يجعل الله عليه الإسلام ضيقاً, والإسلام واسع, وذلك حين يقول "ما جعل عليكم في الدين من حرج" يقول: ما جعل عليكم في الإسلام من ضيق, وقال مجاهد والسدي: ضيقاً حرجاً شاكاً, وقال عطاء الخراساني: ضيقاً حرجاً أي ليس للخير فيه منفذ, وقال ابن المبارك عن ابن جريج: ضيقاً حرجاً بلا إله إلا الله حتى لا يستطيع أن تدخل قلبه, "كأنما يصعد في السماء" من شدة ذلك عليه. وقال سعيد بن جبير: يجعل صدره ضيقاً حرجاً, قال: لا يجد فيه مسلكاً إلا صعداً. وقال السدي "كأنما يصعد في السماء" من ضيق صدره .
وقال عطاء الخراساني "كأنما يصعد في السماء" يقول مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد إلى السماء, وقال الحكم بن أبان: عن عكرمة عن ابن عباس "كأنما يصعد في السماء" يقول: فكما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السماء, فكذلك لا يستطيع أن يدخل التوحيد والإيمان قلبه, حتى يدخله الله في قلبه, وقال الأوزاعي "كأنما يصعد في السماء" كيف يستطيع من جعل الله صدره ضيقاً أن يكون مسلماً .
وقال الإمام أبو جعفر بن جرير: وهذا مثل ضربه الله لقلب هذا الكافر في شدة ضيقه عن وصول الإيمان إليه, يقول: فمثله في امتناعه من قبول الإيمان وضيقه عن وصوله إليه, مثل امتناعه عن الصعود إلى السماء وعجزه عنه, لأنه ليس في وسعه وطاقته, وقال: في قوله "كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون" يقول: كما يجعل الله صدر من أراد إضلاله ضيقاً حرجاً, كذلك يسلط الله الشيطان عليه وعلى أمثاله, ممن أبى الإيمان بالله ورسوله فيغويه ويصده عن سبيل الله, وقال ابن أبي طلحة عن ابن عباس: الرجس الشيطان, وقال مجاهد: الرجس: كل مالا خير فيه, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الرجس العذاب .
قوله: 125- "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام" الشرح: الشق وأصله التوسعة، وشرحت الأمر بينته وأوضحته، والمعنى: من يرد الله هدايته للحق يوسع صدره حتى يقبله بصدر منشرح، "ومن يرد" إضلاله "يجعل صدره ضيقاً حرجاً". قرأ ابن كثير "ضيقاً" بالتخفيف مثل هين ولين. وقرأ الباقون بالتشديد وهما لغتان. وقرأ نافع "حرجاً" بالكسر، ومعناه الضيق، كرر المعنى تأكيداً، وحسن ذلك اختلاف اللفظ. وقرأ الباقون بالفتح، جمع حرجة وهي شدة الضيق، والحرجة الغيظة، والجمع حرج وحرجات، ومنه فلان يتحرج: أي يضيق على نفسه. وقال الجوهري: مكان حرج وحرج: أي ضيق كثير الشجر لا تصل إليه الراعية، والحرج الإثم. وقال الزجاج: الحرج أضيق الضيق. وقال النحاس: حرج اسم الفاعل وحرج مصدر وصف به كما يقال: رجل عدل. قوله: "كأنما يصعد في السماء". قرأ ابن كثير بالتخفيف من الصعود، شبه الكافر في ثقل الإيمان عليه بمن يتكلف ما لا يطيقه كصعود السماء. وقرأ النخعي " يصعد " وأصله يتصاعد. وقرأ الباقون "يصعد" بالتشديد وأصله يتصعد، ومعناه: يتكلف ما لا يطيق مرة بعد مرة كما يتكلف من يريد الصعود إلى السماء. وقيل: المعنى على جميع القراءات: كاد قلبه يصعد إلى السماء نبواً على الإسلام، وما في كأنما هي المهيئة لدخول كأن على الجمل الفعلية. قوله: "كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون": أي مثل ذلك الجعل الذي هو جعل الصدر ضيقاً حرجاً يجعل الله الرجس. والرجس في اللغة: النتن، وقيل: هو العذاب، وقيل: هو الشيطان يسلطه الله عليهم، وقيل: هو ما لا خير فيه، والمعنى الأول هو المشهور في لغة العرب، وهو مستعار لما يحل بهم من العقوبة وهو يصدق على جميع المعاني المذكورة.
