[الأنعام : 113] وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ
113 - (ولتصغى) عطف على غرورا أي تميل (إليه) أي الزخرف (أفئدة) قلوب (الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا) يكتسبوا (ما هم مقترفون) من الذنوب فيعاقبوا عليه
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره : "وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا"، "ولتصغى إليه"، يقول جل ثناؤه يوحي بعض هؤلاء الشياطين إلى بعض المزين من القول بالباطل ، ليغروا به المؤمنين من أتباع الأنبياء فيفتنوهم عن دينهم ، "ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة" ، يقول : ولتميل إليه قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة.
وهو من صغوت تصغى وتصغو ، والتنزيل جاء ب تصغى ، صغواً ، وصغواً ، وبعض العرب يقول : صغيت ، بالياء، حكي عن بعض بني أسد : صغيت إلى حديثه ، فأنا أصغى صغياً بالياء، وذلك إذا ملت . يقال : صغوي معك ، إذا كان هواك معه وميلك ، مثل قولهم : ضلعي معك . ويقال : (أصغيت الإناء ، إذا أملته ليجتمع ما فيه ، ومنه قول الشاعر:
ترى السفيه به عن كل محكمة زيغ، وفيه إلى التشبيه إصغاء
ويقال للقمر إذا مال للغيوب : صغا وأصغى .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس : "ولتصغى إليه أفئدة"، يقول : تزيغ إليه أفئدة.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال ابن عباس في قوله : "ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة"، قال : لتميل .
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة"، يقول : تميل إليه قلوب الكفار، ويحجونه ، ويرضون به .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة"، قال : "ولتصغى"، وليهووا ذلك وليرضوه . قال : يقول الرجل للمرأة : صغيت إليها ، هويتها .
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره : وليكتسبوا من الأعمال ما هم مكتسبون .
حكي عن العرب سماعاً منها: خرج يقترف لأهله ، بمعنى يكسب لهم . ومنه قيل : قارف فلان هذا الأمر ، إذا واقعه وعمله.
وكان بعضهم يقول : هو التهمة والادعاء . يقال للرجل : أنت قرفتني ، أي : اتهمتني . ويقال : بئسما اقترفت لنفسك ، وقال رؤبة :
أعيى اقتراف الكذب المقروف تقوى التقي وعفة العفيف
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : "وليقترفوا"، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس : "وليقترفوا ما هم مقترفون"، وليكتسبوا ما هم مكتسبون.
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "وليقترفوا ما هم مقترفون"، قال : ليعملوا ما هم عاملون .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "وليقترفوا ما هم مقترفون"، قال : ليعطوا ما هم عاملون.
قوله تعالى: "ولتصغى إليه أفئدة" تصغى تميل، يقال: صغوت أصغو صغواً وصغواً، وصغيت أصغى، وصغيت بالكسر أيضاً. يقال منه: صغي يصغى صغىً وصغياً، وأصغيت إليه إصغاء بمعنىً. قال الشاعر:
ترى السفيه به عن كل محكمة زيغ وفيه إلى التشبيه إصغاء
ويقال: أصغيت الإناء إذا أملته ليجتمع ما فيه. وأصله الميل إلى الشيء لغرض من الأغراض. ومنه صغت النجوم: مالت للغروب. وفي التنزيل: "فقد صغت قلوبكما" [التحريم: 4]. قال أبو زيد: يقال صغوه معك وصغوه، وصغاه معك، أي ميله. وفي الحديث فأصغى لها الإناء يعني للهرة. وأكرموا فلاناً في صاغيته، أي في قرابته الذين يميلون إليه ويطلبون ما عنده. وأصغت الناقة إذا أمالت رأسها إلى الرجل كأنها تستمع شيئاً حين يشد عليها الرحل. قال ذو الرمة:
تصغي إذا شدها بالكور جانحةً حتى إذا ما استوى في غرزها تثب
واللام في ولتصغى لام كي، والعامل فيها يوحي تقديره: يوحي بعضهم إلى بعض ليغروهم ولتصغى. وزعم بعضهم أنها لام الأمر، وهو غلط، لأنه كان يجب ولتصغ إليه بحذف الألف، وإنما هي لام كي. وكذلك "وليرضوه وليقترفوا" إلا أن الحسن قرأ وليرضوه وليقترفوا بإسكان اللام، جعلها لام أمر فيه معنى التهديد، كما يقال: افعل ما شئت. ومعنى "وليقترفوا ما هم مقترفون" أي وليكتسبوا، عن ابن عباس و السدي وابن زيد. يقال: خرج يقترف أهله أي يكتسب لهم. وقارف فلان هذا الأمر إذا واقعه وعمله. وقرفتني بما ادعيت علي، أي رميتني بالريبة. وقرف القرحة إذا قشر منها. واقترف كذباً. قال رؤبة:
أعيا اقتراف الكذب المقروف تقوى التقي وعفة العفيف
وأصله اقتطاع قطعة من الشيء.
