[المجادلة : 18] يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ
18 - اذكر (يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له) أنهم مؤمنون (كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء) من نفع حلفهم في الآخرة كالدنيا (ألا إنهم هم الكاذبون)
وأخرج أحمد والحاكم وصححه عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل حجرة وقد كاد الظل أن يتقلص فقال إنه سيأتيكم إنسان فينظر إليكم بعيني شيطان فإذا جاءكم فلا تكلموه فلم يلبثوا أن طلع عليهم رجل أزرق أعور فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له حين رآه علام تشتمني أنت وأصحابك فقال ذرني آتك بهم فانطلق فدعاهم فحلفوا له ما قالوا وما فعلوا فأنزل الله يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم الآية
يقول تعالى ذكره : هؤلاء الذين ذكرهم هم أصحاب النار ، يوم يبعثهم الله جميعاً ، فيوم من صلة أصحاب النار ، وعني بقوله " يوم يبعثهم الله جميعا " من قبورهم أحياء كهيئاتهم قبل مماتهم ، فيحلفون له كما يحلفون لكم كاذبين مبطلين فيها .
كما حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله " فيحلفون له " قال : إن المنافق حلف له يوم القيامة كما حلف لأوليائه في الدنيا .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله " يوم يبعثهم الله جميعا " الآية ، والله حالف المنافقون ربهم يوم القيامة ، كما حالفوا أولياءه في الدنيا .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن سماك بن حرب البكري ، عن سعيد بن جبير ، قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم في ظل حجرة قد كان يقلص عنه الظل ، فقال : إنه سيأتيكم رجل ، أو يطلع رجل بعين شيطان فلا تكلموه ، فلم يلبث أن جاء ، فاطلع فإذا رجل أزرق ، فقال له ، علام تشتمني أنت وفلان وفلان ؟ قال : فذهب فدعا أصحابه ، فحلفوا ما فعلوا ، فنزلت " يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون " " .
وقوله : " ويحسبون أنهم على شيء " يقول : ويظنون أنهم في أيمانهم وحلفهم بالله كاذبين على شيء من الحق ، " ألا إنهم هم الكاذبون " فيما يحلفون عليه .

يقول الله تعالى منكراً على المنافقين في موالاتهم الكفار في الباطن. وهم في نفس الأمر لا معهم ولا مع المؤمنين كما قال تعالى: "مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً" وقال ههنا: "ألم تر إلى الذين تولوا قوماً غضب الله عليهم" يعني اليهود الذين كان المنافقون يمالئونهم ويوالونهم في الباطن ثم قال تعالى: "ما هم منكم ولا منهم" أي هؤلاء المنافقون ليسوا في الحقيقة منكم أيها المؤمنون, ولا من الذين يوالونهم وهم اليهود, ثم قال تعالى: "ويحلفون على الكذب وهم يعلمون" يعني المنافقين يحلفون على الكذب, وهم عالمون بأنهم كاذبون فيما حلفوا وهي اليمين الغموس, ولا سيما في مثل حالهم اللعين عياذاً بالله منه, فإنهم كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا, وإذا جاؤوا الرسول حلفوا له بالله إنهم مؤمنون, وهم في ذلك يعلمون أنهم يكذبون فيما حلفوا به, لأنهم لا يعتقدون صدق ما قالوه وإن كان في نفس الأمر مطابقاً, ولهذا شهد الله بكذبهم في أيمانهم وشهادتهم لذلك .
ثم قال تعالى: "أعد الله لهم عذاباً شديداً إنهم ساء ما كانوا يعملون" أي أرصد الله لهم على هذا الصنيع العذاب الأليم على أعمالهم السيئة وهي موالاة الكافرين ونصحهم ومعاداة المؤمنين, وغشهم, ولهذا قال تعالى: "اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله" أي أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر واتقوا بالأيمان الكاذبة, فظن كثير ممن لا يعرف حقيقة أمرهم صدقهم فاغتر بهم, فحصل بهذا صد عن سبيل الله لبعض الناس "فلهم عذاب مهين" أي في مقابلة ما امتهنوا من الحلف باسم الله العظيم في الأيمان الكاذبة الخانثة, ثم قال تعالى: "لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً" أي لن يدفع ذلك عنهم بأساً إذا جاءهم "أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" ثم قال تعالى: "يوم يبعثهم الله جميعاً" أي يحشرهم يوم القيامة عن آخرهم فلا يغادر منهم أحداً "فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء" أي يحلفون باالله عز وجل أنهم كانوا على الهدى والاستقامة كما كانوا يحلفون للناس في الدنيا لأن من عاش على شيء مات عليه وبعث عليه, ويعتقدون أن ذلك ينفعهم عند الله كما كان ينفعهم عند الناس فيجرون عليهم الأحكام الظاهرة ولهذا قال: "ويحسبون أنهم على شيء" أي حلفهم بذلك لربهم عز وجل.
