[المجادلة : 2] الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ
2 - (الذين يظاهرون) أصله يتظهرون وأدغمت التاء في الظاء بألف بين الظاء والهاء الخفيفة وفي قراءة كيقاتلون والموضع الثاني كذلك (منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي) بهمزة وياء وبلا ياء (ولدنهم وإنهم) بالظهار (ليقولون منكرا من القول وزورا) كذبا (وإن الله لعفو غفور) للمظاهر بالكفارة
يقول تعالى ذكره : الذين يحرمون نساءهم على أنفسهم تحريم الله عليهم ظهور أمهاتهم ، فيقولون لهن : أنتن علينا كظهور أمهاتنا ، وذلك كان طلاق الرجل امرأته في الجاهلية .
كذلك :
حدثني يعقوب قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا أيوب ، عن أبي قلابة ، قال : كان الظهار طلاقاً في الجاهلية ، الذي إذا تكلم به أحدهم لم يرجع في امرأته أبداً ، فأنزل الله عز وجل فيه ما أنزل .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة سوى نافع ، وعامة قراء الكوفة خلا عاصم : ( يظاهرون ) بفتح الياء وتشديد الظاء وإثبات الألف ، وكذلك قرءوا الأخرى بمعنى يتظاهرون ، ثم أدغمت التاء في الظاء فصارتها ظاء مشددة ، وذكر أنها في قراءة أبي ( يتظاهرون ) وذلك تصحيح لهذه القراءة وتقوية لها ، وقرأ ذلك نافع و أبو عمرو كذلك بفتح الياء وتشديد الظاء ، غير أنهما قرآه بغير ألف : ( يظهرون ) وقرأ ذلك عاصم " يظاهرون " بتخفيف الظاء وضم الياء وإثبات الألف .
والصواب من القول في ذلك عندي أن كل هذه القراءات متقاربات المعاني ، وأما ( يظاهرون ) فهو من تظاهر ، فهو يتظاهر ، وأما ( يظهرون ) فهو من تظهر فهو يتظهر ، ثم أدغمت التاء في الظاء فقيل : يظهر ، وأما " يظاهرون " فهو من ظاهر يظاهر فبأية هذه القراءات الثلاث قرأ ذلك القارئ فمصيب .
وقوله " ما هن أمهاتهم " يقول تعالى ذكره ما نساؤهم اللاتي يظاهرن منهن بأمهاتهم ، فيقولوا لهن : أنتن علينا كظهر أمهاتنا ، بل هن لهم حلال .
وقوله : " إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم " لا اللائي قالوا لهن ذلك .
قوله : " وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا " يقول جل ثناؤه : وإن الرجال ليقولون منكراً من القول الذي لا تعرف صحته ، وزوراً ، يعني كذباً .
كما حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " منكرا من القول وزورا " قال : الزور : الكذب ، " وإن الله لعفو غفور " يقول جل ثناؤه : إن الله لذو عفو وصفح عن ذنوب عباده إذا تابوا منها وأنابوا ، غفور لهم أن يعاقبهم عليها بعد التوبة .
فيه ثلاث وعشرون مسألة :
الأولى : قوله تعالى : " الذين يظاهرون " قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف " يظاهرون " بفتح الياء وتشديد الظاء وألف .وقرأ نافع و ابن كثير و أبو عمرو ،و يعقوب يظهرون بحذف الألف وتشديد الهاء والظاء فتح الياء .وقرأ أبو العالية و عاصم وزر بن حبيش "يظاهرون " بضم الياء وتخفيف الظاء وألف وكسر الهاء .وقد تقدم هذا في الأحزاب . وفي قراءة أبي يتظاهرون وهي معنى قراءة ابن عامر وحمزة .وذكر الظهر كناية عن معنى الركوب ، والآدمية إنما يركب بطنها ولكن كنى عنه بالظهر لأن ما يركب من غير الآدميات فإنما يركب ظهره ، فكنى بالظهر عن الركوب .ويقال :نل عن ارأته أي طلقها كانه نزل عن مركوب ، ومعنى أنت على كظهر أمي : أي أنت علي محرمة لا يحل لي ركوبك .
الثانية : حقيقة الظهار تشبيه ظهر بظهر ، واموجب للحكم منهم تشبيه طهر محلل بظهر محرم ، ولهذا أجمع الفقهاء علىأن من قال لزوجته :أنت على كظهر أمي أنه مظاهر .وأكثرهم على أنه إن قال لها : أنت علي كظهر ابنتي أو اختي أو غير ذلك من ذوات المحارم أنه مظاهر ..وهو مذهب مالك ، لأنه وأبي حنيفة وغيرهما . واختلف فيه عن الشافعي رضي الله عنه ،فروي عنه نحو قول مالك ، لأنه شبه امرأته بظهر محرم عليه مؤبد كالأم .وروي عنه أبو ثور : أن الظهار لايكون إلا بالأم وحدها .وهو مذهب قتادة و الشعبي . والأول قول الحسن و النخعي و الزهري و الاوزاعي و الثوري .
