[ق : 30] يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ
30 - (يوم) ناصبه ظلام (نقول) بالنون والياء (لجهنم هل امتلأت) استفهام تحقيق لوعده بملئها (وتقول) بصورة الاستفهام كالسؤال (هل من مزيد) أي لا أسع غير ما امتلأت به أي قد امتلأت
وقوله " يوم نقول لجهنم " يقول : وما أنا بظلام للعبيد في " يوم نقول لجهنم هل امتلأت " وذلك يوم القيامة . ويوم نقول من صلة ظلام . وقال تعالى ذكره لجهنم يوم القيامة : " هل امتلأت " ؟ لما سبق من وعده إياها بأنه يملؤها من الجنة والناس أجمعين .
وأما قوله " هل من مزيد " فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : ما من مزيد . قالوا : وإنما يقول الله لها : هل امتلأت بعد أن يضع قدمه فيها ، فينزوي بعضها إلى بعض وتقول : قط قط ، من تضايقها ، فإذا قال لها وقد صارت كذلك : هل امتلأت ؟ قالت حينئذ : هل من مزيد ، أي ما من مزيد ، لشدة امتلائها ، وتضايق بعضها إلى بعض .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس قوله "يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد " قال ابن عباس : إن الله الملك تبارك وتعالى قد سبقت كلمته ( لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) فلما بعث الناس وأحضروا ، وسيق أعداء الله إلى النار زمرا ، جعلوا يقتحمون في جهنم فوج فوجا ، لا يلقى في جهنم شيء إلا ذهب فيها ، ولا يملؤها شيء ، قالت : ألست قد أقسمت لتملأني من الجنة والناس أجمعين ؟ فوضع قدمه ، فقلت حين وضع قدمه فيها : قد قد ، فإني قد امتلأت ، فليس لي مزيد . ولم يكن يملؤها شيء ، حتى وجدت مس ما وضع عليها فتضايقت حين جعل عليها ما جعل ، فامتلأت عما فيها موضع إبرة .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله " وتقول هل من مزيد " قال : وعده الله ليملأنها ، فقال : هلا وفيتك ؟ قالت : وهل من مسلك .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد " كان ابن ابن عباس يقول : إن الله الملك ، قد سبقت منه كلمة (لأملأن جهنم ) لا يلقى فيها من شيء إلا ذهب فيها ، لا يملؤها شيء ، حتى إ ذا لم يبق من أهلها أحد إلا دخلها ، وهي لا يملؤها شيء ، أتاها الرب فوضع قدمه عليها ، ثم قال لها : هل امتلأت يا جهنم ؟ فتقول : قط قط ، قد امتلأت ، ملأتني من الجن والإنس فليس في مزيد ، قال ابن عباس : ولم يكن يملؤها شيء حتى وجدت مس قدم الله تعالى ذكره ، فتضايقت ، فما فيها موضع إبرة .
وقال آخرون : بل معنى : زدني ، إنما هو هل من مزيد ، بمعنى الاستزادة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا يحيى بن واضح قال : ثنا الحسين بن ثابت عن أنس قال : يلقى في جهنم وتقول : هل من مزيد ثلاثا ، حتى يضع قدمه فيها ، فينزوي بعضها إلى بعض ، فتقول : قط قط ، ثلاثا .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال :قال ابن زيد في قوله " يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد " لأنها قد امتلأت ، وهل من مزيد : هل بقي أحد ؟ قال : هذان الوجهان في هذا ، والله أعلم ، قال : قالوا هذا وهذا .
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال : هو بمعنى الاستزادة ، هل من شيء أزداده .
وإنما قلنا ذلك أولى القولين بالصواب لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما :
حدثني أحمد بن المقدام العجلي قال : ثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي قال : ثنا أيوب عن محمد عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان يوم القيامة ، لم يظلم الله أحدا من خلقه شيئا ، ويلقي في النار ، تقول هل من مزيد حتى يضع عليها قدمه ، فهنالك يملؤها يزوى بعضها إلى بعض تقول : قط قط"
حدثنا أحمد بن المقدام قال : ثنا المعتمر بن سليمان قال : سمعت أبي يحدث عن قتادة عن أنس قال : " ما تزال جهنم تقول : هل من مزيد ؟ حتى يضع الله عليها قدمه ، فتقول : قد قد ، وما يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله خلقا ، فيسكنه فضول الجنة " .
