[الأنعام : 115] وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
115 - (وتمت كلمة ربك) بالأحكام والمواعيد (صدقا وعدلا) تمييز (لا مبدل لكلماته) بنقص أو خلف (وهو السميع) لما يقال (العليم) بما يفعل
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره : وكملت ، "كلمة ربك"، يعني القرآن.
سماه كلمة ، كما تقول العرب للقصيدة من الشعر يقولها الشاعر: هذه كلمة فلان.
"صدقا وعدلا"، يقول : كملت كلمة ربك من الصدق والعدل.
والصدق والعدل نصبا على التفسير للكلمة، كما يقال : عندي عشرون درهماً.
"لا مبدل لكلماته"، يقول : لا مغير لما أخبر في كتبه أنه كائن ، من ولوعه في حينه وأجله الذي أخبر الله أنه واقع فيه ، وذلك نظير قوله جل ثناؤه : "يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل"، [الفتح :15]. فكانت إرادتهم تبديل كلام الله ، مسألتهم نبي الله أن يتركهم يحضرون الحرب معه ، وقولهم له ولمن معه من المؤمنين : "ذرونا نتبعكم"، [الفتح : 15]. بعد الخبر الذي كان الله أخبرهم تعالى ذكره في كتابه بقوله : "فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا"، الآية، [التوبة: 83] ، فحاولوا تبديل كلام الله وخبره بأنهم لن يخرجوا مع نبي الله في غزاة ولن يقاتلوا معه عدوا بقولهم لهم : ذرونا نتبعكم ، فقال الله جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : يريدون أن يبدلوا، بمسألتهم إياهم ذلك ، كلام الله وخبره : قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل . فكذلك معنى قوله : "لا مبدل لكلماته"، إنما هو لا مغير لما أخبر عنه من خبر أنه كائن ، فيبطل مجيئه وكونه ووقوعه على ما أخبر جل ثناؤه ، لأنه لا يزيد المفترون في كتب الله ولا ينقصون منها. وذلك أن اليهود والنصارى لا شك أنهم أهل كتب الله التي أنزلها على أنبيائه ، وقد أخبر جل ثناؤه أنهم يحرفون غير الذي أخبر أنه لا مبدل له.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : "وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته"، يقول : صدقاً وعدلاً فيما حكم .
وأما قوله : "وهو السميع العليم"، فإن معناه : والله "السميع"، لما يقول هؤلاء العادلون بالله ، المقسمون بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها، وغير ذلك من كلام خلقه ، "العليم"، بما تؤول إليه أيمانهم من بر وصدق وكذب وحنث، وغير ذلك من أمور عباده .
قوله تعالى: "وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم" قراءة أهل الكوفة بالتوحيد، والباقون بالجمع. قال ابن عباس: مواعيد ربك، فلا مغير لها. والكلمات ترجع إلى العبارات أو إلى المتعلقات من الوعد والوعيد وغيرهما. قال قتادة: الكلمات هي القرآن لا مبدل له، لا يزيد فيه المفترون ولا ينقصون. "صدقا وعدلا" أي فيما وعد وحكم، لا راد لقضائه ولا خلف في وعده. وحكى الرماني عن قتادة: لا مبدل لها فيما حكم به، أي إنه وإن أمكنه التغيير والتبديل في الألفاظ كما غير أهل الكتاب التوراة والإنجيل فإنه لا يعتد بذلك. ودلت الآية على وجوب اتباع دلالات القرآن، لأنه حق لا يمكن تبديله بما يناقضه، لأنه من عند حكيم لا يخفى عليه شيء من الأمور كلها.
يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم قل لهؤلاء المشركين بالله, الذين يعبدون غيره "أفغير الله أبتغي حكماً" أي بيني وبينكم "وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً" أي مبيناً "والذين آتيناهم الكتاب" أي من اليهود والنصارى, "يعلمون أنه منزل من ربك بالحق", أي بما عندهم من البشارات بك, من الأنبياء المتقدمين "فلا تكونن من الممترين" كقوله " فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين " وهذا شرط, والشرط لا يقتضي وقوعه, ولهذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "لا أشك ولاأسأل" وقوله تعالى: "وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً" قال قتادة: صدقاً فيما قال وعدلاً فيم حكم, يقول صدقاً في الأخبار, وعدلاً في الطلب, فكل ما أخبر به فحق لا مرية فيه ولا شك, وكل ما أمر به فهو العدل الذي لا عدل سواه, وكل ما نهى عنه فباطل فإنه لا ينهى إلا عن مفسدة, كما قال تعالى: "يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر" إلى آخر الاية "لا مبدل لكلماته" أي ليس أحد يعقب حكمه تعالى, لا في الدنيا ولا في الاخرة "وهو السميع" لأقوال عباده "العليم" بحركاتهم وسكناتهم, الذي يجازي كل عامل بعمله .
قوله: 115- " وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ". قرأ أهل الكوفة كلمة بالتوحيد، وقرأ الباقون بالجمع، والمراد بالكلمات العبارات أو متعلقاتها من الوعد والوعيد. والمعنى: أن الله قد أتم وعده ووعيده، فظهر الحق وانطمس الباطل، وقيل: المراد بالكلمة أو الكلمات القرآن، و "صدقاً وعدلاً" منتصبان على التمييز أو الحال أو على أنهما نعت مصدر محذوف: أي تمام صدق وعدل "لا مبدل لكلماته" لا خلف فيها ولا مغير لما حكم به، والجملة المنفية في محل نصب على الحال أو مستأنفة "وهو السميع" لكل مسموع "العليم" بكل معلوم.
115- قوله عز وجل: " وتمت كلمة ربك "، قرأ أهل الكوفة و يعقوب " كلمة " على التوحيد، وقرأ الآخرون (كلمات) بالجمع، وأراد بالكلمات أمره ونهيه ووعده ووعيده، " صدقاً وعدلاً "، أي: صدعاً في الوعد والوعيد، وعدلاً في الأمر والنهي، قال قتادة و مقاتل : صدقاً فيما وعد وعدلاً فيما حكم، " لا مبدل لكلماته "، قال ابن عباس: لا راد لقضائه ولا مغير لحكمه ولا خلف لوعده، " وهو السميع العليم "، قيل: أراد بالكلمات القرآن لا مبدل له، لا يزيد فيه المفترون ولا ينقصون .
115" وتمت كلمة ربك " بلغت الغاية أخباره وأحكامه ومواعيده " صدقاً " في الأخبار والمواعيد . " وعدلاً " في الأقضية والأحكام ونصبها يحتمل التمييز والحال والمفعول له . " لا مبدل لكلماته " لا أحد يبدل شيئا منها بما هو أصدق وأعدل ، أو لا أحد يقدر أن يحرفها شائعا ذائعا كما فعل بالتوراة على أن المراد بها القرآن ، فيكون ضمانا لها من الله سبحانه وتعالى بالحفظ كقوله : " وإنا له لحافظون " أو لا نبي ولا كتاب بعدها ينسخها ويبدل أحكامها . وقرأ الكوفيون و يعقوب " كلمة ربك " أي ما تكلم به أو القرآن . " وهو السميع " لما يقولون . " العليم " بما يضمرون فلا يهملهم .
115. Perfected is the Word of thy Lord in truth and justice. There is naught that can change His words. He is the Hearer, the Knower.
115 - The word of thy lord doth find its fulfillment in truth and in justice: none can change his words: for he is the one who heareth and knoweth all.