[الحديد : 28] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

28 - (يا أيها الذين آمنوا) بعيسى (اتقوا الله وآمنوا برسوله) محمد صلى الله عليه وسلم وعيسى (يؤتكم كفلين) نصيبين (من رحمته) لايمانكم بالنبيين (ويجعل لكم نورا تمشون به) على الصراط (ويغفر لكم والله غفور رحيم)
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند فيه من لا يعرف عن ابن عباس أن أربعين من أصحاب النجاشي قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فشهدوا معه أحدا فكانت فيهم جراحات ولم يقتل منهم أحد فلما رأوا ما بالمؤمنين من الحاجة قالوا يا رسول الله إنا أهل مسيرة فأذن لنا نجيء بأموالنا نواسي بها المسلمين فأنزل الله فيهم الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون الآيات فلما نزلت قالوا يا معشر المسلمين أما من آمن منا بكتابكم فله أجران ومن لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجوركم فأنزل الله يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته الآية
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل لما نزلت أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا الآية فخر مؤمنو اهل الكتاب عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا لنا أجران ولكم أجر فاشتد ذلك على الصحابة فأنزل الله يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته فجعل لهم أجرين مثل أجور مؤمني أهل الكتاب
يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله من أهل الكتابين التوراة والإنجيل خافوا الله بأداء طاعته واجتناب معاصيه وآمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم .
كما حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله " يعني الذين آمنوا من أهل الكتاب .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله " يعني الذين آمنوا من أهل الكتاب .
وقوله " يؤتكم كفلين من رحمته " يعطكم ضعفين من الأجر لإيمانكم بعيسى صلى الله عليه وسلم والأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم ثم إيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم حين بعث نبيا وأصل الكفل الحظ وأصله ما يكتفل به الراكب فيحبسه ويحفظه عن السقوط يقول يحصنكم هذا الكفل من العذاب كما يحصن الكفل الراكب من السقوط .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو عمار المروزي قال : ثنا الفضل بن موسى عن سفيان عن عطاء ابن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس " يؤتكم كفلين من رحمته " قال : أجرين لإيمانهم بعيسى صلى الله عليه وسلم وتصديقهم بالتوراة والإنجيل وإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وتصديقهم به .
قال ثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن سفيان عن عطاء بن السائب عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس " يؤتكم كفلين من رحمته " قال : أجرين : إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وإيمانهم بعيسى صلى الله عليه وسلم والتوراة والإنجيل .
وبه عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وهارون بن عنترة عن أبيه عن ابن عباس " يؤتكم كفلين من رحمته " قال : أجرين .
حدثنا علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثنا معاوية عن علي عن ابن عباس قوله : " يؤتكم كفلين من رحمته " يقول : ضعفين .
قال: ثنا مهران قال : ثنا يعقوب عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم جعفرا في سبعين راكباً إلى النجاشي يدعوه فقدم عليه فدعاه فاستجاب له وآمن به فلما كان عند انصرافه قال ناس ممن قد آمن به من أهل مملكته وهم أربعون رجلاً ائذن لنا فنأتي هذا النبي فنسلم به ونساعد هؤلاء في البحر فإنا أعلم بالبحر منهم فقدموا مع جعفر على النبي صلى الله عليه وسلم وقد تهيأ النبي صلى الله عليه وسلم لوقعة أحد فلما رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة وشدة الحال استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم قالوا يا نبي الله إن لنا أموالاً ونحن نرى ما بالمسلمين من الخصاصة فإن أذنت لنا انصرفنا فجئنا بأموالنا وواسينا المسلمين بها فأذن لهم فانصرفوا فأتوا بأموالهم فواسوا بها المسلمين فأنزل الله فيهم " الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون " ( القصص : 52 ) إلى قوله " ومما رزقناهم ينفقون " ( القصص : 54 ) فكانت النفقة التي واسوا بها المسلمين فلما سمع أهل الكتاب ممن لم يؤمن بقوله " يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا " ( القصص : 54 ) فخروا على المسلمين فقالوا يا معشر المسلمين أما من آمن منا بكتابكم وكتابنا فله أجره مرتين ومن لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجوركم فما فضلكم علينا فأنزل الله " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته " فجعل لهم أجرهم وزادهم النور والمغفرة ثم قال : " لئلا يعلم أهل الكتاب " وهكذا قرأها سعيد بن جبير " لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء " .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله " يؤتكم كفلين من رحمته " قال : ضعفين .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس " يؤتكم كفلين من رحمته " قال : والكفلان أجران بإيمانهم الأول وبالكتاب الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول : في قوله " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله " يعني الذين آمنوا من أهل الكتاب " يؤتكم كفلين من رحمته " يقول : أجرين بإيمانكم بالكتاب الأول والذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال : ابن زيد في قوله " يؤتكم كفلين من رحمته " قال : أجرين أجر الدنيا وأجر الآخرة .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام عن سفيان قال : ثنا عنبسة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن أبي موسى " يؤتكم كفلين من رحمته " قال : الكفلان ضعفان من الأجر بلسان الحبشة .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن الشعبي قال : إن الناس يوم القيامة على أربع منازل رجل كان مؤمناً بعيسى فآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم فله أجران ورجل كان كافراً بعيسى فأمن بمحمد صلى الله عليه وسلم فله أجر ورجل كان كافراً بعيسى فكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فباء بغضب على غضب ورجل كان كافراً بعيسى من مشركي العرب فمات بكفره قبل محمد فباء بغضب .
