[النجم : 37] وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى
37 - وصحف (وإبراهيم الذي وفى) تمم ما أمر به نحو وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن وبيان ماء
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة ان النبي صلى الله عليه وسلم خرج في غزوة فجاء رجل يريد أن يحمل فلم يجد ما يخرج عليه فلقي صديقا له فقال أعطني شيئا فقال أعطيك بكري هذا على أن لا تتحمل ذنوبي فقال له نعم فأنزل الله أفرأيت الذي تولى الآيات
وأخرج عن دراج أبي السميع قال خرجت سرية غازية فسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحمله فقال لا أجد ما أحملك عليه فانصرف حزينا فمر برجل رحاله منيخة بين يديه فشكا إليه فقال له الرجل هل لك أن أحملك فتلحق الجيش بحسناتك فقال نعم فركب فنزلت أفرأيت الذي تولى إلى قوله ثم يجزاه الجزاء الأوفى
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال ان رجلا أسلم فلقيه بعض من يعيره فقال أتركت دين الأشياخ وضللتهم وزعمت أنهم في النار قال إني خشيت عذاب الله قال أعطني شيئا وانا أحمل كل عذاب كان عليك فأعطاه شيئا فقال زدني فتعاسرا حتى أعطاه شيئا وكتب كتابا وأشهد له ففيه نزلت هذه الآية أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلا وأكدى
وقوله : " وإبراهيم الذي وفى " يقول : وإبراهيم الذي وفى من أرسل إليه ما أرسل به .
ثم اختلف أهل التأويل في معنى الذي وفى فقال بعضهم وفاؤه بما عهد إليه ربه من تبليغ رسالاته وهو " ألا تزر وازرة وزر أخرى " .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن سفيان عن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس " وإبراهيم الذي وفى " قال : كانوا قبل إبراهيم يأخذون الولي بالولي حتى كان إبراهيم فبلغ " ألا تزر وازرة وزر أخرى " لا يؤاخذ أحد بذنب غيره .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله : " وإبراهيم الذي وفى " قال : وفى طاعة الله وبلغ رسالات ربه إلى خلقه .
وكان عكرمة يقول : وفى هؤلاء الآيات العشر " ألا تزر وازرة وزر أخرى " .....حتى بلغ " وأن عليه النشأة الأخرى "
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة في قوله : " وإبراهيم الذي وفى " وفى طاعة الله ورسالاته إلى خلقه .
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال : ثنا أبو بكير عن أبي حصين عن سعيد بن جبير في قوله : " وإبراهيم الذي وفى " قال : بلغ ما أمر به .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن سفيان و إبراهيم الذي وفى قال : بلغ .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " وإبراهيم الذي وفى " قال : وفى بلغ رسالات ربه بلغ ما أرسل به كما يبلغ الرجل ما أرسل به .
وقال آخرون : بل وفى بما رأى في المنام من ذبح ابنه وقالوا قوله " ألا تزر وازرة وزر أخرى " من المؤخر الذي معناه التقديم وقالوا : معنى الكلام أم لم ينبأ بما في صحف موسى ألا تزر وازرة وزر أخرى وبما في صحف إبراهيم الذي وفى .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي عمي قال : ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس في قوله " أم لم ينبأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الذي وفى " يقول : إبراهيم الذي استكمل الطاعة فيما فعل بابنه حين رأى الرؤيا والذي في صحف موسى " ألا تزر وازرة وزر أخرى " إلى آخر الآية
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني ابن لهيعة عن أبي صخر عن القرظي وسئل عن هذه الآية " وإبراهيم الذي وفى " قال : وفى بذبح ابنه .
وقال آخرون بل معنى ذلك أنه وفى ربه جميع شرائع الإسلام .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا عبد الله بن أحمد بن شبوية قال : ثنا علي بن الحسن قال : ثنا خارجه بن مصعب عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال : الإسلام ثلاثون سهماً وما ابتلي بهذا الدين أحد فأقامه إلا إبراهيم قال الله " وإبراهيم الذي وفى " فكتب الله له براءة من النار .
حدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد " وإبراهيم الذي وفى " ما فرض عليه .
