[الحشر : 7] مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
7 - (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى) كالصفراء ووادي القرى وينبع (فلله) يأمر فيه بما يشاء (وللرسول ولذي) صاحب (القربى) قرابة النبي من بني هاشم وبني المطلب (واليتامى) أطفال المسلمين الذين هلكت آباؤهم وهم فقراء (والمساكين) ذوي الحاجة من المسلمين (وابن السبيل) المنقطع في سفره من المسلمين أي يستحقه النبي صلى الله عليه وسلم والأصناف الأربعة على ما كان يقسمه من أن لكل من الأربعة خمس الخمس وله الباقي (كي لا) كي بمعنى الللام وأن مقدرة بعدها (يكون) الفيء علة لقسمه كذلك (دولة) متداولا (بين الأغنياء منكم وما آتاكم) أعطاكم (الرسول) من الفيء وغيره (فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب)
يعني بقوله جل ثناؤه " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى " الذي رد الله عز وجل على رسوله من أموال مشركي القرى .
واختلف أهل العلم في الذي عني بهذه الآية من الألوان ، فقال بعضهم : عني بذلك الجزية والخراج .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن أيوب ، عن عكرمة بن خالد ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، قال : قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه " إنما الصدقات للفقراء والمساكين " [ التوبة : 60 ] ، حتى بلغ " عليم حكيم " [ التوبة : 60 ] ، ثم قال : هذه لهؤلاء ، ثم قال : " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى " [ الأنفال : 41 ] ... الآية ، ثم قال : هذه الآية لهؤلاء ، ثم قرأ " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى " حتى بلغ ( للفقراء والذين تبوءوا الدار والذين جاءوا من بعدهم ) ثم قال استوعبت هذه الآية المسلمين عامة ، فليس أحد إلا له حق ، ثم قال : لئت عشت ليأتين الراعي وهو يسير حمره نصيبه ، لم يعرق فيها جبينه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، قال : ثنا معمر في قوله : " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى " حتى بلغني أنها الجزية ، والخراج : خراج من أهل القرى .
وقال آخرون : عني بذلك الغنيمة التي يصيبها المسلمون من عدوهم من أهل الحرب بالقتال عنوة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن يزيد بن رومان " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول " ما يوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب ، وفتح بالحرب عنوة ، " فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " قال : هذا قسم آخر فيما أصيب بالحرب بين المسلمين على ما وضعه الله عليه .
وقال آخرون : عني بذلك الغنيمة التي أوجف عليها المسلمون بالخيل والركاب ، وأخذت بالغلبة ، وقالوا كانت الغنائم في بدو الإسلام لهؤلاء الذين سماهم الله في هذه الآيات دون المرجفين عليها ، ثم نسخ ذلك بالآية التي في سورة الأنفال .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل " قال : كان الفيء في هؤلاء ، ثم نسخ ذلك في سورة الأنفال ، فقال : " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل " [ الأنفال : 41 ] ، فنسخت هذه ما كان قبلها في سورة الأنفال ، وجعل الخمس لمن كان له الفيء في سورة الحشر ، وكانت الغنيمة تقسم خمسة أخماس ، فأربعة أخماس لمن قاتل عليها ، ويقسم الخمس الباقي على خمسة أخماس ، فخمس لله وللرسول ، وخمس لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته ، وخمس لليتامى ، وخمس للمساكين ، وخمس لابن السبيل ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما هذين السهمين : سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسهم قرابته ، فحملا عليه في سبيل الله صدقة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال آخرون : عني بذلك ، ما صالح عليه أهل الحرب المسلمين من أموالهم ، وقالوا قوله " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول " ... الآيات ، بيان قسم المال الذي ذكره الله في الآية التي قبل هذه الآية ، وذلك قوله " ما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب " وهذا قول كان يقوله بعض المتفقهة من المتأخرين .