125-قوله عز وجل:" فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام "، أي: يفتح قلبه وينوره حتى يقبل الإسلام، ولما نزلت هذه الآية" سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرح الصدر، فقال: نور يقذفه الله في قلب المؤمن فينشرح له وينفسح ، قيل: لذلك [أمارة؟]قال: نعم، الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت ".
قوله تعالى: " ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً "، قرأ ابن كثير " ضيقاً "، بالتخفيف هاهنا وفي الفرقان، والباقون بالتشديد، وهما لغتان مثل هين وهين ولين ولين،" حرجاً "، قرأ أهل المدينة وأبو بكر بكسر الراء والباقون بفتحها، وهما لغتان أيضا مثل: الدنف والدنف، وقال سيبويه الحرج بالفتح: المصدر[كالطلب، ومعناه ذا حرج]، وبالكسر الاسم، وهو أشد الضيق،يعني: يجعل قلبه ضيقاً حتى لا يدخله الإيمان. وقال الكلبي : ليس للخير فيه منفذ. وقال ابن عباس: إذا سمع ذكر الله اشمأز قلبه، وإذا ذكر شيئاً من عبادة الأصنام ارتاح إلى ذلك .
وقرأ عمر ابن الخطاب رضي الله عنه هذه الآية، فسأل أعرابياً من كنانة: ما الحرجة فيكم ؟ قال: الحرجة فينا الشجرة تكون بين الأشجار التي لا تصل إليها راعية ولا وحشية ولا شيء، فقال عمر رضي الله عنه: كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير.
" كأنما يصعد في السماء" ، قرأ ابن كثير : " يصعد "، بالتخفيف، وقرأ أبو بكر عن عاصم " يصعد "بالألف، أي يتصاعد، وقرأ الآخرون " يصعد "،بتشديد الصاد والعين، أي: يتصعد،يعني يشق عليه الإيمان كما يشق عليه صعود السماء، وأصل الصعود المشقة، ومنه قوله تعالى " سأرهقه صعوداً " أي: عقبة شاقة، " كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون "، قال ابن عباس: الرجس هوا لشيطان، أي: يسلط عليه. وقال الكلبي : هو المأثم، وقال مجاهد: الرجس ما لا خير فيه. وقال عطاء : الرجس العذاب مثل الرجس . وقيل: هو النجس. روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال: "[اللهم إني]أعوذ بك من الرجس النجس " .وقال الزجاج : الرجس اللعنة في الدنيا والعذاب في الآخرة .
125" فمن يرد الله أن يهديه " يعرفه طريق الحق ويوفقه للإيمان . " يشرح صدره للإسلام " فيتسع له وينفسح فيه مجاله ، وهو كناية عن جعل النفس قابلة للحق مهيأة لحلوله فيها مصفاة عما يمنعه وينافيه ، وإليه أشار عليه أفضل الصلاة والسلام حين سئل عنه فقال : "نور يقذفه الله سبحانه وتعالى في قلب المؤمن فينشرح له وينفسح ، فقالوا هل لذلك من أمارة يعرف بها فقال :نعم الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله " " ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا " بحيث ينبو عن قبول الحق فلا يدخله الإيمان . وقرأ ابن كثير "ضيقا " بالتخفيف و نافع و أبو بكر عن عاصم حرجا بالكسر أي شديد الضيق ، والباقون بالفتح وصفا بالمصدر . " كأنما يصعد في السماء " شبهة مبالغة في ضيق صدره بمن يزاول ما لا يقدر عليه ، فإن صعود السماء مثل فيما يبعد عن الاستطاعة ، ونبه به على أن الإيمان يمتنع منه كما يمتنع بالصعود . وقيل معناه كأنما يتصاعد إلى السماء نبوا عن الحق وتباعدا في الهرب منه ، وأصل يصعد يتصعد وقد قرئ به وقرأ ابن كثير " يصعد " و أبو بكر عن عاصم يصاعد بمعنى يتصاعد . " كذلك " أي كما يضيق صدره ويبعد قلبه عن الحق . " يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون " يجعل العذاب أو الخذلان عليهم ، فوضع الظاهر موضع المضمر للتعليل .
125. And whomsoever it is Allah's will to guide, He expandeth his bosom unto the Surrender, and whomsoever it is His will to send astray, He maketh his bosom close and narrow as if he were engaged in sheer ascent. Thus Allah layeth ignominy upon those who believe not.
125 - Those whom God (in his plan) willeth to guide, he openeth their breast to Islam; those whom he willeth to leave straying, he maketh their breast close and constricted, as if they had to climb up to the skies: thus doth God (heap) the penalty on those who refuse to believe.