[النجم : 33] أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى
33 - (أفرأيت الذي تولى) عن الإيمان ارتد لما عير به وقال إني خشيت عقاب الله فضمن له المعير أن يحمل عنه عذاب الله إن رجع إلى شركه وأعطاه من ماله كذا فرجع
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة ان النبي صلى الله عليه وسلم خرج في غزوة فجاء رجل يريد أن يحمل فلم يجد ما يخرج عليه فلقي صديقا له فقال أعطني شيئا فقال أعطيك بكري هذا على أن لا تتحمل ذنوبي فقال له نعم فأنزل الله أفرأيت الذي تولى الآيات
وأخرج عن دراج أبي السميع قال خرجت سرية غازية فسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحمله فقال لا أجد ما أحملك عليه فانصرف حزينا فمر برجل رحاله منيخة بين يديه فشكا إليه فقال له الرجل هل لك أن أحملك فتلحق الجيش بحسناتك فقال نعم فركب فنزلت أفرأيت الذي تولى إلى قوله ثم يجزاه الجزاء الأوفى
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال ان رجلا أسلم فلقيه بعض من يعيره فقال أتركت دين الأشياخ وضللتهم وزعمت أنهم في النار قال إني خشيت عذاب الله قال أعطني شيئا وانا أحمل كل عذاب كان عليك فأعطاه شيئا فقال زدني فتعاسرا حتى أعطاه شيئا وكتب كتابا وأشهد له ففيه نزلت هذه الآية أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلا وأكدى
يقول تعالى ذكره : أفرأيت يا محمد الذي أدبر عن الإيمان بالله وأعرض عنه وعن دينه وأعطى صاحبه قليلا من ماله ثم منعه فلم يعطه فبخل عليه
وذكر أن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة من أجل أنه عاتبه بعض المشركين وكان قد اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم على دينه فضمن له الذي عاتبه إن هو أعطاه شيئا من ماله ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الآخرة ففعل فأعطى الذي عاتبه على ذلك بعض ما كان ضمن له ثم بخل عليه ومنعه تمام ما ضمن له .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله " وأكدى " قال الوليد بن المغيرة أعطى قليلا ثم أكدى
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " أفرأيت الذي تولى " إلى قوله " فهو يرى " قال : هذا رجل أسلم فلقيه بعض من يعيره فقال : أتركت دين الأشياخ وضللتهم وزعمت أنهم في النار كان ينبغي لك أن تنصرهم فكيف يفعل بآبائك ؟ فقال : إني خشيت عذاب الله فقال : أعطني شيئا وأنا أحمل كل عذاب كان عليك عنك فأعطاه شيئا فقال : زدني فتعاسر حتى أعطاه شيئا وكتب له كتاباً وأشهد له فذلك قول الله " أفرأيت الذي تولى * وأعطى قليلا وأكدى " عاسره " أعنده علم الغيب فهو يرى " نزلت فيه هذه الآية .
وبنجو الذي قلنا في معنى قوله " وأكدى " قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن أبي سنان الشيباني عن ثابت عن الضحاك عن ابن عباس وأعطى قليلا وأكدى قال : أعطى قليلا ثم انقطع .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله " أفرأيت الذي تولى * وأعطى قليلا وأكدى " يقول : أعطى قليلا ثم انقطع .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن سفيان عن منصور عن مجاهد و" أعطى قليلا وأكدى " قال : انقطع فلا يعطى شيئا ألم تر إلى البئر يقال لها أكدت .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد " وأكدى " : انقطع عطاؤه .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن ابن طاوس وقتادة في قوله " وأكدى " قال : أعطى قليلا ثم قطع ذلك .
قال : ثنا ابن ثور قال ثنا معمر عن عكرمة مثل ذلك .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة " وأكدى " أي بخل وانقطع عطاؤه .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال سمعت الضحاك يقول في قوله " وأكدى " يقول انقطع عطاؤه .
حدثني " يونس " قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " وأكدى " عاسره والعرب تقول : حفر فلان فأكدى وذلك إذا بلغ الكدية وهو أن يحفر الرجل في السهل ثم يستقبله جبل فيكدي يقال قد أكدى كداء وكديت أظفاره وأصابعه كدى شديدا منقوص إذا غلظت وكديت أصابعه إذا كلت فلم تعمل شيئا وكدا البنت إذا قل ريعه يهمز وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول اشتق قوله أكدى من كدية وهو أن يحفر حتى ييأس من الماء فيقال حينئذ بلغنا كديتها .