والصواب من القول في ذلك عندي أن هذه الآية حكمها غير حكم الآية التي قبلها ، وذلك أن الآية التي قبلها مال جعله الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم خاصة دون غيره ، لم يجعل فيه لأحد نصيباً ، وبذلك جاء الأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، قال : أرسل إلي عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فدخلت عليه ، فقال : إنه قد حضر أهل أبيات من قومك وإنا قد أمرنا لهم برضخ ، فاقسمه بينهم ، فقلت : يا أمير المؤمنين مر بذلك غيري ، قال : اقبضه أيها المرء ، فبينا أنا كذلك ، إذ جاء يرفأ مولاه ، فقال : عبد الرحمن بن عوف ، والزبير ، وعثمان ، وسعد يستأذنون ، فقال : ائذن لهم ، ثم مكث ساعة ، ثم جاء فقال : هذا علي والعباس يستأذنان ، فقال : ائذن لهما ، فلما دخل العباس ، قال : يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا الغادر الخائن الفاجر ، وهما جاءا يختصمان فيما افاء الله على رسوله من أعمال بني النضير ، فقال القوم : اقض بينهما يا أمير المؤمنين ، وأرح كل واحد منهما من صاحبه ، فقد طالت خصومتهما ، فقال : أنشدكم الله الذي بإذنه تقوم السموات والأرض ، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نورث ما تركناه صدقة ؟ قالوا : قد قال ذلك ، ثم قال لهما ، أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك ؟ قالا : نعم ، قال : فسأخبركم بهذا الفيء ، إن الله خص نبيه صلى الله عليه وسلم بشيء لم يعطه غيره ، فقال " وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب " فكانت هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ، فوالله ما احتازها دونكم ، ولا استأثر بها دونكم ، ولقد قسمها عليكم حتى بقي منها هذا المال ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله منه سنتهم ، ثم جعل ما بقي في مال الله ، فإذا كانت هذه الآية التي قبلها مضت وذكر المال الذي خص الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولم يجعل لأحد معه شيئاً ، وكانت هذه الآية خبراً عن المال الذي جعله الله لأصناف شتى ، كان معلوماً بذلك أن المال الذي جعله لأصناف من خلقه غير المال الذي جعله للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، ولم يجعل له شريكاً .
وقوله : " ولذي القربى " يقول : ولذي قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وبني المطلب " واليتامى " وهم أهل الحاجة من أطفال المسلمين الذين لا مال لهم " والمساكين " : وهم الجامعون فافقة وذلك المسئلة ، " وابن السبيل " : وهم المنقطع بهم من المسافرين في غير معصية الله عز وجل .
وقد ذكرنا الرواية التي جاءت عن أهل التأويل ذلك فيما مضى من كتابنا .
وقوله : " كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم " يقول جل ثناؤه : وجعلنا ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى لهذه الأصناف ، كيلا يكون ذلك الفيء دولة يتداوله الأغنياء منكم بينهم ، يصرفه هذا مرة في حاجات نفسه ، وهذه مرة في أبواب البر وسبل الخير ، فيجعلون ذلك حيث شاءوا ، ولكننا سننا فيه سنة لا تغير ولا تبدل .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار سوى أبي جعفر القارئ " كيلا يكون " " دولة " نصباً على ما وصفت من المعنى ، وأن في يكون ذكر الفيء ، وقوله " دولة " نصب خبر يكون ، وقرأ ذلك أبو جعفر الفارئ ( كيلا يكون دولة ) على رفع الدولة مرفوعة بيكون ، والخبر قوله : بين الأغنياء منكم ، وبضم الدال من " دولة " قرأ جميع قراء الأمصار ، غير أنه حكي عن أبي عبد الرحمن الفتح فيها .
