[ق : 29] مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ
29 - (ما يبدل) يغير (القول لدي) في ذلك (وما أنا بظلام للعبيد) فأعذبهم بغير جرم وظلام بمعنى ذي ظلم لقوله لا ظلم اليوم
يقول تعالىذكره مخبرا عن قيله للمشركين وقرنائهم من الجن يوم القيامة ، إذ تبرأ بعضهم من بعض : ما يغير القول الذي قلته لكم في الذنيا ، وهو قوله ( لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) ولا قضائي الذي قضيته فيهم فيها .
كما حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله " ما يبدل القول لدي " قد قضيت ما أنا قاض .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام عن عنبسة عن محمد بن عبد الرحمن عن القاسم بن أبي بزة عن مجاهد في قوله " ما يبدل القول لدي " قال : قد قضيت ما أنا قاض .
وقوله " وما أنا بظلام للعبيد " يقول : ولا أنا بمعاقب أحدا من خلقي بجرم غيره ولا حامل على أحد منهم ذنب غيره فمعذبه به .
"ما يبدل القول لدي " قيل هو قوله " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها "وقيل هو قوله " لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين " وقال الفراء: ما يكذب عندي أي ما يزاد في القول ولا ينقص لعلمي بالغيب . "وما أنا بظلام للعبيد " أي ما أنا بمعذب من لم يجرم قاله ابن عباس . وقد مضى القول في معناه في الحج وغيرها .
يقول تعالى مخبراً عن الملك الموكل بعمل ابن آدم إنه يشهد عليه يوم القيامة بما فعل ويقول: "هذا ما لدي عتيد" أي معتمد محضر بلا زيادة ولا نقصان. وقال مجاهد: هذا كلام الملك السائق, يقول ابن آدم الذي وكلتني به قد أحضرته وقد اختار ابن جرير أنه يعم السائق والشهيد, وله اتجاه وقوة, فعند ذلك يحكم الله تعالى في الخليقة بالعدل فيقول: "ألقيا في جهنم كل كفار عنيد" وقد اختلف النحاة في قوله: "ألقيا" فقال بعضهم هي لغة لبعض العرب يخاطبون المفرد بالتثنية كما روي عن الحجاج أنه كان يقول يا حرسي اضربا عنقه, ومما أنشد ابن جرير على هذه قول الشاعر:
فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر وإن تتركاني أحم عرضاً ممنعا
وقيل: بل هي نون التأكيد سهلت إلى الألف, وهذا بعيد لأن هذا إنما يكون في الوقف, والظاهر أنها مخاطبة مع السائق والشهيد, فالسائق أحضره إلى عرصة الحساب, فلما أدى الشهيد عليه أمرهما الله تعالى بإلقائه في نار جهنم, وبئس المصير "ألقيا في جهنم كل كفار عنيد" أي كثير الكفر والتكذيب بالحق عنيد معاند للحق, معارض له بالباطل مع علمه بذلك "مناع للخير" أي لا يؤدي ما عليه من الحقوق ولا بر فيه ولا صلة ولا صدقة "معتد" أي فيما ينفقه ويصرفه يتجاوز فيه الحد. وقال قتادة: معتد في منطقه وسيره وأمره "مريب" أي شاك في أمره مريب لمن نظر في أمره "الذي جعل مع الله إلهاً آخر" أي أشرك بالله فعبد معه غيره "فألقياه في العذاب الشديد" وقد تقدم في الحديث أن عنقاً من النار يبرز للخلائق فينادي بصوت يسمع الخلائق: إني وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد, ومن جعل مع الله إلهاً آخر, وبالمصورين, ثم تنطوي عليهم, قال الإمام أحمد: حدثنا معاوية هو ابن هشام, حدثنا شيبان عن فراس عن عطية عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يخرج عنق من النار يتكلم يقول وكلت اليوم بثلاثة: بكل جبار عنيد, ومن جعل مع الله إلهاً آخر, ومن قتل نفساً بغير نفس فتنطوي عليهم فتقذفهم في غمرات جهنم ".
"قال قرينه" قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وقتادة وغيرهم: هو الشيطان الذي وكل به "ربنا ما أطغيته" أي يقول عن الإنسان الذي قد أوفى القيامة كافراً يتبرأ منه شيطانه فيقول: "ربنا ما أطغيته" أي ما أضللته "ولكن كان في ضلال بعيد" أي بل كان هو في نفسه ضالاً قابلاً للباطل معانداً للحق, كما أخبر سبحانه وتعالى في الاية الأخرى في قوله: " وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم " وقوله تبارك وتعالى: "قال لا تختصموا لدي" يقول الرب عز وجل للإنسي وقرينه من الجن, وذلك أنهما يختصمان بين يدي الحق تعالى, فيقول الإنسي يا رب هذا أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني, ويقول الشيطان: "ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد" أي عن منهج الحق, فيقول الرب عز وجل لهما: "لا تختصموا لدي" أي عندي "وقد قدمت إليكم بالوعيد" أي قد أعذرت إليكم على ألسنة الرسل, وأنزلت الكتب وقامت عليكم الحجج والبينات والبراهين "ما يبدل القول لدي" قال مجاهد: يعني قد قضيت ما أنا قاض "وما أنا بظلام للعبيد" أي لست أعذب أحداً إلا بذنبه بعد قيام الحجة عليه.
29- "ما يبدل القول لدي" أي لا خلف لوعدي، بل هو كائن لا محالة، وقد قضيت عليكم بالعذاب فلا تبديل له، وقيل هذا القول هو قوله: "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها".
29. " ما يبدل القول لدي "، لا تبديل لقولي، وهو قوله: " لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين " (السجدة-13)، وقال قوم: معنى قوله " ما يبدل القول لدي " أي: لا يكذب عندي، ولا يغير القول عن وجهه لأني أعلم الغيب. وهذا قول الكلبي ، واختيار الفراء ، لأنه قال: (( ما يبدل القول لدي )) ولم يقل ما يبدل قولي.
" وما أنا بظلام للعبيد "، فأعاقبهم بغير جرم.
29-" ما يبدل القول لدي " أي بوقوع الخلف فيه فلا تطمعوا أن أبدل وعيدي . وعفو بعض المذنبين لبعض الأسباب من التبديل فإن دلائل العفو تدل على تخصيص الوعيد . " وما أنا بظلام للعبيد " فأعذب من ليس لي تعذيبه .
29. The sentence that cometh from Me cannot be changed, and I am in no wise a tyrant unto the slaves.
29 - The Word changes not before Me, and I do not the least injustice to My Servants.