يقول تعالى: وكما جعلنا لك يا محمد أعداء يخالفونك ويعادونك ويعاندونك, جعلنا لكل نبي من قبلك أيضاً أعداء فلا يحزنك ذلك, كما قال تعالى: "ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا" الاية, وقال تعالى: "ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم" وقال تعالى: "وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين" الاية, وقال ورقة بن نوفل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي, وقوله " شياطين الإنس والجن " بدل من "عدواً" أي لهم أعداء من شياطين الإنس والجن, والشيطان كل من خرج عن نظيره بالشر, ولا يعادي الرسل إلا الشياطين من هؤلاء وهؤلاء, قبحهم الله ولعنهم, قال عبد الرزاق: حدثنا معمر, عن قتادة, في قوله "شياطين الإنس والجن" قال من الجن شياطين, ومن الإنس شياطين, يوحي بعضهم إلى بعض, قال قتادة: وبلغني أن أبا ذر, كان يوماً يصلي, فقال النبي صلى الله عليه وسلم "تعوذ يا أبا ذر من شياطين الإنس والجن" فقال: أو إن من الإنس شياطين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "نعم" وهذا منقطع بين قتادة وأبي ذر. وقد روي من وجه آخر, عن أبي ذر رضي الله عنه, قال ابن جرير: حدثنا المثنى, حدثنا أبو صالح, حدثني معاوية بن صالح, عن أبي عبد الله محمد بن أيوب, وغيره من المشيخة, عن ابن عائذ, عن أبي ذر, قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس, قد أطال فيه الجلوس, قال, فقال "يا أبا ذر هل صليت" قلت: لا يا رسول الله, قال "قم فاركع ركعتين" قال: ثم جئت فجلست إليه, فقال "يا أبا ذر هل تعوذت بالله من شياطين الإنس والجن" قال: قلت: لا يا رسول الله, وهل للإنس من شياطين ؟ قال "نعم هم شر من شياطين الجن" وهذا أيضاً فيه انقطاع, وروي متصلاً.
كما قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا المسعودي, أنبأنا أبو عمر الدمشقي, عن عبيد بن الخشخاش, عن أبي ذر, قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد, فجلست فقال "يا أبا ذر هل صليت ؟" قلت: لا, قال "قم فصل" قال: فقمت فصليت ثم جلست, فقال "يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن" قال: قلت: يا رسول الله وللإنس شياطين ؟ قال "نعم" وذلك تمام الحديث بطوله. وكذا رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره, من حديث جعفر بن عون, ويعلى بن عبيد, وعبيد الله بن موسى, ثلاثتهم عن المسعودي به.
(طريق أخرى عن أبي ذر) قال ابن جرير: حدثنا المثنى, حدثنا الحجاج, حدثنا حماد, عن حميد بن هلال, حدثني رجل من أهل دمشق, عن عوف بن مالك, عن أبي ذر, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "يا أبا ذر هل تعوذت بالله من شر شياطين الإنس والجن" قال: قلت: يا رسول الله هل للإنس من شياطين ؟ قال "نعم".
(طريق أخرى للحديث) قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عوف الحمصي, حدثنا أبو المغيرة, حدثنا معان بن رفاعة, عن علي بن يزيد, عن القاسم, عن أبي أمامة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا أبا ذر تعوذت من شياطين الإنس والجن" قال: قلت يا رسول وهل للإنس شياطين ؟ قال "نعم" "شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً" فهذه طرق لهذا الحديث, ومجموعها يفيد قوته وصحته, والله أعلم, قال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع, حدثنا أبو نعيم, عن شريك, عن سعيد بن مسروق, عن عكرمة "شياطين الإنس والجن" قال: ليس من الإنس شياطين, ولكن شياطين الجن يوحون إلى شياطين الإنس, وشياطين الإنس يوحون إلى شياطين الجن, قال: وحدثنا الحارث, حدثنا عبد العزيز, حدثنا إسرائيل, عن السدي, عن عكرمة, في قوله "يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً" قال: للأنسي شيطان, وللجني شيطان, فيلقى شيطان الإنس شيطان الجن, فيوحي بعضهم إلى بعض, زخرف القول غروراً, وقال أسباط عن السدي عن عكرمة في قوله "يوحي بعضهم إلى بعض": أما شياطين الإنس, فالشياطين التي تضل الإنس, وشياطين الجن التي تضل الجن, يلتقيان, فيقول كل واحد منهما لصاحبه: إني أضللت صاحبي بكذا وكذا, فأضل أنت صاحبك بكذا وكذا, فيعلم بعضهم بعضاً, ففهم ابن جرير من هذا, أن المراد بشياطين الإنس, عند عكرمة والسدي, الشياطين من الجن الذين يضلون الناس, لا أن المراد منه شياطين الإنس منهم, ولا شك أن هذا ظاهر من كلام عكرمة, وأما كلام السدي فليس مثله في هذا المعنى, وهو محتمل, وقد روى ابن أبي حاتم نحو هذا عن ابن عباس, من رواية الضحاك عنه, قال: إن للجن شياطين يضلونهم, مثل شياطين الإنس يضلونهم, قال: فيلتقي شياطين الإنس وشياطين الجن, فيقول هذا لهذا أضلله بكذا, فهو قوله "يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً" وعلى كل حال, فالصحيح ما تقدم من حديث أبي ذر, إن للإنس شياطين منهم, وشيطان كل شيء مارده, ولهذا جاء في صحيح مسلم عن أبي ذر, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "الكلب الأسود شيطان" ومعناه والله أعلم ـ شيطان في الكلاب, وقال ابن جريج: قال مجاهد: في تفسير هذه الاية, كفار الجن شياطين, يوحون إلى شياطين الإنس, كفار الإنس, زخرف القول غروراً.
