[الواقعة : 2] خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ
2 - (ليس لوقعتها كاذبة) نفس تكذب بأن تنفيها كما نفتها في الدنيا
وقوله " ليس لوقعتها كاذبة " يقول تعالى : ليس لوقعة الواقعة تكذيب ولا مردودية ولا مثنوية والكاذبة في هذا الموضع مصدر مثل العاقبة والعافية .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة " ليس لوقعتها كاذبة " : أي ليس لها مثنوية ولا رجعة ولا ارتداد .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة في قوله " ليس لوقعتها كاذبة " قال : مثنوية
" ليس لوقعتها كاذبة " الكاذبة مصدر بمعنى الكذب ، العرب قد تضع الفاعل
والمفعول موضع المصدر ، كقوله تعالى : " لا تسمع فيها لاغية " أي لغو ،
والمعنى لا يسمع لها كذب ، قاله الكسائي . ومنه قول العامة : عائذا بالله
أي معاذ الله ، وقم قائما أي قم قياما . ولبعض نساء العرب ترقص ابنها :
قم قائما قم قائما أصبت عبدا نائما
وقيل : الكاذبة صفة والموصوف محذوف ، أي ليس لوقعتها حال كاذبة ، أو
نفس كاذبة ، أي كل من يخبر عن وقعتها صادق . وقال الزجاج : (( ليس
لوقتها كاذبة )) أي لا يردها شيء . ونحوهن قول الحسن و قتادة .
وقال الثوري : ليس لوقتها أحد يكذب بها . وقال الكسائي أيضا :
ليس لها تكذيب ، أي ينبغي ألا يكذب بها أحد . وقيل :ك إن قيامها جد لا
هزل فيه .
الواقعة من أسماء يوم القيامة سميت بذلك لتحقق كونها ووجودها كما قال تعالى: "فيومئذ وقعت الواقعة" قوله تعالى: "ليس لوقعتها كاذبة" أي ليس لوقوعها إذا أراد الله كونها صارف يصرفها ولا دافع يدفعها كما قال: "استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله" وقال "سأل سائل بعذاب واقع * للكافرين ليس له دافع" وقال تعالى "ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير". ومعنى "كاذبة" كما قال محمد بن كعب لابد أن تكون, وقال قتادة: ليس فيها مثنوية ولا ارتداد ولا رجعة قال ابن جرير: والكاذبة مصدر كالعاقبة والعافية.
وقوله تعالى: "خافضة رافعة" أي تخفض أقواماً إلى أسفل سافلين إلى الجحيم, وإن كانوا في الدنيا أعزاء, وترفع آخرين إلى أعلى عليين إلى النعيم المقيم, وإن كانوا في الدنيا وضعاء, هكذا قال الحسن وقتادة وغيرهما. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا يزيد بن عبد الرحمن بن مصعب المعني, حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي عن أبيه عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس "خافضة رافعة" تخفض أقواماً وترفع آخرين,, وقال عبيد الله العتكي عن عثمان بن سراقة ابن خالة عمر بن الخطاب "خافضة رافعة" قال: الساعة خفضت أعداء الله إلى النار ورفعت أولياء الله إلى الجنة. وقال محمد بن كعب: تخفض رجالاً كانوا في الدنيا مرتفعين, وترفع رجالاً كانوا في الدنيا مخفوضين, وقال السدي: خفضت المتكبرين ورفعت المتواضعين , وقال العوفي عن ابن عباس "خافضة رافعة" أسمعت القريب والبعيد, وقال عكرمة: خفضت فأسمعت الأدنى, ورفعت فأسمعت الأقصى, وكذا قال الضحاك وقتادة.
وقوله تعالى: "إذا رجت الأرض رجاً" أي حركت تحريكاً فاهتزت واضطربت بطولها وعرضها, ولهذا قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وغير واحد في قوله تعالى: "إذا رجت الأرض رجاً" أي زلزلت زلزالاً, وقال الربيع بن أنس: ترج بما فيها كرج الغربال بما فيه, وهذا كقوله تعالى: "إذا زلزلت الأرض زلزالها" وقال تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم". وقوله تعالى: "وبست الجبال بساً" أي فتتت فتاً, قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة وغيرهم, وقال ابن زيد صارت الجبال كما قال الله تعالى: "كثيباً مهيلاً".
