[الرحمن : 11] فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ
11 - (فيها فاكهة والنخل) المعهود (ذات الأكمام) أوعية طلعها
وقوله " فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام " يقول تعالى ذكره : في الأرض فاكهة والهاء والألف فيها من ذكر الأرض " والنخل ذات الأكمام " والأكمام : جمع كم وهو ما تكممت فيه .
واختلف أهل التأويل في معنى ذلك فقال بعضهم : عني بذلك تكميم النخل في الليف .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب قال : ثنا ابن علية عن أبي رجاء قال : سألت الحسن عن قوله " والنخل ذات الأكمام " فقال : سعفة من ليف عصبت بها .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة والحسن " ذات الأكمام " أكمامها : ليفها .
حدثنا بشر قال ثنا : يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة " والنخل ذات الأكمام " : الليف الذي يكون عليها .
وقال آخرون : يعني بالأكمام : الرفات .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار قال : ثنا محمد بن مروان قال : ثنا أبو العوام عن قتادة " والنخل ذات الأكمام " قال : أكمامها رفاتها .
وقال آخرون : بل معنى الكلام : والنخل ذات الطلع المتكمم في كمامه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " والنخل ذات الأكمام " وقيل : له هو الطلع ؟ قال : نعم وهو في كم منه حتى ينفتق عنه قال : والحب أيضاً في أكمام وقرأ " وما تخرج من ثمرات من أكمامها " ( فصلت 47 ) .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال :إن الله وصف النخل بانها ذات أكمام وهي متكممة في ليفها وطلعها متكمم في جفة ولم يخصص الله الخبر عنها بتكممها في ليفها ولا تكممم طلعها في جفه بل عم الخبر عنها بأنها ذات أكمام .
والصواب أن يقال : عني بذلك ذات ليف وهي به متكممة وذات طلع هو في جفه متكمم فيعمم كما عم جل ثناؤه .
"والنخل ذات الأكمام" الأكمام جمع كم بالكسر . قال الجوهري والكمة بالكسر والكمامة وعاء الطلع وغطاء النور ، والجمع كمام وأكمة وأكمام والأكاميم أيضا وكم الفصيل إذا أشفق عليه فستر حتى يقوى قال العجاج :
بل لو شهدت الناس إذ تكموا بغمة لو لم تفرج غموا
وتكموا أي أغمي عليهم وغطوا . وأكمت النخلة وكممت أي أخرجت أكمامها والكمام بالكسر والكمامة أيضا ما يكم به فم البعير لئلا يعض تقول منه بعير مكموم أي محجوم وكممت الشيء غطيته والكم ما ستر شيئا وغطاه ، ومنه كم القميص بالضم والجمع أكمام وكممة ، مثل حب وحببة والكمة القلنسوة المدورة لأنها تغطي الرأس قال :
فقلت لهم كيلو بكمة بعضكم دراهمكم إني كذلك أكيل
قال الحسن : " ذات الأكمام" أي ذات الليف فإن النخلة قد تكمم بالليف وكمامها ليفها الذي في أعناقها . ابن زيد : ذات الطلع قبل أن يتفتق وقال عكرمة ذات الأحمال .
يخبر تعالى عن فضله ورحمته بخلقه أنه أنزل على عباده القرآن, ويسر حفظه وفهمه على من رحمه فقال تعالى: " الرحمن * علم القرآن * خلق الإنسان * علمه البيان " قال الحسن: يعني النطق, وقال الضحاك وقتادة وغيرهما: يعني الخير والشر, وقول الحسن ههنا أحسن وأقوى لأن السياق في تعليمه تعالى القرآن, وهو أداء تلاوته, وإنما يكون ذلك بتيسير النطق على الخلق وتسهيل خروج الحروف من مواضعها من الحلق واللسان والشفتين على اختلاف مخارجها وأنواعها. وقوله تعالى: "الشمس والقمر بحسبان" أي يجريان متعاقبين بحساب مقنن لا يختلف ولا يضطرب "لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون" وقال تعالى: "فالق الإصباح وجعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم".
وعن عكرمة أنه قال: لو جعل الله نور جميع أبصار الإنس والجن والدواب والطير في عيني عبد, ثم كشف حجاباً واحداً من سبعين حجاباً دون الشمس, لما استطاع أن ينظر إليها. ونور الشمس جزء من سبعين جزءاً من نور الكرسي, ونور الكرسي جزء من سبعين جزءاً من نور العرش, ونور العرش جزء من سبعين جزءاً من نور الستر. فانظر ماذا أعطى الله عبده من النور في عينيه وقت النظر إلى وجه ربه الكريم عياناً, رواه ابن أبي حاتم. وقوله تعالى: "والنجم والشجر يسجدان" قال ابن جرير: اختلف المفسرون في معنى قوله والنجم بعد إجماعهم على أن الشجر ما قام على ساق, فروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: النجم ما انبسط على وجه الأرض يعني من النبات, وكذا قال سعيد بن جبير والسدي وسفيان الثوري, وقد اختاره ابن جرير رحمه الله تعالى. وقال مجاهد: النجم الذي في السماء. وكذا قال الحسن وقتادة, وهذا القول هو الأظهر والله أعلم لقوله تعالى: "ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس" الاية.