الثالثة : أصل الظهار أن يقول الرجل لأمرأته :أنت على كظهر أمي . وإنما ذكره الظهر كناية عن الطن وسترا . فإن قال أنت علاي كأمي ولم يذكر الظهر ،ولم يذكر الظهر ،أوقال أنت علي مثل أمي ، فإن أراد الظهار فله نيته ، وإن اراد الطلاق كان مطلقا البتة عند مالك ،وإن لم يكن له نية في طلاق ولا ظهار كان مظاهرا .ولا ينصرف صريح الظهار لانية إلى الطلاق ، كما لاينصرف صريح الطلاق وكنايتة المعروفة له إلى الظهار ، وكناية الظهار خاصة تنصرف بالنية إلى الطلاق البت .
الرابعة : ألفاظ الظهار ضربان صريح وكناية، فالصريح أنت علي كظهر أمي ، وأنت عندي وأنت مني وأنت معي كظهر أمي .وكذلك أنت علي كبطن أمي أو كرأسها أو فرجها أونحوه ،وكذل فرجك أو رأسك أوظهرك أوبطنك أو رجلك على كظهر أمي فهو مظاهر ، مثل قوله : يدك أو رجلك أورأسك أوفرجك طالق تطلق عليه .وقال الشافعي في أحد قوليه : لايكون ظهارا .وهذا ضعيف منه ، لأنه قد وافقنا على أنه يصح إضافة الطلاق إليه خاصة حقيقة خلافا لأبي حنيفة فصح إذضافة الظهار إليه .ومتى شبهها بأمه أو بإحدى جداته من قبل أبيه أوامه فهو ظهار بلاخلاف . وإن شبهها بغيرهن من ذزات المحارم التي لا تحل له بحال كالبنت والأخت والعمة والخالة كانت مظاهرا عند أكثر الفقهاء ،وعند الإمام الشافعي رضي الله عنه علىالصحيح من المذهب على ما ذكرنا. والكناية أن يقول : أنت أنت علي كأمي أومثل أمي فإنه يعتبر فيه النية .فإن أراد الظهار كان ظاهرا ، وإن لم يرد الظار لم يكن مظاهرا عند الشافعي وأبوحنيفة .وقد تقدم مذهب مالك رضي الله عنه في ذلك ، والدليل عليه أنه أطلق تشبيه امرأته بامه فكان ظهارا . ولم يلزم حكم الظهر للفظه وإنما ألزمه بمعناه وهو التحريم ، قاله ابن العربي .
الخامسة : إذا شبه جملة أهله بعضو من أعضاء أمه كان مظاهرا ، خلافا لأبي حنيفة في قوله : إنه إن شبهها بعضو يحل له انظر إليه لم يكن مظاهر . وهذا لايصح ، لأن النظر إليه على ضيقة الاستمتاع لايحل له ، وفيه وقع التشبيه وإياه قصد المظاهر ، وقد قال الإمام الشافعي في قول : إنه لا يكون ظهارا إلا في الظهر وحده . وهذا فاسد ، لأن كل عضو منها محرم ،فكان التشبيه به ظهارا كالطهر ، ولأن المظاهر إنما يقصد تشبيه المحلل بالمحرم فلزمه على المعنى .
السادس : إن شبه مرأته بأجنبية فإن ذكر الظهر كان ظهارا حملا على الأول ،وإن لم يذكر الظهر فختلف فيه علماؤنا ، فمنهم من قال : يكون ظهارا . ومنهم من قال :يكون طلاقا .وقال أبو حنيفة و الشافعي :لا يكون شيئا . قال ابن العربي : وهذا فاسد ، لأنه شبه محللا من المرأة بمحرم فكان مقيدا بحكمه كالظهر ، والأسماء بمعانيها عندنا ، وعندهم بالفاظها وهذا نقض للأصل منهم .
قلت : الخلاف في الظهار بالأجنبية قوي عند مالك . وأصحابه منهم من لايرى الظهار إلا بذزات المحارم خاصة ولا يرى الظهار بغيرهن . ومنهم من لا يجعله شيئا . ومنهم من يجعله في الأجنبية طلاقا . وهو عند مالك إذا قال :كظهر ابني أو غلامي أو كظهر زيد أو كظهر أجنبية ظهار لايحل له وطؤها في حين يمينه . وقد روي عنه أيضا : أن الظهار بغير ذوات المحارم ليس بشيء ، كما قال الكوفي ،و الشافعي .وقال الأوزاعي : لو قال لها أنت علي كظهر فلان رجل فهو يمين يكفرها . والله أعلم .
السابعة : إذا قال : أنت على حرام كظهر أمي كان ظهارا ولم يكن طلاقا ، لأن قوله : أنت حرام علي يحتمل التحريم بالطلاف فهي مطلقة ، ويحتمل التحريم بالظهار فلما صرح به كان تفسيرا لأحد الاحتمالين يقضي به فيه .
الثامنة : الظهار لازم فيكل زوجة مدخول بها أوغير مدخول بها على أي الأحوال كانت من زوج يجوز طلاقه . وكذلك عند مالك من يجوز له وطؤها نم إمائه ،إذا ظاهر منهن لزمهم الظهار فيهن . وقال ابو حنيفة والشافعي : لايلزم . قال القاضي أبو بكر بن العربي : وهي مسألة عسيرة جدا علينا، لأن مالكا يقول : إذا قال لأمته أنت علي حرام لا يلزم . فكيف يبطل فيها صريح التحريم وتصح كنايته .ولكن تدخل الأمة في عموم قوله : " من نسائهم " لأنه أراد من محللاتهم . والمعنى فيه أن لفظ يتعلق بالضع دون رفع العقد فصح في الأمة ، أصله الحلف بالله تعالى .
