[النجم : 42] وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى
42 - (وأن) بالفتح عطفا وقرىء بالكسر استئنافا وكذا ما بعدها فلا يكون مضمون الجمل في الصحف على االثاني (إلى ربك المنتهى) المرجع والمصير بعد الموت فيجازيهم
وقوله : " وأن إلى ربك المنتهى " يقول تعالى ذكره : لنبيه صلى الله عليه وسلم وأن إلى ربك يا محمد انتهاء جمع خلقه ومرجعهم وهو المجازي جميعهم بأعمالهم صالحهم وطالحهم ومحسنهم ومسيئهم .
قوله تعالى " وأن إلى ربك المنتهى " أي المرجع والمرد والمصير فيعاقب ويثيب وقيل : منه ابتداء المنة وإليه الأمان . و"عن أبي بن كعب قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله " وأن إلى ربك المنتهى " قال لا فكرة في الرب " و" عن أنس قال : النبي صلى الله عليه وسلم : إذ ذكر الله تعالى فانته "
قلت : ومن هذا المعنى "قوله عليه الصلاة والسلام : يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا وكذا حتى يقول له من خلق ربك فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته " وقد تقدم في آخر الأعراف ولقد أحسن من قال :
ولا تفكرن في ذي العلا عز وجهه فإنك تردى إن فعلت وتخذل
ودونك مصنوعاته فاعتبر بها وقل مثل ما قال الخليل المبجل
يقول تعالى: "وأن إلى ربك المنتهى" أي المعاد يوم القيامة. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا سويد بن سعيد, حدثنا مسلم بن خالد عن عبد الرحمن بن سابط عن عمرو بن ميمون الأودي قال: قام فينا معاذ بن جبل فقال: يا بني أود إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم, تعلمون أن المعاد إلى الله إلى الجنة أو النار, وذكر البغوي من رواية أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "وأن إلى ربك المنتهى" قال: لا فكرة في الرب. قال البغوي: وهذا مثل ما روي عن أبي هريرة مرفوعاً "تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق فإنه لا تحيط به الفكرة" وكذا أورده وليس بمحفوظ بهذا اللفظ, وإنما الذي في الصحيح "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا من خلق كذا ؟ حتى يقول: من خلق ربك ؟ فإذا بلغ أحدكم ذلك فليستعذ بالله ولينته" وفي الحديث الاخر الذي في السنن "تفكروا في مخلوقات الله ولا تفكروا في ذات الله تعالى فإن الله خلق ملكاً ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة ثلاثمائة سنة" أو كما قال: وقوله تعالى: "وأنه هو أضحك وأبكى" أي خلق في عباده الضحك والبكاء وسببهما وهما مختلفان "وأنه هو أمات وأحيا" كقوله: "الذي خلق الموت والحياة" "وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى * من نطفة إذا تمنى" كقوله: "أيحسب الإنسان أن يترك سدى ؟ * ألم يك نطفة من مني يمنى! * ثم كان علقة فخلق فسوى * فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى * أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ؟".
وقوله تعالى: "وأن عليه النشأة الأخرى" أي كما خلق البداءة هو قادر على الإعادة وهي النشأة الأخرى يوم القيامة "وأنه هو أغنى وأقنى" أي ملك عباده المال وجعله لهم قنية مقيماً عندهم لا يحتاجون إلى بيعه, فهذا تمام النعمة عليهم, وعلى هذا يدور كلام كثير من المفسرين, منهم أبو صالح وابن جرير وغيرهما, وعن مجاهد "أغنى" مول "وأقنى" أخدم, وكذا قال قتادة, وقال ابن عباس ومجاهد أيضاً "أغنى" أعطى "وأقنى" رضى. وقيل: معناه أغنى نفسه وأفقر الخلائق إليه, قاله الحضرمي بن لاحق, وقيل: أغنى من شاء من خلقه, وأقنى أي أفقر من شاء منهم, قال ابن زيد, حكاهما ابن جرير وهما بعيدان من حيث اللفظ. وقوله: "وأنه هو رب الشعرى" قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد وغيرهم: هو هذا النجم الوقاد الذي يقال له مرزم الجوزاء كانت طائفة من العرب يعبدونه "وأنه أهلك عاداً الأولى" وهم قوم هود ويقال لهم عاد بن إرم بن سام بن نوح كما قال تعالى: " ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البلاد " فكانوا من أشد الناس وأقواهم وأعتاهم على الله تعالى وعلى رسوله فأهلكهم الله " بريح صرصر عاتية * سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما " أي متتابعة.
وقوله تعالى: "وثمود فما أبقى" أي دمرهم فلم يبق منهم أحداً "وقوم نوح من قبل" أي من قبل هؤلاء "إنهم كانوا هم أظلم وأطغى" أي أشد تمرداً من الذين من بعدهم "والمؤتفكة أهوى" يعني مدائن لوط قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها, وأمطر عليهم حجارة من سجيل منضود, ولهذا قال: فغشاها ما غشى يعني من الحجارة التي أرسلها عليهم "وأمطرنا عليهم مطراً فساء مطر المنذرين" قال قتادة, كان في مدائن لوط أربعة آلاف ألف إنسان, فانضرم عليهم الوادي شيئاً فشيئاً من نار ونفط وقطران كفم الأتون. ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن محمد بن وهب بن عطية عن الوليد بن مسلم عن خليد عنه به, وهو غريب جداً " فبأي آلاء ربك تتمارى " أي ففي أي نعم الله عليك أيها الإنسان تمتري ؟ قاله قتادة وقال ابن جريج " فبأي آلاء ربك تتمارى " يا محمد والأول أولى, وهو اختيار ابن جرير.
