[الأنعام : 110] وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
110 - (ونقلب أفئدتهم) نحول قلوبهم عن الحق فلا يفهمونه (وأبصارهم) عنه فلا يبصرونه ولا يؤمنون (كما لم يؤمنوا به) أي بما أنزل من الآيات (أول مرة ونذرهم) نتركهم (في طغيانهم) ضلالهم (يعمهون) يترددون متحيرين
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .
فقال بعضهم : معنى ذلك : لو أنا جئناهم بآية كما سألوا، ما آمنوا، كما لم يؤمنوا بما قبلها أول مرة، لأن الله حال بينهم وج ط ذلك :
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة" الآية، قال : لما جحد المشركون ما أنزل الله ، لم تثبت قلوبهم على شيء ، وردت عن كل أمر.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "ونقلب أفئدتهم وأبصارهم"، قال : نمنعهم من ذلك ، كما فعلنا بهم أول مرة . وقرأ : "كما لم يؤمنوا به أول مرة".
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : "ونقلب أفئدتهم وأبصارهم"، قال : نحول بينهم وبين الإيمان ولو جاءتهم كل آية، فلا يؤمنون ، كما حلنا بينهم وبين الإيمان أول مرة .
وقال آخرون : معنى ذلك : ونقلب أفئدتهم وأبصارهم لو ردوا من الآخرة إلى الدنيا فلا يؤمنون ، كما فعلنا بهم ذلك ، فلم يؤمنوا في الدنيا . قالوا : وذلك نظير قوله : "ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه" [الأنعام : 28].
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس ، قال : أخبر الله سبحانه ما العباد قائلون قبل أن يقولوه ، وعملهم قبل أن يعملوه . قال : ولا ينبئك مثل خبير: "أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين * أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين * أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين" [الزمر: 56 - 58]، يقول : من المهتدين ، فأخبر الله سبحانه أنهم لو ردوا إلى الدنيا، لما استقاموا على الهدى ، وقال : "لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون" [الأنعام : 28] ، وقال : "ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة"، قال : لو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى، كما حلنا بينهم وبينه أول مرة وهم في الدنيا .
قال أبو جعفر: وأولى التأويلات في ذلك عندي بالصواب أن يقال : إن الله جل ثناؤه، أخبر عن هؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها : أنه يقلب أفئدتهم وأبصارهم ويصرفها كيف شاء، وأن ذلك بيده يقيمه إذا شاء، وبزيغه إذا أراد، وأن قوله : "كما لم يؤمنوا به أول مرة"، دليل على محذوف من الكلام ، وأن قوله : "كما" تشبيه ما بعده بشيء قبله .
وإذ كان ذلك كذلك ، فالواجب أن يكون معنى الكلام : ونقلب أفئدتهم ، فنزيغها عن الإيمان ، وأبصارهم عن رؤية الحق ومعرفة موضع الحجة ، وإن جاءتهم الآية التي سألوها، فلا يؤمنوا بالله ورسوله وما جاء به من عند الله ، كما لم يؤمنوا بتقليبنا إياها قبل مجيئها مرة قبل ذلك .
وإذا كان ذلك تأويله ، كانت الهاء من قوله : "كما لم يؤمنوا به"، كناية ذكر التقليب .
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره : ونذر هؤلاء المشركين الذين أقسموا بالله -جهد أيخمانهم : لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها عند مجيئها، في تمردهم على الله واعتدائهم في حدوده ، يترددون ، لا يهتدون لحق ، ولا يبصرون صواباً ، قد غلب عليهم الخذلان ، واستحوذ عليهم الشيطان .