التاسعة : ويلتزم الظهار قبل النكاح إذا نكح التي ظاهر منها عند مالك . ولا يلزم عند الشافعي وأبي حنيفة ، لقوله تعالى : " من نسائهم " وهذه ليست من نسائه . وقد مضى أصل هذه المسألة في سورة براءة عند قوله تعلى : " ومنهم من عاهد الله " [التوتة: 75 ] الآية .
العاشرة :الذمي لايلزم ظهاره . وبه قال أبوحنيفة . وقال الشافعي :يصح ظهار الذمي ، ودليلنا قوله تعالى : "منكم " يعني من المسلمين . وهذا يقتضي خروج الذمي من الخطاب . فإن أنكحة الكفار فاسدة مستحقة الفسخ فلايتعلق بها حكم طلاق ولاظهار ، وذلك كقوله تعالى : " وأشهدوا ذوي عدل منكم " [ الطلاق : 2] وإذا خلت الأنكحة عن شروط الصحة فهي فاسدة ، ولاظهار في النكاح الفاسد بحال .
الحادية عشرة : قوله تعالى : " منكم " يقتضي صحة ظهار العبد خلافا لمن منعه . وحكاه الثعلبي عن مالك ،لأنه من جملة المسلمين أحكام النكاح في حقه ثابتة وإن تعذر عليه العتق والإطعام فإنه قادر على الصيام .
الثانية عشرة : وقال مالك رضي الله عنه :ليس على النساء تظاهر ، وإنما قال الله تعالى : "الذين يظاهرون منكم من نسائهم "لم يقل الائي يظهرن منكن من أزواجهن ، إنما الظهار على الرجال . قال ابن العربي : هكذا روي عن ابن القاسم وسالم و يحيى بن سعيد و ربيعة و أبي الزناد وهو صحيح معنى ، لأن الحل والعقد والتحليل والتحريم في النكاح بيد الرجل ليس بيد المرأة منه شيء وهذا إجماع . قال أبو عمر : ليس على النساء ظهار في قول جمهور العلماء وقال الحسن بن زياد : هي مظاهرة . وقال الثوري وأبو حنيفة ومحمد : ليس ظهار المرأة من الرجل بشيء قبل النكاح كان أو بعده . وقال الشافعي :لا ظهار للمرأة من الرجل .وقال الاوزاعي إذا قالت المرأة لزوجها : أنت علي كظهر أمي فلانة فهي يمين تكفرها .وكذلك قال إسحاق : قال : لاتكون امرأة متظاهرة من رجل ولكن عليها يمين تكفرها .وقال الزهري : أرى أن تكفر كفارة الظهار ، ولايحول قولها هذا بينها وبين زوجها أن يصيبها ، رواه عنه معمر . وابن جريح عن عطاء قال : حرمت ما أحل الله ،عليها كفارة يمين . وهو قول أبي يوسف . وقال محمد بن الحسن : لا شيء عليها.
الثالثة عشرة : من به لمم وانتظمت له في بعض الأوقات الكلم إذا ظاهر لزم ظهاره ، لما روي في الحديث : أن خولة بنت ثعلبة وكان زوجها أوس بن الصامت وكان به لمم فأصبه بعض لممه فظاهر من امرأته .
الرابعة عشرة : من غضب وظاهر من امرأته أو طلق لم يسقط عنه عضبه حكمه . وفي بعض طرق هذا الحديث ، قال يوسف بت عبد الله بن سلام : حدثتني حولة امرأة أوس بن الصامت ، قالت : كان بيني وبينه شيء ، فقال : أنت علي كظهر أمي ثم خرج إلى نادي قومه . فقولها : كانبيني وبينه شيء ، دليل علىمنازعة أحرجته فظاهر منها . والغضب لغو لا يرفع حكما ولا يفير شرعا وكذلك السكران . وهي :
الخامسة عشرة : يلزمه حكم الظهار والطلاق في حال سكره إذا عقل قوله ونظم كلامه ، لقوله تعالى : " حتى تعلموا ما تقولون " [ النساء : 43 ] علىماتقدم في النساء بيانه . والله أعلم .