وقال آخرون وفى بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخبر الذي
حدثنا أبو كريب قال : ثنا رشدين بن سعد قال ثني زيان بن فائد عن سهل بن معاذ عن أنس عن أبيه قال :" كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله الذي وفى؟ لأنه كان يقول كلما أصبح وأمسى فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون "حتى ختم الآية .
وقال آخرون بل وفى ربه عمل يومه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب قال : ثنا الحسن بن عطية قال : ثنا إسرائيل عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " " وإبراهيم الذي وفى " قال أتدرون ما وفى قالوا الله ورسوله أعلم قال : وفى عمل يومه أربع ركعات في النهار "
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال وفى شرائع الإسلام وجميع ما أمر به من الطاعة لأن الله تعالى ذكره أخبر عنه أنه وفى فعم بالخبر عن توفيته جميع الطاعة ولم يخصص بعضا دون بعض .
فإن قال قائل فإنه حص ذلك بقوله " وفى * ألا تزر وازرة وزر أخرى " فإن ذلك مما أخبر الله جل ثناؤه أنه في صحف موسى وإبراهيم لا مما خص به الخبر عن أنه وفي ومأما التوفية فإنها على العموم ولو صح الخبران اللذان ذكرناهما أو أحدهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نعد القول به إلى غيره ولكن في إسنادهما نظر يجب التثبت فيهما من أجله .
قوله تعالى " وإبراهيم الذي وفى "
يقول تعالى ذاماً لمن تولى عن طاعة الله: " فلا صدق ولا صلى * ولكن كذب وتولى " "وأعطى قليلاً وأكدى" قال ابن عباس: أطاع قليلاً ثم قطعه, وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة وغير واحد. قال عكرمة وسعيد: كمثل القوم إذا كانوا يحفرون بئراً, فيجدون في أثناء الحفر صخرة تمنعهم من تمام العمل فيقولون أكدينا ويتركون العمل.
وقوله تعالى: " أعنده علم الغيب فهو يرى " أي أعند هذا الذي قد أمسك يده خشية الإنفاق وقطع معروفه, أعنده علم الغيب أنه سينفد ما في يده حتى قد أمسك عن معروفه فهو يرى ذلك عياناً ؟ أي ليس الأمر كذلك. وإنما أمسك عن الصدقة والمعروف والبر والصلة بخلاً وشحاً وهلعاً, ولهذا جاء في الحديث "أنفق بلالاً ولا تخش من ذي العرش إقلالاً" وقد قال الله تعالى "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين"
وقوله تعالى: "أم لم ينبأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الذي وفى ؟" قال سعيد بن جبير والثوري: أي بلغ جميع ما أمر به, وقال ابن عباس "وفى" لله بالبلاغ, وقال سعيد بن جبير "وفى" ما أمر به, وقال قتادة "وفى" طاعة الله وأدى رسالته إلى خلقه وهذا القول هو اختيار ابن جرير, وهو يشمل الذي قبله ويشهد له قوله تعالى: "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً" فقام بجميع الأوامر وترك جميع النواهي وبلغ الرسالة على التمام والكمال, فاستحق بهذا أن يكون للناس إماماً يقتدى به في جميع أحواله وأقواله وأفعاله. قال الله تعالى: "ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عوف الحمصي, حدثنا آدم بن أبي إياس العسقلاني, حدثنا حماد بن سلمة, حدثنا جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية "وإبراهيم الذي وفى" قال "أتدري ما وفى ؟" قلت: الله ورسوله أعلم. قال "وفى عمل يومه بأربع ركعات من أول النهار" ورواه ابن جرير من حديث جعفر بن الزبير وهو ضعيف.
وقال الترمذي في جامعه: حدثنا أبو جعفر السمناني, حدثنا أبو مسهر, حدثنا إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعد عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير, عن أبي الدرداء وأبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه قال: "ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره" قال ابن أبي حاتم رحمه الله: وحدثنا أبي, حدثنا الربيع بن سليمان, حدثنا أسد بن موسى, حدثنا ابن لهيعة, حدثنا زبان بن فائد عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ألا أخبركم لم سمى الله تعالى إبراهيم خليله الذي وفى ؟ إنه كان يقول كلما أصبح وأمسى: "فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون" حتى ختم الاية " .
