[ق : 3] أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ
3 - (أئذا) بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين (متنا وكنا ترابا) نرجع (ذلك رجع بعيد) غاية البعد
يقول القائل : لم يجر للبعث ذكر ، فيخبرعن هؤلاء القوم بكفرهم ما دعوا إليه ذلك ، فما وجه الخبر عنهم بإنكاهم ما لم يدعوا إليه ، وجوابهم عما لم يسئلوا عنه ؟ قيل : قد اختلف أهل العربية في ذلك ، فنذكر ما قالوا في ذلك ، ثم نتبعه البيان إن شاء الله تعالى . فقال في ذلك بعض نحويي البصرة قال " أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد " ، لم يذكر أنه راجع ، وذلك والله أعلم أنه كان على جواب ، كأنه قيل لهم : إنكم ترجعون ، فقالوا " أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد " وقال بعض نحويي الكوفة قوله : " أإذا متنا وكنا ترابا " كلام لم يظهر قبله ما يكون هذا جوابا له ، ولكن معناه مضمر ، إنما كان والله أعلم : " ق والقرآن المجيد " لتبعثن بعد الموت ، فقالوا : أئذا كنا ترابا بعثنا ؟ جحدوا البعث ، ثم قالوا " ذلك رجع بعيد " جحدوه أصلا ، وقوله " بعيد " كما يقول للرجل يخطئ في المسألة : لقد ذهبت مذهبا بعيدا عن الصواب : أي أخطأت .
والصواب من القول في ذلك عندنا ، أن في هذا الكلام متروكا استغني بدلالة ما ذكر عليه من ذكره ، وذلك أن الله دل بخبره عن تكذيب هؤلاء المشركين الذين ابتدأ هذه السورة بالخبر عن تكذيبهم رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، بقوله " بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب " على وعيده إياهم على تكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم ، فكأنه قال لهم ، إذا قالوا منكرين رسالة الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم " هذا شيء عجيب " : ستعلمون أيها القوم إذا أنتم بعثتم يوم القيامة ما يكون حالكم في تكذيبكم محمدا صلى الله عليه وسلم ، وإنكارهم نبوته ، فقالوا مجيببين رسول الله صلى الله عليه وسلم " أإذا متنا وكنا ترابا " نعلم ذلك ، ونرى مما تعدنا على تكذيبك " ذلك رجع بعيد " : أي أن ذلك غير كائن ، ولسنا راجعين أحياء بعد مماتنا ، فاستغني بدلالة قوله "بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب " من ذكر ما ذكرت من الخبر عن وعيدهم .
وفيما حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد "قالوا : كيف يحيمك الله ، وقد صرنا عظاما ورفاتا ، وضللنا في الأرض ، دلالة على صحة ما قلنا من أنهم أنكروا البعث إذا توعدوا به .
قوله تعالى: " أإذا متنا وكنا ترابا " نبعث ففيه إضمار "ذلك رجع بعيد" الرجع الرد أي هو رد بعيد أي محال . يقال : رجعته أرجعه رجعا ورجع هو يرجع رجوعا . وفيه إضمار آخر أي وقالوا أنبعث إذا متنا . وذكر البعث وإن لم يجر ها هنا فقد جرى في مواضع والقرآن كالسورة الواحدة . وأيضا ذكر البعث منطو تحت قوله "بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم " لأنه إنما ينذر بالعقاب والحساب في الآخرة .
"ق": حرف من حروف الهجاء المذكورة في أوائل السور كقوله تعالى: " ص" و"ن" و"الم" و"حم"و"طس " ونحو ذلك, قاله مجاهد وغيره وقد أسلفنا الكلام عليها في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته, وقد روي عن بعض السلف أنهم قالوا: ق جبل محيط بجميع الأرض يقال له جبل قاف, وكأن هذا, والله أعلم, من خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم بعض الناس لما رأى من جواز الرواية عنهم مما لا يصدق ولا يكذب, وعندي أن هذا وأمثاله وأشباهه من اختلاق بعض زنادقتهم, يلبسون به على الناس أمر دينهم, كما افترى في هذه الأمة مع جلالة قدر علمائها وحفاظها وأئمتها أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وما بالعهد من قدم فكيف بأمة بني إسرائيل مع طول المدى وقلة الحفاظ النقاد فيهم وشربهم الخمور, وتحريف علمائهم الكلم عن مواضعه وتبديل كتب الله وآياته, وإنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله: "وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" فيما قد يجوزه العقل, فأما فيما تحيله العقول ويحكم فيه بالبطلان ويغلب على الظنون كذبه فليس من هذا القبيل, والله أعلم.
