[ق : 5] بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ
5 - (بل كذبوا بالحق) بالقرآن (لما جاءهم فهم) في شأن النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن (في أمر مريج) مضطرب قالوا مرة ساحر وسحر ومرة شاعر وشعر ومرة كاهن وكهانة
يقول تعالى ذكره :ما أصاب هؤلاء المشركون القائلون " أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد " في قيلهم هذا " بل كذبوا بالحق " وهو القرآن " لما جاءهم " من الله .
كالذي حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة " بل كذبوا بالحق لما جاءهم " أي كذبوا بالحق " لما جاءهم " أي كذبوا بالقرآن " فهم في أمر مريج " يقول : فهم في أمر مختلط عليهم ملتبس ، لا يعرفون حقه من باطله ، يقال قد مرج أمر الناس إذا اختلط وأهمل .
وقد اختلفت عبارات أهل التأويل في تأويلها ، وإن كانت متقاربات المعاني ، فقال بعضهم : معناها : فهم في أمر منكر ، وقال : المريج : هو الشيء المنكر .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن خالد بن خداش قال : ثني سلم بن قتيبة عن وهب بن حبيب الآمدي عن أبي حمزة عن ابن عباس أنه سئل عن قوله " أمر مريج " قال : المريج : الشيء المنكر ، أما سمعت قول الشاعر :
فجات والتمست به حشاها فخر كأنه خوط مريج
وقال آخرون : بل معنى ذلك : في أمر مختلف .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله " في أمر مريج " يقول : مختلف .
وقال آخرون : بل معناه : في أمر ضلالة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " فهم في أمر مريج " قال : قال : هم في أمر ضلالة .
وقال آخرون : بل معناه : في أمر ملتبس.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب قال : ثنا يحيى بن يمان عن أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير في قوله " فهم في أمر مريج " قال : ملتبس .
حدثنا محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن نجيح عن مجاهد قوله " أمر مريج " قال : ملتبس .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله " فهم في أمر مريج " ملتبس عليهم أمره.
حدثنا ابن عبد الاعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر قال : التبس عليه دينه .
وقال آخرون : بل هو المختلط .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " في أمر مريج " قال : المريج : المختلط .
وإنما قلت : هذه العبارات وإن اختلفت ألفاظها فهي في المعنى متقاربات ، لأن الشيء مختلف ملتبس ، معناه مشكل. وإذا كان كذلك منكرا ، لأن المعروف واضح بين ، وإذا كان غير معروف كان لا شك ضلالة ، لأن الهدى بين لا لبس فيه.
قوله تعالى"بل كذبوا بالحق " أي القرآن في قول الجميع حكاه الماوردي وقال الثعلبي بالحق القرآن وقيل الإسلام . وقيل محمد صلى الله عليه وسلم " فهم في أمر مريج"أي مختلط يقولون مرة ساحر ومرة شاعر ومرة كاهن قاله الضحاكوابن زيدوقالقتادةمختلف الحسن ملتبس والمعنى متقارب وقال أبو هريرة فاسد ومنه مرجت أمانات الناس أي فسدت ومرج الدين والأمر اختلط قال أبو داؤد :
مرج الدين فأعددت له مشرف الحارك محبوك الكتد
وقال ابن عباس : المريج الأمر المنكر وقال عنه عمران بن أبي عطاء مريج مختلط وأنشد :
فجالت فالتمست به حشاها فخر كأنه خوط مريج
الخوط الغصن . وقال عنه العوفي في أمر ضلالة وهو قولهم ساحر شاعر مجنون كاهن . وقيل متغير وأصل المرج الاضطراب والقلق . يقال مرج أمر الناس ومرج أمر الدين ومرج الخاتم في إصبعي إذا قلق من الهزال . و"في الحديث : كيف بك يا عبد الله إذا كنت في قوم قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا فكانوا هكذا وهكذا وشبك بين أصابعه "أخرجه أبو داود وقد ذكرناه في كتاب التذكرة
"ق": حرف من حروف الهجاء المذكورة في أوائل السور كقوله تعالى: " ص" و"ن" و"الم" و"حم"و"طس " ونحو ذلك, قاله مجاهد وغيره وقد أسلفنا الكلام عليها في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته, وقد روي عن بعض السلف أنهم قالوا: ق جبل محيط بجميع الأرض يقال له جبل قاف, وكأن هذا, والله أعلم, من خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم بعض الناس لما رأى من جواز الرواية عنهم مما لا يصدق ولا يكذب, وعندي أن هذا وأمثاله وأشباهه من اختلاق بعض زنادقتهم, يلبسون به على الناس أمر دينهم, كما افترى في هذه الأمة مع جلالة قدر علمائها وحفاظها وأئمتها أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وما بالعهد من قدم فكيف بأمة بني إسرائيل مع طول المدى وقلة الحفاظ النقاد فيهم وشربهم الخمور, وتحريف علمائهم الكلم عن مواضعه وتبديل كتب الله وآياته, وإنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله: "وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" فيما قد يجوزه العقل, فأما فيما تحيله العقول ويحكم فيه بالبطلان ويغلب على الظنون كذبه فليس من هذا القبيل, والله أعلم.
وقد أكثر كثير من السلف من المفسرين, وكذا طائفة كثيرة من الخلف من الحكاية عن كتب أهل الكتاب في تفسير القرآن المجيد, وليس بهم احتياج إلى أخبارهم, ولله الحمد والمنة, حتى أن الإمام أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي, رحمة الله عليه, أورد ههنا أثراً غريباً لا يصح سنده عن ابن عباس رضي الله عنهما فقال: حدثنا أبي قال: حدثت عن محمد بن إسماعيل المخزومي, حدثنا ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خلق الله تبارك وتعالى من وراء هذه الأرض بحراً محيطاً بها, ثم خلق من وراء ذلك البحر جبلاً يقال له قاف, سماء الدنيا مرفوعة عليه, ثم خلق الله تعالى من وراء ذلك الجبل أرضاً مثل تلك الأرض سبع مرات, ثم خلق من وراء ذلك بحراً محيطاً بها, ثم خلق من وراء ذلك جبلاً يقال له قاف السماء الثانية مرفوعة عليه, حتى عد سبع أرضين وسبعة أبحر وسبعة أجبل وسبع سموات, قال وذلك في قوله تعالى: "والبحر يمده من بعده سبعة أبحر" فإسناده هذا الأثر فيه انقطاع, والذي رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل "ق" هو اسم من أسماء الله عز وجل والذي ثبت عن مجاهد أنه حرف من حروف الهجاء كقوله تعالى: " ص" "ن" "حم" "طس" "الم " ونحو ذلك, فهذه تبعد ما تقدم عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقيل: المراد قضي الأمر والله, وأن قوله جل ثناؤه "ق" قال: دلت على المحذوف من بقية الكلمة كقول الشاعر:
قلت لها قفي فقالت ق
وفي هذا التفسير نظر لأن الحذف في الكلام يكون إنما يكون إذا دل دليل عليه, ومن أين يفهم هذا من ذكر هذا الحرف ؟ وقوله تعالى: "والقرآن المجيد" أي الكريم العظيم الذي "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد" واختلفوا في جواب القسم ما هو ؟ فحكى ابن جرير عن بعض النحاة أنه قوله تعالى: "قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ" وفي هذا نظر بل الجواب هو مضمون الكلام بعد القسم, وهو إثبات النبوة وإثبات المعاد وتقريره وتحقيقه, وإن لم يكن القسم يلتقي لفظاً, وهذا كثير في أقسام القرآن كما تقدم في قوله: " ص والقرآن ذي الذكر * بل الذين كفروا في عزة وشقاق " وهكذا قال ههنا: " ق والقرآن المجيد * بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب " أي تعجبوا من إرسال رسول إليهم من البشر, كقوله جل جلاله: "أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس" أي وليس هذا بعجيب فإن الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس.
ثم قال عز وجل مخبراً عنهم في تعجبهم أيضاً من المعاد واستبعادهم لوقوعه " أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد " أي يقولون أئذا متنا وبلينا وتقطعت الأوصال منا وصرنا تراباً, كيف يمكن الرجوع بعد ذلك إلى هذه البنية والتركيب ؟ "ذلك رجع بعيد" أي بعيد الوقوع. والمعنى أنهم يعتقدون استحالته وعدم إمكانه. قال الله تعالى رداً عليهم: "قد علمنا ما تنقص الأرض منهم" أي ما تأكل من أجسادهم في البلى نعلم ذلك ولا يخفى علينا أين تفرقت الأبدان وأين ذهبت وإلى أين صارت "وعندنا كتاب حفيظ" أي حافظ لذلك فالعلم شامل والكتاب أيضاً فيه كل الأشياء مضبوطة. قال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: "قد علمنا ما تنقص الأرض منهم" أي ما تأكل من لحومهم وأبشارهم, وعظامهم وأشعارهم, وكذا قال مجاهد وقتادة والضحاك وغيرهم, ثم بين تبارك وتعالى سبب كفرهم وعنادهم واستبعادهم ما ليس ببعيد فقال: "بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج" أي وهذا حال كل من خرج عن الحق مهما قال بعد ذلك فهو باطل, والمريج: المختلف المضطرب الملتبس المنكر خلاله كقوله تعالى: " إنكم لفي قول مختلف * يؤفك عنه من أفك ".
ثم أضرب سبحانه عن كلامهم الأول وانتقل إلى ما هو أشنع منه فقال: 5- "بل كذبوا بالحق" فإنه تصريح منهم بالتكذيب بعد ما تقدم عنهم من الاستعباد، والمراد بالحق هنا القرآن. قال الماوردي في قول الجميع، وقيل هو الإسلام، وقيل محمد، وقيل النبوة الثابتة بالمعجزات "لما جاءهم" أي وقت مجيئه إليهم من غير تدبر ولا تفكر ولا إمعان نظر، قرأ الجمهور بفتح اللام وتشديد الميم. وقرأ الجحدري بكسر اللام وتخفيف الميم "فهم في أمر مريج" أي مختلط مضطرب، يقولون مرة ساحر ومرة شاعر ومرة كاهن: قاله الزجاج وغيره. وقال قتادة مختلف. وقال الحسن ملتبس، والمعنى متقارب، وقيل فاسد والمعاني متقاربة. ومنه قولهم: مرجب أمانات الناس: أي فسدت، ومرج الدين والأمر اختلط.
5. " بل كذبوا بالحق "، بالقرآن، " لما جاءهم فهم في أمر مريج " مختلط، قال سعيد بن جبير و مجاهد : ملتبس. قال قتادة في هذه الآية: من ترك الحق مرج عليه أمره والتبس عليه دينه.
وقال الحسن : ما ترك قوم الحق إلا مرج أمرهم. وذكر الزجاج معنى اختلاط أمرهم، فقال: هو أنهم يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم، مرة شاعر، ونرة معلم، ويقولون للقرآن مرة سحر، ومرة رجز، ومرة مفترىً، فكان أمرهم مختلطاً ملتبساً عليهم. ثم دلهم علة قدرته، فقال:
5-" بل كذبوا بالحق " يعني النبوة الثابتة بالمعجزات ، أو النبي صلى الله عليه وسلم ، أو القرآن " لما جاءهم فهم " وقرئ لما بالكسر . " في أمر مريج" مضطرب من مرج الخاتم في أصبعه إذا خرج ، وذلك قولهم تارة أنه " شاعر " وتارة أنه " ساحر " وتارة أنه كاهن .
5. Nay, but they have denied the truth when it came unto them, therefor they are now in troubled case.
5 - But they deny the truth when it comes to them: so they are in a confused state.