[الرحمن : 25] فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
25 - (فبأي آلاء ربكما تكذبان)
وقوله " فبأي آلاء ربكما تكذبان " يقول تعالى ذكره : فبأي نعم ربكما معشر الجن والإنس التي أنعمها عليكم بإجرائه الجواري المنشئات في البحر جارية بمنافعكم تكذبان
قوله تعالى " فبأي آلاء ربكما تكذبان "
يذكر تعالى خلقه الإنسان من صلصال كالفخار, وخلقه الجان من مارج من نار, وهو طرف لهبها, قاله الضحاك عن ابن عباس, وبه يقول عكرمة ومجاهد والحسن وابن زيد, وقال العوفي عن ابن عباس: من مارج من نار من لهب النار من أحسنها, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: من مارج من نار من خالص النار, وكذلك قال عكرمة ومجاهد والضحاك وغيرهم. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلقت الملائكة من نور, وخلق الجان من مارج من نار, وخلق آدم مما وصف لكم" ورواه مسلم عن محمد بن رافع وعبد بن حميد, كلاهما عن عبد الرزاق به.
وقوله تعالى: " فبأي آلاء ربكما تكذبان " تقدم تفسيره "رب المشرقين ورب المغربين" يعني مشرقي الصيف والشتاء ومغربي الصيف والشتاء, وقال في الاية الأخرى: "فلا أقسم برب المشارق والمغارب" وذلك باختلاف مطالع الشمس وتنقلها في كل يوم وبروزها منه إلى الناس. وقال في الاية الأخرى: "رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً" وهذا المراد منه جنس المشارق والمغارب, ولما كان في اختلاف هذه المشارق والمغارب مصالح للخلق من الجن والإنس قال: " فبأي آلاء ربكما تكذبان " وقوله تعالى: "مرج البحرين يلتقيان" قال ابن عباس: أي أرسلهما. وقوله: "يلتقيان" قال ابن زيد: أي منعهما أن يلتقيا بما جعل بينهما من البرزخ الحاجز الفاصل بينهما, والمراد بقوله البحرين: الملح والحلو, فالحلو هذه الأنهار السارحة بين الناس, وقد قدمنا الكلام على ذلك في سورة الفرقان عند قوله تعالى: " وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا " وقد اختار ابن جرير ههنا أن المراد بالبحرين: بحر السماء وبحر الأرض, وهو مروي عن مجاهد وسعيد بن جبير وعطية وابن أبزى, قال ابن جرير: لأن اللؤلؤ يتولد من ماء السماء وأصداف بحر الأرض وهذا وإن كان هكذا لكن ليس المراد بذلك ما ذهب إليه, فإنه لا يساعده اللفظ فإنه تعالى قد قال: "بينهما برزخ لا يبغيان" أي وجعل بينهما برزخاً, وهو الحاجز من الأرض لئلا يبغي هذا على هذا, وهذا على هذا, فيفسد كل واحد منهما الاخر ويزيله عن صفته التي هي مقصودة منه, وما بين السماء والأرض لا يسمى برزخاً وحجراً محجوراً.
وقوله تعالى: "يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان" أي من مجموعهما, فإذا وجد ذلك من أحدهما كفى كما قال تعالى:"يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ؟" والرسل إنما كانوا في الإنس خاصة دون الجن وقد صح هذا الإطلاق. واللؤلؤ معروف, وأما المرجان فقيل هو صغار اللؤلؤ, قاله مجاهد وقتادة وأبو رزين والضحاك وروي عن علي, وقيل كباره وجيده, حكاه ابن جرير عن بعض السلف ورواه ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس, وحكاه السدي عمن حدثه عن ابن عباس, وروي مثله عن علي ومجاهد أيضاً ومرة الهمداني, وقيل: هو نوع من الجواهر أحمر اللون, قال السدي عن أبي مالك عن مسروق عن عبد الله قال: المرجان الخرز الأحمر, قال السدي: وهو الكسد بالفارسية, وأما قوله: "ومن كل تأكلون لحماً طرياً وتستخرجون حلية تلبسونها" فاللحم من كل من الأجاج والعذب والحلية إنما هي من المالح دون العذب. قال ابن عباس: ما سقطت قط قطرة من السماء في البحر فوقعت في صدفة إلا صار منها اللؤلؤ, وكذا قال عكرمة, وزاد: فإذا لم تقع في صدفة نبتت بها عنبرة, وروي من غير وجه عن ابن عباس نحوه.
وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان, حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, حدثنا سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن عبد الله, عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إذا أمطرت السماء فتحت الأصداف في البحر أفواهها فما وقع فيها, يعني من قطر فهو اللؤلؤ. إسناده صحيح, ولما كان اتخاذ هذه الحلية نعمة على أهل الأرض, امتن بها عليهم فقال: "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
وقوله تعالى: "وله الجوار المنشآت" يعني السفن التي تجري "في البحر" قال مجاهد: ما رفع قلعه من السفن فهي منشآت وما لم يرفع قلعه فليس بمنشآت, وقال قتادة: المنشآت يعني المخلوقات, وقال غيره, المنشآت بكسر الشين يعني البادئات "كالأعلام" أي كالجبال في كبرها وما فيها من المتاجر والمكاسب المنقولة من قطر إلى قطر وإقليم إلى إقليم, مما فيه صلاح الناس في جلب ما يحتاجون إليه من سائر أنواع البضائع, ولهذا قال: "فبأي آلاء ربكما تكذبان" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا حماد بن سلمة, حدثنا العرار بن سويد عن عميرة بن سعد قال: كنت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه على شاطىء الفرات إذ أقبلت سفينة مرفوع شراعها فبسط علي يديه ثم قال: يقول الله عز وجل: "وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام" والذي أنشأها تجري في بحوره ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله.
25- "فبأي آلاء ربكما تكذبان" فإن ذلك من الوضوح والظهور بحيث لا يمكن تكذيبه ولا إنكاره.
وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: "الشمس والقمر بحسبان" قال: بحسبان ومنازل يرسلان. وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم عنه "والأرض وضعها للأنام" قال: للناس. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: للخلق. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال: كل شيء فيه روح. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً "والنخل ذات الأكمام" قال: أوعية الطلع. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: "والحب ذو العصف" قال: التبن "والريحان" قال خضرة الزرع. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال: "العصف" ورق الزرع إذا يبس "والريحان" ما أنبتت الأرض من الريحان الذي يشم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: "العصف" الزرع أول ما يخرج بقلاً "والريحان" حين يتوي على سوقه ولم يسنبل. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال: كل ريحان في القرآن فهو رزق. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: كل ريحان في القرآن فهو رزق. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً "فبأي آلاء ربكما تكذبان" قال: يعني بأي نعمة الله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال: يعني الجن والإنس. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه أيضاً "من مارج من نار" قال: من لهب النار. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال: خالص النار. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: "رب المشرقين ورب المغربين" قال: للشمس مطلع في الشتاء، ومغرب في الشتاء، ومطلع في الصيف، ومغرب في الصيف غير مطلعها في الشتاء وغير مغربها في الشتاء. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في الآية قال: مشرق الفجر ومشرق الشفق، ومغرب الشمس ومغرب الشفق. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: "مرج البحرين يلتقيان" قال: أرسل البحرين "بينهما برزخ" قال: حاجز "لا يبغيان" لا يختلطان. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال: بحر السماء وبحر الأرض، وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً "بينهما برزخ لا يبغيان" قال: بينهما من البعد ما لا ينبغي كل واحد منهما على صاحبه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: "يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان" قال: إذا مطرت السماء فتحت الأصداف في البحر أفواهها فما وقع فيها من قطر السماء فهو اللؤلؤ. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن علي بن أبي طالب قال: المرجان عظام اللؤلؤ. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: اللؤلؤ: ما عظم منه، والمرجان: اللؤلؤ الصغار. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن ابن مسعود قال: المرجان الخرز الأحمر.
25. " فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
25-" فبأي آلاء ربكما تكذبان " من خلق مواد السفن والإرشاد إلى أخذها وكيفية تركيبها وإجرائها في البحر بأسباب لا يقدر على خلقها وجمعها غيره .
25. Which is it, of the favors of your Lord, that ye deny?
25 - Then which of the favours of your Lord will ye deny?