[المائدة : 55] إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ
55 - ونزل لما قال ابن سلام يا رسول الله إن قومنا هجرونا: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) خاشعون أو يصلون صلاة التطوع
قوله تعالى إنما وليكم الله الآية أخرج الطبراني في الأوسط بسند فيه مجاهيل عن عمار بن ياسر قال وقف على علي بن أبي طالب سائل وهو راكع في تطوع فنزع خاتمه فأعطاه السائل فنزلت إنما وليكم الله وسوله الآية وله شاهد قال عبد الرازق حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس إنما وليكم الله ورسوله الآية قال نزلت في علي بن أبي طالب وروى ابن مردويه عن وجه آخر عن ابن عباس مثله وأخرج أيضا عن علي مثله وأخرج ابن جرير عن مجاهد وابن أبي حاتم عن سلمة بن كهيل مثله فهذه شواهد يقوي بعضها بعضا
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله : "إنما وليكم الله ورسوله والذي!ن آمنوا" ليس لكم ، أيها المؤمنون ، ناصر إلا الله ورسوله ، والمؤمنون الذين صفتهم ما ذكر تعالى ذكره. فأما اليهود والنصارى الذين أمركم الله أن تبرأوا من ولايتهم ، ونهاكم أن تتخذوا منهم أولياء، فليسوا لكم أولياء ولا نصراء، بل بعضهم أولياء بعض ، ولا تتخذوا منهم ولياً ولا نصيراً.
وقيل إن هذه الآية نزلت في عبادة بن الصامت ، في تبرئه من ولاية يهود بني قينقاع وحلفهم ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا هناد بن السري قال ، حدثني يونس بن بكير قال ، حدثنا ابن إسحق قال ، حدثني والدي إسحق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال : لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، مشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم- وكان أحد بني عوف بن الخزرج - فخلعهم إلى رسول الله ، وتبرم إلى الله وإلى رسوله من حلفهم ، وقال : أتولى الله ورسوله والمؤمنين ، وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم! ففيه نزلت : "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"- لقول عبادة : أتولى الله ورسوله والذين امنوا ، وتبرئه من بني قينقاع وولايتهم - إلى قوله : "فإن حزب الله هم الغالبون".
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن إدريس قال ، سمعت أبي ، عن عطية بن سعد قال : جاء عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكره نحوه.
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله : "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا"، يعني : أنه من أسلم تولى الله ورسوله.
وأما قوله : "والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"، فإن أهل التأويل اختلفوا في المعني به.
فقال بعضهم : عني به علي بن أبي طالب.
وقال بعضهم : عني به جميع المؤمنين.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : ثم أخبرهم بمن يتولاه فقال : "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"، هؤلاء جميع المؤمنين ، ولكن علي بن أبي طالب مر به سائل وهو راكع في المسجد ، فأعطاه خاتمه.
حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا عبدة، عن عبد الملك ، عن أبي جعفر قال : سألته عن هذه الآية : "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"، قلت : من الذين آمنوا؟ قال :الذين آمنوا! قلنا: بلغنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب! قال : علي من الذين آمنوا.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا المحاربي ، عن عبد الملك قال : سألت أبا جعفر عن قول الله : "إنما وليكم الله ورسوله"، وذكر نحو حديث هناد، عن عبدة.
حدثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي قال ، حدثنا أيوب بن سويد قال ، حدثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية : "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا"، قال : علي بن أبي طالب.
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا غالب بن عبيد الله قال : سمعت مجاهدا يقول في قوله : "إنما وليكم الله ورسوله"، الآية، قال : نزلت في علي بن أبي طالب ، تصدق وهو راكع.