حدثني العباس بن الوليد قال : أخبرني أبي قال : سألت سعيد بن عبد العزيز عن الكفل كم هو ؟ قال : ثلاث مئة وخمسون حسنة والكفلان سبع مئة حسنة قال : سعيد سأل عمر ابن الخطاب رضي الله عنه حبراً من أحبار اليهود كم أفضل ما ضعفت لكم الحسنة قال كفل ثلاث مئة وخمسون حسنة قال : فحمد الله عمر على أنه أعطانا كفلين ثم ذكر سعيد قول الله عز وجل في سورة الحديد يؤتكم كفلين من رحمته فقلت له الكفلان في الجمعة مثل هذا قال نعم
وبنحو الذي قلنا في ذلك صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب قال : ثنا ابن علية قال : ثنا معمر بن راشد عن فراس عن الشعبي عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل آمن بالكتاب الأول والكتاب الآخر ورجل كانت له أمه فأدبها واحسن تأديبها ثم اعتقها فتزوجها وعبد مملوك احسن عباده ربه ونصح لسيده . "
حدثني يعقوب قال : ثنا ابن أبي زائده قال : ثني صالح بن صالح الهمداني عن عامر عن أبي موسى عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .
حدثنا محمد بن المثنى قال : ثني عبد الصمد قال : ثنا شعبة عن صالح بن صالح سمع الشعبي يحدث عن ابي برده عن أبي موسي الاشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه 0
حدثني محمد بن عبد الحكيم قال : أخبرنا إسحاق بن الفرات عن يحيى بن أيوب قال : قال يحيى بن سعيد أخبرنا نافع أن عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إنما آجالكم في آجال من خلا من الأمم كما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استأجر عمالاً فقال من يعمل من بكرة إلى نصف النهار على قيراط ألا فعملت النصارى ثم قال : من يعمل من صلاة العصر إلى مغارب الشمس على قيراطين ألا فعملتم ."
حدثني علي بن سهل قال : ثنا سفيان عن عبد الله بن دينار أنه سمع ابن عمر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مثل هذه الأمة أو قال أمتي ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل قال : من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط قالت : اليهود نحن فعملوا قال : فمن يعمل من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قالت : النصارى نحن فعملوا وأنتم المسلمون تعملون من صلاة العصر إلى الليل على قيراطين فغضبت اليهود والنصارى وقالوا : نحن أكثر عملاً وأقل أجراً قال هل ظلمتكم من أجوركم شيئاً قالوا :لا قال فذاك فضلي أوتيته من أشاء " .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني الليث وابن لهيعة عن سليمان بن عبد الرحمن عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة الباهلي أنه قال : شهدت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حجة الوداع فقال قولا كثيراً حسناً جميلاً وكان فيها " من أسلم من أهل الكتابين فله أجره مرتين وله مثل الذي لنا وعليه مثل الذي علينا ومن أسلم من المشركين فله أجره وله مثل الذي لنا وعليه مثل الذي علينا " .
وقوله " ويجعل لكم نورا تمشون به " اختلف أهل التأويل في الذي عني به النور في هذا الموضع فقال بعضهم : عني به القرآن .