وقد أكثر كثير من السلف من المفسرين, وكذا طائفة كثيرة من الخلف من الحكاية عن كتب أهل الكتاب في تفسير القرآن المجيد, وليس بهم احتياج إلى أخبارهم, ولله الحمد والمنة, حتى أن الإمام أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي, رحمة الله عليه, أورد ههنا أثراً غريباً لا يصح سنده عن ابن عباس رضي الله عنهما فقال: حدثنا أبي قال: حدثت عن محمد بن إسماعيل المخزومي, حدثنا ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خلق الله تبارك وتعالى من وراء هذه الأرض بحراً محيطاً بها, ثم خلق من وراء ذلك البحر جبلاً يقال له قاف, سماء الدنيا مرفوعة عليه, ثم خلق الله تعالى من وراء ذلك الجبل أرضاً مثل تلك الأرض سبع مرات, ثم خلق من وراء ذلك بحراً محيطاً بها, ثم خلق من وراء ذلك جبلاً يقال له قاف السماء الثانية مرفوعة عليه, حتى عد سبع أرضين وسبعة أبحر وسبعة أجبل وسبع سموات, قال وذلك في قوله تعالى: "والبحر يمده من بعده سبعة أبحر" فإسناده هذا الأثر فيه انقطاع, والذي رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل "ق" هو اسم من أسماء الله عز وجل والذي ثبت عن مجاهد أنه حرف من حروف الهجاء كقوله تعالى: " ص" "ن" "حم" "طس" "الم " ونحو ذلك, فهذه تبعد ما تقدم عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقيل: المراد قضي الأمر والله, وأن قوله جل ثناؤه "ق" قال: دلت على المحذوف من بقية الكلمة كقول الشاعر:
قلت لها قفي فقالت ق
وفي هذا التفسير نظر لأن الحذف في الكلام يكون إنما يكون إذا دل دليل عليه, ومن أين يفهم هذا من ذكر هذا الحرف ؟ وقوله تعالى: "والقرآن المجيد" أي الكريم العظيم الذي "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد" واختلفوا في جواب القسم ما هو ؟ فحكى ابن جرير عن بعض النحاة أنه قوله تعالى: "قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ" وفي هذا نظر بل الجواب هو مضمون الكلام بعد القسم, وهو إثبات النبوة وإثبات المعاد وتقريره وتحقيقه, وإن لم يكن القسم يلتقي لفظاً, وهذا كثير في أقسام القرآن كما تقدم في قوله: " ص والقرآن ذي الذكر * بل الذين كفروا في عزة وشقاق " وهكذا قال ههنا: " ق والقرآن المجيد * بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب " أي تعجبوا من إرسال رسول إليهم من البشر, كقوله جل جلاله: "أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس" أي وليس هذا بعجيب فإن الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس.