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا ابن عليه قال : أخبرنا أيوب وهشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة ، قال : اختصمت الجنة والنار ، فقالت الجنة : مالي إنما يدخلني فقراء الناس وسقطهم ! وقالت النار : مالي إنما يدخلني الجبارون والمتكبرون ! فقال : أنت رحمتي أصيب بك من أشاء ، وأنت عذابي أصيب بك من أشاء ، ولكل واحدة منكما ملؤها . فأما الجنة فإن الله ينشئ لها من خلقه ما شاء . وأما النار فيلقون فيها وتقول : هل من مزيد ؟ ويلقون فيها وتقول هل من مزيد ؟ حتى يضع فيها قدمه ، فهناك تملأ ، يزوى بعضها إلى بعض ، وتقول : قط قط .
حدثنا ابن عبد الاعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن ثور عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " احتجت الجنة والنار ، فقالت الجنة : ما لي لا يدخلني إلا فقراء الناس ؟ وقالت النار : ما لي لا يدخلني إلا الجبارون والمتكبرون ؟ فقال للنار : أنت عذابي أصيب بك من أشاء ، وقال للجنة : أنت رحمتي أصيب بك من أشاء ، ولكل واحدة منكما ملؤها ، فأما الجنة فإن الله عزوجل ينشئ لها ما شاء ، وأما النار فيلقون فيها وتقول : هل من مزيد ، حتى يضع قدمه فيها ، هنالك تمتلئ ، وينزوي بعضها إلى بعض ، وتقول : قط ، قط ".
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول : هل من مزيد حتى يضع رب العالمين قدمه ، فينزوي بعضها إلى بعض ، وتقول : قد ، قد ، بعزتك وكرمك ! ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الحنة " .
حدثنا ابن المثنى قال : ثنا عبد الصمد قال : ثنا أبان العطار قال : ثنا قتادة عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع رب العالمين فيها قدمه ، فينزوي بعضها إلى بعض ، فتقول : بعزتك قط ، قط ، وما يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله خلقا فيسكنه في فضل الجنة " .
قال : ثنا عمرو بن عاصم الكلابي قال : ثنا المعتمر عن أبيه ، قال: ثنا قتادة عن أنس قال : ما تزال جهنم تقول : هل من مزيد ، فذكر نحوه ، غير أنه قال : أو كما قال .
حدثنا زياد بن أيوب قال :ثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف عن سعيد عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " احتجت الجنة والنار فقالت النار : يدخلني الجبارون والمتكبرون ، وقالت الجنة : يدخلني الفقراء والمساكين ، فأوحى الله عزوجل إلى الجنة : أنت رحمتي أصيب بك من أشاء ، وأوحى إلى النار : أنت عذابي أصيب بك من أشاء ، ولكل واحدة منكما ملؤها ، فأما النار فتقول : هل من مزيد ؟ حتى يضع قدمه فيها ، فتقول : قط قط " . ففي قول النبي صلى الله عيه وسلم : " لا تزال جهنم تقول هل من مزيد " دليل واضح على أن ذلك بمعنى الاستزادة لا بمعنى النفي ، لأن قوله لا تزال دليل على اتصال قول بعد قول .
قوله تعالى " يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد" قرأ نافع وأبو بكر يوم يقول بالياء اعتبارا بقوله " لا تختصموا لدي " الباقون بالنون على الخطاب من الله تعالى وهي نون العظمة . وقرأ الحسن يوم أقول وعن ابن مسعود وغيره يوم يقال وانتصب يوم على معنى ما يبدل القول لدي يوم . وقيل بفعل مقدر معناه : وأنذرهم "يوم نقول لجهنم هل امتلأت " لما سبق من وعده إياها أنه يملؤها وهذا الاستفهام على سبيل التصديق لخبره . والتحقيق لوعده والتقريع لأعدائه والتنبيه لجميع عباده . وتقول جهنم "هل من مزيد" أي ما بقي في موضع للزيادة .
