[الرحمن : 34] فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
34 - (فبأي آلاء ربكما تكذبان)
وقوله " فبأي آلاء ربكما تكذبان " يقول تعالى ذكره : فبأي نعم ربمكا تكذبان معشر الثقلين التي أنعمت عليكم من التسوية بين جميعكم لا يقدرون على خلاف أمر أراده بكم تكذبان .
قوله تعالى " فبأي آلاء ربكما تكذبان "
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: "سنفرغ لكم أيها الثقلان" قال: وعيد من الله تعالى للعباد وليس بالله شغل وهو فارغ, وكذا قال الضحاك: هذا وعيد, وقال قتادة: قد دنا من الله فراغ لخلقه, وقال ابن جريج "سنفرغ لكم" أي سنقضي لكم, وقال البخاري: سنحاسبكم لا يشغله شيء عن شيء, وهو معروف في كلام العرب, يقال لأتفرغن لك وما به شغل, يقول: لاخذنك على غرتك. وقوله تعالى: "أيها الثقلان" الثقلان: الإنس والجن كما جاء في الصحيح: "ويسمعها كل شيء إلا الثقلين" وفي رواية "إلا الإنس والجن". وفي حديث الصور "الثقلان الإنس والجن" "فبأي آلاء ربكما تكذبان". ثم قال تعالى: "يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان" أي لا تستطيعون هرباً من أمر الله وقدره بل هو محيط بكم, لا تقدرون على التخلص من حكمه ولا النفوذ عن حكمه فيكم, أينما ذهبتم أحيط بكم, وهذا في مقام الحشر, الملائكة محدقة بالخلائق سبع صفوف من كل جانب فلا يقدر أحد على الذهاب "إلا بسلطان" أي إلا بأمر الله " يقول الإنسان يومئذ أين المفر * كلا لا وزر * إلى ربك يومئذ المستقر ".
وقال تعالى: "والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" ولهذا قال تعالى: "يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس الشواظ: هو لهب النار, وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: الشواظ الدخان, وقال مجاهد: هو اللهب الأخضر المنقطع, وقال أبو صالح: الشواظ هو اللهب الذي فوق النار ودون الدخان. وقال الضحاك "شواظ من نار" سيل من نار. وقوله تعالى: "ونحاس" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "ونحاس" دخان النار, وروي مثله عن أبي صالح وسعيد بن جبير وأبي سنان. وقال ابن جرير: والعرب تسمي الدخان نحاساً, بضم النون وكسرها, والقراء مجمعة على الضم, ومن النحاس بمعنى الدخان قول نابغة جعدة:
يضيء كضوء سراج السليــ ــط لم يجعل الله فيه نحاساً
يعني دخاناً هكذا قال, وقد روى الطبراني من طريق جويبر عن الضحاك أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس عن الشواظ فقال: هو اللهب الذي لا دخان معه, فسأله شاهداً على ذلك من اللغة, فأنشده قول أمية بن أبي الصلت في حسان:
ألا من مبلغ حسان عنــي مغلغلـــة تـــدب إلى عكـــــاظ
أليس أبوك فينا كان قيناً لدى القينات فسلاً في الحفاظ
يمانياً يظل يشد كيـــــراً وينفــــخ دائباً لهب الشـــواظ
قال: صدقت فما النحاس ؟ قال: هو الدخان الذي لا لهب له, قال: فهل تعرفه العرب ؟ قال: نعم, أما سمعت نابغة بني ذبيان يقول:
يضيء كضوء سراج السليـــ ــط لم يجعل الله فيه نحاساً
وقال مجاهد: النحاس الأصفر يذاب فيصب على رؤوسهم, وكذا قال قتادة, وقال الضحاك: ونحاس سيل من نحاس, والمعنى على كل قول لو ذهبتم هاربين يوم القيامة لردتكم الملائكة والزبانية بإرسال اللهب من النار, والنحاس المذاب عليكم لترجعوا, ولهذا قال: " فلا تنتصران * فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
34- "فبأي آلاء ربكما تكذبان" ومن جملتها هذه النعمة الحاصلة بالتحذير والتهديد، فإنها تزيد المحسن إحساناً، وتكف المسيء عن إساءته، مع أن من حذركم وأنذركم قادر على الإيقاع بكم من دون مهلة.
34. " فبأي آلاء ربكما تكذبان "، وفي الخبر: يحاط على الخلق بالملائكة وبلسان من نار ثم ينادون: " يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا "، الآية. فذلك قوله عز وجل:
34-" فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي من التنبيه والتحذير والمساهمة والعفو مع كمال القدرة ، أو مما نصب من المصاعد العقلية والمعارج النقلية فتنفذون بها إلى ما فوق السموات العلا.
34. Which is it, of the favors of your Lord, that ye deny?
34 - Then which of the favours of your Lord will ye deny?