السادسة عشرة : ولا يقرب المظاهر امرأته ولايباشرها ولا يتلذذ منها بشيء حتى يكفر ، خلافا للشافعي في أحد قوليه ، لأن قوله :أنت علي كظهر أمي يقتضي تحريم كل استمتاع بلفظه ومعناه ،فإن وظئها قبل أن يكفر ، وهي :
السابعة عشرة : استغفر الله تعالى وأمسك عنها حتى يكفر كفارة واحدة .وقال مجاهد وغيره : عليه كفارتان . روى سعد عن قتادة ، ومطرف عن رجاء بن حيوة عن قبيصة بن ذؤيب عن عمرو بن العاص في المظاهر : إذا وطئ قبل أن يكفر عليه كفارتان . ومعمر عن قتادة قال : قال قبيض بن ذؤيب : عليه كفارتان . وروى جماعة من الأئمة منهم ابن ماجة والنسائي "عن أبن عباس :
أن رجلا ظاهر نم امرأته فقشيها قبل أيكفر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال : ماحملك على ذلك فقال : يا رسول الله ! رأيت بياض خلخالها في ضوء القمر فلم أملك نفسي أن وقعت عليها . فضحك النبي صلى الله علية وسلم وأمره ألا يقربها حتى يكفر ." وروى ابن ماجة والدارقطني عن سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر أنه ظاهر في زمان النبي صلى الله علية وسلم ، ثم وقع بامرأته قبل أن يكفر ، فاتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأمرة أن يكفر تكفيرا ولاحدا .
الثامنة عشرة : إذا ظاهر من أربع نسوة في كلمة واحدة ، كقوله : أنتن علي كظهر أمي كان مظاهرا من كل واحد منهن ، ولم يجز له وطء إحداهن وأجزأته كفارة واحدة . وقال الشافعي : تلزمه أربع كفارات . وليس في الآية دليل على شيء من ذلك ،لأن لفظ الجمع إنما وقع في عامة المؤمنين والمعول على المغني . وقد روى الدارقطني عن ابن عباس قال : كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : إذا كان تحت الرجل أربع نسوة فظاهر منهن يجزيه كفارة واحدة ، فإن ظاهر من واحدة بعد أخرى لزمه في كل واحدة منهن كفارة .وهذا إجماع .
التاسع عشرة : فإن قال لأربع نسوة : إن تزوجتكن فأنتن علين كظهر أمي فتزوج إحداهن لم يقربها حتى يكفر ، ثم قد سقط عنه اليمين في سائرهن . وقد قيل : لايطأ البواقي منهن حتى يكفر .والأول هو المذهب .
الموفية عشرين : وإن قال لامرأته : أنت علين كظهر أمي وأنت طالق البتة، لزمه الطلاف والظهار معا ،ولم يكفر حتى ينكحها بعد بعد زوج آخر ولا يطأها إذا نكحها حتى يكفر ، فإن قال لها : أنت طالق البتة وأنت علي كظهر أمي لزمه الطلاق ولم يلزمه الظهار ، لأن المتوتة لا يلحقها طلاق .
الحادية والعشرين : قال بعض العلماء لايصح ظهار غير المدخول بها . وقال المزني : لا يصح الظهار من المطلقة الجعية ، وهذا ليس بشيء ،لأن أحكام الزوجية في الموضعين ثابتة ،وكما يلحقها الطلاق كذلك يلحقها الظهار قياسا ونظرا . والله أعلم .
الثانية والعشرون : قوله تعالى: " ما هن أمهاتهم " أي مانساؤهم بأمهاتهم . قراءة العامة " أمهاتهم " بخفض التاء على لغة أهل الحجاز ، كقوله تعالى : " ما هذا بشرا " [ يوسف : 31 ] .وقرأ أبو معمر و السلمي وغيرهما أمهاتهم بالفع على لغة تميم . قال الفراء : أهل نجد وبنو تميم يقولون ما هذا بشراء ، و ما هن أمهاتهم بالرفع . " إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم " أن ما أمهاتهم إلا الوالدات . وفي المثل : ولدك من دمي عقبيك . وقد تقدم العول في اللائي في الأحزاب .
الثالثة والعشرون :قوله تعالى :" وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا " أي فظيعا من القول لا يعرف في الشرع . والزور الكذب " وإن الله لعفو " إذا جعل الكفارة عليهم مخلصة لهم من هذا القول المنكر .
قال الإمام أحمد: حدثنا سعد بن إبراهيم ويعقوب قالا: حدثنا أبي, حدثنا محمد بن إسحاق, حدثني معمر بن عبد الله بن حنظلة عن يوسف بن عبد الله بن سلام, عن خويلة بنت ثعلبة قالت: في والله وفي أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة, قالت: كنت عنده وكان شيخاً كبيراً قد ساء خلقه, قالت: فدخل علي يوماً فراجعته بشيء, فغضب فقال: أنت علي كظهر أمي. قالت: ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة, ثم دخل علي فإذا هو يريدني عن نفسي قالت: قلت كلا, والذي نفس خويلة بيده لا تخلص إلي, وقد قلت ما قلت, حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه, قالت: فواثبني, فامتنعت منه فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف فألقيته عني, قالت: ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثياباً, ثم خرجت حتى جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست بين يديه, فذكرت له مالقيت منه وجعلت أشكو إليه ماألقى من سوء خلقه, قالت: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ياخويلة ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله فيه".
قالت: فو الله ما برحت حتى نزل في قرآن, فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه ثم سري عنه فقال لي: "يا خويلة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرآناً ـ ثم قرأ علي " قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير * الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور * والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير * فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم " قالت: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "مريه فليعتق رقبة" قالت: فقلت يا رسول الله ما عنده ما يعتق, قال "فليصم شهرين متتابعين" قالت: فقلت والله إنه لشيخ كبير ما به من صيام قال "فليطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر" قالت: فقلت والله يا رسول الله ما ذاك عنده, قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فإنا سنعينه بعرق من تمر" قالت: فقلت يا رسول الله وأنا سأعينه بعرق آخر قال "قد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقي به عنه ثم استوصي بابن عمك خيراً" قالت: ففعلت.