كـ"قوله عليه السلام : هل ترك لنا عقيل من ربع أو منزل " أي ما ترك فمعنى الكلام الجحد . ويحتمل أن يكون استفهام بمعنى الاستزادة أي هل من مزيد فأزداد . وإنما صلح هذا للوجهين لأن في الاستفهام ضربا من الجحد . وقيل ليس ثم قول وإنما هو على طريق المثل أي أنها فيما يظهر من حالها بمنزلة الناطقة بذلك كما قال الشاعر :
امتلأ الحوض وقال قطني مهلا رويدا قد ملأت بطني
وهذا تفسير مجاهد وغيره . أي هل في من مسلك قد امتلأت وقيل ينطق الله النار حتى تقول هذا كما تنطق الجوارح . وهذا أصح على ما بيناه في سورة الفرقان وفي صحيح مسلم والبخاريوالترمذي" عن أنس بن مالك : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها على بعض وتقول قط قط بعزتك وكرمك ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة " لفظ مسلم و"في رواية أخرى من حديث أبي هريرة : وأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله عليها رجله يقول لها قط قط فهنالك تمتلئ وينزوي بعضها إلى بعض فلا يظلم الله من خلقه أحدا وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا " قال علماؤنا رحمهم الله : أما معنى القدم هنا فهم قوم يقدمهم الله إلى النار وقد سبق في علمه أنهم من أهل النار وكذلك الرجل وهو العدد الكثير من الناس وغيرهم يقال : رأيت رجلا من الناس ورجلا من جراد قال الشاعر :
فمر بنا رجل من الناس وانزوى إليهم من الحي اليمانين أرجل
قبائل من لخم وعكل وحمير على ابني نزار بالعداوة أحفل
ويبين هذا المعنى ما روي عن ابن مسعود أنه قال : ما في النار بيت ولا سلسلة ولا مقمع ولا تابوت وإلا وعليه اسم صاحبه فكل واحد من الخزنة ينتظر صاحبه الذي قد عرف اسمه وصفته فإذا استوفى كل واحد منهم ما أمر به وما ينتظره ولم يبق منهم أحد قال الخزنة قط قط حسبنا حسبنا أي اكتفينا اكتفينا وحينئذ تنزوي جهنم على من فيها وتنطبق إذ لم يبق أحد ينتظر فعبر عن ذلك الجمع المنتظر بالرجل والقدم ، ويشهد لهذا التأويل قوله في نفس الحديث :" ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة " وقد زدنا هذا المعنى بيانا ومهدناه في كتاب الأسماء والصفات من الكتاب الأسنى والحمد لله . وقال النضر بن شميل في معنى "قوله عليه السلام : حتى يضع الجبار فيها قدمه " أي من سبق في علمه أنه من أهل النار .
يخبر تعالى أنه يقول لجهنم يوم القيامة: هل امتلأت ؟ وذلك أنه تبارك وعدها أن سيملؤها من الجنة والناس أجمعين, فهو سبحانه وتعالى يأمر بمن يأمر به إليها ويلقى وهي تقول: هل من مزيد أي هل بقي شيء تزيدوني ؟ هذا هو الظاهر في سياق الاية وعليه تدل الأحاديث. قال البخاري عند تفسير هذه الاية: حدثنا عبد الله بن أبي الأسود, حدثني حرمي بن عمارة, حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يلقى في النار وتقول هل من مزيد ؟ حتى يضع قدمه قتقول: قط قط" وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد ؟ حتى يضع رب العزة قدمه فيها فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط وعزتك وكرمك, ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشىء الله لها خلقاً آخر فيسكنهم الله تعالى في فضول الجنة" ثم رواه مسلم من حديث قتادة بنحوه, ورواه أبان العطار وسليمان التيمي عن قتادة بنحوه.
(حديث آخر) قال البخاري: حدثنا محمد بن موسى القطان, حدثنا أبو سفيان الحميري سعيد بن يحيى بن مهدي, حدثنا عوف عن محمد عن أبي هريرة رضي الله عنه, رفعه وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان: "يقال لجهنم هل امتلأت, وتقول هل من مزيد فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول قط قط" ورواه أبو أيوب وهشام بن حسان عن محمد بن سيرين به.
(طريق أخرى) قال البخاري: وحدثنا عبد الله بن محمد, حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر عن همام بن منبه, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تحاجت الجنة والنار فقالت النار أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين, وقالت الجنة: مالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم. قال الله عز وجل للجنة أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي , وقال للنار إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منكما ملؤها, فأما النار فلا تمتلىء حتى يضع رجله فيها فتقول قط قط فهنالك تمتلىء وينزوي بعضها إلى بعض ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحداً, وأما الجنة فإن الله عز وجل ينشىء لها خلقاً آخر".
