[الحشر : 18] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
18 - (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد) ليوم القيامة (واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون)
وقوله : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله " يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين صدقوا الله ووحده ، اتقوا الله بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه .
وقوله " ولتنظر نفس ما قدمت لغد " يقول : ولينظر أحدكم ما قدم ليوم القيامة من الأعمال ، أمن الصالحات التي تنجيه أم من السيئات التي توبقه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد " ما زال ربكم يقرب الساعة حتى جعلها كغد ، وغد يوم القيامة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " ما قدمت لغد " يعني يوم القيامة .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " ما قدمت لغد " يعني يوم القيامة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، وقرأ قوله الله عز وجل " ولتنظر نفس ما قدمت لغد " يعني يوم القيامة الخير والشر ، قال : والأمس في الدنيا ، وغد في الآخرة ، وقرأ " كأن لم تغن بالأمس " [ يونس : 24 ] ، كأن لم تكن في الدنيا .
وقوله : " واتقوا الله " يقول : وخافوا الله بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه " إن الله خبير بما تعملون " يقول : إن الله ذو خبرة وعلم بأعمالكم خيرها وشرها ، لا يخفى عليه منها شيء ، وهو مجازيكم على جميعها .
قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله " في أوامره ونواهيه ، وأداء فرائضه واجتناب معاصيه . " ولتنظر نفس ما قدمت لغد " يعني يوم القيامة . والعرب تكني عن المستقبل بالغد .وقيل : ذكر الغد تنبيها على أن الساعة قريبة ، كما قال الشاعر :
وإن غدا للنا ظرين قريب
وقال الحسن وقتادة : قرب الساعة عتى جعلها كغد . ولا شك أن كل آت قريب ، والموت لا محاى آت . ومعنى ما قدمت يعني من خير أو شر . " واتقوا الله " أعاد هذا تكريرا ، كقولك : اعجل اعجل ، ارم ارم . وقيل التقوى الأولى التوبة فيما مضى من الذنوب ، والثانية اتقاء المعاصي في المستقبل . "إن الله خبير بما تعملون " قال سعيد بن جبير : أي بما يكون منكم .والله أعلم .
قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن عون بن أبي جحيفة عن المنذر بن جرير عن أبيه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار, قال: فجاءه قوم حفاة عراة محتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف, عامتهم من مضر بلكلهم من مضر, فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة, قال: فدخل ثم خرج, فأمر بلالاً فأذن وأقام الصلاة فصلى ثم خطب فقال: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ـ إلى آخر الاية وقرأ الاية التي في الحشر "ولتنظر نفس ما قدمت لغد" تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره ـ حتى قال ـ ولو بشق تمرة" قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها, بل قد عجزت, ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب, حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه كأنه مذهبة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء, ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" انفرد بإخراجه مسلم من حديث شعبة بإسناده مثله, فقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله" أمر بتقواه وهو يشمل فعل ما به أمر وترك ما عنه زجر.
وقوله تعالى: "ولتنظر نفس ما قدمت لغد" أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا, وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم "واتقوا الله" تأكيد ثان "إن الله خبير بما تعملون" أي اعلموا أنه عالم بجميع أعمالكم وأحوالكم, لا تخفى عليه منكم خافية ولا يغيب من أموركم جليل ولا حقير وقوله تعالى: "ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم" أي لا تنسوا ذكر الله تعالى: فينسيكم العمل لمصالح أنفسكم التي تنفعكم في معادكم, فإن الجزاء من جنس العمل, ولهذا قال تعالى: "أولئك هم الفاسقون" أي الخارجون عن طاعة الله الهالكون يوم القيامة الخاسرون يوم معادهم, كما قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون".
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي, حدثنا المغيرة, حدثنا جرير بن عثمان عن نعيم بن نمحة قال: كان في خطبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه: أما تعلمون أنكم تغدون وتروحون لأجل معلوم, فمن استطاع أن يقضي الأجل وهو في عمل الله عز وجل فليفعل, ولن تنالوا ذلك إلا بالله عز وجل, إن قوماً جعلوا آجالهم لغيرهم فنهاكم الله عز وجل أن تكونوا أمثالهم "ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم" أين من تعرفون من إخوانكم ؟ قدموا على ما قدموا في أيام سلفهم وخلوا بالشقوة والسعادة, وأين الجبارون الأولون الذي بنوا المدائن وحصنوها بالحوائط ؟ قد صاروا تحت الصخر والابار, هذا كتاب الله لا تفنى عجائبه فاستضيئوا منه ليوم ظلمة, واستضيئوا بسنائه وبيانه, إن الله تعالى أثنى على زكريا وأهل بيته فقال تعالى: "إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين" لا خير في قول لا يراد به وجه الله ولا خير في مال لا ينفق في سبيل الله, ولا خير فيمن يغلب جهله حلمه, ولا خير فيمن يخاف في الله لومة لائم. هذا إسناد جيد ورجاله كلهم ثقات, وشيخ جريز بن عثمان وهو نعيم بن نمحة لا أعرفه بنفي ولا إثبات, غير أن أبا داود السجستاني قد حكم بأن شيوخ حرير كلهم ثقات, وقد روي لهذه الخطبة شواهد من وجوه أخر والله أعلم.
وقوله تعالى: "لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة" أي لا يستوي هؤلاء وهؤلاء في حكم الله تعالى يوم القيامة, كما قال تعالى: "أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواءً محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون" وقال تعالى: "وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلاً ما تتذكرون" وقال تعالى: "أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض ؟ أم نجعل المتقين كالفجار". في آيات أخر دالات على أن الله تعالى يكرم الأبرار ويهين الفجار, ولهذا قال تعالى ههنا: "أصحاب الجنة هم الفائزون" أي الناجون المسلمون من عذاب الله عز وجل.
ثم رجع سبحانه إلى خطاب المؤمنين بالموعظة الحسنة فقال: 18- "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله" أي اتقوا عقابه بفعل ما أمركم به وترك ما نهاكم عنه "ولتنظر نفس ما قدمت لغد" أي لتنظر أي شيء قدمت من الأعمال ليوم القيامة، والعرب تكفي من المستقبل بالغد، وقيل ذكر الغد تنبيهاً على قرب الساعة "واتقوا الله" كرر الأمر بالتقوى للتأكيد "إن الله خبير بما تعملون" لا تخفى عليه من ذكر خافية، فهو مجازيكم بأعمالكم إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
قوله عز وجل 18- "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد"، يعني ليوم القيامة، أي: لينظر أحدكم أي شيء قدم لنفسه، عملاً صالحاً ينجيه أم سيئاً يوبقه؟ "واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون".
18-" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد " ليوم القيامة سماه به لدنوه أو لأن الدنيا كيوم والآخرة كغده ، وتنكيره للتعظيم وأما تنكير النفس فلاستقلال الأنفس النواظر فما قدمن للآخرة كأنه قال : فلتنظر نفس واحدة في ذلك . " واتقوا الله " تكرير للتأكيد ، أو الأول في أداء الواجبات لأنه مقرون بالعمل والثاني في ترك المحارم لاقترانه بقوله : " إن الله خبير بما تعملون " وهو كالوعيد على المعاصي .
18. O ye who believe! Observe your duty to Allah. And let every soul look to that which it sendeth on before for the morrow. And observe your duty to Allah! Lo! Allah is informed of what ye do.
18 - O ye who believe! Fear God, and let every soul look to what (provision) he has sent forth for the morrow. Yea, fear God: for God is well acquainted with (all) that ye do.