وقد اختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى ذلك ، إذا ضمت الدال أو فتحت ، فقال بعض الكوفيين : معنى ذلك إذا فتحت الدولة : وتكون للجيش يهزم هذا هذا ، ثم يهزم الهازم ، فيقال : قد رجعت الدولة على هؤلاء قال : والدولة برفع الدال ، في الملك والسنين التي تغير وتبدل على الدهر ، فتلك الدولة والدول ، وقال بعضهم : فرق ما بين الضم والفتح أن الدولة ، هي اسم الشيء الذي يتداول بعينه ، والدولة الفعل .
والقراءة التي لا أستجيز غيرها في ذلك " كيلا يكون " بالياء " دولة " بضم الدال ونصب الدولة على المعنى الذي ذكرت في ذلك لإجماع الحجة عليه ، والفرق بين الدولة والدولة بضم الدال وفتحها ما ذكرت عن الكوفي في ذلك .
وقوله " وما آتاكم الرسول فخذوه " يقول تعالى ذكره : وما أعطاكم رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه من أهل القرآ فخذوه " وما نهاكم عنه " من الغلول وغيره من الأمور " فانتهوا " وكان بعض أهل العلم يقول نحو قولنا في ذلك غير أنه كان يوجه معنى قوله " وما آتاكم الرسول فخذوه " إلى ما آتاكم من الغنائم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن عوف ، عن الحسن ، في قوله " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " قال : يؤتيهم الغنائم ويمنعهم الغلول .
وقوله : " واتقوا الله " يقول : وخافوا الله ، واحذروا عقابه في خلافكم على رسوله بالتقدم على ما نهاكم عنه ، ومعصيتكم إياه " إن الله شديد العقاب " يقول : إن الله شديد عقابه لمن عاقبه من أهل معصيته لرسوله صلى الله عليه وسلم .
يقول تعالى مبيناً ما الفيء وما صفته وما حكمه, فالفيء كل مال أخذ من الكفار من غير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب, كأموال بني النضير هذه فإنها مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب, أي لم يقاتلوا الأعداء فيها بالمبارزة والمصاولة بل نزل أولئك من الرعب الذي ألقى الله في قلوبهم من هيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأفاءه على رسوله, ولهذا تصرف فيه كما يشاء فرده على المسلمين في وجوه البر والمصالح التي ذكرها الله عز وجل في هذه الايات فقال تعالى: "وما أفاء الله على رسوله منهم" أي من بني النضير "فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب" يعني الإبل "ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير" أي هو قدير لا يغالب ولا يمانع بل هو القاهر لكل شيء.
ثم قال تعالى: "ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى" أي جميع البلدان التي تفتح هكذا فحكمها حكم أموال بني النضير ولهذا قال تعالى: "فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل" إلى آخرها والتي بعدها فهذه مصارف أموال الفيء ووجوهه. قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن عمرو ومعمر عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر رضي الله عنه قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لو يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب, فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة, فكان ينفق على أهله منها نفقة سنته, وقال مرة قوت سنته وما بقي جعله في الكراع والسلاح في سبيل الله عز وجل, هكذا أخرجه أحمد ههنا مختصراً, وقد أخرجه الجماعة في كتبهم إلا ابن ماجه من حديث سفيان عن عمرو بن دينار عن الزهري به, وقد رويناه مطولاً.
وقال أبو داود رحمه الله: حدثنا الحسن بن علي ومحمد بن يحيى بن فارس المعنى واحد قالا: حدثنا بشر بن عمر الزهراني حدثني مالك بن أنس عن ابن شهاب عن مالك بن أوس قال: أرسل إلي عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين تعالى النهار فجئته فوجدته جالساً على سرير مفضياً إلى رماله فقال حين دخلت عليه: يا مالك إنه قد دف أهل أبيات من قومك وقد أمرت فيهم بشيء فاقسم فيهم, قلت لو أمرت غيري بذلك فقال خذه, فجاءه يرفا فقال يا أمير المؤمنين هل لك في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص ؟ قال: نعم.