ورواه أبو داود في كتاب الطلاق من سننه من طريقين عن محمد بن إسحاق بن يسار به, وعنده خولة بنت ثعلبة ويقال فيها خولة بنت مالك بن ثعلبة, وقد تصغر فيقال خويلة, ولا منافاة بين هذه الأقوال فالأمر فيها قريب والله أعلم. هذا هو الصحيح في سبب نزول هذه السورة, فأما حديث سلمة بن صخر فليس فيه أنه كانت سبب النزول ولكن أمر بما أنزل الله في هذه السورة, من العتق أو الصيام أو الإطعام, كما قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون, أخبرنا محمد بن إسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر الأنصاري قال: كنت امرأً قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري, فلما دخل رمضان ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان فرقاً من أن أصيب في ليلتي شيئاً فأتتابع في ذلك إلى أن يدركني النهار وأنا لا أقدر أن أنزع, فبينما هي تخدمني من الليل إذ تكشف لي منها شيء فوثبت عليها, فلما أصبحت غدوت على قومي فأخبرتهم خبري وقلت: انطلقوا معي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بأمري, فقالوا: لا والله لا نفعل نتخوف أن ينزل فينا, أو يقول فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالة يبقى علينا عارها, ولكن اذهب أنت, فاصنع ما بدا لك.
قال: فخرجت حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبري فقال لي "أنت بذاك" فقلت: أنا بذاك فقال "أنت بذاك" فقلت أنا بذاك قال "أنت بذاك" قلت نعم, ها أنا ذا فأمض في حكم الله عز وجل فإني صابر له قال "أعتق رقبة" قال: فضربت صفحة رقبتي بيدي وقلت: لا والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها, قال "فصم شهرين متتابعين" قلت: يا رسول الله وهل أصابني ما أصابني إلا في الصيام قال "فتصدق" فقلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا هذه وحشى ما لنا عشاء, قال "اذهب إلى صاحب صدقة بني رزيق فقل له فليدفعها إليك فأطعم عنك منها وسقاً من تمر ستين مسكيناً ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك" قال: فرجعت إلى قومي فقلت: وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي, ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم السعة والبركة قد أمر لي بصدقتكم فادفعوها إلي فدفعوها إلي, وهكذا رواه أبو داود وابن ماجه واختصره الترمذي وحسنه, وظاهر السياق أن هذه القصة كانت بعد قصة أوس بن الصامت وزوجته خويلة بنت ثعلبة, كما دل عليه سياق تلك وهذه بعد التأمل.
قال خصيف عن مجاهد عن ابن عباس: أول من ظاهر من امرأته أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت, وامرأته خولة بنت ثعلبة بن مالك فلما ظاهر منها خشيت أن يكون ذلك طلاقاً, فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله , إن أوساً ظاهر مني, وإنا إن افترقنا هلكنا وقد نثرت بطني منه وقدمت صحبته, وهي تشكو ذلك وتبكي ولم يكن جاء في ذلك شيء, فأنزل الله تعالى: " قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير * الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور * والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير * فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم " فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أتقدر على رقبة تعتقها" قال: لا والله يا رسول الله ما أقدر عليها. قال: فجمع له رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أعتق عنه ثم راجع أهله, رواه ابن جرير ولهذا ذهب ابن عباس والأكثرون إلى ما قلناه والله أعلم. فقوله تعالى: "الذين يظاهرون منكم من نسائهم" أصل الظهار مشتق من الظهر, وذلك أن الجاهلية كانوا إذا ظاهر أحدهم من امرأته قال لها: أنت علي كظهر أمي ثم في الشرع كان الظهار في سائر الأعضاء قياساً على الظهر, وكان الظهار عند الجاهلية طلاقاً فأرخص الله لهذه الأمة وجعل فيه كفارة ولم يجعله طلاقاً كما كانوا يعتمدونه في جاهليتهم, هكذا قال غير واحد من السلف.
قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب, حدثنا عبيد الله بن موسى عن أبي حمزة عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان الرجل إذا قال لامرأته في الجاهلية أنت علي كظهر أمي حرمت عليه فكان أول من ظاهر في الإسلام أوس, وكان تحته ابنة عم له يقال لها خويلة بنت ثعلبة, فظاهر منها فأسقط في يديه, وقال ما أراك إلا قد حرمت علي وقالت له مثل ذلك, قال: فانطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت عنده ماشطة تمشط رأسه فقال: "يا خويلة" ما أمرنا في أمرك بشيء, فأنزل الله على رسوله فقال: "يا خويلة أبشري" قالت: خيراً ـ فقرأ عليها " قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير * الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور * والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا " قالت: وأي رقبة لنا والله ما يجد رقبة غيري قال "فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين" قالت: والله لولا أنه يشرب في اليوم ثلاث مرات لذهب بصره قال: "فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً" قالت: من أين ما هي إلا أكلة إلي مثلها, قال: فدعا بشطر وسق ثلاثين صاعاً والوسق ستون صاعاً فقال: ليطعم ستين مسكيناً وليراجعك وهذا إسناد قوي وسياق غريب, وقد روي عن أبي العالية نحو هذا.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الرحمن الهروي, حدثنا علي بن العاصم عن داود بن أبي هند عن أبي العالية قال: كانت خولة بنت دليج تحت رجل من الأنصار, وكان ضرير البصر فقيراً سيء الخلق, وكان طلاق أهل الجاهلية إذا أراد رجل أن يطلق امرأته قال: أنت علي كظهر أمي, وكان لها منه عيل أو عيلان فنازعته يوماً في شيء فقال: أنت علي كظهر أمي, فاحتملت عليها ثيابها حتى دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت عائشة, وعائشة تغسل شق رأسه فقدمت عليه ومعها عيلها, فقالت: يا رسول الله إن زوجي ضرير البصر فقير لا شيء له سيء الخلق, وإني نازعته في شيء, فغضب فقال: أنت علي كظهر أمي ولم يرد به الطلاق, ولي منه عيل أو عيلان فقال: "ما أعلمك إلا قد حرمت عليه".
فقالت: أشكو إلى الله ما نزل بي أنا وصبيتي, قالت: ودارت عائشة فغسلت شق رأسه الاخر, فدارت معها فقالت: يا رسول الله زوجي ضرير البصر فقير سيء الخلق وإن لي منه عيل أو عيلان وإني نازعته في شيء فغضب وقال: أنت علي كظهر أمي ولم يرد به الطلاق, قالت: فرفع إلي رأسه وقال: "ما أعلمك إلا قد حرمت عليه" فقالت: أشكو إلى الله ما نزل بي أنا وصبيتي قال: ورأت عائشة وجه النبي صلى الله عليه وسلم تغير, فقالت لها: وراءك فتنحت, فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم في غشيانه ذلك ما شاء الله, فلما انقطع الوحي قال: يا عائشة أين المرأة فدعتها, فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهبي فأتيني بزوجك" فانطلقت تسعى, فجاءت به فإذا هو كما قالت ضرير البصر فقير سيء الخلق.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أستعيذ بالله السميع العليم " قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير * الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور * والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا " قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أتجد رقبة تعتقها من قبل أن تمسها" قال لا, قال: "أفلا تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟" قال: والذي بعثك بالحق إني إذا لم آكل المرتين والثلاث يكاد يعشو بصري. قال: "أفتستطيع أن تطعم ستين مسكيناً ؟" قال: لا, إلا أن تعينني. قال: فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أطعم ستين مسكيناً" قال: وحول الله الطلاق فجعله ظهاراً, ورواه ابن جرير عن ابن المثنى عن عبد الأعلى عن داود سمعت أبا العالية فذكر نحوه بأخصر من هذا السياق, وقال سعيد بن جبير: كان الإيلاء والظهار من طلاق الجاهلية, فوقت الله الإيلاء أربعة أشهر وجعل في الظهار الكفارة, رواه ابن أبي حاتم بنحوه, وقد استدل الإمام مالك على أن الكافر لا يدخل في هذه الاية بقوله منكم فالخطاب للمؤمنين, وأجاب الجمهور بأن هذا خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له, واستدل الجمهور عليه بقوله: "من نسائهم" على أن الأمة لا ظهار منها ولا تدخل في هذا الخطاب .
وقوله تعالى: "ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم" أي لا تصير المرأة بقول الرجل أنت علي كأمي أو مثل أمي أو كظهر أمي وما أشبه ذلك, لا تصير أمه بذلك إنما أمه التي ولدته, ولهذا قال تعالى: "وإنهم ليقولون منكراً من القول وزوراً" أي كلاماً فاحشاً باطلاً "وإن الله لعفو غفور" أي عما كان منكم في حال الجاهلية, وهكذا أيضاً عما خرج من سبق اللسان, ولم يقصد إليه المتكلم, كما رواه أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول لامرأته يا أختي, فقال: "أختك هي ؟" فهذا إنكار, ولكن لم يحرمها عليه بمجرد ذلك لأنه لم يقصده ولو قصده لحرمت عليه لأنه لا فرق على الصحيح بين الأم وبين غيرها من سائر المحارم من أخت وعمة وخالة وما أشبه ذلك .
وقوله تعالى: "والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا" اختلف السلف والأئمة في المراد بقوله تعالى: "ثم يعودون لما قالوا" فقال بعض الناس: العود هو أن يعود إلى لفظ الظهار فيكرره, وهذا القول باطل وهو اختيار ابن حزم وقول داود وحكاه أبو عمر بن عبد البر عن بكير بن الأشج والفراء وفرقة من أهل الكلام, وقال الشافعي: هو أن يمسكها بعد المظاهرة زماناً يمكنه أن يطلق فيه فلا يطلق, وقال أحمد بن حنبل: هو أن يعود إلى الجماع أو يعزم عليه فلا تحل له حتى يكفر بهذه الكفارة, وقد حكي عن مالك أنه العزم على الجماع والإمساك, وعنه أنه الجماع, وقال أبو حنيفة: هو أن يعود إلى الظهار بعد تحريمه ورفع ما كان عليه أمر الجاهلية, فمتى ظاهر الرجل من امرأته فقد حرمها تحريماً لا يرفعه إلا الكفارة, وإليه ذهب أصحابه والليث بن سعد وقال ابن لهيعة: حدثني عطاء عن سعيد بن جبير "ثم يعودون لما قالوا" يعني يريدون أن يعودوا في الجماع الذي حرموه على أنفسهم.