وقوله تعالى: "فكانت هباء منبثاً" قال أبو إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه: هباء منبثاً كرهج الغبار يسطع ثم يذهب فلا يبقى منه شيء, وقال العوفي عن ابن عباس في قوله "فكانت هباء منبثاً" الهباء الذي يطير من النار إذا اضطرمت يطير منه الشرر فإذا وقع لم يكن شيئاً, وقال عكرمة: المنبث الذي قد ذرته الريح وبثته. وقال قتادة "هباء منبثاً" كيبيس الشجر الذي تذروه الرياح. وهذه الاية كأخواتها الدالة على زوال الجبال عن أماكنها يوم القيامة وذهابها وتسييرها ونسفها وصيرورتها كالعهن المنفوش.
وقوله تعالى: "وكنتم أزواجاً ثلاثة" أي ينقسم الناس يوم القيامة إلى ثلاثة أصناف: قوم عن يمين العرش. وهم الذين خرجوا من شق آدم الأيمن, ويؤتون كتبهم بأيمانهم ويؤخذ بهم ذات اليمين, وقال السدي: وهم جمهور أهل الجنة, وآخرون عن يسار العرش وهم الذين خرجوا من شق آدم الأيسر ويؤتون كتبهم بشمالهم ويؤخذ بهم ذات الشمال وهم عامة أهل النار ـ عياذاً بالله من صنيعهم ـ وطائفة سابقون بين يديه عز وجل, وهم أخص وأحظى وأقرب من أصحاب اليمين الذين هم سادتهم, فيهم الرسل والأنبياء والصديقون والشهداء, وهم أقل عدداً من أصحاب اليمين, ولهذا قال تعالى: "فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة * وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة * والسابقون السابقون" وهكذا قسمهم إلى هذه الأنواع الثلاثة في آخر السورة وقت احتضارهم, وهكذا ذكرهم في قوله تعالى: "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله" الاية. وذلك على أحد القولين في الظالم لنفسه كما تقدم بيانه, قال سفيان الثوري عن جابر الجعفي عن مجاهد عن ابن عباس في قوله: "وكنتم أزواجاً ثلاثة" قال: هي التي في سورة الملائكة "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات". وقال ابن جريج عن ابن عباس: هذه الأزواج الثلاثة هم المذكورون في آخر السورة وفي سورة الملائكة, وقال يزيد الرقاشي: سألت ابن عباس عن قوله: "وكنتم أزواجاً ثلاثة" قال: أصنافاً ثلاثة. وقال مجاهد "وكنتم أزواجاً ثلاثة" يعني فرقاً ثلاثة. وقال ميمون بن مهران: أفواجاً ثلاثة, وقال عبيد الله العتكي عن عثمان بن سراقة ابن خالة عمر بن الخطاب "وكنتم أزواجاً ثلاثة" اثنان في الجنة وواحد في النار. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا محمد بن الصباح, حدثنا الوليد بن أبي ثور عن سماك عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "وإذا النفوس زوجت" قال: الضرباء, كل رجل من كل قوم كانوا يعملون عمله, وذلك بأن الله تعالى يقول " وكنتم أزواجا ثلاثة * فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة * وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة * والسابقون السابقون " قال: هم الضرباء.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبد الله بن المثنى, حدثنا البراء الغنوي, حدثنا الحسن عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الاية " وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين " " وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال " فقبض بيده قبضتين فقال: "هذه للجنة ولا أبالي وهذه للنار ولا أبالي" وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا حسن: حدثنا ابن لهيعة, حدثنا خالد بن أبي عمران عن القاسم بن محمد عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أتدرون من السابقون إلى ظل الله يوم القيامة ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: الذين إذا أعطوا الحق قبلوه وإذا سئلوه بذلوه وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم" وقال محمد بن كعب وأبو حرزة ويعقوب بن مجاهد "والسابقون السابقون" هم الأنبياء عليهم السلام. وقال السدي: هم أهل عليين, وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس "والسابقون السابقون" قال: يوشع بن نون, سبق إلى موسى ومؤمن آل يس, سبق إلى عيسى وعلي بن أبي طالب سبق إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه ابن أبي حاتم عن محمد بن هارون الفلاس عن عبد الله بن إسماعيل المدائني البزار, عن شعيب بن الضحاك المدائني عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح به.