(حديث آخر) قال مسلم في صحيحه. حدثنا عثمان بن أبي شيبة, حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احتجت الجنة والنار فقالت النار: في الجبارون والمتكبرون, وقالت الجنة في ضعفاء الناس ومساكينهم فقضى بينهما فقال للجنة إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي, وقال للنار إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منكما ملؤها" انفرد به مسلم دون البخاري من هذا الوجه والله سبحانه وتعالى أعلم. وقد رواه الإمام أحمد من طريق أخرى عن أبي سعيد رضي الله عنه بأبسط من هذا السياق فقال: حدثنا حسن وروح قالا: حدثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب, عن عبيد الله بن عتبة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "افتخرت الجنة والنار فقالت النار يا رب يدخلني الجبابرة والمتكبرون والملوك والأشراف, وقالت الجنة أي رب يدخلني الضعفاء والفقراء والمساكين فيقول الله تبارك وتعالى للنار أنت عذابي أصيب بك من أشاء, وقال للجنة أنت رحمتي وسعت كل شيء ولكل واحدة منكما ملؤها فيلقى في النار أهلها فتقول هل من مزيد, قال ويلقى فيها وتقول هل من مزيد, ويلقى فيها وتقول هل من مزيد, حتى يأتيها عز وجل فيضع قدمه عليها فتنزوي وتقول قدني قدني, وأما الجنة فيبقى فيها ما شاء تعالى أن يبقى فينشىء الله سبحانه وتعالى لها خلقاً ما يشاء".
(حديث آخر) وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده: حدثني عقبة بن مكرم, حدثنا يونس, حدثنا عبد الغفار بن القاسم عن عدي بن ثابت, عن زر بن حبيش, عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يعرفني الله تعالى نفسه يوم القيامة, فأسجد سجدة يرضى بها عني ثم أمدحه مدحة يرضى بها عني, ثم يؤذن لي في الكلام, ثم تمر أمتي على الصراط مضروب بين ظهراني جهنم, فيمرون أسرع من الطرف والسهم وأسرع من أجود الخيل, حتى يخرج الرجل منها يحبو وهي الأعمال, وجهنم تسأل المزيد حتى يضع فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط وأنا على الحوض" قيل: وما الحوض يا رسول الله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده إن شرابه أبيض من اللبن وأحلى من العسل, وأبرد من الثلج. وأطيب ريحاً من المسك, وآنيته أكثر من عدد النجوم لا يشرب منه إنسان فيظمأ أبداً ولا يصرف فيروى أبداً" وهذا القول هو اختيار ابن جرير.
وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا أبو يحيى الحمامي عن نصر الجزار عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما "يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد" قال: ما امتلأت قال تقول وهل من مكان يزاد في, وكذا رواه الحاكم بن أبان عن عكرمة "وتقول هل من مزيد" وهل في مدخل واحد قد امتلأت. قال الوليد بن مسلم عن يزيد بن أبي مريم أنه سمع مجاهداً يقول: لا يزال يقذف فيها حتى تقول امتلأت فتقول: هل من مزيد, وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم نحو هذا فعند هؤلاء أن قوله تعالى: "هل امتلأت" إنما هو بعدما يضع عليها قدمه فتنزوي وتقول حينئذ هل بقي في مزيد يسع شيئاً ؟ قال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما: وذلك حين لا يبقى فيها موضع يسع إبرة, والله أعلم.
