[النجم : 23] إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى
23 - (إن هي) أي ما المذكرات (إلا أسماء سميتموها) أي سميتم بها (أنتم وآباؤكم) أصناما تعبدونها (ما أنزل الله بها) أي بعبادتها (من سلطان) حجة وبرهان (إن) ما (يتبعون) في عبادتها (إلا الظن وما تهوى الأنفس) مما زين لهم الشيطان من أنها تشفع لهم عند الله تعالى (ولقد جاءهم من ربهم الهدى) على لسان النبي صلى الله عليه وسلم بالبرهان القاطع فلم يرجعوا عما هم عليه
يقول تعالى ذكره : ماهذه الأسماء التي سميتموها وهي اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم أيها المشركون بالله وآباؤكم من قبلكم " ما أنزل الله بها " يعني بهذه الأسماء يقول : لم يبح الله ذلك لكم ولا أذن لكم به .
كما حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " من سلطان " .... إلى آخر الآية .
وقوله " إن يتبعون إلا الظن " يقول تعالى ذكره : ما يتبع هؤلاء المشركون في هذه الأسماء التي سموا بها آلهتهم إلا الظن بأن ما يقولون حق لا اليقين " وما تهوى الأنفس " يقول : وهوى أنفسهم لأنهم لم يأخذوا ذلك عن وحي جاءهم من الله ولا عن رسول لله أخبرهم به وإنما هو اختراق من قبل أنفسهم أو أخذوه عن آبائهم الذين كانوا من الكفر بالله على مثل ما هم عليه منه .
وقوله " ولقد جاءهم من ربهم الهدى " يقول : ولقد جاء هؤلاء المشركين بالله من ربهم البيان مما هم منه على غير يقين وذلك تسميتهم اللات والعزى ومناة الثالثة بهذه الأسماء وعبادتهم إياها يقول لقد جاءهم من ربهم الهدى في ذلك والبيان بالوحي الذي أوحيناه إلى محمد صلى الله عليه وسلم أن عبادتها لا تنبغي وأنه لا تصلح العبادة إلا لله الواحد القهار .
وقال ابن زيد في ذلك ما :
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : ابن زيد في قوله : " ولقد جاءهم من ربهم الهدى " فما انتفعوا به .
قوله تعالى " إن هي إلا أسماء سميتموها " أي ما هي يعني هذه الأوثان " إلا أسماء سميتموها " يعني نحتموها وسميتموها آلهة . " أنتم وآباؤكم" أي قلدتموهم في ذلك " ما أنزل الله بها من سلطان " أي ما أنزل الله بها من حجة ولا برهان . " إن يتبعون إلا الظن " عاد من الخطاب إلى الخبر أي ما يتبع هؤلاء إلى الظن . "وما تهوى الأنفس " أي تميل إليه . وقراءة العامة " يتبعون " بالياء . وقرأ عيسى بن عمر وأيوب وابن السميقع تتبعون بالتاء على الخطاب وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس . "ولقد جاءهم من ربهم الهدى " أي البيان من جهة الرسول أنها ليست بآلهة
يقول تعالى مقرعاً للمشركين في عبادتهم الأصنام والأنداد والأوثان, واتخاذهم البيوت لها مضاهاة للكعبة التي بناها خليل الرحمن عليه السلام "أفرأيتم اللات ؟" وكانت اللات صخرة بيضاء منقوشة وعليها بيت بالطائف, له أستار وسدنة وحوله فناء معظم عند أهل الطائف, وهم ثقيف ومن تابعها, يفتخرون بها على من عداهم من أحياء العرب بعد قريش, قال ابن جرير: وكانوا قد اشتقوا اسمها من اسم الله فقالوا اللات, يعنون مؤنثة منه, تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً, وحكي عن ابن عباس ومجاهد والربيع بن أنس أنهم قرأوا اللات بتشديد التاء وفسروه بأنه كان رجلاً يلت للحجيج في الجاهلية السويق, فلما مات عكفوا على قبره فعبدوه. وقال البخاري: حدثنا مسلم هو ابن إبراهيم, حدثنا أبو الأشهب, حدثنا أبو الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: "اللات والعزى" قال: كان اللات رجلاً يلت السويق سويق الحجاج, قال ابن جرير: وكذا العزى من العزيز, وكانت شجرة عليها بناء وأستار بنخلة, وهي بين مكة والطائف, وكانت قريش يعظمونها كما قال أبو سفيان يوم أحد: لنا العزى ولا عزى لكم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قولوا الله مولانا ولا مولى لكم".