فيه مسألتان:
الأولى- قوله تعالى :" إنما وليكم الله ورسوله " قال جابر بن عبد الله : قال عبد الله بن سلام للنبي صلى الله عليه وسلم :
إن قومنا من قريظة والنضير قد هجرونا وأقسموا ألا يجالسونا، ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل، فنزلت هذه الآية فقال :رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين أولياء والذين عام في جميع المؤمنين وقد سئل أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم عن معنى " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا " هل هو علي بن أبي طالب؟ فقال : علي من المؤمنين، يذهب إلى أن هذا لجميع المؤمنين: قال النحاس: وهذا قول بين لأن الذين لجماعة وقال ابن عباس: نزلت في أبي بكر رضي الله عنه وقال في رواية أخرى: نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقاله مجاهد والسدي: وحملهم على ذلك قوله تعالى :" الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون "
المسألة الثانية- وذلك .
أن سائلا سأل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعطه أحد شيئاً وكان علي بن الصلاة في الركوع وفي يمينه خاتم، فأشار إلى السائل بيده حتى أخذه قال الكيا الطبري: وهذا يدل على أن العمل القليل لا يبطل الصلاة، فإن التصدق بالخاتم في الركوع عمل جاء به في الصلاة ولم تبطل به الصلاة وقوله : "ويؤتون الزكاة وهم راكعون " يدل على أن صدقة التطوع تسمى زكاة فإن علياً تصدق بخاتمه في الركوع وهو نظير قوله تعالى :" وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون " [الروم : 39] وقد انتظم الفرض والنفل، وفصار اسم الزكاة للفرض والنفل، كاسم الصدقة وكاسم الصلاة ينتظم الأمرين .
قلت: فالمراد على هذا بالزكاة التصدق بالخاتم ، وحمل لفظ الزكاة على التصدق بالخاتم فيه بعد لأن الزكاة لا تأتي إلا بلفظها المختص بها وهو الزكاة المفروضة على ما تقدم بيانه في أول سورة البقرة وأيضاً فإن قبله يقيمون الصلاة ومعنى يقيمون الصلاة يأتون بها في أوقاتها بجميع حقوقها والمراد صلاة الفرض ثم قال: وهم راكعون أي النفل وقيل : أفرد الركوع بالذكر تشريفاً وقيل: المؤمنون وقت نزول الآية كانوا بين متم للصلاة وبين راكع وقال ابن خويز منداد قوله تعالى: "ويؤتون الزكاة وهم راكعون" تضمنت جواز العمل اليسير في الصلاة وذلك أن هذا خرج مخرج المدح وأقل ما في باب المدح أن يكون مباحاً وقد روي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أعطى السائل شيئاً وهو في الصلاة وقد يجوز أن يكون هذه صلاة تطوع، وذلك أنه مكروه في الفرض ويحتمل أن يكون المدح متوجهاً على اجتماع حالتين كأنه وصف من يعتقد وجوب الصلاة والزكاة فعبر عن الصلاة بالركوع وعن الاعتقاد للوجوب بالفعل كما تقول: المسلمون هم المصلون، ولا تريد أنهم في تلك الحال مصلون ولا يوجه المدح حال الصلاة ، فإنما يريد من يفعل هذا الفعل ويعتقده.
يقول تعالى مخبراً عن قدرته العظيمة أنه من تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته, فإن الله يستبدل به من هو خير لها منه, وأشد منعة, وأقوم سبيلاً, كما قال تعالى: "وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم". وقال تعالى: " إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد * وما ذلك على الله بعزيز ". أي بممتنع ولا صعب. وقال تعالى ههنا "يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه" أي يرجع عن الحق إلى الباطل. قال محمد بن كعب: نزلت في الولاة من قريش. وقال الحسن البصري: نزلت في أهل الردة أيام أبي بكر "فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه" قال الحسن: هو والله أبو بكر وأصحابه, رواه ابن أبي حاتم. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: في قوله "فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه" هم أهل القادسية. وقال ليث بن أبي سليم, عن مجاهد: هم قوم من سبأ وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا عبد الله بن الأجلح عن محمد بن عمرو, عن سالم, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قوله "فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه" قال: ناس من أهل اليمن, ثم من كندة, من السكون .