وقوله تعالى: "وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد" قال قتادة وأبو مالك والسدي "وأزلفت" أدنيت وقربت من المتقين "غير بعيد" وذلك يوم القيامة, وليس ببعيد لأنه واقع لا محالة وكل ما هو آت قريب "هذا ما توعدون لكل أواب" أي راجع تائب مقلع "حفيظ" أي يحفظ العهد فلا ينقضه ولا ينكثه, وقال عبيد بن عمرو: الأواب الحفيظ الذي لا يجلس مجلساً فيقوم حتى يستغفر الله عز وجل "من خشي الرحمن بالغيب" أي من خاف الله في سره حيث لا يراه أحد إلا الله عز وجل كقوله صلى الله عليه وسلم: "ورجل ذكر الله تعالى خالياً, ففاضت عيناه" "وجاء بقلب منيب" أي ولقي الله عز وجل يوم القيامة بقلب منيب سليم إليه خاضع لديه "ادخلوها" أي الجنة "بسلام" قال قتادة سلموا من عذاب الله عز وجل, وسلم عليهم ملائكة الله, وقوله سبحانه وتعالى: "ذلك يوم الخلود" أي يخلدون في الجنة فلا يموتون أبداً, ولا يظعنون أبداً ولا يبغون عنها حولاً, وقوله جلت عظمته: " لهم ما يشاؤون فيها " أي مهما اختاروا وجدوا من أي أصناف الملاذ طلبوا أحضر لهم. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, حدثنا عمر بن عثمان, حدثنا بقية عن يحيى بن سعيد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة قال: من المزيد أن تمر السحابة بأهل الجنة فتقول: ماذا تريدون فأمطره لكم ؟ فلا يدعون بشيء إلا أمطرتهم, قال كثير: لئن أشهدني الله تعالى ذلك لأقولن أمطرينا جواري مزينات.
وفي الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "إنك لتشتهي الطير في الجنة فيخر بين يديك مشوياً" وقال الإمام أحمد: حدثنا علي بن عبد الله, حدثنا معاذ بن هشام, حدثني أبي عن عامر الأحول عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة واحدة" ورواه الترمذي وابن ماجه عن بندار عن معاذ بن هشام به. وقال الترمذي حسن غريب وزاد: كما اشتهى, وقوله تعالى: "ولدينا مزيد" كقوله عز وجل: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" وقد تقدم في صحيح مسلم عن صهيب بن سنان الرومي أنها النظر إلى وجه الله الكريم. وقد روى البزار وابن أبي حاتم من حديث شريك القاضي عن عثمان بن عمير أبي اليقظان عن أنس بن مالك رضي الله عنه في قوله عز وجل: "ولدينا مزيد" قال: يظهر لهم الرب عز وجل في كل جمعة, وقد رواه الإمام أبو عبد الله الشافعي مرفوعاً فقال في مسنده: أخبرنا إبراهيم بن محمد, حدثني موسى بن عبيدة, حدثني أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة عن عبد الله بن عمير أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: أتى جبرائيل عليه الصلاة والسلام بمرآة بيضاء فيها نكتة إلى رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هذه ؟" فقال: هذه الجمعة فضلت بها أنت وأمتك, فالناس لكم فيها تبع اليهود والنصارى ولكم فيها خير, ولكم فيها ساعة لا يوافقها مؤمن, يدعو الله تعالى فيها بخير إلا استجيب له وهو عندنا يوم المزيد.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا جبريل وما يوم المزيد ؟" قال عليه السلام: إن ربك تبارك وتعالى اتخذ في الفردوس وادياً أفيح فيه كثب المسك, فإذا كان يوم الجمعة أنزل الله تعالى ما شاء من ملائكته, وحوله منابر من نور عليها مقاعد النبيين, وحفت تلك المنابر من ذهب مكللة بالياقوت والزبرجد عليها الشهداء والصديقون, فجلسوا من ورائهم على تلك الكثب, فيقول الله عز وجل: أنا ربكم قد صدقتكم وعدي فسلوني أعطكم, فيقولون: ربنا نسألك رضوانك, فيقول: قد رضيت عنكم ولكم علي ما تمنيتم ولدي مزيد. فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم تبارك وتعالى من الخير, وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش وفيه خلق آدم وفيه تقوم الساعة. هكذا أورده الإمام الشافعي رحمه الله في كتاب الجمعة من الأم, وله طرق عن أنس بن مالك رضي الله عنه, وقد أورد ابن جرير هذا الحديث من رواية عثمان بن عمير عن أنس رضي الله عنه بأبسط من هذا, وذكر ههنا أثراً مطولاً عن أنس بن مالك رضي الله عنه موقوفاً وفيه غرائب كثيرة.
وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة, حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد رضي الله عنه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرجل في الجنة ليتكىء في الجنة سبعين سنة قبل أن يتحول, ثم تأتيه امرأة تضرب على منكبه فينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة, وإن أدنى لؤلؤة عليها تضيء ما بين المشرق والمغرب فتسلم عليه فيرد السلام فيسألها من أنت ؟ فتقول أنا من المزيد وإنه ليكون عليها سبعون حلة أدناها مثل النعمان من طوبى فينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك, وإن عليها من التيجان إن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب" وهكذا رواه عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن دراج به.
30- " يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد " قرا الجمهور " نقول " بالنون . وقرأ نافع و أبو بكر بالياء . وقرأ الحسن أقول . وقرأ الأعمش يقال والعامل في الظرف ما يبدل القول لدي أو محذوف أي اذكر أو أنذرهم ، وهذا الكلام على طريقة التمثيل والتخييل ، ولا سؤال ولا جواب ، كذا قيل ، ولأولى أنه على طريقة التحقيق ولا يمنع من ذلك عقل ولا شرع . قال الواحدي . قال المفسرون : أراها الله تصديق قوله : " لأملأن جهنم " فلما امتلأت قال لها : " هل امتلأت وتقول هل من مزيد " أي قد امتلأت ولم يبقى في موضع لم يمتلىء . وبهذا قال عطاء و مجاهد و مقاتل بن سليمان . وقيل إن هذا الإستفهام بمعنى الإستزاده : أي إنها تطلب الزيادة على من قد صار فيها . وقيل: إن المعنى أنها طلبت أن يزداد في سعتها لتضايقها بأهلها ، والمزيد إما مصدر كالمحيد أو اسم مفعول كالمنيع ، فالأول بمعنى هل من زيادة ، والثاني بمعنى هل من شيء تزيدونيه .
30. " يوم نقول لجهنم "، قرأ نافع و أبو بكر ((يقول)) بالياء، أي: يقول الله، لقوله: (( قال لا تختصموا ))، وقرأ الآخرون بالنون، " هل امتلأت "، وذلك لما سبق لها من وعده إياها أنه يملؤها من الجنة والناس، وهذا السؤال من الله عز وجل لتصديق خبره وتحقيق وعده، " وتقول "، جهنم، " هل من مزيد "، قيل: معناه قد امتلأت ولم يبق في موضع لم يمتلئ، فهو استفهام إنكار، هذا قول عطاء و مجاهد و مقاتل بن سليمان . وقيل: هذا استفهام بمعنى الاستادة، وهو قول ابن عباس في رواية أبي صالح، وعلى هذا يكون السؤال بقوله: (( هل امتلأت ))، قبل دخول جميع أهلها فيها، وروي عن ابن عباس: أن الله تعالى سبقت كلمته " لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين " (السجدة-13)، فلما سيق أعداء الله إليها لا يلقى فيها فوج إلا ذهب فيها ولا يملؤها شيء، فتقول: ألست قد أقسمت لتملأني؟ فيضع قدمه عليها، ثم يقول: هل امتلأت؟ فتقول: قط قط قد امتلأت فليس في مزيد.
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن العباس الحميدي ، [ أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ] حدثنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي ، أخبرنا أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي ، حدثنا آدم بن أبي إياس العسقلاني ، حدثنا شيبان بن عبد الرحمن ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تزال جهنم تقول هل من مزيد، حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فتقول قط قط وعزتك، ويزوى بعضها إلى بعض، ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشء الله خلقاً فيسكنه فضول الجنة ".
30-" يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد " سؤال وجواب جيء بهما للتخييل والتصوير ، والمعنى أنها مع اتساعها تطرح فيها الجنة والناس فوجاً فوجاً حتى تمتلئ لقوله تعالى : " لأملأن جهنم " ، أو أنها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها بعد فراغ ، أو أنها من شدة زفيرها وحدتها وتشبثها بالعصاة كالمستكثرة لهم والطالبة لزيادتهم . وقرأ نافع و أبو بكر يقول بالباء والـ"مزيد " إما مصدر كالمحيد أو مفعول كالمبيع ،و " يوم " مقدر باذكر أو ظرف لـ" نفخ " فيكون ذلك إشارة إليه فلا يفتقر إلى تقدير مضاف .
30. On the day when We say unto hell: Art thou filled? and it saith: Can there be more to come?
30 - One Day We will ask Hell, Art thou filled to the full? It will say, Are there any more (to come)?