696
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو عمار المروزي قال : ثنا الفضل بن موسى عن سفيان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس " ويجعل لكم نوراً تمشون به " قال : الفرقان وأتباعهم النبي صلى الله عليه وسلم .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن سفيان عن عطاء بن السائب عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس " ويجعل لكم نوراً تمشون به " قال : الفرقان وأتباعهم النبي صلى الله عليه وسلم .
حدثنا أبو كريب و أبو هشام قالا : ثنا بن يمان عن سفيان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس و" يجعل لكم نوراً تمشون به " قال : القرآن .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن سفيان عن عطاء عن سعيد مثله .
وقال آخرون : عني بالنور في هذا الموضع : الهدى .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله " تمشون به " قال : هدى
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره وعد هؤلاء القوم أن يجعل لهم نورا يمشون به والقرآن مع أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم نورا لمن آمن بهما وصدقهما وهدى لأن من آمن بذلك فقد اهتدى .
وقوله " ويغفر لكم " يقول : ويصفح لكم عن ذنوبكم فيسترها عليكم " والله غفور رحيم " يقول تعالى ذكره : والله ذو مغفرة ورحمة .
قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا " أين آمنوا بموسى وعيسى " اتقوا الله وآمنوا برسوله " بمحمد صلى الله عليه وسلم " يؤتكم كفلين من رحمته " أي مثلين من الأجر على إيمانكم بعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا مثل قوله تعالى : " أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا " وقد تقدم القول فيه . والكفل الحظ والنصيب وقد مضى في النساء وهو في فصل كساء يكتفل به الراكب فيحفظه من السقوط ، قاله ابن جريح . ونحوه قال الزهري ،قال : أشتقاقه من الكساء الذي يحويه راكب البعير على سنامه إذا إذا ارتدفه لئلا يسقط ، فتأويله يؤتكم نصيبين يحفظانكم من هلكة المعاصي كما يحفظ الكفل الراكب .وقال أبو موسى الأشعري " كفلين " ضعفين بلسان الحبشة .وعن زيد : " من " أجر الدنيا والآخرة .وقيل :لما نزلت " أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا " افتخر مؤمنوا أهل الكتاب على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية . وقد استدل بعض العلماء بهذه الآية على أن الحسنة إنما لها من الأجر مثل واحد ، فقال : الحسنة أسم عام ينطلق على كل نوع من الإيمان ،ونطملق على عمومه ، فإذا انطلقت الحسنة على نوع واحد فليس له عليها من الثواب إلا مثل واحد . وإن انطلقت على حسنمة تشتمل علىم نوعين كان الثواب عليها مثلين ، بدليل هذه الآية فإنه قال : " كفلين من رحمته " والكفل النصيب كالمثل ، فجعل لمن اتقى الله وآمن برسوله نصيبين ، نصيبا لتقوى الله ونصيبا لإيمانه برسوله . فدل على أن الحسنة التي جعل لهما عشر هي التي جمعت عشرة أنواع من الحسنات ، وهو الإيمان الذي جمع الله تعالى في صفته عشرة أنواع ، لقوله تعالى : " إن المسلمين والمسلمات " [الحزاب : 35 ] الآية بكمالها . فكانت هذه الأنواع العشرة التي هي ثوابها أمثالها فيكون لكل نوع منهما مثل . وهذا تأويل فاسد ، ولمروجه عن عموم الظاهر ، في قوله تعالى : " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " [الانعام : 16 ] بما لا يحتمله تخصيص العموم ، لأن ما جمع عشر حسنات فليس يجزى عن كل حسنة إلا بمثلهما . ولو كان كما ذكر لما كان بين الحسنة والسيئة فرق . " ويجعل لكم نورا " أي بيانا وهدى ، عن مجاهد . وقال ابن عباس :هو القرآن . وقيل :ضياء " تمشون به " في الآخرة على الصراط ، وفي القيامة إلى الجنة . وقال تمشون بهم في الناس تدعونهم إلى الإسلام فتكونو رؤساء ف في دين الإسلام لاتزول عنكم رياسة كنتم فيها . وذلك أنهم خافوا أن تزول رياستهم لو آمنوا بمحمد عليه السلام . إنما كان يفوتهم أخذ رشوة من الضعفة بتحرف أحكام الله ، لا الرياسة الحقيقية في الدين . " ويغفر لكم " ذنوبكم " والله غفور رحيم " .