ثم قال تعالى: منكراً عليهم حسبانهم "ألا إنهم هم الكاذبون" فأكد الخبر عنهم بالكذب. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا ابن نفيل, حدثنا زهير عن سماك بن حرب, حدثني سعيد بن جبير, أن ابن عباس حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في ظل حجرة من حجره وعنده نفر من المسلمين قد كاد يقلص عنهم الظل قال: "إنه سيأتيكم إنسان ينظر بعيني شيطان فإذا أتاكم فلا تكلموه" فجاء رجل أزرق فدعاه رسول الله فكلمه فقال: "علام تشتمني أنت وفلان وفلان" نفر دعاهم بأسمائهم, قال فانطلق الرجل فدعاهم فحلفوا له واعتذروا إليه, قال فأنزل الله عز وجل "فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون".
وهكذا رواه الإمام أحمد من طريقين عن سماك به, ورواه ابن جرير عن محمد بن المثنى عن غندر عن شعبة عن سماك به نحوه, وأخرجه أيضاً من حديث سفيان الثوري عن سماك بنحوه إسناد جيد ولم يخرجوه, وحال هؤلاء كما أخبر الله تعالى عن المشركين حيث يقول: " ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين * انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون " ثم قال تعالى: "استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله" أي استحوذ على قلوبهم الشيطان حتى أنساهم أن يذكروا الله عز وجل, وكذلك يصنع بمن استحوذ عليه, ولهذا قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس, حدثنا زائدة, حدثنا السائب بن حبيش عن معدان بن أبي طلحة اليعمري, عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية" قال زائدة: قال السائب: يعني الصلاة في الجماعة. ثم قال تعالى: "أولئك حزب الشيطان" يعني الذين استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ثم قال تعالى: "ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون".
18- "يوم يبعثهم الله جميعاً" الظرف منصوب بقوله: مهين، أو بمقدر: أي اذكر "فيحلفون له كما يحلفون لكم" أي يحلفون لله يوم القيامة على الكذب كما يحلفون لكم في الدنيا، وهذا من شدة شقاوتهم ومزيد الطبع على قلوبهم، فإن يوم القيامة قد انكشفت الحقائق وصارت الأمور معلومة بضرورة المشاهدة، فكيف يجترئون على أن يكذبوا في ذلك الموقف ويحلفون على الكذب "ويحسبون أنهم على شيء" أي يحسبون الآخرة أنهم بتلك الأيمان الكاذبة على شيء مما يجلب نفعاً، أو يدفع ضرراً كما كانوا يحسبون ذلك في الدنيا "ألا إنهم هم الكاذبون" أي الكاملون في الكذب المتهالكون عليه البالغون فيه إلى حد لم يبلغ غيرهم إليه بإقدامهم عليه وعلى الأيمان الفاجرة في موقف القيامة بين يدي الرحمن.
18- "يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون له"، كاذبين ما كانوا مشركين، "كما يحلفون لكم"، في الدنيا "ويحسبون أنهم على شيء"، من أيمانهم الكاذبة، "ألا إنهم هم الكاذبون".
18-" يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون له " أي الله تعالى على أنهم مسلمون . " كما يحلفون لكم " في الدنيا ويقولون إنهم لمنكم . " ويحسبون أنهم على شيء " في حلفهم الكاذب لأن تمكن النفاق في نفوسهم بحيث يخيل إليهم في الآخرة أن الإيمان الكاذبة تروج الكذب على الله كما تروجه عليكم في الدنيا . " ألا إنهم هم الكاذبون " البالغون الغاية في الكذب حيث يكذبون مع عالم الغيب والشهادة ويحلفون عليه .
18. On the day when Allah will raise them all together, then will they swear unto Him as they (now) swear unto you, and they will fancy that they have some standing. Lo! is it not they who are the liars?
18 - One Day will God raise them all up (for Judgment): then will they swear to Him as they swear to you: and they think that they have something (to stand upon). No, indeed! they are but liars!