وروى البخاري من حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف فقال في حلفه واللات والعزى فليقل لا إله إلا الله, ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق" فهذا محمول على من سبق لسانه في ذلك كما كانت ألسنتهم قد اعتادته في زمن الجاهلية, كما قال النسائي: أخبرنا أحمد بن بكار, وعبد الحميد بن محمد قالا: حدثنا مخلد, حدثنا يونس عن أبيه, حدثني مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: حلفت باللات والعزى, فقال لي أصحابي: بئس ما قلت! قلت هجراً. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: "قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, وانفث عن شمالك ثلاثاً, وتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم لا تعد". وأما مناة فكانت بالمشلل عند قديد بين مكة والمدينة, وكانت خزاعة والأوس والخزرج في جاهليتها يعظمونها ويهلون منها للحج إلى الكعبة. وروى البخاري عن عائشة نحوه, وقد كان بجزيرة العرب وغيرها طواغيت أخر تعظمها العرب كتعظيم الكعبة. غير هذه الثلاثة التي نص عليها في كتابه العزيز, وإنما أفرد هذه بالذكر لأنها أشهر من غيرها.
قال ابن إسحاق في السيرة: وقد كانت العرب اتخذت مع الكعبة طواغيت وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة. لها سدنة وحجاب وتهدى لها كما يهدى للكعبة, وتطوف بها كطوافها بها, وتنحر عندها, وهي تعرف فضل الكعبة عليها لأنها كانت قد عرفت أنها بيت إبراهيم عليه السلام ومسجده: فكانت لقريش ولبني كنانة العزى بنخلة, وكان سدنتها وحجابها بني شيبان من سليم, حلفاء بني هاشم, قلت: بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فهدمها وجعل يقول:
يا عزى كفرانك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانك
وقال النسائي: أخبرنا علي بن المنذر, أخبرنا ابن فضيل, حدثنا الوليد بن جميع عن أبي الطفيل قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة بعث خالد بن الوليد إلى نخلة, وكانت بها العزى فأتاها خالد وكانت على ثلاث سمرات, فقطع السمرات وهدم البيت الذي كان عليها, ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: "ارجع فإنك لم تصنع شيئاً" فرجع خالد, فلما أبصرته السدنة وهم حجبتها أمعنوا في الحيل وهم يقولون: يا عزى, يا عزى, فأتاها خالد فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها تحثو التراب على رأسها, فغمسها بالسيف حتى قتلها, ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال "تلك العزى!".
قال ابن إسحاق: وكانت اللات لثقيف بالطائف, وكان سدنتها وحجابها بني معتب. قلت: وقد بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة, وأبا سفيان صخر بن حرب, فهدماها وجعلا مكانها مسجداً بالطائف. قال ابن إسحاق: كانت مناة للأوس والخزرج ومن دان بدينهم من أهل يثرب على ساحل البحر من ناحية المشلل بقديد, فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها أبا سفيان صخر بن حرب فهدمها, ويقال علي بن أبي طالب قال: وكانت ذو الخلصة لدوس وخثعم وبجيلة, ومن كان ببلادهم من العرب بتبالة. قلت: وكان يقال لها الكعبة اليمانية, وللكعبة التي بمكة الكعبة الشامية, فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله البجلي فهدمه, قال: وكانت فلس لطيء ومن يليها بجبل طيء من سلمى وأجا, قال ابن هشام: فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليه علي بن أبي طالب فهدمه, واصطفى منه سيفين: الرسوب والمخذم, فنفله إياهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فهما سيفا علي. قال ابن إسحاق: وكان لحمير وأهل اليمن بيت بصنعاء يقال له ريام, وذكر أنه كان به كلب أسود وأن الحبرين اللذين ذهبا مع تبع استخرجاه وقتلاه وهدما البيت. قال ابن إسحاق: وكانت رضاء بيتاً لبني ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم, ولها يقول المستوغر بن ربيعة بن كعب بن سعد حين هدمها في الإسلام:
ولقد شددت على رضاء شدة قتركتها قفراً بقاع أسمحا
قال ابن هشام: إنه عاش ثلاثمائة وثلاثين سنة وهو القائل:
ولقد سئمت من الحياة وطولها وعمرت من عدد السنين مئينـا
مائة حدتها بعدها مائتان لـــي وعمرت من عدد الشهور سنينا
هل ما بقي إلا كما قد فاتنـــــا يوم يمــــــر وليلـــــــة تحدونـــا
وقال ابن إسحاق: وكان ذو الكعبات لبكر وتغلب ابني وائل وإياد بسنداد, وله يقول أعشى بن قيس بن ثعلبة:
بين الخورنق والسدير وبارق والبيت ذو الكعبات من سنداد
ولهذا قال تعالى: " أفرأيتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى " ثم قال تعالى: " ألكم الذكر وله الأنثى " أي أتجعلون له ولداً وتجعلون ولده أنثى, وتختارون لأنفسكم الذكور, فلو اقتسمتم أنتم ومخلوق مثلكم هذه القسمة لكانت "قسمة ضيزى" أي جوراً باطلة, فكيف تقاسمون ربكم هذه القسمة التي لو كانت بين مخلوقين كانت جوراً وسفهاً, وقال تعالى منكراً عليهم فيما ابتدعوه وأحدثوه من الكذب والافتراء والكفر من عبادة الأصنام وتسميتها آلهة: "إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم" أي من تلقاء أنفسكم "ما أنزل الله بها من سلطان" أي من حجة "إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس" أي ليس لهم مستند إلا حسن ظنهم بآبائهم الذين سلكوا هذا المسلك الباطل قبلهم, وإلا حظ نفوسهم في رياستهم وتعظيم آبائهم الأقدمين. "ولقد جاءهم من ربهم الهدى" أي ولقد أرسل الله إليهم الرسل بالحق المنير والحجة القاطعة, ومع هذا ما اتبعوا ما جاءوهم به ولا انقادوا له.
ثم قال تعالى: "أم للإنسان ما تمنى" أي ليس كل من تمنى خيراً حصل له "ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب" ما كل من زعم أنه مهتد يكون كما قال, ولا كل من ود شيئاً يحصل له. قال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق حدثنا أبو عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تمنى أحدكم فلينظر ما يتمنى, فإنه لا يدري ما يكتب له من أمنيته" تفرد به أحمد. وقوله: " فلله الآخرة والأولى " أي إنما الأمر كله لله مالك الدنيا والاخرة والمتصرف في الدنيا والاخرة, فهو الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. وقوله تعالى: "وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى" كقوله: "من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه" "ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له" فإذا كان هذا في حق الملائكة المقربين, فكيف ترجون أيها الجاهلون شفاعة هذه الأصنام والأنداد عند الله, وهو تعالى لم يشرع عبادتها ولا أذن فيها, بل قد نهى عنها على ألسنة جميع رسله وأنزل بالنهي عن ذلك جميع كتبه ؟
ثم رد سبحانه عليهم بقوله: 23- "إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم" أي ما الأوثان أو الأصنام باعتبار ما تدعونه من كونها آلهة إلا أسماء محضة، ليس فيها شيء من معنى الألوهية التي تدعونها، لأنها لا تبصر ولا تسمع ولا تعقل ولا تفهم ولا تضر ولا تنفع، فليست إلا مجرد أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم، قلد الآخر فيها الأول، وتبع في ذلك الأبناء الآباء. وفي هذا من التحقير لشأنها ما لا يخفى كما تقول في تحقير رجل: ما هو إلا اسم إذا لم يكن مشتملاً على صفة معتبرة، ومثل هذه الآية قوله تعالى "ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها" يقال: سميته زيداً وسميته بزيد، فقوله سميتموها صفة لأصنام، والضمير يرجع إلى الأسماء لا إلى الأصنام: أي جعلتموها أسماء لا جعلتم لها أسماء. وقيل إن قوله هي راجع إلى الأسماء الثلاثة المذكورة ، والاول أولى " ما أنزل الله بها من سلطان " أي ما أنزل بها من حجة ولا برهان. قال مقاتل: لم ينزل لنا كتاباً لكم فيه حجة كما تقولون إنها آلهة، ثم أخبر عنهم بقوله: "إن يتبعون إلا الظن" أي ما يتبعون فيما ذكر من التسمية والعمل بموجبها إلا الظن الذي لا يغني من الحق شيئاً، والتفت من الخطاب إلى الغيبة إعراضاً عنهم وتحقيراً لشأنهم فقال: "وما تهوى الأنفس" أي تميل إليه وتشتهيه من غير التفات إلى ما هو الحق الذي يجب الاتباع له. قرأ الجمهور "يتبعون" بالتحتية على الغيبة، وقرأ عيسى بن عمر وأيوب وابن السميفع بالفوقية على الخطاب، ورويت هذه القراءة عن ابن مسعود وابن عباس وطلحة وابن وثاب "ولقد جاءهم من ربهم الهدى" أي البيان الواضح الظاهر بأنها ليس بآلهة، والجملة في محل نصب على الحال من فاعل يتبعون، ويجوز أن يكون اعتراضاً، والأول أولى. والمعنى: كيف يتبعون ذلك والحال أن قد جاءهم ما فيه هدى لهم من عند الله على لسان رسوله الذي بعثه الله بين ظهرانيهم وجعله من أنفسهم.
23. " إن هي "، ما هذه الأصنام، " إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان "، حجة بما تقولون إنها آلهة. ثم رجع إلى الخبر بعد المخاطبة فقال: " إن يتبعون إلا الظن "، في قولهم إنها آلهة، " وما تهوى الأنفس "، وما زين لهم الشيطان، " ولقد جاءهم من ربهم الهدى "، البيان بالكتاب والرسول أنها ليست بآلهة، فإن العبادة لا تصلح إلا لله الواحد القهار.
23-" إن هي إلا أسماء " الضمير للأصنام أي ما هي باعتبار الألوهية إلا أسماء تطلقونها عليها لأنهم يقولون أنها آلهة وليس فيها شيء من معنى الألوهية ، أو للصفة التي تصغونها بها من كونها آلهة وبنات وشفعاء ، أو للأسماء المذكورة فإنهم كانوا يطلقون اللات عليها باعتبار استحقاقها للعكوف على عبادتها ، والعزى لعزتها ومناة لاعتقادهم أنها تستحق أن يتقرب إليها بالقرابين . " سميتموها " سميتم بها .
" أنتم وآباؤكم " بهواكم " ما أنزل الله بها من سلطان " برهان تتعلقون به . " إن يتبعون " وقرئ بالتاء . " إلا الظن " إلا توهم أن ما هم عليه حق تقليداً وتوهماً باطلاً . " وما تهوى الأنفس " وما تشتهيه أنفسهم " ولقد جاءهم من ربهم الهدى " الرسول أو الكتاب فتركوه .
23. They are but names which ye have named, ye and your fathers, for which Allah hath revealed no warrant. They follow but a guess and that which (they) themselves desire. And now the guidance from their Lord hath come unto them.
23 - These are nothing but names which ye have devised, ye and your fathers, for which God has sent down no authority (whatever). They follow nothing but conjecture and what their own souls desire! though there has already come to them Guidance form their Lord!