وقال الحسن البصري: يعني الغشيان في الفرج وكان لا يرى بأساً أن يغشى فيما دون الفرج قبل أن يكفر, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: "من قبل أن يتماسا" والمس النكاح, وكذا قال عطاء والزهري وقتادة ومقاتل بن حيان, وقال الزهري: ليس له أن يقبلها ولا يمسها حتى يكفر. وقد روى أهل السنن من حديث عكرمة عن ابن عباس أن رجلاً قال: يا رسول الله, إني ظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفر. فقال: "ما حملك على ذلك يرحمك الله" قال: رأيت خلخالها في ضوء القمر. قال: "فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله عز وجل", وقال الترمذي: حسن غريب صحيح, ورواه أبو داود والنسائي من حديث عكرمة مرسلاً, قال النسائي: وهو أولى بالصواب.
وقوله تعالى: "فتحرير رقبة" أي فإعتاق رقبة كاملة من قبل أن يتماسا, فههنا الرقبة مطلقة غير مقيدة بالإيمان وفي كفارة القتل مقيدة بالإيمان, فحمل الشافعي رحمه الله ما أطلق ههنا على ما قيد هناك لاتحاد الموجب وهو عتق الرقبة, واعتضد في ذلك بما رواه عن مالك بسنده عن معاوية بن الحكم السلمي في قصة الجارية السوداء, وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أعتقها فإنها مؤمنة" وقد رواه أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه. وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا يوسف بن موسى, حدثنا عبد الله بن نمير عن إسماعيل بن يسار عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس, قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال إني ظاهرت من امرأتي ثم وقعت عليها قبل أن أكفر, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم يقل الله تعالى من قبل أن يتماسا" قال: أعجبتني, قال: "أمسك حتى تكفر" ثم قال البزار: لا يروى عن ابن عباس بأحسن من هذا, وإسماعيل بن مسلم تكلم فيه وروى عنه جماعة كثيرة من أهل العلم, وفيه من الفقه أنه لم يأمره إلا بكفارة واحدة .
وقوله تعالى: "ذلكم توعظون به" أي تزجرون به "والله بما تعملون خبير" أي خبير بما يصلحكم عليم بأحوالكم, وقوله تعالى: "فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً" قد تقدمت الأحاديث الامرة بهذا على الترتيب كما ثبت في الصحيحين في قصة الذي جامع امرأته في رمضان "ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله" أي شرعنا هذا لهذا. وقوله تعالى: "وتلك حدود الله" أي محارمه فلا تنتهكوها. وقوله تعالى: "وللكافرين عذاب أليم" أي الذين لم يؤمنوا ولا التزموا بأحكام هذه الشريعة, لا تعتقدوا أنهم ناجون من البلاء كلا ليس الأمر كما زعموا بل لهم عذاب أليم أي في الدنيا والاخرة .
ثم بين سبحانه شأن الظهار في نفسه وذكر حكمه فقال: 2- " الذين يظاهرون منكم من نسائهم " قرأ الجمهور "يظهرون" بالتشديد مع فتح حرف المضارعة. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي "يظاهرون" بفتح الياء وتشديد الظاء وزيادة ألف، وقرأ أبو العالية وعاصم وزر بن حبيش يظاهرون بضم الياء وتخفيف الظاء وكسر الهاء. وقد تقدم مثل هذا في سورة الأحزاب. وقرأ أبي يتظاهرون بفك الإدغام ومعنى الظهار أن يقول لامرأته: أنت علي كظهر أمي: أي ولا خلاف في كون هذا ظهاراً. واختلفوا إذا قال: أنت علي كظهر ابنتي أو أختي أو غير ذلك من ذوات المحارم، فذهب جماعة منهم أبو حنيفة ومالك إلى أنه ظهار، وبه قال الحسن والنخعي والزهري والأوزاعي والثوري. وقال جماعة منهم قتادة والشعبي: إنه لا يكون ظهاراً بل يختص الظهار بالأم وحدها. واختلفت الرواية عن الشافعي، فروي عنه كالقول الأول، وروي عنه كالقول الثاني، وأصل الظهار مشتق من الظهر.
واختلفوا إذا قال لامرأته أنت علي كرأسي أمي أو يدها أو رجلها أو نحو ذلك؟ هل يكون ظهاراً أم لا، وهكذا إذا قال أنت علي كأمي ولم يذكر الظهر، والظاهر أنه إذا قصد بذلك الظهار كان ظهاراً. وروي عن أبي حنيفة أنه إذا شبهها بعضو من أمه يحل له النظر إليه لم يكن ظهاراً. وروي عن الشافعي أنه لا يكون الظهار إلا في الظهر وحده.