فأذن لهم فدخلوا ثم جاءه يرفا فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في العباس وعلي ؟ قال: نعم, فأذن لهما فدخلا فقال العباس: يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا يعني علياً, فقال بعضهم: أجل يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرحهما, قال مالك بن أوس: خيل إلي أنهما قدما أولئك النفر لذلك, فقال عمر رضي الله عنه اتئدا ثم أقبل على أولئك الرهط فقال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نورث ما تركنا صدقة" قالوا: نعم. ثم أقبل على علي والعباس فقال: أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نورث ما تركنا صدقة" فقالا: نعم. فقال: إن الله خص رسوله بخاصة لم يخص بها أحداً من الناس فقال تعالى: "وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير" فكان الله تعالى أفاء على رسوله أموال بني النضير فوالله ما استأثر بها عليكم ولا أحرزها دونكم, فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ منها نفقة سنة أو نفقته ونفقة أهله سنة, ويجعل ما بقي أسوة المال.
ثم أقبل على أولئك الرهط فقال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون ذلك ؟ قالوا: نعم. ثم أقبل على علي والعباس فقال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمان ذلك ؟ قالا: نعم. فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجئت أنت وهذا إلى أبي بكر تطلب أنت ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها, فقال أبو بكر رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نورث ما تركنا صدقة" والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق فوليها أبو بكر, فلما توفي قلت أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي أبي بكر فوليتها ما شاء الله أن أليها, فجئت أنت وهذا وأنتما جميع وأمركما واحد فسألتمانيها, فقلت إن شئتما فأنا أدفعها إليكما على أن عليكما عهد الله أن تلياها بالذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يليها, فأخذتماها مني على ذلك ثم جئتماني لأقضي بينكما بغير ذلك والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما عنها فرداها إلي, أخرجوه من حديث الزهري به.
قال الإمام أحمد: حدثنا عارم وعفان قالا: أخبرنا معمر سمعت أبي يقول: حدثنا أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل كان يجعل له من ماله النخلات أو كما شاء الله حتى فتحت عليه قريظة والنضير قال فجعل يرد بعد ذلك, قال وإن أهلي أمروني أن آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأسأله الذي كان أهله أعطوه أو بعضه, وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم قد أعطاه أم أيمن أو كما شاء الله قال, فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأعطانيهن, فجاءت أم أيمن فجعلت الثوب في عنقي وجعلت تقول كلا والله الذي لا إله إلا هو لا يعطيكهن وقد أعطانيهن, أو كما قالت فقال نبي الله: "لك كذا وكذا" قال وتقول كلا والله قال ويقول "لك كذا وكذا" قال وتقول كلا والله, قال: "ويقول لك كذا وكذا" قال حتى أعطاها حسبت أنه قال عشرة أمثاله أو قال قريباً من عشرة أمثاله, أو كما قال رواه البخاري ومسلم من طرق عن معتمر به, وهذه المصارف المذكورة في هذه الاية هي المصارف المذكورة في خمس الغنيمة, وقد قدمنا الكلام عليها في سورة الأنفال بما أغنى عن إعادته ههنا ولله الحمد.
وقوله تعالى: " كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم " أي جعلنا هذه المصارف لمال الفيء كيلا يبقى مأكلة يتغلب عليها الأغنياء ويتصرفون فيها بمحض الشهوات والاراء, ولا يصرفون منه شيئاً إلى الفقراء. وقوله تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" أي مهما أمركم به فافعلوه ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه, فإنه إنما يأمر بخير وإنما ينهى عن شر. قال ابن أبي حاتم: حدثنا يحيى بن أبي طالب, حدثنا عبد الوهاب, حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن العوفي عن يحيى بن الجزار عن مسروق قال: جاءت امرأة إلى ابن مسعود قالت: بلغني أنك تنهى عن الواشمة والواصلة, أشيء وجدته في كتاب الله تعالى أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: بلى شيء وجدته في كتاب الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: والله لقد تصفحت ما بين دفتي المصحف فما وجدت فيه الذي تقول. قال: فما وجدت فيه "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" ؟ قالت: بلى. قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن الواصلة والواشمة والنامصة, قالت: فلعله في بعض أهلك, قال فادخلي فانظري, فدخلت فنظرت ثم خرجت قالت: ما رأيت بأساً, فقال لها: أما حفظت وصية العبد الصالح "وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه".