وحدثنا أبي, حدثنا محمد بن المصفى, حدثنا معاوية يعني ابن حفص, عن أبي زياد الحلفاني, عن محمد بن المنكدر, عن جابر بن عبد الله, قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله "فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه". قال "هؤلاء قوم من أهل اليمن, ثم من كندة, ثم من السكون, ثم من تجيب", وهذا حديث غريب جداً.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عمر بن شبة, حدثنا عبد الصمد يعني ابن عبد الوارث, حدثنا شعبة عن سماك, سمعت عياضاً يحدث عن أبي موسى الأشعري, قال: لما نزلت "فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هم قوم هذا". ورواه ابن جرير من حديث شعبة بنحوه. وقوله تعالى: "أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين" هذه صفات المؤمنين الكمل أن يكون أحدهم متواضعاً لأخيه ووليه, متعززاً على خصمه وعدوه, كما قال تعالى: "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم" وفي صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الضحوك القتال, فهو ضحوك لأوليائه قتال لأعدائه .
وقوله عز وجل "يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم" أي لا يردهم عما هم فيه من طاعة الله, وإقامة الحدود, وقتال أعدائه, والأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, لا يردهم عن ذلك راد, ولا يصدهم عنه صاد, ولا يحيك فيهم لوم لائم, ولا عذل عاذل, قال الإمام أحمد: حدثنا عفان, حدثنا سلام أبو المنذر عن محمد بن واسع, عن عبد الله بن الصامت, عن أبي ذر, قال: أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع: أمرني بحب المساكين والدنو منهم, وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني, ولا أنظر إلى من هو فوقي, وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت, وأمرني أن لا أسأل أحداً شيئاً, وأمرني أن أقول الحق وإن كان مراً, وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم, وأمرني أن أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله, فإنهن من كنز تحت العرش .
قال البخاري تفرد ابن المبارك بهذا الحديث, وقد استدل كثير ممن ذهب من الأصوليين والفقهاء إلى أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا حكي مقرراً ولم ينسخ, كما هو المشهور عن الجمهور, وكما حكاه الشيخ أبو إسحاق الإسفراييني عن نص الشافعي, وأكثر الأصحاب بهذه الآية حيث كان الحكم عندنا على وفقها في الجنايات عند جميع الأئمة. وقال الحسن البصري: هي عليهم وعلى الناس عامة, رواه ابن أبي حاتم: وقد حكى الشيخ أبو زكريا النووي في هذه المسألة ثلاثة أوجه, ثالثها أن شرع إبراهيم حجة دون غيره: وصحح منها عدم الحجية, نقلها الشيخ أبو إسحاق الإسفراييني أقوالاً عن الشافعي, وأكثر الأصحاب ورجح أنه حجة عند الجمهور من أصحابنا, فالله أعلم .
وقد حكى الإمام أبو نصر بن الصباغ رحمه الله في كتابه "الشامل", إجماع العلماء, على الاحتجاج بهذه الآية على ما دلت عليه, وقد احتج الأئمة كلهم على أن الرجل يقتل بالمرأة بعموم هذه الآية الكريمة, وكذا ورد في الحديث الذي رواه النسائي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب في كتاب عمرو بن حزم "أن الرجل يقتل بالمرأة", وفي الحديث الاخر "المسلمون تتكافأ دماؤهم", وهذا قول جمهور العلماء, وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أن الرجل إذا قتل المرأة لا يقتل بها إلا أن يدفع وليها إلى أوليائه نصف الدية, لأن ديتها على النصف من دية الرجل, وإليه ذهب أحمد في رواية, وحكي عن الحسن وعطاء وعثمان البستي, "والله واسع عليم" أي واسع الفضل, عليم بمن يستحق ذلك ممن يحرمه إياه.