واختلفوا إذا شبهامرأته بأجنبية، فقيل يكون ظهاراً وقيل لا، والكلام في هذا مبسوط في كتب الفروع. وجملة "ما هن أمهاتهم" في محل رفع على أنها خبر الموصول. أي ما نساؤهم بأمهاتهم، فذلك كذب منهم، وفي هذا توبيخ للمظاهرين وتبكيت لهم. قرأ الجمهور "أمهاتهم" بالنصب على اللغة الحجازية في إعمال ما عمل ليس. وقرأ أبو عمرو والسلمي بالرفع على عدم الإعمال، وهي لغة نجد وبني أسد. ثم بين سبحانه لهم أمهاتهم على الحقيقة فقال: "إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم" أي ما أمهاتهم إلا النساء اللائي ولدنهم. ثم زاد سبحانه في توبيخهم وتقريعهم فقال: "وإنهم ليقولون منكراً من القول وزوراً" أي وإن المظاهرين ليقولون بقولهم هذا منكراً من القول: أي فظيعاً من القول ينكره الشرع، والزور الكذب، وانتصاب منكراً وزوراً على أنهما صفة لمصدر محذوف: أي قولاً منكراً وزوراً "وإن الله لعفو غفور" أي بليغ العفو والمغفرة، إذ جعل الكفارة عليهم مخلصة لهم عن هذا القول المنكر.
ثم ذم الظهار فقال:
2- "الذين يظاهرون منكم من نسائهم"، قرأ عاصم: "يظاهرون" فيها بضم الياء وتخفيف الظاء وألف بعدها وكسر الهاء. وقرأ ابن عامر، وأبو جعفر، وحمزة، والكسائي: بفتح الياء والهاء، وتشديد الظاء وألف بعدها. وقرأ الآخرون بفتح الياء وتشديد الظاء والهاء من غير ألف.
"ما هن أمهاتهم"، أي ما اللواتي يجعلونهن من زوجاتهم كالأمهات بأمهات. وخفض التاء في "أمهاتهم" على خبر "ما" ومحله نصب كقوله: "ما هذا بشراً" (يوسف- 31) المعنى: ليس هن بأمهاتهم، "إن أمهاتهم" أي ما أمهاتهم، "إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكراً من القول"، لا يعرف في شرع "وزوراً"، كذباً، "وإن الله لعفو غفور"، عفا عنهم وغفر لهم بإيجاب الكفارة عليهم.
وصورة الظهار: أن يقول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي، أو أنت مني أو معي أو عندي كظهر أمي، وكذلك لو قال: أنت علي كبطن أمي أو كرأس أمي أو كبد أمي أو قال بطنك أو رأسك أو يدك علي كظهر أمي، أو شبه عضواً منها بعضو آخر من أعضاء أمه فيكون ظهاراً.
وعند أبي حنيفة -رضي الله عنه- إن شبهها ببطن الأم أو فرجها أو فخذها يكون ظهاراً، وإن شبهها بعضو آخر لا يكون ظهاراً.
ولو قال أنت علي كأمي أو كروح أمي، وأراد به الإعزاز والكرامة فلا يكون ظهاراً حتى يريده، ولو شبهها بجدته فقال: أنت علي كظهر جدتي يكون ظهاراً، وكذلك لو شبهها بامرأة محرمة عليه بالقرابة بأن قال: أنت علي كظهر أختي أو عمتي أو خالتي، أو شبهها بامرأة محرمة عليه بالرضاع يكون ظهاراً -على الأصح من الأقاويل-.
2-" الذين يظاهرون منكم من نسائهم " الظهار أن يقول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي مشتق من الظهر ، وألحق به الفقهاء تشبيهها بجزء أنثى محرم ، وفي " منكم " تهجين لعادتهم فيه فإنه كان من إيمان أهل الجاهلية ، وأصل " يظاهرون " يتظاهرون وقرأ ابن عامر و حمزة و الكسائي يظاهرون من أظاهر و عاصم " يظاهرون " من ظاهر . " ما هن أمهاتهم " أي على الحقيقة . " إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم " فلا تشبه بهن في الحرمة إلا من ألحقها بهن كالمرضعات وأزواج الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعن عاصم امهاتهم بالرفع على لغة بني تميم ،وقرئ بـ أمهاتهم وهو أيضاً على لغة من ينصب . " وإنهم ليقولون منكراً من القول " إذ الشرع أنكره . " وزوراً " منحرفاً عن الحق فإن الزوجة لاتشبه الأم . " وإن الله لعفو غفور " لما سلف منه مطلقاً ، أو إذا تيب عنه .
2. Such of you as put away your wives (by saying they are as their mothers) They are not their mothers; none are their mothers except those who gave them birth they indeed utter an ill word and a lie. And lo! Allah is Forgiving, Merciful.
2 - If any men among you divorce their wives by Zihar (calling them mothers), they cannot be their mothers: none can be their mothers except those who gave them birth. And in fact they use words (both) iniquitous and false: but truly God is One that blots out (sins), and forgives (again and again).