قد تقدم في رواية النسائي عن ابن عباس أنه حمل هذه الاية على مؤمني أهل الكتاب وأنهم يؤتون أجرهم مرتين كما في الاية التي في القصص وكما في حديث الشعبي عن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي فله أجران, وعبد مملوك أدى حق الله وحق مواليه فله أجران, ورجل أدب أمته فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران" أخرجاه في الصحيحين ووافق ابن عباس على هذا التفسير الضحاك وعتبة بن أبي حكيم وغيرهما وهو اختيار ابن جرير وقال سعيد بن جبير: لما افتخر أهل الكتاب بأنهم يؤتون أجرهم مرتين أنزل الله تعالى عليه هذه الاية في حق هذه الأمة: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين " أي ضعفين "من رحمته" وزادهم "ويجعل لكم نوراً تمشون به" يعني هدى يتبصر به من العمى والجهالة ويغفر لكم, ففضلهم بالنور والمغفرة رواه ابن جرير عنه .
وهذه الاية كقوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم " وقال سعيد بن عبد العزيز: سأل عمر بن الخطاب حبراً من أحبار اليهود كم أفضل ما ضعفت لكم حسنة ؟ قال كفل ثلاثمائة وخمسين حسنة, قال فحمد الله عمر على أنه أعطانا كفلين, ثم ذكر سعيد قول الله عز وجل: "يؤتكم كفلين من رحمته" قال سعيد: والكفلان في الجمعة مثل ذلك, رواه ابن جرير. ومما يؤيد هذا القول مارواه الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل, حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استعمل عمالاً فقال من يعمل لي من صلاة الصبح إلى نصف النهار على قيراط قيراط ؟ ألا فعملت اليهود, ثم قال من يعمل لي من صلاة الظهر إلى صلاة العصر على قيراط قيراط ؟ ألا فعملت النصارى, ثم قال من يعمل لي من صلاة العصر إلى غروب الشمس على قيراطين قيراطين ؟ ألا فأنتم الذين عملتم, فغضب النصارى واليهود وقالوا نحن أكثر عملاً وأقل عطاءً قال: هل ظلمتكم من أجركم شيئاً ؟ قالوا: لا, قال: فإنما هو فضلي أوتيه من أشاء".
قال أحمد وحدثناه مؤمل عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر نحو حديث نافع عنه انفرد بإخراجه البخاري فرواه عن سليمان بن حرب عن حماد عن نافع به, وعن قتيبة عن الليث عن نافع بمثله, وقال البخاري: حدثني محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استعمل قوماً يعملون له عملاً يوماً إلى الليل على أجر معلوم فعملوا إلى نصف النهار فقالوا لا حاجة لنا في أجرك الذي شرطت لنا وما عملنا باطل, فقال لهم لا تفعلوا أكملوا بقية عملكم وخذوا أجركم كاملاً, فأبوا وتركوا واستأجر آخرين بعدهم فقال أكملوا بقية يومكم ولكم الذي شرطت لهم من الأجر, فعملوا حتى إذا كان حين صلوا العصر قالوا ما عملنا باطل ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه . فقال أكملوا بقية عملكم فإنما بقي من النهار شيء يسير فأبوا. فاستأجر قوماً أن يعملوا له بقية يومهم فعملوا له بقية يومهم حتى غابت الشمس, فاستكملوا أجرة الفريقين كليهما فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النور" انفرد به البخاري ولهذا قال تعالى: "لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله" أي ليتحققوا أنهم لا يقدرون على رد ما أعطاه الله ولا إعطاء مامنع الله "وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء" "والله ذو الفضل العظيم".
قال ابن جرير "لئلا يعلم أهل الكتاب" أي ليعلم وقد ذكر عن ابن مسعود أنه قرأها لكي يعلم وكذا حطان بن عبد الله وسعيد بن جبير. قال ابن جرير: لأن العرب تجعل لا صلة في كل كلام دخل في أوله أو آخره جحد غير مصرح فالسابق كقوله: " ما منعك أن لا تسجد " "وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون" بالله "وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون". آخر تفسير سورة الحديد و لله الحمد والمنة .