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن, حدثنا سفيان عن منصور عن علقمة عن عبد الله هو ابن مسعود قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن, المغيرات خلق الله عز وجل, قال فبلغ امرأة من بني أسد في البيت يقال لها أم يعقوب, فجاءت إليه فقالت بلغني أنك قلت كيت وكيت, قال ما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي كتاب الله تعالى, فقالت إني لأقرأ ما بين لوحيه فما وجدته, فقال إن كنت قرأته فقد وجدته أما قرأت "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" قالت: بلى. قال: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه. قالت: إني لأظن أهلك يفعلونه, قال: اذهبي فانظري فذهبت فلم تر من حاجتها شيئاً, فجاءت فقالت: ما رأيت شيئاً, قال: لو كان كذا لما تجامعنا. أخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان الثوري, وقد ثبت في الصحيحين أيضاً عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم, وما نهيتكم عنه فاجتنبوه" وقال النسائي: أخبرنا أحمد بن سعيد, حدثنا يزيد, حدثنا منصور بن حيان عن سعيد بن جبير عن ابن عمرو ابن عباس " أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت , ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" وقوله تعالى: "واتقوا الله إن الله شديد العقاب" " أي اتقوه في امتثال أوامره وترك زواجره فإنه شديد العقاب لمن عصاه وخالف أمره وأباه وارتكب ما عنه زجره ونهاه.
7- "ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى" هذا بيان لمصارف الفيء بعد بيان أنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، والتكرير لقصد التقرير والتأكيد، ووضع أهل القرى موضع قوله: منهم أي من بني النضير للإشعار بأن هذا الحكم لا يختص ببني النضير وحدهم، بل هو حكم على كل قرية يفتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم صلحاً ولم يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب. قيل والمراد بالقرى: بنو النضير وقريظة وفدك وخيبر. وقد تكلم أهل العلم في هذه الآية والتي قبلها؟ هل معناهما متفق أو مختلف، فقيل معناهما متفق كما ذكرنا، وقيل مختلف، وفي ذلك كلام لأهل العلم طويل. قال ابن العربي: لا إشكال أنها ثلاثة معان في ثلاث آيات. أما الآية الأولى، وهي قوله: "وما أفاء الله على رسوله منهم" فهي خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم له وهي أموال بني النضير وما كان مثلها. وأما الآية الثانية، وهي قوله: "ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى" فهذا كلام مبتدأ غير الأول بمستحق غير الأول وإن اشتركت هي والأولى في أن كل واحدة منهما تضمنت شيئاً أفاءه الله على رسوله واقتضت الآية الأولى أنه حاصل بغير قتال، واقتضت آية الأنفال، وهي الآية الثالثة أنه حاصل بقتال، وعريت الآية الثانية، وهي قوله: "ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى" عن ذكر حصوله بقتال أو بغير قتال، فنشأ الخلاف من هاهنا، فطائفة قالت هي ملحقة بالأولى وهي مال الصلح. وطائفة قالت هي ملحقة بالثالثة وهي آية الأنفال. والذين قالوا إنها ملحقة بآية الأنفال اختلفوا هل هي منسوخة أو محكمة هذا معنى حاصل كلامه. وقال مالك: إن الآية الأولى من هذه السورة خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم، والآية الثانية هي في بني قريظة، ويعني أن معناها يعود إلى آية الأنفال. ومذهب الشافعي أن سبيل خمس الغنيمة، وأن أربعة أخماسه كانت للنبي صلى الله عليه وسلم وهي بعده لصالح المسلمين "فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل" المراد بقوله: لله أنه يحكم فيه بما يشاء وللرسول يكون ملكاً له ولذي القربى وهو بنو هاشم وبنو المطلب لأنهم قد منعوا من الصدقة فجعل لهم حقاً في الفيء. قيل تكون القسمة في هذا المال على أن يكون أربعة أخماسه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وخمسه يقسم أخماساً. للرسول خمس، ولكل صنف من الأصناف الأربعة المذكورة خمس، وقيل يقسم أسداساً. السادس سهم الله سبحانه ويصرف إلى وجوه القرب، كعمارة المساجد ونحو ذلك
" كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم " أي كيلا يكون الفيء دولة بين الأغنياء دون الفقراء، والدولة اسم للشيء يتداوله القوم بينهم، يكون لهذا مرة، ولهذا مرة. قال مقاتل: المعنى أنه يغلب الأغنياء الفقراء فيقسمونه بينهم. قرأ الجمهور "يكون" بالتحتية "دولةً" بالنصب: أي كيلا يكون الفيء دولة. وقرأ أبو جعفر والأعرج وهشام وأبو حيان "تكون" بالفوقية " دولة " بالرفع: أي كيلا تقع أو توجد دولة، وكان تامة. وقرأ الجمهور دولة بضم الدال. وقرأ أبو حيوة والسلمي بفتحها. قال عيسى بن عمر ويونس والأصمعي هما لغتان بمعنى واحد. وقال أبو عمرو بن العلاء: الدولة بالفتح الذي يتداول من الأموال، وبالضم الفعل. وكذا قال أبو عبيدة. ثم لما بين لهم سبحانه مصارف هذا المال أمرهم بالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" أي ما أعطاكم من مال الغنيمة فخذوه. وما نهاكم عن أخذه فانتهوا عنه ولا تأخذوه. قال الحسن والسدي: ما أعطاكم من مال الفيء فاقبلوه، وما منعكم منه فلا تطلبوه. وقال ابن جريح: ما آتاكم من طاعتي فافعلوا، وما نهاكم عنه من معصيتي فاجتنبوه. والحق أن هذه الآية عامة في كل شيء يأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمر أو نهي أو قول أو فعل. وإن كان السبب خاصاً فالاعتبار بعموم اللغظ لا بخصوص السبب. وكل شيء أتانا به من الشرع فقد أعطانا إياه وأوصله إلينا. وما أنفع هذه الآية وأكثر فائدتها. ثم لما أمرهم بأخذ ما أمرهم به الرسول وترك ما نهاهم عنه أمرهم بتقواه وخوفهم شدة عقوبته. فقال: "واتقوا الله إن الله شديد العقاب" فهو معاقب من لم يأخذها ما آتاه الرسول ولم يترك ما نهاه عنه.