ورواه ابن جرير عن أبي كريب عن رشدين بن سعد عن زبان به, ثم شرع تعالى يبين ما كان أوحاه في صحف إبراهيم وموسى فقال: " ألا تزر وازرة وزر أخرى " أي كل نفس ظلمت نفسها بكفر أو شيء من الذنوب فإنما عليها وزرها لا يحمله عنها أحد كما قال: "وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى" "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" أي كما لا يحمل عليه وزر غيره, كذلك لا يحصل من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه, ومن هذه الاية الكريمة استنبط الشافعي رحمه الله ومن اتبعه, أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى, لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ولا حثهم عليه ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء, ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم, ولو كان خيراً لسبقونا إليه, وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والاراء, فأما الدعاء والصدقة فذاك مجمع على وصولهما ومنصوص من الشارع عليهما.
وأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: من ولد صالح يدعو له, أو صدقة جارية من بعده, أو علم ينتفع به" فهذه الثلاثة في الحقيقة هي من سعيه وكده وعمله, كما جاء في الحديث "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه" والصدقة الجارية كالوقف ونحوه هي من آثار عمله ووقفه, وقد قال تعالى: "إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم" الاية. والعلم الذي نشره في الناس فاقتدى به الناس بعده هو أيضاً من سعيه وعمله, وثبت في الصحيح "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً". وقوله تعالى: "وأن سعيه سوف يرى" أي يوم القيامة كقوله تعالى: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون" أي فيخبركم به ويجزيكم عليه أتم الجزاء إن خيراً فخير وإن شراً فشر, وهكذا قال ههنا: "ثم يجزاه الجزاء الأوفى" أي الأوفر.
37- " أم لم ينبأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الذي وفى " أي ألم يخبر ولم يحدث بما في صحف موسى: يعني أسفاره، وهي التوراة، وبما في صحف إبراهيم الذي وفى: أي تمم وأكمل ما أمر به. قال المفسرون: أي بلغ قومه ما أمر به وأداه إليهم، وقيل بالغ في الوفاء بما عاهد الله عليه.
37. " وإبراهيم "، في مصحف إبراهيم عليه السلام، " الذي وفى "، تمم وأكمل ما أمر به.
قال الحسن ، و سعيد بن جبير ، و قتادة : عمل بما أمر به وبلغ رسالات ربه إلى خلقه.
قال مجاهد : وفى بما فرض عليه.
قال الربيع: وفى رؤياه وقام بذبح ابنه.
وقال عطاء الخراساني : استكمل الطاعة. وقال أبو العالية : وفى سهام الإسلام. وهي قوله: " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن " (البقرة-124) والتوفية الإتمام. وقال الضحاك : وفى ميثاق المناسك.
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني ، حدثنا إبراهيم بن إسحاق الزهري ، حدثنا إسماعيل بن منصور عن إسرائيل عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إبراهيم الذي وفى [صلى] أربع ركعات أول النهار ".
أخبرنا أبو عثمان الضبي ، أخبرنا أبو محمد الجراحي ، حدثنا أبو العباس المحبوبي ، حدثنا أبو عيسى الترمذي ، حدثنا أبو جعفر السمناني ، حدثنا أبو مسهر، حدثنا إسماعيل بن عياش عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء وأبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تبارك وتعالى أنه قال: (( ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره )).
37-" وإبراهيم الذي وفى " وفى وأتم ما التزمه وأمر به ، أو بالغ في الوفاء بما عاهد الله ، وتخصيصه بذلك لاحتماله ما لم يحتمله غيره كالصبر على نار نمرود حتى أتاه جبريل عليه السلام حين ألقي في النار فقال ألك حاجة ، فقال أما إليك فلا ، وذبح الولد وأنه كان يمشي كل يوم فرسخاً يرتاد ضيفاً فإن وافقه أكرمه وإلا نوى الصوم ، وتقدم موسى عليه الصلاة والسلام لأن صحفه وهي التوراة كانت أشهر وأكبر عندهم .
37. And Abraham who paid his debt:
37 - And of Abraham who fulfilled his engagements.