ثم قال عز وجل مخبراً عنهم في تعجبهم أيضاً من المعاد واستبعادهم لوقوعه " أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد " أي يقولون أئذا متنا وبلينا وتقطعت الأوصال منا وصرنا تراباً, كيف يمكن الرجوع بعد ذلك إلى هذه البنية والتركيب ؟ "ذلك رجع بعيد" أي بعيد الوقوع. والمعنى أنهم يعتقدون استحالته وعدم إمكانه. قال الله تعالى رداً عليهم: "قد علمنا ما تنقص الأرض منهم" أي ما تأكل من أجسادهم في البلى نعلم ذلك ولا يخفى علينا أين تفرقت الأبدان وأين ذهبت وإلى أين صارت "وعندنا كتاب حفيظ" أي حافظ لذلك فالعلم شامل والكتاب أيضاً فيه كل الأشياء مضبوطة. قال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: "قد علمنا ما تنقص الأرض منهم" أي ما تأكل من لحومهم وأبشارهم, وعظامهم وأشعارهم, وكذا قال مجاهد وقتادة والضحاك وغيرهم, ثم بين تبارك وتعالى سبب كفرهم وعنادهم واستبعادهم ما ليس ببعيد فقال: "بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج" أي وهذا حال كل من خرج عن الحق مهما قال بعد ذلك فهو باطل, والمريج: المختلف المضطرب الملتبس المنكر خلاله كقوله تعالى: " إنكم لفي قول مختلف * يؤفك عنه من أفك ".
فيكون لف هذا إشارة إلى مبهم يفسره ما بعده من قوله: " أإذا متنا " الخ، والأول أولى. قال الرازي: الظاهر أن قولهم هذا إشارة إلى مجيء المنذر، ثم قالوا: " أإذا متنا " وأيضاً قد وجد هاهنا بعد الاستبعاد بالاستفهام أمر يؤدي معنى التعجب، وهو قولهم: "ذلك رجع بعيد" فإنه استبعاد وهو كالتعجب، فلو كان التعجب بقولهم: "هذا شيء عجيب" عائداً إلى قولهم: أئذا لكان كالتكرار، فإن قيل التكرار الصريح يلزم من قولك هذا شيء عجيب أنه يعود إلى مجيء المنذر، فإن تعجبهم منه علم من قولهم: وعجبوا أن جاءهم، فقوله: "هذا شيء عجيب" يكون تكراراً، فنقول ذلك ليس بتكرار بل هو تقرير لأنه لما قال بل عجبوا بصيغة الفعل وجاز أن يتعجب الإنسان مما لا يكون عجباً كقوله: "أتعجبين من أمر الله" ويقال في العرف: لا وجه لتعجبك مما ليس بعجب، فكأنهم لما عجبوا قيل لهم: لا معنى لتعجبكم، فقالوا: "هذا شيء عجيب" فكيف لا نعجب منه، ويدل على ذلك قوله هاهنا "فقال الكافرون" بالفاء، فإنها تدل على أنه مترتب على ما تقدم، قرأ الجمهور " أإذا متنا " بالاستفهام. وقرأ ابن عامر في رواية عنه وأبو جعفر والأعمش والأعرج بهمزة واحدة، فيحتمل الاستفهام كقراءة الجمهور، وهمزة الاستفهام مقدرة، ويحتمل أن معناه الإخبار. والعامل في الظرف مقدر: أي أيبعثنا، أو أنرجع إذا متنا لدلالة ما بعده عليه، هذا على قراءة الجمهور، وأما على القراءة الثانية فجواب إذاً محذوف: أي رجعنا، وقيل ذلك رجع، والمعنى: استنكارهم للبعث بعد موتهم ومصيرهم تراباً. ثم جزموا باستبعادهم للبعث فقالوا: "ذلك" أي للبعث "رجع بعيد" أي بعيد عن العقول أو الأفهام أو العادة أو الإمكان، يقال رجعته أرجعه رجعاً ورجع هو يرجع رجوعاً.
3. " أإذا متنا وكنا ترابا "، نبعث، ترك ذكر البعث لدلالة الكلام عليه، " ذلك رجع "، أي رد إلى الحياة " بعيد "، وغير كائن، أي: يبعد أن نبعث بعد الموت.
3-" أإذا متنا وكنا ترابا " أي أنرجع إذا متنا وصرنا تراباً ، ويدل على المحذوف قوله : " ذلك رجع بعيد " أي بعيد عن الوهم أو العادة أو الإمكان .وقيل الرجع بمعنى المرجوع .
3. When we are dead and have become dust (shall we be brought back again)? That would be a far return!
3 - What! When we die and become dust, (shall we live again?) That is a (sort of) Return far (from our understanding).