وروى ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: قدمت على المختار فأكرمني وأنزلني, حتى كاد يتعاهد مبيتي بالليل, قال: فقال لي: اخرج إلى الناس فحدثهم, قال: فخرجت, فجاء رجل فقال: ما تقول في الوحي, فقلت: الوحي وحيان, قال الله تعالى: "بما أوحينا إليك هذا القرآن" وقال تعالى: "شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً" قال فهموا بي أن يأخذوني, فقلت لهم: ما لكم ذاك, إني مفتيكم وضيفكم فتركوني, وإنما عرض عكرمة بالمختار, وهو ابن أبي عبيد قبحه الله, وكان يزعم أنه يأتيه الوحي, وقد كانت أخته صفية تحت عبد الله بن عمر, وكانت من الصالحات, ولما أخبر عبد الله بن عمر أن المختار يزعم أنه يوحى إليه, فقال: صدق, قال الله تعالى: "وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم" وقوله تعالى: "يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً" أي يلقي بعضهم إلى بعض القول المزين المزخرف, وهو المزوق الذي يغتر سامعه من الجهلة بأمره, "ولو شاء ربك ما فعلوه" أي وذلك كله بقدر الله وقضائه, وإرادته ومشيئته, أن يكون لكل نبي عدو من هؤلاء "فذرهم" أي فدعهم, "وما يفترون" أي يكذبون. أي دع أذاهم, وتوكل على الله في عداوتهم, فإن الله كافيك وناصرك عليهم, وقوله تعالى: "ولتصغى إليه" أي ولتميل إليه. قاله ابن عباس " أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة " أي قلوبهم وعقولهم وأسماعهم, وقال السدي: قلوب الكافرين "وليرضوه" أي يحبوه ويريدوه, وإنما يستجيب ذلك من لا يؤمن بالاخرة, كما قال تعالى: "فإنكم وما تعبدون * ما أنتم عليه بفاتنين * إلا من هو صال الجحيم" وقال تعالى: " إنكم لفي قول مختلف * يؤفك عنه من أفك " وقوله "وليقترفوا ما هم مقترفون" قال علي بن أبي طلحة: عن ابن عباس, وليكتسبوا ما هم مكتسبون, وقال السدي وابن زيد: وليعملوا ما هم عاملون .
قوله: 113- " ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة " اللام في لتصغي لام كي، فتكون علة كقوله "يوحي" والتقدير: يوحي بعضهم إلى بعض ليغروهم ولتصغي، وقيل: هو متعلق بمحذوف يقدر متأخراً: أي لتصغي "جعلنا لكل نبي عدواً" وقيل: إن اللام للأمر وهو غلط، فإنها لو كانت لام الأمر جزم الفعل، والإصغاء: الميل، يقال: صغوت أصغو صغواً، وصغيت أصغي: ويقال: صغيت بالكسر، ويقال: أصغيت الإناء: إذا أملته ليجتمع ما فيه، وأصله الميل إلى الشيء لغرض من الأغراض، ويقال: صغت النجوم: إذا مالت للغروب، وأصغت الناقة: إذا أمالت رأسها، ومنه قول ذي الرمة:
تصغي إذا شدها بالكور جانحة حتى إذا ما استوى في غرزها وثبت
والضمير في إليه لزخرف القول، أو لما ذكر سابقاً من زخرف القول وغيره: أي أوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول ليغروهم " ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة " من الكفار "وليرضوه" لأنفسهم بعد الإصغاء إليه "وليقترفوا ما هم مقترفون" من الآثام، والاقتراف: الاكتساب، يقال: خرج ليقترف لأهله: أي ليكتسب لهم، وقارف فلان هذا الأمر: إذا واقعه، وقرفه: إذا رماه بالريبة، واقترف: كذب، وأصله اقتطاع قطعة من الشيء.