قوله تعالى " أفرأيت الذي تولى " الآيات لما بين جهل المشركين في عبادة الأصنام ذكر واحدا منهم معينا بسوء فعله . قال مجاهد وابن زيد ومقاتل نزلت في الوليد بن المغيرة وكان قد اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم على دينه فعيره بعض المشركين وقال لم تركت دين الأشياخ وضللتهم وزعمت أنهم في النار قال إن خشيت عذاب الله فضمن له إن هو أعطاه شيئا من ماله ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الله ، فأعطى الذي عاتبه بعض ما كان ضمن له ثم بخل ومنعه فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال مقاتل كال الوليد مدح القرآن ثم أمسك عنه فنزل " وأعطى قليلا" أي من الخير بلسانه وأكدى أي قطع ذلك وأمسك عنه وعنه أنه أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد الإيمان ثم تولى فنزلت " أفرأيت الذي تولى " الآية . وقال ابن عباس والسدي والكلبيوالمسيب بن شريك : نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يتصدق وينفق في الخير فقال له أخوه من الرضاعة عبد الله بن أبي سرح ما هذا الذي تصنع يوشك ألا يبقى لك شيء . فقال عثمان إن لي ذنوبا وخطايا وإني أطلب بما أصنع رضا الله تعالى وأرجو عفوه ؟ فقال له عبد الله : أعطني ناقتك برحلها وأنا أتحمل عنك ذنوبك كلها . فأعطاه وأشهد عليه وأمسك عن بعض ما كان يصنع من الصدقة فأنزل الله تعالى " أفرأيت الذي تولى * وأعطى قليلا وأكدى" فعاد عثمان إلى أحسن ذلك وأجمله . ذكر ذلك الواحدي والثعلبي وقال السدي أيضا : نزلت في العاص بن وائل السهمي وذلك أنه كان ربما يوافق النبي صلى الله عليه وسلم وقال محمد بن كعب القرظي نزلت في أبي جهل بن هشام قال والله ما يأمر محمد إلا بمكارم الأخلاق فذلك قوله تعالى : " وأعطى قليلا وأكدى " وقال الضحاك هو النضر بن الحرث أعطى خمس قلائص لفقير من المهاجرين حين ارتد عن دينه ، وضمن له أن يتحمل عنه مأثم رجوعه . وأصل أكدى من الكدية يقال لمن حفر بئرا ثم بلغ إلى حجر لا يتهيأ له في حفر : قد أكدى ثم استعملته العرب لمن أعطى ولم يتمم ولمن طلب شيئا ولم يبلغ آخره .وقال الحطيئة :
فأعطى قليلا ثم أكدى عطاءه ومن يبذل المعروف في الناس يحمد
قال الكسائي وغيره : أكدى الحافر وأجبل إذا بلغ في حفره كدية أو جبلا فلا يمكنه أن يحفر وحفر فأكدى إذا بلغ إلى الصلب ويقال : كديت أصابعه إذا كلت من الحفر . وكديت يده إذا كلت فلم تعمل شيئا . وأكدى النبت إذا قل ريعه . وكدت الأرض تكدو كدوا وكدوا فهي كادية إذا أبطأ نباتها . عن أبي زيد . وأكديت الرجل عن الشيء رددته عنه وأكدى الرجل إذا قل خيره .
يقول تعالى ذاماً لمن تولى عن طاعة الله: " فلا صدق ولا صلى * ولكن كذب وتولى " "وأعطى قليلاً وأكدى" قال ابن عباس: أطاع قليلاً ثم قطعه, وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة وغير واحد. قال عكرمة وسعيد: كمثل القوم إذا كانوا يحفرون بئراً, فيجدون في أثناء الحفر صخرة تمنعهم من تمام العمل فيقولون أكدينا ويتركون العمل.
وقوله تعالى: " أعنده علم الغيب فهو يرى " أي أعند هذا الذي قد أمسك يده خشية الإنفاق وقطع معروفه, أعنده علم الغيب أنه سينفد ما في يده حتى قد أمسك عن معروفه فهو يرى ذلك عياناً ؟ أي ليس الأمر كذلك. وإنما أمسك عن الصدقة والمعروف والبر والصلة بخلاً وشحاً وهلعاً, ولهذا جاء في الحديث "أنفق بلالاً ولا تخش من ذي العرش إقلالاً" وقد قال الله تعالى "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين"
وقوله تعالى: "أم لم ينبأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الذي وفى ؟" قال سعيد بن جبير والثوري: أي بلغ جميع ما أمر به, وقال ابن عباس "وفى" لله بالبلاغ, وقال سعيد بن جبير "وفى" ما أمر به, وقال قتادة "وفى" طاعة الله وأدى رسالته إلى خلقه وهذا القول هو اختيار ابن جرير, وهو يشمل الذي قبله ويشهد له قوله تعالى: "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً" فقام بجميع الأوامر وترك جميع النواهي وبلغ الرسالة على التمام والكمال, فاستحق بهذا أن يكون للناس إماماً يقتدى به في جميع أحواله وأقواله وأفعاله. قال الله تعالى: "ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عوف الحمصي, حدثنا آدم بن أبي إياس العسقلاني, حدثنا حماد بن سلمة, حدثنا جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية "وإبراهيم الذي وفى" قال "أتدري ما وفى ؟" قلت: الله ورسوله أعلم. قال "وفى عمل يومه بأربع ركعات من أول النهار" ورواه ابن جرير من حديث جعفر بن الزبير وهو ضعيف.
وقال الترمذي في جامعه: حدثنا أبو جعفر السمناني, حدثنا أبو مسهر, حدثنا إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعد عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير, عن أبي الدرداء وأبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه قال: "ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره" قال ابن أبي حاتم رحمه الله: وحدثنا أبي, حدثنا الربيع بن سليمان, حدثنا أسد بن موسى, حدثنا ابن لهيعة, حدثنا زبان بن فائد عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ألا أخبركم لم سمى الله تعالى إبراهيم خليله الذي وفى ؟ إنه كان يقول كلما أصبح وأمسى: "فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون" حتى ختم الاية " .
ورواه ابن جرير عن أبي كريب عن رشدين بن سعد عن زبان به, ثم شرع تعالى يبين ما كان أوحاه في صحف إبراهيم وموسى فقال: " ألا تزر وازرة وزر أخرى " أي كل نفس ظلمت نفسها بكفر أو شيء من الذنوب فإنما عليها وزرها لا يحمله عنها أحد كما قال: "وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى" "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" أي كما لا يحمل عليه وزر غيره, كذلك لا يحصل من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه, ومن هذه الاية الكريمة استنبط الشافعي رحمه الله ومن اتبعه, أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى, لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ولا حثهم عليه ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء, ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم, ولو كان خيراً لسبقونا إليه, وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والاراء, فأما الدعاء والصدقة فذاك مجمع على وصولهما ومنصوص من الشارع عليهما.
وأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: من ولد صالح يدعو له, أو صدقة جارية من بعده, أو علم ينتفع به" فهذه الثلاثة في الحقيقة هي من سعيه وكده وعمله, كما جاء في الحديث "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه" والصدقة الجارية كالوقف ونحوه هي من آثار عمله ووقفه, وقد قال تعالى: "إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم" الاية. والعلم الذي نشره في الناس فاقتدى به الناس بعده هو أيضاً من سعيه وعمله, وثبت في الصحيح "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً". وقوله تعالى: "وأن سعيه سوف يرى" أي يوم القيامة كقوله تعالى: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون" أي فيخبركم به ويجزيكم عليه أتم الجزاء إن خيراً فخير وإن شراً فشر, وهكذا قال ههنا: "ثم يجزاه الجزاء الأوفى" أي الأوفر.
ثم لما بين سبحانه جهالة المشركين على العموم خص بالذم بعضهم فقال: 33- "أفرأيت الذي تولى" أي تولى عن الخير وأعرض عن اتباع الحق.
33. قوله عز وجل: " أفرأيت الذي تولى "، نزلت في الوليد بن المغيرة، كان قد اتبع النبي صلى الله عليه وسلم على دينه فعيره بعض المشركين وقال له: أتركت دين الأشياخ وضللتهم؟ قال: إني خشيت عذاب الله، فضمن الذي عاتبه إن هو [وافقه] أعطاه كذا من ماله ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الله، فرجع الوليد إلى الشرك وأعطى الذي عيره بعض ذلك المال الذي ضمن ومنعه تمامه، فأنزل الله عز وجل: " أفرأيت الذي تولى " أدبر عن الإيمان
33-" أفرأيت الذي تولى " عن اتباع الحق والثبات عليه .
33. Didst thou (O Muhammad) observe him who turned away,
33 - Seest thou one who turns back,