وقال ابن أبي حاتم وذكر عن محمد بن أبي حماد: حدثنا مهران عن خارجة عن قرة عن ابن سيرين "والسابقون السابقون" الذين صلوا إلى القبلتين ورواه ابن جرير من حديث خارجة به. وقال الحسن وقتادة "والسابقون السابقون" أي من كل أمة, وقال الأوزاعي عن عثمان بن أبي سودة أنه قرأ هذه الاية " والسابقون السابقون * أولئك المقربون " ثم قال: أولهم رواحاً إلى المسجد وأولهم خروجاً في سبيل الله, وهذه الأقوال كلها صحيحة فإن المراد بالسابقين هم المبادرون إلى فعل الخيرات كما أمروا, كما قال تعالى: "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض" وقال تعالى: "سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض" وقال فمن سابق في هذه الدنيا وسبق إلى الخير كان في الاخرة من السابقين إلى الكرامة, فإن الجزاء من جنس العمل, وكما تدين تدان, ولهذا قال تعالى: " أولئك المقربون * في جنات النعيم ". وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي: حدثنا يحيى بن زكريا الفزاري الرازي, حدثنا خارجة بن مصعب عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار, عن عبد الله بن عمرو قال: قالت الملائكة يا رب جعلت لبني آدم الدنيا فهم يأكلون ويشربون ويتزوجون فاجعل لنا الاخرة, فقال: لا أفعل, فراجعوا ثلاثاً فقال: لا أجعل من خلقت بيدي كمن قلت له كن فيكون. ثم قرأ عبد الله " والسابقون السابقون * أولئك المقربون * في جنات النعيم " وقد روى هذا الأثر الإمام عثمان بن سعيد الدارمي في كتابه الرد على الجهمية ولفظه: فقال الله عز وجل: لن أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فيكون.
أو بالنفي المفهو من قوله: 2- "ليس لوقعتها كاذبة" أي لا يكون عند وقوعها تكذيب، والكاذبة مصدر كالعاقبة: أي ليس لمجيئها وظهورها كذب أصلاً، وقيل إذا شرطية وجوابها مقدر: أي إذا وقعت كان كيت وكيت، والجواب هذا هو العامل فيها، وقيل إنها شرطية، والعامل فيها الفعل الذي بعدها، واختار هذا أبو حيان، وقد سبقه إلى هذا مكي فقال: والعامل وقعت. قال المفسرون: والواقعة هنا هي النفخة الآخرة، ومعنى الآية: أنها إذا وقعت النفخة الآخرة عند البعث لم يكن هناك تكذيب بها أصلا، أو لا يكون هناك نفس تكذب على الله وتكذب بما أخبر عنه من أمور الآخرة. قال الزجاج: ليس لوقعتها كاذبة: أي لا يردها شيء، وبه قال الحسن وقتادة. وقال النووي: ليس لوقعتها أحد يكذب بها. وقال الكسائي: ليس لها تكذيب: أي لا ينبغي أن يكذب بها أحد.
2- "ليس لوقعتها"، لمجيئها، "كاذبة"، كذب، كقوله: "لا تسمع فيها لاغية" (الغاشية- 11)، أي: لغو، يعني أنها تقع صدقاً وحقاً. و الكاذبة اسم كالعافية والنازلة.
2-" ليس لوقعتها كاذبة " أي لا يكون حين تقع نفس تكذب على الله تعالى ، أو تكذيب في نفيها كما تكذب الآن ، واللام مثلها في قوله تعالى : " قدمت لحياتي " أو ليس لأحد في وقعتها كاذبة فإنه من أخبر عنها صدق ، أو ليس لها حينئذ نفس تحدث صاحبها بإطاقة شدتها واحتمالها وتغريه عليها من قولهم : كذبت فلاناً نفسه في الخطب العظيم ، إذا شجعته عليه وسولت له أنه يطيقه .
2. There is no denying that it will befall
2 - Then will no (soul) entertain falsehood concerning its coming.