وقد أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: نزلت "وأقسموا بالله جهد أيمانهم" في قريش "وما يشعركم" يا أيها المسلمون "أنها إذا جاءت لا يؤمنون". وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال: "كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً فقالوا: يا محمد تخبرنا أن موسى كان معه عصى يضرب بها الحجر، وأن عيسى كان يحيي الموتى، وأن ثمود لهم ناقة فأتنا من الآيات حتى نصدقك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:أي شيء تحبون أن آتيكم به؟، قالوا: تجعل لنا الصفا ذهباً، قال:فإن فعلت تصدقوني؟، قالوا: نعم، والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعون، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو، فجاءه جبريل فقال له: إن شئت أصبح ذهباً فإن لم يصدقوا عند ذلك لنعذبنهم، وإن شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم، فقال: بل يتوب تائبهم، فأنزل الله: "وأقسموا بالله جهد أيمانهم" إلى قوله: "يجهلون"". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ونقلب أفئدتهم وأبصارهم" قال: لما جحد المشركون ما أنزل الله لم تثبت قلوبهم على شيء وردت عن كل أمر. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه "وحشرنا عليهم كل شيء قبلاً" قال: معاينة "ما كانوا ليؤمنوا" أي أهل الشقاء "إلا أن يشاء الله" أي أهل السعادة والذين سبق لهم في علمه أن يدخلوا في الإيمان. وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة "وحشرنا عليهم كل شيء قبلاً" أي فعاينوا ذلك معاينة. وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال: أفواجاً قبيلاً. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن" قال: إن للجن شياطين يضلونهم مثل شياطين الإنس يضلونهم، فيلتقي شيطان الإنس وشيطان الجن، فيقول هذا لهذا: أضلله بكذا وأضلله بكذا، فهو "يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً". وقال ابن عباس: الجن هم الجان وليسوا شياطين، والشياطين ولد إبليس وهم لا يموتون إلا مع إبليس والجن يموتون، فمنهم المؤمن ومنهم الكافر. وأخرج أبو الشيخ عن ابن مسعود قال: الكهنة هم شياطين الإنس. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "يوحي بعضهم إلى بعض" قال: شياطين الجن يوحون إلى شياطين الإنس، فإن الله يقول: "وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم". وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة في الآية قال: من الإنس شياطين ومن الجن شياطين يوحي بعضهم إلى بعض. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس زخرف القول قال: يحسن بعضهم لبعض القول ليتبعوهم في فتنتهم. وقد أخرج أحمد وابن أبي حاتم والطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الجن والإنس، قال: يا نبي الله وهل للإنس شياطين؟ قال: نعم، شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً". وأخرج أحمد وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي ذر مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس " ولتصغى " لتميل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عنه " ولتصغى " تزيغ "وليقترفوا" يكتسبوا.
113- " ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة "، أي: تميل إليه، والصغو: الميل، يقال: صغو فلان معك، أي: ميله، والفعل منه: صغى يصغي، صغاً، وصغى يصغى، ويصغو صغواً، والهاء في " إليه " راجعة إلى زخرف القول، " وليرضوه وليقترفوا "، ليكتسبوا، " ما هم مقترفون "، يقال: اقترف فلان مالاً أي اكتسبه، وقال تعالى: " ومن يقترف حسنةً "(الشورى،23)، وقال الزجاج : أي ليعملوا من الذنوب ما هم عاملون.
113" ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة " عطف على " غروراً " إن جعل علة ، أو متعلق بمحذوف أي وليكون ذلك " جعلنا لكل نبي عدوًا " والمعتزلة لما اضطروا فيه قالوا : اللام لام العاقبة أو لام القسم كسرت لما لم يؤكد الفعل بالنون أو لام الأمر وضعفه أظهر ، والصغو : الميل والضمير لما له الضمير في فعلوه " وليرضوه " لأنفسهم " وليقترفوا " وليكتسبوا " ما هم مقترفون " من الآثام .
113. That the hearts of those who believe not in the Hereafter may incline thereto, and that they may take pleasure therein, and that they may earn what they are earning.
113 - To such (deceit) let the heats of those incline, who have no faith in the hereafter: let them delight in it, and let them earn from it what they may.