[المجادلة : 21] كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ
21 - (كتب الله) في اللوح المحفوظ أو قضى (لأغلبن أنا ورسلي) بالحجة أو السيف (إن الله قوي عزيز)
وقوله : " كتب الله لأغلبن أنا ورسلي " يقول : قضى الله وخط في أم الكتاب ، لأغلبن أنا ورسلي من حادني وشاقني .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " كتب الله لأغلبن أنا ورسلي " ... الآية ، قال : كتب الله كتاباً وأمضاه .
وقوله : " إن الله قوي عزيز " يقول : إن الله جل ثناؤه ذو قوة وقدرة على كل من حاده ورسوله أن يهلكه ، ذو عزة فلا يقدر أحد أن ينتصر منه إذا هو أهلك وليه ، أو عاقبه ، أو أصابه في نفسه بسوء .

يقول تعالى مخبراً عن الكفار المعاندين المحادين لله ورسوله, يعني الذين هم في حد والشرع في حد, أي مجانبون للحق مشاقون له هم في ناحية والهدى في ناحية "أولئك في الأذلين" أي في الأشقياء المبعدين المطرودين عن الصواب الأذلين في الدنيا والاخرة. " كتب الله لأغلبن أنا ورسلي " أي قد حكم وكتب في كتابه الأول وقدره الذي لا يخالف ولا يمانع ولا يبدل, بأن النصرة له ولكتابه ورسله وعباده المؤمنين في الدنيا والاخرة " إن العاقبة للمتقين " كما قال تعالى: "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد * يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار" وقال ههنا: "كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز" أي كتب القوي العزيز أنه الغالب لأعدائه, وهذا قدر محكم وأمر مبرم أن العاقبة والنصرة للمؤمنين في الدنيا والاخرة ثم قال تعالى: " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم " أي لا يوادون المحادين ولو كانوا من الأقربين كما قال تعالى: "لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه" الاية.
وقال الله تعالى: "قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين" وقد قال سعيد بن عبد العزيز وغيره: أنزلت هذه الاية " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر " إلى آخرها في أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح حين قتل أباه يوم بدر, ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جعل الأمر شورى بعده في أولئك الستة رضي الله عنهم: ولو كان أبو عبيدة حياً لاستخلفته. وقيل في قوله تعالى: "ولو كانوا آباءهم" نزلت في أبي عبيدة قتل أباه يوم بدر "أو أبناءهم" في الصديق هم يومئذ بقتل ابنه عبد الرحمن "أو إخوانهم" في مصعب بن عمير, قتل أخاه عبيد بن عمير يومئذ "أو عشيرتهم" في عمر قتل قريباً له يومئذ أيضاً, وفي حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة يومئذ, فالله أعلم.
قلت: ومن هذا القبيل حين استشار رسول الله المسلمين في أسارى بدر, فأشار الصديق بأن يفادوا فيكون ما يؤخذ منهم قوة للمسلمين, وهم بنو العم والعشيرة, ولعل الله تعالى أن يهديهم, وقال عمر: لا رأى ما أرى, يا رسول الله هل تمكنني من فلان قريب لعمر فأقتله, وتمكن علياً من عقيل وتمكن فلاناً من فلان ليعلم الله أنه ليست في قلوبنا موادة للمشركين القصة بكمالها. وقوله تعالى: "أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه" أي من اتصف بأنه لا يواد من حاد الله ورسوله ولو كان أباه أو أخاه, فهذا ممن كتب الله في قلبه الإيمان أي كتب له السعادة وقررها في قلبه وزين الإيمان في بصيرته. قال السدي: "كتب في قلوبهم الإيمان" جعل في قلوبهم الإيمان. وقال ابن عباس "وأيدهم بروح منه" أي قواهم.
وقوله تعالى: "ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه" كل هذا تقدم تفسيره غير مرة, وفي قوله تعالى: " رضي الله عنهم ورضوا عنه" سر بديع وهو أنه لما سخطوا على القرائب والعشائر في الله تعالى عوضهم الله بالرضا عنهم وأرضاهم عنه بما أعطاهم من النعيم المقيم والفوز العظيم والفضل العميم. وقوله تعالى: "أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون" أي هؤلاء حزب الله أي عباد الله وأهل كرامته. وقوله تعالى: "ألا إن حزب الله هم المفلحون" تنويه بفلاحهم وسعادتهم ونصرتهم في الدنيا والاخرة في مقابلة ما ذكر عن أولئك بأنهم حزب الشيطان ثم قال: "ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون".
وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا هارون بن حميد الواسطي, حدثنا الفضل بن عنبسة عن رجل قد سماه فقال: هو عبد الحميد بن سليمان ـ انقطع من كتابي ـ عن الذيال بن عباد قال: كتب أبو حازم الأعرج إلى الزهري: اعلم أن الجاه جاهان جاه يجريه الله تعالى على أيدي أوليائه لأوليائه, وأنهم الخامل ذكرهم الخفية شخوصهم, ولقد جاءت صفتهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله يحب الأخفياء الأتقياء الأبرياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا, وإذا حضروا لم يدعوا, قلوبهم مصابيح الهدى يخرجون من كل فتنة سوداء مظلمة" فهؤلاء أولياء الله تعالى الذين قال الله: "أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون" وقال نعيم بن حماد: حدثنا محمد بن ثور عن يونس عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا تجعل لفاجر ولا لفاسق عندي يداً ولا نعمة فإني وجدت فيما أوحيته إلي " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله " " قال سفيان: يرون أنها نزلت فيمن يخالط السلطان رواه أبو أحمد العسكري. آخر تفسير سورة المجادلة ولله الحمد والمنة .
21- "كتب الله لأغلبن أنا ورسلي" الجملة مستأنفة لتقرير ما قبلها مع كونهم في الأذلين: أي كتب في اللوح المحفوظ، وقضى في سابق علمه: لأغلبن أنا ورسلي بالحجة والسيف. قال الزجاج: معنى غلبة الرسل على نوعين: من بعث منهم بالحرب فهو غالب في الحر، ومن بعث منهم بغير الحرب فهو غالب بالحجة. قال الفراء: كتب بمعنى قال، وقوله: أنا توكيد، ثم ذكر مثل قول الزجاج: "إن الله قوي عزيز" فهو قوي على نصر أوليائه غالب لأعدائه لا يغلبه أحد.
21- "كتب الله"، قضى الله قضاءً ثابتاً، "لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز"، نظيره قوله: " ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون " (الصافات 71- 72)، قال الزجاج: غلبة الرسل على نوعين: من بعث منهم بالحرب فهو غالب بالحرب، ومن لم يؤمر بالحرب فهو غالب بالحجة.
21"كتب الله " في اللوح . " لأغلبن أنا ورسلي " أي بالحجة وقرأ نافع و ابن عامر رسلي بفتح الياء . " إن الله قوي " على نصر أنبيائه . " عزيز " لا يغلب عليه شيء في مراده .
21. Allah hath decreed: Lo! I verily shall conquer, I and My messengers. Lo! Allah is Strong, Almighty.
21 - God has decreed: It is I and My apostles who must prevail: for God is One full of strength, able to enforce His Will.