هذه آية مشكلة، ولا سيما وفيها "ونذرهم في طغيانهم يعمهون". قيل: المعنى ونقلب أفئدتهم وأنظارهم يوم القيامة على لهب النار وحر الجمر، كما لم يؤمنوا في الدنيا. ونذرهم في الدنيا، أي نمهلهم ولا نعاقبهم، فبعض الآية في الآخرة، وبعضها في الدنيا. ونظيرها "وجوه يومئذ خاشعة" [الغاشية: 2] فهذا في الآخرة. "عاملة ناصبة" [الغاشية: 3] في الدنيا. وقيل: ونقلب في الدنيا، أي نحول بينهم وبين الإيمان لو جاءتهم تلك الآية، كما حلنا بينهم وبين الإيمان أول مرة، لما دعوتهم وأظهرت المعجزة. وفي التنزيل: "واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه" [الأنفال: 24]. والمعنى: كان ينبغي أن يؤمنوا إذا جاءتهم الآية فرأوها بأبصارهم وعرفوها بقلوبهم، فإذا لم يؤمنوا كان ذلك بتقليب الله قلوبهم وأبصارهم. "كما لم يؤمنوا به أول مرة" ودخلت الكاف على محذوف، أي فلا يؤمنون كما لم يؤمنوا به أول مرة، أي أول مرة أتتهم الآيات التي عجزوا عن معارضتها مثل القرآن وغيره. وقيل: ونقلب أفئدة هؤلاء كيلا يؤمنوا، كما لم تؤمن كفار الأمم السالفة لما رأوا ما اقترحوا من الآيات. وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، أي أنها إذا جاءت لا يؤمنون كما لم يؤمنوا أول مرة ونقلب أفئدتهم وأبصارهم. "ونذرهم في طغيانهم يعمهون" يتحيرون. وقد مضى في البقرة.
يقول تعالى إخباراً عن المشركين, أنهم أقسموا بالله جهد أيمانهم, أي حلفوا أيماناً مؤكدة "لئن جاءتهم آية" أي معجزة وخارقة "ليؤمنن بها" أي ليصدقنها " قل إنما الآيات عند الله " أي قل: يا محمد هؤلاء الذين يسألونك الايات, تعنتاً وكفراً وعناداً, لا على سبيل الهدى والاسترشاد, إنما مرجع هذه الايات إلى الله, إن شاء جاءكم بها, وإن شاء ترككم, قال ابن جرير: حدثنا هناد, حدثنا يونس بن بكير, حدثنا أبو معشر, عن محمد بن كعب القرظي, قال: كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قريش, فقالوا: يا محمد تخبرنا أن موسى كان معه عصا يضرب بها الحجر, فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً, وتخبرنا أن عيسى كان يحيي الموتى, وتخبرنا أن ثمود كان لهم ناقة, فآتنا من الايات حتى نصدقك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أي شيء تحبون أن آتيكم به", قالوا: تجعل لنا الصفا ذهباً, فقال لهم "فإن فعلت تصدقوني ؟" قالوا: نعم, والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعون, فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو, فجاءه جبريل عليه السلام, فقال له: ما شئت إن شئت أصبح الصفا ذهباً, ولئن أرسل آية فلم يصدقوا عند ذلك ليعذبنهم, وإن شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بل يتوب تائبهم" فأنزل الله تعالى: "وأقسموا بالله جهد أيمانهم" إلى قوله تعالى: "ولكن أكثرهم يجهلون" وهذا مرسل, وله شواهد من وجوه أخر .
وقال الله تعالى: " وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون " الاية, وقوله تعالى: "وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون" قيل المخاطب بما يشعركم المشركون وإليه ذهب مجاهد وكأنه يقول لهم, وما يدريكم بصدقكم, في هذه الأيمان التي تقسمون بها, وعلى هذا فالقراءة " أنها إذا جاءت لا يؤمنون " بكسر أنها استئناف الخبر عنهم بنفي الإيمان عن مجيء الايات التي طلبوها, وقرأ بعضهم " أنها إذا جاءت لا يؤمنون " بالتاء المثناة من فوق وقيل المخاطب بقوله وما يشعركم المؤمنون, يقول وما يدريكم أيها المؤمنون, وعلى هذا فيجوز في قوله "أنها" الكسر كالأول والفتح على أنه معمول يشعركم, وعلى هذا فتكون لا في قوله "أنها إذا جاءت لا يؤمنون" صلة كقوله " ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك " وقوله "وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون" أي ما منعك أن تسجد إذ أمرتك, وحرام أنهم يرجعون, وتقديره في هذه الاية, وما يدريكم أيها المؤمنون الذين تودون لهم ذلك, حرصاً على إيمانهم, أنها إذا جاءتهم الايات يؤمنون, قال بعضهم أنها بمعنى لعلها. قال ابن جرير: وذكروا أن ذلك كذلك في قراءة أبي بن كعب, قال: وقد ذكر عن العرب سماعاً اذهب إلى السوق, أنك تشتري لنا شيئاً, بمعنى لعلك تشتري, قال وقد قيل إن قول عدي بن زيد العبادي من هذا:
أعاذل ما يدريك أن منيتي إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد
وقد اختار هذا القول ابن جرير, وذكر عليه من شواهد أشعار العرب والله أعلم. وقوله تعالى: "ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة" قال العوفي عن ابن عباس في هذه الاية: لما جحد المشركون ما أنزل الله, لم تثبت قلوبهم على شيء, وردت عن كل أمر, وقال مجاهد في قوله "ونقلب أفئدتهم وأبصارهم" ونحول بينهم وبين الإيمان, ولو جاءتهم كل آية فلا يؤمنون, كما حلنا بينهم وبين الإيمان أول مرة, وكذا قال عكرمة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم, وقال ابن أبي طلحة, عن ابن عباس رضي الله عنه, أنه قال: أخبر الله ما العباد قائلون قبل أن يقولوه, وعملهم قبل أن يعملوه, وقال "ولا ينبئك مثل خبير" جل وعلا وقال "أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله" إلى قوله "لو أن لي كرة فأكون من المحسنين" فأخبر الله سبحانه, أنهم لو ردوا لم يكونوا على الهدى, وقال: "ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون" وقال تعالى: "ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة" وقال: ولو ردوا إلى الدنيا, لحيل بينهم وبين الهدى, كما حلنا بينهم وبينه أول مرة وهم في الدنيا, وقوله "ونذرهم" أي نتركهم "في طغيانهم" قال ابن عباس والسدي: في كفرهم. وقال أبو العالية, والربيع بن أنس, وقتادة: في ضلالهم "يعمهون" قال الأعمش: يلعبون, وقال ابن عباس, ومجاهد, وأبو العالية, والربيع, وأبو مالك, وغيره: في كفرهم يترددون.
قوله: 110- "ونقلب أفئدتهم وأبصارهم" معطوف على "لا يؤمنون" قيل والمعنى: تقليب أفئدتهم وأبصارهم يوم القيامة على لهب النار وحر الجمر "كما لم يؤمنوا" في الدنيا "ونذرهم" في الدنيا: أي نمهلهم ولا نعاقبهم فعلى هذا بعض الآية في الآخرة. وبعضها في الدنيا، وقيل المعنى: ونقلب أفئدتهم وأبصارهم في الدنيا: أي نحول بينهم وبين الإيمان لو جاءتهم تلك الآية كما حلنا بينهم وبين ما دعوتهم إليه أول مرة عند ظهور المعجزة، وقيل: في الكلام تقدير وتأخير، والتقدير: أنها إذا جاءت لا يؤمنون كما لم يؤمنوا، ونقلب أفئدتهم وأبصارهم ونذرهم في طغيانهم يعمهون: أي يتحيرون، والكاف في "كما لم يؤمنوا" نعت مصدر محذوف، وما مصدرية، و "يعمهون" في محل نصب على الحال.
110- " ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة "، قال ابن عباس: يعني ونحول بينهم وبين الإيمان، فلو جئناهم بالآيات التي سألوا ما أمنوا بها كما لم يؤمنوا به أول مرة، أي: كما لم يؤمنوا بما قبلها من الآيات من انشقاق القمر وغيره، وقيل: كما لم يؤمنوا به أول مرة، يعني: معجزات موسى وغيره من الأنبياء عليهم السلام، كقوله تعالى " أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل "، (القصص،48)، وفي الآية محذوف تقديره فلا يؤمنون كما لم يؤمنوا به أول مرة، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: المرة الأولى دار الدنيا، يعني لو ردوا من الآخرة إلى الدنيا نقلب أفئدتهم وأبصارهم عن الإيمان كما لم يؤمنوا في الدنيا قبل مماتهم، كما قال: " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه "(الأنعام،28)" ونذرهم في طغيانهم يعمهون " ، قال عطاء: نخذلهم وندعهم في ضلالتهم يتمادون.

110 " ونقلب أفئدتهم وأبصارهم " عطف على لا يؤمنون أي : وما يشعركم أنا حينئذ يقلب أفئدتهم عن الحق فلا يفقهونه ، وأبصارهم فلا يبصرونه فلا يؤمنون بها " كما لم يؤمنوا به " أي بما أنزل من الآيات " أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون " وندعهم متحيرين لا نهديهم هداية المؤمنين . وقرئ ويقلب ويذرهم على الغيبة ، و تقلب على البناء للمفعول والإسناد إلى الأفئدة .
110. We confound their hearts and their eyes. As they believed not therein at the first, We let them wander blindly on in their contumacy.
110 - We (too) shall turn to (confusion) their hearts and their eyes, even as they refused to believe in this in the first instance: we shall leave them in their trespasses, to wander in distraction.