وقوله تعالى: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا" أي ليس اليهود بأوليائكم, بل ولايتكم راجعة إلى الله ورسوله والمؤمنين. وقوله "الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة" أي المؤمنون المتصفون بهذه الصفات من إقام الصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام, وهي عبادة الله وحده لا شريك له وإيتاء الزكاة التي هي حق المخلوقين ومساعدة للمحتاجين والمساكين. وأما قوله "وهم راكعون" فقد توهم بعض الناس أن هذه الجملة في موضع الحال من قوله "ويؤتون الزكاة" أي في حال ركوعهم, ولو كان هذا كذلك, لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره, لأنه ممدوح, وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ممن نعلمه من أئمة الفتوى, وحتى إن بعضهم ذكر في هذا أثراً عن علي بن أبي طالب أن هذه الآية نزلت فيه, وذلك أنه مر به سائل في حال ركوعه فأعطاه خاتمه .
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الربيع بن سليمان المرادي, حدثنا أيوب بن سويد عن عتبة بن أبي حكيم في قوله "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا" قال: هم المؤمنون وعلي بن أبي طالب, وحدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا الفضل بن دكين أبو نعيم الأحول, حدثنا موسى بن قيس الحضرمي عن سلمة بن كهيل, قال: تصدق علي بخاتمه وهو راكع, فنزلت "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون", وقال ابن جرير: حدثني الحارث, حدثنا عبد العزيز, حدثنا غالب بن عبيد الله, سمعت مجاهداً يقول في قوله "إنما وليكم الله ورسوله" الآية. نزلت في علي بن أبي طالب, تصدق وهو راكع, وقال عبد الرزاق: حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد, عن أبيه, عن ابن عباس في قوله "إنما وليكم الله ورسوله" الآية, نزلت في علي بن أبي طالب, عبد الوهاب بن مجاهد لا يحتج به .
وروى ابن مردويه من طريق سفيان الثوري, عن أبي سنان, عن الضحاك, عن ابن عباس, قال: كان علي بن أبي طالب قائماً يصلي, فمر سائل وهو راكع, فأعطاه خاتمه, فنزلت "إنما وليكم الله ورسوله" الآية, الضحاك لم يلق ابن عباس. وروى ابن مردويه أيضاً من طريق محمد بن السائب الكلبي, وهو متروك, عن أبي صالح, عن ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد والناس يصلون بين راكع وساجد وقائم وقاعد, وإذا مسكين يسأل, فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: "أعطاك أحد شيئاً ؟" قال: نعم. قال "من ؟" قال: ذلك الرجل القائم. قال "على أي حال أعطاكه ؟" قال: وهو راكع, قال "وذلك علي بن أبي طالب". قال, فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك وهو يقول " ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون " وهذا إسناد لا يفرح به .
ثم رواه ابن مردويه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه نفسه, وعمار بن ياسر وأبي رافع, وليس يصح شيء منها بالكلية لضعف أسانيدها وجهالة رجالها, ثم روى بإسناده عن ميمون بن مهران, عن ابن عباس في قوله "إنما وليكم الله ورسوله" نزلت في المؤمنين وعلي بن أبي طالب أولهم, وقال ابن جرير: حدثنا هناد, حدثنا عبدة عن عبد الملك, عن أبي جعفر قال: سألته عن هذه الآية "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون" قلنا: من الذين آمنوا ؟ قال: الذين آمنوا. قلنا بلغنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب, قال: علي من الذين آمنوا, وقال أسباط عن السدي: نزلت هذه الآية في جميع المؤمنين, ولكن علي بن أبي طالب مر به سائل وهو راكع في المسجد, فأعطاه خاتمه .
وقال علي بن أبي طلحة الوالبي, عن ابن عباس: من أسلم فقد تولى الله ورسوله والذين آمنوا, رواه ابن جرير, وقد تقدم في الأحاديث التي أوردناها أن هذه الآيات كلها نزلت في عبادة بن الصامت رضي الله عنه حين تبرأ من حلف اليهود, ورضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين, ولهذا قال تعالى بعد هذا كله " ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون " كما قال تعالى: " كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز * لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون " فكل من رضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين, فهو مفلح في الدنيا والآخرة, ومنصور في الدنيا والآخرة, ولهذا قال تعالى في هذه الآية الكريمة " ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ".