وقوله تعالى: "والسماء رفعها ووضع الميزان" يعني العدل كما قال تعالى: "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط" وهكذا قال ههنا: " أن لا تطغوا في الميزان " أي خلق السموات والأرض بالحق والعدل لتكون الأشياء كلها بالحق والعدل. ولهذا قال تعالى: "وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان" أي لا تبخسوا الوزن بل زنوا بالحق والقسط كما قال تعالى: "وزنوا بالقسطاس المستقيم" وقوله تعالى: "والأرض وضعها للأنام" أي كما رفع السماء وضع الأرض ومهدها وأرساها بالجبال الراسيات الشامخات, لتستقر لما على وجهها من الأنام وهم الخلائق المختلفة أنواعهم وأشكالهم وألوانهم وألسنتهم في سائر أقطارها وأرجائها.
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد: الأنام الخلق "فيها فاكهة" أي مختلفة الألوان والطعوم والروائح "والنخل ذات الأكمام" أفرده بالذكر لشرفه ونفعه رطباً ويابساً, والأكمام قال ابن جريج عن ابن عباس: هي أوعية الطلع وهكذا قال غير واحد من المفسرين, وهو الذي يطلع فيه القنو ثم ينشق عن العنقود, فيكون بسراً ثم رطباً ثم ينضج ويتناهى نفعه واستواؤه. وقال ابن أبي حاتم: ذكر عن عمرو بن علي الصيرفي, حدثنا أبو قتيبة, حدثنا يونس بن الحارث عن الشعبي قال: كتب قيصر إلى عمر بن الخطاب: أخبرك أن رسلي أتتني من قبلك فزعمت أن قبلكم شجرة ليست بخليقة لشيء من الخير, تخرج مثل آذان الحمير ثم تشقق مثل اللؤلؤ, ثم تخضر فتكون مثل الزمرد الأخضر, ثم تحمر فتكون كالياقوت الأحمر, ثم تينع فتنضج فتكون كأطيب فالوذج أكل, ثم تيبس فتكون عصمة للمقيم وزاداً للمسافر, فإن تكن رسلي صدقتني فلا أرى هذه الشجرة إلا من شجر الجنة, فكتب إليه عمر بن الخطاب: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى قيصر ملك الروم, إن رسلك قد صدقوك هذه الشجرة عندنا, وهي الشجرة التي أنبتها الله على مريم حين نفست بعيسى ابنها, فاتق الله ولا تتخذ عيسى إلهاً من دون الله "إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون * الحق من ربك فلا تكن من الممترين" وقيل: الأكمام رفاتها وهو الليف الذي على عنق النخلة, وهو قول الحسن وقتادة.
"والحب ذو العصف والريحان" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "والحب ذو العصف" يعني التبن. وقال العوفي عن ابن عباس: العصف ورق الزرع الأخضر الذي قطع رؤوسه, فهو يسمى العصف إذا يبس, وكذا قال قتادة والضحاك وأبو مالك عصفه تبنه. وقال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: والريحان يعني الورق. وقال الحسن: هو ريحانكم هذا, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: والريحان خضر الزرع, ومعنى هذا ـ والله أعلم ـ أن الحب كالقمح والشعير ونحوهما له في حال نباته عصف, وهو ما على السنبلة, وريحان وهو الورق الملتف على ساقها. وقيل: العصف الورق أول ما ينبت الزرع بقلاً والريحان الورق يعني إذا أدجن وانعقد فيه الحب, كما قال زيد بن عمرو بن نفيل في قصيدته المشهورة:
وقولا له من ينبت الحب في الثرى فيصبح منه البقل يهتز رابيا
ويخرج منـــه حبـــه في رؤوســــه ففي ذاك آيات لمن كان واعيا
وقوله تعالى: "فبأي آلاء ربكما تكذبان" أي فبأي الالاء يا معشر الثقلين من الإنس والجن تكذبان ؟ قاله مجاهد وغير واحد, ويدل عليه السياق بعده, أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها, فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به: اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب, فلك الحمد. وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها, قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق, حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
وجملة 11- "فيها فاكهة" في محل نصب على أنها حال من الأرض مقدرة، وقيل مستأنفة لتقرير مضمون الجملة التي قبلها، والمراد بها كل ما يتفكه به من أنواع الثمار. ثم أفرد سبحانه النخل بالذكر لشرفه ومزيد فائدته على سائر الفواكه فقال: "والنخل ذات الأكمام" الأكمام جمع كم بالكسر، وهو وعاء التمر. قال الجوهري: والكم بالكسر والكمامة وعاء الطلع وغطاء التنور، والجمع كمام وأكمة وأكمام. قال الحسن: ذات الأكمام: أي ذات الليف، فإن النخلة تكمم بالليف وكمامها ليفها، وقال ابن زيد: ذات الطلع قبل أن يتفتق. وقال عكرمة: ذات الأحمال.
11. " فيها فاكهة "، يعني: أنواع الفواكه، قال ابن كيسان : يعني: ما يتفكهون به من النعم التي لا تحصى، " والنخل ذات الأكمام "، الأوعية التي يكون فيه الثمر لأن ثمر النخل يكون في غلاف ما لم ينشق، واحدها كم، وكل ما سنر شيئا فهو كم وكمة، ومنه كم القميص، ويقال للقلنسوة كمة، قال الضحاك : ((ذات الأكمام)) أي ذات الغلف. وقال الحسن : أكمامها: لفيفها. [وقال ابن زيد : هو الطلع قبل أن ينشق].
11-" فيها فاكهة " ضروب مما يتفكه به . " والنخل ذات الأكمام " أوعية التمر جمع كم ، أو كل يكم أي يغطى من ليف وسعف وكفري فإنه ينتفع به كالمكموم كالجذع والجمار والتمر .
11. Wherein are fruit and sheathed palm trees
11 - Therein is fruit and date palms, producing spathes (enclosing dates);