وقد أخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت: كانت غزوة بني النضير، وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر، وكان منزلهم ونخلهم في ناحية المدينة، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من الأمتعة والأموال إلا الحلقة: يعني السلاح، فأنزل الله فيهم "سبح لله ما في السموات وما في الأرض" إلى قوله: "لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا" فقاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى صالحهم على الإجلاء وجلاهم إلى الشام، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا، وكان الله قد كتب عليهم ذلك، ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي، وأما قوله: "لأول الحشر" فكان إجلاؤهم ذلك أول حشر في الدنيا إلى الشام. وأخرج البزار وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال: "من شك أن المحشر بالشام فليقرأ هذه الآية "هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر" قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: اخرجوا، قالوا إلى أين؟ قال إلى أرض المحشر". وأخرج ابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حاصرهم حتى بلغ منهم كل مبلغ، فأعطوه ما أراد منهم، فصالحهم على أن يحقن هلم دماءهم، وأن يخرجهم من أرضهم وأوطانهم، وأن يسيروا إلى أذرعات الشام، وجعل لكل ثلاثة منهم بعيراً وسقاء. وفي البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير وقطع وهي البويرة، ولها يقول حسان:
لهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير
فأنزل الله: "ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين"". وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال: اللينة النخلة "وليخزي الفاسقين" قال: استنزلوهم من حصونهم وأمروا بقطع النخل فحك في صدورهم، فقال المسلمون: قد قطعنا بعضاً وتركنا بعضاً، فلنسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لنا فيما قطعنا أجر، وهل علينا فيما تركنا من وزر؟ فأنزل الله: "ما قطعتم من لينة" الآية، وفي الباب أحاديث، والكلام في صلح بني النضير مبسوط في كتب السير. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عمر بن الخطاب قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله، ومما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، فكان ينفق على أهله منها نفقة سنة ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب" فجعل ما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكم فيه ما أراد، ولم يكن يومئذ خيل ولا ركاب يوجف بها. قال: والإيجاف أن يوضعوا السير، وهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان من ذلك خيبر وفدك وقرى عرينة. وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعمد لينبع، فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتواها كلها، فقال ناس: هلا قسمها الله فأنزل الله عذره فقال: "ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى" الآية. وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً قال: كان ما أفاء الله على رسوله من خيبر نصف لله ورسوله، والنصف الآخر للمسلمين، فكان الذي لله ورسوله من ذلك الكثيبة والوطيح وسلالم و[وحدوه]، وكان الذي للمسلمين الشق، والشق ثلاثة عشر سهماً، ونطاة خمسة أسهم، ولم يقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر لأحد من المسلمين إلا لمن شهد الحديبية، ولم يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من المسلمين تخلف عنه عند مخرجه إلى الحديبية أن يشهد معه خيبر إلا جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري. وأخرج أبو داود وابن مردويه عن عمر بن الخطاب قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صفايا في النضير وخيبر وفدك، فأما بنو النضير فكانت حسباً لنوائبه، وأما فدك فكانت لابن السبيل، وأما خيبر فجزأها ثلاث أجزاء: قسم منها جزءين بين المسلمين، وحبس جزءاً لنفسه ولنفقة أهله، فما فضل عن نفقة أهله ردها على فقراء المهاجرين. وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن أبي شيبة وابن زنجويه في الأموال وعبد بن حميد وابن المنذر عن عمر بن الخطاب قال: ما على وجه الأرض مسلم إلا وله في هذا الفيء حق إلا ما ملكت أيمانكم. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال: "لعن الله الواشمات والمتوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب، فجاءت ابن مسعود، فقالت: بلغني أنك لعنت كيت وكيت، قال: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله؟ قالت: لقد قرأت ما بين الدفتين فما وجدت فيه شيئاً من هذا، قال: لئن كنت قرأته لقد وجدته، أما قرأت "ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" قالت بلى، قال: فإنه قد نهى عنه".
قوله عز وجل 7- "ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى"، يعني من أموال كفار أهل القرى، قال ابن عباس: هي قريظة والنضير وفدك وخيبر وقرى عرينة، "فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل"، قد ذكرنا في سورة الأنفال حكم الغنيمة وحكم الفيء. إن مال الفيء كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته يضعه حيث يشاء وكان ينفق منه على أهله نفقة سنتهم ويجعل ما بقي مجعل مال الله.
واختلف أهل العلم في مصرف الفيء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال قوم: هو للأئمة بعده.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما- هو للمقاتلة، والثاني: لمصالح المسلمين، ويبدأ بالمقاتلة ثم بالأهم فالأهم من المصالح.
واختلفوا في تخميس مال الفيء: فذهب بعضهم إلى أنه يخمس، فخمسه لأهل الغنيمة، وأربعة أخماسه للمقاتلة وللمصالح، وذهب الأكثرون إلى أنه لا يخمس بل مصرف جميعه واحد، ولجميع المسلمين فيه حق، قرأ عمر بن الخطاب: "ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى"، حتى بلغ: " للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم " " والذين جاؤوا من بعدهم ". ثم قال: هذه استوعبت المسلمين عامة، وقال: ما على وجه الأرض مسلم إلا له في هذا الفيء حق إلا ما ملكت أيمانكم.