قوله: 55- "إنما وليكم الله" لما فرغ سبحانه من بيان من لا تحل موالاته بين من هو الولي الذي تجب موالاته، ومحل "الذين يقيمون الصلاة" الرفع على أنه صفة للذين آمنوا أو بدل منه أو النصب على المدح. وقوله: "وهم راكعون" جملة حالية من فاعل الفعلين اللذين قبله. والمراد بالركوع: الخشوع والخضوع: أي يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم خاشعون خاضعون لا يتكبرون، وقيل هو حال من فاعل الزكاة. والمراد بالركوع هو المعنى المذكور: أي يضعون الزكاة في مواضعها غير متكبرين على الفقراء ولا مترفعين عليهم، وقيل المراد بالركوع على المعنى الثاني: ركوع الصلاة، ويدفعه عدم جواز إخراج الزكاة في تلك الحال.
55-" إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا "،[روي عن لبن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في عبادة بن الصامت وعبد الله بن أبي بن سلول حين تبرأ عبادة من اليهود ، وقال : أتولى الله ورسوله والذين آمنوا، فنزل فيهم من قوله: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء "، إلى قوله : " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا "] ، يعني عبادة بن الصامت وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال جابر بن عبد الله : جاء عبد الله بن سلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن قومنا قريظة و النضير قد هجرونا وفارقونا وأقسموا أن لا يجالسونا، فنزلت هذه الآية ، فقرأها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال يا رسول الله رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين أولياء . وعلى هذا التأويل أراد بقوله : " وهم راكعون " صلاة التطوع بالليل والنهار، قاله ابن عباس رضي الله عنهما .
وقال السدي : قوله : " والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون "، أراد به علي ابن أبي طالب رضي الله عنه ، مر به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه.
وقال جويبر عن الضحاك في قوله : " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا "، قال : هم المؤمنون بعضهم أولياء بعض ، وقال أبو جعفر محمد بن علي الباقر : " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا "، نزلت في المؤمنين، فقيل له إن أناساً يقولون إنها نزلت في علي رضي الله عنه ، فقال : هو من المؤمنين .
55" إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا " لما نهى عن موالاة الكفرة ذكر عقبيه من هو حقيق بها، وإنما قال " وليكم الله " ولم يقل أولياؤكم للتنبيه على أن الولاية لله سبحانه وتعالى على الأصالة ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين على التبع. " الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة " صفة للذين آمنوا فإنه جرى مجرى الاسم، أو بدل منه ويجوز نصبه ورفعه على المدح. " وهم راكعون " متخشعون في صلاتهم وزكاتهم، وقيل هو حال مخصوصة بيؤتون، أو يؤتون الزكاة في حال ركوعهم في الصلاة حرصاً على الإحسان ومسارعه إليه، وإنها نزلت في علي رضي الله تعالى عنه حين سأله سائل وهو راكع في صلاته، فطرح له خاتمه. واستدل بها الشيعة على إمامته أن المراد بالولي المتولي للأمور والمستحق للتصرف فيها، والظاهر ما ذكرناه مع أن حمل الجمع على الواحد أيضاً خلاف الظاهر وإن صح أنه نزل فيه فلعله جيء الجمع لترغيب الناس في مثل فعله ليندرجوا فيه، وعلى هذا يكون دليل على أن الفعل القليل في الصلاة لا يبطلها وأن الصدقة التطوع تسمى زكاة.
55. Your friend can be only Allah; and His messenger and those who believe, who establish worship and pay the poor due, and bow down (in prayer).
55 - Your (real) friends are (no less than) God, his apostle, and the (fellowship of) believers, those who establish regular prayers and regular charity, and they bow down humbly (in worship).