42- "وأن إلى ربك المنتهى" أي المرجع والمصير إليه سبحانه لا إلى غيره فيجازيهم بأعمالهم. وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش" قال: الكبائر ما سمى الله فيه النار، والفواحش: ما كان فيه حد الدنيا. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس قال: ما رأيت شيئاً أشبه باللم مما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه" وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود في قوله: "إلا اللمم" قال: زنا العينين: النظر، وزنا الشفتين: التقبيل، وزنا اليدين: البطش، وزنا الرجلين: المشي، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه، فإن تقدم بفرجه كان زانياً وإلا فهو اللمم. وأخرج مسدد وابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي هريرة أنه سئل عن قوله: "إلا اللمم" قال: هي النظرة والغمزة والقبلة والمباشرة، فإذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل، وهو الزنا. وأخرج سعيد بن منصور والترمذي وصححه والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال في قوله: "إلا اللمم" هو الرجل يلم بالفاحشة ثم يتوب منها. قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن تغفر الله تغفر جما وأي عبد لك لا ألما
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله: "إلا اللمم" يقول: إلا ما قد سلف. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة في قوله: "إلا اللمم" قال: اللمة من الزنا ثم يتوب ولا يعود، واللمة من شرب الخمر ثم يتوب ولا يعود، فذلك الإلمام. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس قال: اللمم كل شيء بين الحدين حد الدنيا وحد الآخرة يكفره الصلاة، وهو دون كل موجب فأما حد الدنيا فكل حد فرض الله عقوبته في الدنيا، وأما حد الآخرة فكل شيء ختمه الله بالنار وأخر عقوبته إلى الآخرة. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن ثابت بن الحارث الأنصاري قال:" كانت اليهود إذا هلك لهم صبي صغير قالوا هو صديق، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كذبت يهود ما من نسمة يخلقها في بطن أمها إلا أنه شقي أو سعيد، فأنزل الله عند ذلك " هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض " الآية كلها". وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود عن زينب بنت أبي سلمة أنها سميت برة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم سموها زينب". وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "وأعطى قليلاً وأكدى" قال: قطع، نزلت في العاص بن وائل. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال: أطاع قليلاً ثم انقطع. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والشيرازي في الألقاب والديلمي قال السيوطي بسند ضعيف عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون ما قوله: "وإبراهيم الذي وفى" قالوا الله ورسوله أعلم، قال: وفى عمل يومه بأربع ركعات كان يصليهن وزعم أنها صلاة الضحى" وفي إسناده جعفر بن الزبير، وهو ضعيف. وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس قال: سهام الإسلام ثلاثون سهماً لم يتممها أحد قبل إبراهيم عليه السلام قال الله: "وإبراهيم الذي وفى". وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال: يقول إبراهيم الذي استكمل الطاعة فيما فعل بابنه حين رأى الرؤيا، والذي في صحف موسى، " ألا تزر وازرة وزر أخرى " إلى آخر الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله الذي وفى؟ إنه كان يقول كلما أصبح وأمسى: "فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون" إلى آخر الآية" وفي إسناده ابن لهيعة. وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس. قال: لما نزلت "والنجم" فبلغ "وإبراهيم الذي وفى" قال: وفى " ألا تزر وازرة وزر أخرى " إلى قوله: "من النذر الأول". وأخرج أبو داود والنحاس كلاهما في الناسخ وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عنه قال: "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" فأنزل الله بعد ذلك " والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم "، فأدخل الله الأبناء الجنة بصلاح الآباء. وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى * ثم يجزاه الجزاء الأوفى "استرجع واستكان". وأخرج الدارقطني في الإفراد والبغوي في تفسيره عن أبي بن كعب "عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "وأن إلى ربك المنتهى" قال: لا فكرة في الرب".
42. " وأن إلى ربك المنتهى "، أي: منتهى الخلق ومصيرهم إليه، وهو مجازيهم بأعمالهم. وقيل: منه ابتداء المنة وإليه انتهاء الآمال.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني الحسن بن محمد الشيباني أخبرنا محمد بن سليمان بن الفتح الحنبلي ، حدثنا علي بن محمد المصري ، أخبرنا أبو إسحاق بن منصور الصعدي ، أخبرنا العباس بن زفر ، عن أبي جعفر الرازي ، عن أبيه عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (( وأن إلى ربك المنتهى ))، قال: (( لا فكرة في الرب ))، وهذا مثل ما روي عن أبي هريرة مرفوعاً: (( تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق )). فإنه لا تحيط به الفكرة.
42-" وأن إلى ربك المنتهى " انتهاء الخلائق ورحوعهم ، وقرئ بالكسر على أنه منقطع عما في الصحف وكذلك ما بعده .
42. And that thy Lord, He is the goal;
42 - That to thy Lord is the final Goal;