"كي لا يكون دولةً"، قرأ العامة بالياء، "دولة" أي لكيلا يكون الفيء دولة، وقرأ أبو جعفر: "تكون" بالتاء دولة بالرفع على اسم كان، أي: كيلا يكون الأمر إلى دولة، وجعل الكينونة بمعنى الوقوع وحينئذ لا خبر له. والدولة اسم للشيء الذي يتداوله القوم بينهم، "بين الأغنياء منكم"، يعني بين الرؤساء والأقوياء، فيغلبوا عليه الفقراء والضعفاء، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا إذا اغتنموا غنيمة أخذ الرئيس ربعها لنفسه، وهو المرباع، ثم يصطفي منها بعد المرباع ما شاء، فجعله الله لرسوله صلى الله عليه وسلم يقسمه فيما أمر به، ثم قال:
"وما آتاكم"، أعطاكم، "الرسول"، من الفيء والغنيمة، "فخذوه وما نهاكم عنه"، من الغلول وغيره، "فانتهوا"، وهذا نازل في / أموال الفيء، وهو عام في كل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عنه.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، عن محمد بن يوسف، حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال:لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله. فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب، فجاءت فقالت: إنه قد بلغني أنك لعنت كيت وكيت، فقال: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله تعالى؟ فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول: قال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه أما قرأت: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" (الحشر- 7)؟ قالت: بلى، قال: فإنه قد نهى عنه.
"واتقوا الله إن الله شديد العقاب".
7-" ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى " بيان للأول ولذلك لم يعطف عليه . " فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل " اختلف في قسم الفيء ، فقيل يسدس لظاهر الآية ويصرف سهم الله في عمارة الكعبة وسائر المساجد ، وقيل يخمس لأن ذكر الله للتعظيم ويصرف الآن سهم الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الإمام على قول وإلى العساكر والثغور على قول وإلى مصالح المسلمين على قول . وقيل يخمس خمسة كالغنيمة فإنه عليه الصلاة والسلام كان يقسم الخمس كذلك ويصرف الأخماس الأربعة كما يشاء والآن على الخلاف المذكور . " كيلا يكون " أي الفيء الذي حقه أن يكون للفقراء . وقرأ هشام في روايه بالتاء . " دولةً بين الأغنياء منكم " الدولة ما يتداوله الأغنياء ويدور بينهم كما كان في الجاهلية ، وقرئ " دولة " بمعنى كيلا يكون الفيء ذا تداول بينهم أو أخذه غلبة تكون بينهم ، وقرأ هشام دولة بالرفع على كان التامة أي كيلا يقع دولة جاهلية . " وما آتاكم الرسول " وما أعطاكم من الفيء أو من الأمر " فخذوه " لأنه حلال لكم ، أو فتمسكوا به لأنه واجب الطاعة . " وما نهاكم عنه " عن أخذه منه ، أو عن إتيانه . " فانتهوا " عنه . " واتقوا الله " في مخالفة رسوله . " إن الله شديد العقاب " لمن خالفه .
7. That which Allah giveth as spoil unto His messenger from the people of the townships, it is for Allah and His messenger and for the near of kin and the orphans and the needy and the wayfarer, that it become not a commodity between the rich among you. And whatsoever the messenger giveth you, take it. And whatsoever he forbiddeth, abstain (from it). And keep your duty to Allah. Lo! Allah is stern in reprisal.
7 - What God has bestowed on His Apostle (and taken away) from the people of the townships, belongs to God, to His Apostle and to kindred and orphans, the needy and the wayfarer; in order that it may not (merely) make a circuit between the wealthy among you. So take what the Apostle assigns to you, and deny yourselves that which he withholds from you. And fear God; for God is strict in Punishment.