ثم أمر سبحانه المؤمنين بالرسل المتقدمين بالتقوى والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم فقال: 28- "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله" بترك ما نهاكم عنه "وآمنوا برسوله" محمد صلى الله عليه وسلم "يؤتكم كفلين من رحمته" أي نصيبين من رحمته بسبب إيمانكم برسوله بعد إيمانكم بمن قبله من الرسل، وأصل الكفل الحظ والنصيب، وقد تقدم الكلام على تفسيره في سورة النساء "ويجعل لكم نوراً تمشون به" يعني على الصراط كما قال: "نورهم يسعى بين أيديهم" وقيل المعنى: ويجعل لكم سبيلاً واضحاً في الدين تهتدون به "ويغفر لكم" ما سلف من ذنوبكم "والله غفور رحيم" أي بليغ المغفرة والرحمة.
قال: فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبق منهم إلا قليل انحط رجل من صومعته وجاء سياح من سياحته وصاحب دير من ديره، وآمنوا به فقال الله عز وجل:
28- "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله"، الخطاب لأهل الكتابين من اليهود والنصارى، يقول: يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى اتقوا الله في محمد صلى الله عليه وسلم "وآمنوا برسوله"، محمد صلى الله عليه وسلم، "يؤتكم كفلين"، نصيبين، "من رحمته"، يعني يؤتكم أجرين لإيمانكم بعيسى عليه الصلاة والسلام، والإنجيل وبمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن.
وقال قوم: انقطع الكلام عند قوله ورحمة ثم ابتدأ: ورهبانية ابتدعوها، وذلك أنهم تركوا الحق فأكلوا الخنزير وشربوا الخمر وتركوا الوضوء والغسل من الجنابة والختان، فما رعوها، يعني: الطاعة والملة "حق رعايتها" كناية عن غير مذكور، "فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم" وهم أهل الرأفة والرحمة، "وكثير منهم فاسقون"، وهم الذين ابتدعوا الرهبانية، وإليه ذهب مجاهد.
معنى قوله: "إلا ابتغاء رضوان الله" على هذا التأويل: ما أمرناهم وما كتبنا عليهم إلا ابتغاء رضوان الله، وما أمرناهم بالترهب.
قوله عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا"، بموسى وعيسى "اتقوا الله" وآمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم "يؤتكم كفلين من رحمته".
وروينا عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل كانت له جارية فأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها، ورجل من أهل الكتاب آمن بكتابه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، وعبد أحسن عبادة الله ونصح سيده".
"ويجعل لكم نوراً تمشون به"، قال ابن عباس ومقاتل: يعني على الصراط، كما قال: "نورهم يسعى بين أيديهم" (التحريم- 8)، ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النور هو القرآن. وقال مجاهد: هو الهدى والبيان، أي يجعل لكم سبيلاً واضحاً في الدين تهتدون به، "ويغفر لكم والله غفور رحيم"، وقيل: لما سمع من لم يؤمن من أهل الكتاب قوله عز وجل: "أولئك يؤتون أجرهم مرتين" (القصص- 54) قالوا للمسلمين: أما من آمن منا بكتابكم فله أجره مرتين لإيمانه بكتابكم وبكتابنا، وأما من لم يؤمن منا فله أجر كأجوركم فما فضلكم علينا؟ فأنزل الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته" فجعل لهم الأجرين إذا آمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وزادهم النور والمغفرة.
28-" يا أيها الذين آمنوا " بالرسل المتقدمة . " اتقوا الله " فيما نهاكم عنه . " وآمنوا برسوله " محمد عليه الصلاة والسلام . " يؤتكم كفلين " نصيبين . " من رحمته " لإيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم إيمانكم بمن قبله . ولا يبعد أن يثابوا على دينهم السابق وإن كان منسوخاً ببركة الإسلام ، وقيل الخطاب للنصارى الذين كانوا في عصره صلى الله عليه وسلم . " ويجعل لكم نوراً تمشون به " يريد المذكور في قوله : " يسعى نورهم " أو الهدى الذي يسلك به إلى جناب القدس . " ويغفر لكم والله غفور رحيم " .
28. O ye who believe! Be mindful of your duty to Allah and put faith in His messenger. He will give you twofold of His mercy and will appoint for you a light wherein ye shall walk, and will forgive you. Allah is Forgiving, Merciful;
28 - O ye that believe! Fear God, and believe in His Apostle, and He will bestow on you a double portion of His Mercy: He will provide for you a Light by which ye shall walk (straight in your path), and He will forgive you (your past): for God is Oft Forgiving, Most Merciful: