[ق : 39] فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ
39 - (فاصبر) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم (على ما يقولون) أي اليهود وغيرهم من التشبيه والتكذيب (وسبح بحمد ربك) صل حامدا (قبل طلوع الشمس) أي صلاة الصبح (وقبل الغروب) أي صلاة الظهر والعصر
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فاصبر يا محمد على ما يقول هؤلاء اليهود ، وما يفترون على الله ، ويكذبون عليه ، فإن الله لهم بالمرصاد " وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس " يقول : وصل بحمد ربك صلاة الصبح قبل طلوع الشمس وصلاة العصر قبل الغروب
كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة " وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس " لصلاة الفجر ، وقبل غروبها : العصر .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب " قبل طلوع الشمس : الصبح ، وقبل الغروب : العصر .
فيه خمس مسائل :
الأولى قوله تعالى "فاصبر على ما يقولون" خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أمره بالصبر على ما يقوله المشركون أي هون أمرهم عليك . ونزلت قبل الأمر بالقتال فهي منسوخة .
وقيل هو ثابت للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته . وقيل معناه فاصبر على ما يقوله اليهود من قولهم : إن الله استراح يوم السبت .
الثانية : قوله تعالى " وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب " قيل إنه أراد به الصلوات الخمس قال أبو صالح قبل طلوع الشمس صلاة الصبح وقبل الغروب صلاة العصر "رواه جرير بن عبد الله مرفوعا قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال : أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها يعني العصر والفجر ثم قرأ جرير " وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها " " متفق عليه واللفظ لـمسلم وقال ابن عباس "وقبل غروبها " الظهر والعصر . "ومن الليل فسبحه " يعني صلاة العشاءين وقيل المراد تسبيحه بالقول تنزيها قبل طلوع الشمس وقبل الغروب قال عطاء الخراساني وأبو الأحوص وقال بعض العلماء في قوله "قبل طلوع الشمس" قال ركعتي الفجر "وقبل الغروب" الركعتين قبل الغروب ، وقال ثمامة بن عبد الله بن أنس : كان ذوو الألباب من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يصلون ركعتين قبل المغرب وفي صحيح مسلم "عن أنس بن مالك قال : كنا بالمدينة فإذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري فركعوا ركعتين حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما" . وقال قتادة ما أدركت أحدا يصلي الركعتين إلا أنسا وأبا برزة الأسلمي .
يقول تعالى: وكم أهلكنا قبل هؤلاء المكذبين "من قرن هم أشد منهم بطشاً" أي كانوا أكثر منهم وأشد قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها ولهذا قال تعالى ههنا: "فنقبوا في البلاد هل من محيص" قال ابن عباس رضي الله عنهما: أثروا فيها. وقال مجاهد "فنقبوا في البلاد" ضربوا في الأرض وقال قتادة: فساروا في البلاد أي ساروا فيها يبتغون الأرزاق والمتاجر والمكاسب أكثر مما طفتم بها, ويقال لمن طوف في البلاد نقب فيها, قال امرؤ القيس:
لقد نقبت في الافاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب
وقوله تعالى: "هل من محيص" أي هل من مفر كان لهم من قضاء الله وقدره وهل نفعهم ما جمعوه ورد عنهم عذاب الله إذ جاءهم لما كذبوا الرسل فأنتم أيضاً لا مفر لكم ولا محيد ولا مناص ولا محيص. وقوله عز وجل: "إن في ذلك لذكرى" أي لعبرة "لمن كان له قلب" أي لب يعي به وقال مجاهد: عقل "أو ألقى السمع وهو شهيد" أي استمع الكلام فوعاه وتعقله بعقله وتفهمه بلبه, وقال مجاهد: "أو ألقى السمع" يعني لا يحدث نفسه في هذا بقلب, وقال الضحاك: العرب تقول ألقى فلان سمعه إذا استمع بأذنيه, وهو شاهد بقلب غير غائب, وهكذا قال الثوري وغير واحد. وقوله سبحانه وتعالى: "ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب" فيه تقرير للمعاد لأن من قدر على خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن قادر على أن يحيي الموتى بطريق الأولى والأحرى, وقال قتادة: قالت اليهود ـ عليهم لعائن الله ـ خلق الله السموات والأرض في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع وهو يوم السبت, وهم يسمونه يوم الراحة فأنزل الله تعالى تكذيبهم فيما قالوه وتأولوه "وما مسنا من لغوب" أي من إعياء ولا تعب ولا نصب, كما قال تبارك وتعالى في الاية الأخرى: " أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير " وكما قال عز وجل: "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس" وقال تعالى: " أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها ".
وقوله عز وجل: "فاصبر على ما يقولون" يعني المكذبين اصبر عليهم واهجرهم هجراً جميلاً "وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب" وكانت الصلاة المفروضة قبل الإسراء ثنتين قبل طلوع الشمس في وقت الفجر وقبل الغروب في وقت العصر, وقيام الليل كان واجباً على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أمته حولاً ثم نسخ في حق الأمة وجوبه ثم بعد ذلك نسخ الله تعالى ذلك كله ليلة الإسراء بخمس صلوات, ولكن منهن صلاة الصبح والعصر فهما قبل طلوع الشمس وقبل الغروب. وقد قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال: "أما إنكم ستعرضون على ربكم فترونه كما ترون هذا القمر لا تضامون فيه, فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا" ثم قرأ "وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب" ورواه البخاري ومسلم وبقية الجماعة من حديث إسماعيل به.
وقوله تعالى: "ومن الليل فسبحه" أي فصل له كقوله: "ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً" "وأدبار السجود" قال ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما: هو التسبيح بعد الصلاة. ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: جاء فقراء المهاجرين فقالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وما ذاك ؟" قالوا: يصلون كما نصلي, ويصومون كما نصوم, ويتصدقون ولا نتصدق, ويعتقون ولا نعتق. قال صلى الله عليه وسلم: "أفلا أعلمكم شيئاً إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من فعل مثل ما فعلتم ؟ تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين" قال: فقالوا يا رسول الله سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله. فقال صلى الله عليه وسلم: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" والقول الثاني أن المراد بقوله تعالى: "وأدبار السجود" هما الركعتان بعد المغرب وروي ذلك عن عمر وعلي وابنه الحسن وابن عباس وأبي هريرة وأبي أمامة رضي الله عنهم وبه يقول مجاهد وعكرمة والشعبي والنخعي والحسن وقتادة وغيرهم.
قال الإمام أحمد حدثنا وكيع وعبد الرحمن عن سفيان عن أبي إسحاق, عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على أثر كل صلاة مكتوبة ركعتين إلا الفجر والعصر, وقال عبد الرحمن دبر كل صلاة. ورواه أبو داود والنسائي من حديث سفيان الثوري به, زاد النسائي ومطرف عن أبي إسحاق به. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني, حدثنا ابن فضيل عن رشدين بن كريب عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بت ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, فصلى ركعتين خفيفتين اللتين قبل الفجر, ثم خرج إلى الصلاة فقال يا ابن عباس "ركعتين قبل صلاة الفجر إدبار النجوم, وركعتين بعد المغرب إدبار السجود" ورواه الترمذي عن أبي هشام الرفاعي عن محمد بن فضيل به. وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وحديث ابن عباس رضي الله عنهما, وأنه بات في بيت خالته ميمونة رضي الله عنها, وصلى تلك الليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة ثابت في الصحيحين وغيرهما. فأما هذه الزيادة فغريبة لا تعرف إلا من هذا الوجه ورشدين بن كريب ضعيف, ولعله من كلام ابن عباس رضي الله عنهما موقوفاً عليه, والله أعلم.
فأكذبهم الله تعالى بقوله: 39- " وما مسنا من لغوب * فاصبر على ما يقولون " تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وأمر لهم بالصبر على ما يقوله المشركون: أي هون عليك، ولا تحزن لقولهم وتلق ما يرد عليك منه بالصبر "وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب" أي نزه الله عما لا يليق به بجنابه العالي ملتبساً بحمده وقت الفجر ووقت العصر، وقيل المراد صلاة الفجر وصلاة العصر، وقيل الصلوات الخمس، وقيل صل ركعتين. قبل طولع الشمس وركعتين قبل غروبها، والأول أولى.
39. " فاصبر على ما يقولون "، من كذبهم فإن الله لهم بالمرصاد، وهذا قبل الأمر بقتالهم، " وسبح بحمد ربك "، أي: صلى الله عليه وسلم حمداً لله، " قبل طلوع الشمس "، يعني: صلاة الصبح، " وقبل الغروب "، يعني: صلاة العصر. وروي عن ابن عباس قال: (( قبل الغروب )): الظهر والعصر.
39-" فاصبر على ما يقولون " ما يقول المشركين من إنكارهم البعث ، فإن من قدر على خلق العالم بلا عياء قدر على بعثهم والانتقام منهم ، أو ما يقول اليهود من الكفر والتشبيه . " وسبح بحمد ربك " ونزهه عن العجز عما يمن والوصف بما يوجب التشبيه حامداً له على ما أنعم عليك من إصابة الحق وغيرها ." قبل طلوع الشمس وقبل الغروب " يعني الفجر والعصر وقد عرفت فضيلة الوقتين .
39. Therefor (O Muhammad) bear with what they say: and hymn the praise of thy Lord before the rising and before the setting of the sun;
39 - Bear, then, with patience, all that they say, and celebrate the praises of thy Lord, before the rising of the sun and before (its) setting,