[المائدة : 118] إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
118 - (إن تعذبهم) أي من أقام على الكفر منهم (فإنهم عبادك) وأنت مالكهم تتصرف فيهم كيف شئت لا اعتراض عليك (وإن تغفر لهم) أي لمن آمن منهم (فإنك أنت العزيز) على أمره (الحكيم) في صنعه
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره : إن تعذب هؤلاء الذين قالوا هذه المقالة، بإماتتك إياهم عليها، "فإنهم عبادك"، مستسلمون لك ، لا يمتنعون مما أردت بهم ، ولا يدفعون عن أنفسهم ضراً ولا أمرا تنالهم به ، "وإن تغفر لهم"، بهدايتك إياهم إلى التوبة منها، فتستر عليهم ، "فإنك أنت العزيز"، في انتقامه ممن أراد الانتقام منه ، لا يقدر أحد يدفعه عنه ، "الحكيم"، في هدايته من هدى من خلقه إلى التوبة، وتوفيقه من وفق منهم لسبيل النجاة من العقاب ، كالذي :
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي في قوله : "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم"، فتخرجهم من النصرانية، وتهديهم إلى الإسلام ، "فإنك أنت العزيز الحكيم". وهذا قول عيسى في الدنيا.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن قتادة في قول : "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم"، قال : والله ما كانوا طعانين ولا لعانين.
قوله تعالى : " إن تعذبهم فإنهم عبادك " شرط وجوابه " وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " مثله روى النسائي عن أبي ذر قال:
قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية ليلة حتى أصبح والآية " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم "
واختلف في تأويله فقيل: قاله على وجه الاستعطاف لهم والرأفة بهم كما يستعطف السيد لعبده ولهذا لم يقل: فإنهم عصوك وقيل: قاله على وجه التسليم لأمره والاستجارة من عذابه وهو يعلم انه لا يغفر لكافر، وقيل الهاء والميم في " إن تعذبهم " لمن مات منهم على الكفر والهاء والميم في " وإن تغفر لهم " لمن تاب منهم قبل الموت وهذا حسن وأما قول من قال : إن عيسى عليه السلام لم يعلم أن الكفار لا يغفر له فقول مجترئ على كتاب الله عز وجل، لأن الأخبار من الله عز وجل لا تنسخ وقيل: كان عند عيسى أنهم أحدثوا معاصي، وعلموا بعده بما لم يأمرهم به إلا أنهم على عمود دينه فقال: وإن تغفر لهم ما أحدثوا بعدي من المعاصي، وقال : "فإنك أنت العزيز الحكيم" ولم يقل: فإنك أن الغفور الرحيم على ما تقتضيه القصة من التسليم لأمره والتفويض لحكمه ولو قال : فإنك أنت الغفور الرحيم لأوهم الدعاء بالمغفرة لمن مات على شركه وذلك مستحيل فالتقدير إن تبقهم على كفرهم حتى يموتوا وتعذبهم فإنهم عبادك وإن نهدهم إلى توحيدك وطاعتك فتغفر لهم فإنك أن العزيز الذي لا يمتنع عليك ما تريده الحكيم فيما تفعله تضل من تشاء وتهدي من تشاء وقد قرأ جماعة: فإنك أنت الغفور الرحيم ولست من المصحف ذكره القاضي عياض في كتاب الشفا وقال أبو بكر الأنباري: وقد طعن على القرآن من قال إن قوله : " فإنك أنت العزيز الحكيم " ليس بمشاكل لقوله: " وإن تغفر لهم " لأن الذي يشاكل المغفرة فإنك أن الغفور الرحيم- والجواب- أنه لا يحتمل إلا ما أنزله الله ومتى نقل إلى الذي نقله إيه ضعف معناه فإنه ينفرد الغفور الرحيم بالشرط الثاني فلا يكون له بالشرط الأول تعلق وهو على ما أنزله الله عز وجل، اجتمع على قراءته المسلمون مقرون بالشرطين كليهما أولهما وآخرهما ، إذ تلخيصه إن تعذبهم فإنك أن عزيز حكيم، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم في الأمرين كليهما من التعذيب والغفران فكان العزيز الحكيم أليق بهذا المكان لعمومة فإنه يجمع الشرطين ، ولم يصلح الغفور الرحيم إذ لم يحتمل من العموم ما احتمله العزيز الحكيم وما شهد بتعظيم الله تعالى وعدله والثناء عليه في الآية كلها والشرطين المذكورين أولى وأثبت معنى في الآية مما يصلح لبعض الكلام دون بعض خرج مسلم من غير طريق عن عبدالله بن عمرو بن العاص.
"أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قوله عز وجل في إبراهيم " رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم " [ إبراهيم: 36] وقال عيسى عليه السلام : " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " فرفع يديه وقال اللهم أمتي وبكى فقال الله عز وجل : يا جبريل اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فسله ما يبكيك فأتاه جبريل عليه السلام فأخبره بما قال رسو الله صلى الله عليه وسلم بما قال : -وهو أعلم - فقال اله : يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له إنا سنرضيك في أمتك ولان نسوؤك " وقال بعضهم : في الآية تقديم وتأخير ومعناه إن عذبه فإنك أن العزيز الحكيم وإن تغفر لهم فإنهم عبادك ووجه الكلام على نسقه أولى بما بيناها وبالله التوفيق .
هذا أيضاً مما يخاطب الله به عبده ورسوله عيسى ابن مريم عليه السلام قائلاً له يوم القيامة بحضرة من اتخذه وأمه إلهين من دون الله "يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" وهذا تهديد للنصارى وتوبيخ وتقريع على رؤوس الأشهاد, هكذا قاله قتادة وغيره, واستدل قتادة على ذلك بقوله تعالى: "هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم" وقال السدي: هذا الخطاب والجواب في الدنيا, وصوبه ابن جرير قال: وكان ذلك حين رفعه إلى سماء الدنيا واحتج ابن جرير على ذلك بمعنيين (أحدهما) أن الكلام بلفظ المضي. (والثاني) قوله: "إن تعذبهم" و "وإن تغفر لهم" وهذان الدليلان فيهما نظر, لأن كثيراً من أمور يوم القيامة ذكر بلفظ المضي ليدل على الوقوع والثبوت. ومعنى قوله "إن تعذبهم فإنهم عبادك" الاية, التبري منهم, ورد المشيئة فيهم إلى الله, وتعليق ذلك على الشرط لا يقتضي وقوعه كما في نظائر ذلك من الايات, والذي قاله قتادة وغيره هو الأظهر, والله أعلم, أن ذلك كائن يوم القيامة ليدل على تهديد النصارى وتقريعهم وتوبيخهم على رؤوس الأشهاد يوم القيامة .
وقد روي بذلك حديث مرفوع, رواه الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي عبد الله مولى عمر بن عبد العزيز, وكان ثقة, قال: سمعت أبا بردة يحدث عمر بن عبد العزيز عن أبيه أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا كان يوم القيامة, دعي بالأنبياء وأممهم, ثم يدعى بعيسى فيذكره الله نعمته عليه فيقر بها, فيقول "يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك" الاية, ثم يقول "أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" فينكر أن يكون قال ذلك, فيؤتى بالنصارى فيسألون فيقولون: نعم هو أمرنا بذلك. قال: فيطول شعر عيسى عليه السلام فيأخذ كل ملك من الملائكة بشعرة من شعر رأسه وجسده, فيجاثيهم بين يدي الله عز وجل مقدار ألف عام حتى ترفع عليهم الحجة, ويرفع لهم الصليب, وينطلق بهم إلى النار" وهذا حديث غريب عزيز.
وقوله " سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق " هذا توفيق للتأدب في الجواب الكامل, كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا ابن أبي عمر, حدثنا سفيان عن عمرو, عن طاوس, عن أبي هريرة قال: يلقى عيسى حجته, ولقاه الله تعالى في قوله "وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" قال أبو هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم: فلقاه الله "سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق" إلى آخر الاية, وقد رواه الثوري عن معمر, عن ابن طاوس, عن طاوس بنحوه.
وقوله "إن كنت قلته فقد علمته" أي إن كان صدر مني هذا فقد علمته يا رب, فإنه لا يخفى عليك شيء, فما قلته ولا أردته في نفسي ولا أضمرته, ولهذا قال "تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب * ما قلت لهم إلا ما أمرتني به" بإبلاغه "أن اعبدوا الله ربي وربكم" أي ما دعوتهم إلا إلى الذي أرسلتني به وأمرتني بإبلاغه "أن اعبدوا الله ربي وربكم" أي هذا هو الذي قلت لهم. وقوله "وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم" أي كنت أشهد على أعمالهم حين كنت بين أظهرهم "فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد" قال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة قال: انطلقت أنا وسفيان الثوري إلى المغيرة بن النعمان, فأملى على سفيان وأنا معه, فلما قام انتسخت من سفيان فحدثنا قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال "يا أيها الناس إنكم محشورون إلى الله عز وجل حفاة, عراة, غرلاً "كما بدأنا أول خلق نعيده" وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم, ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال, فأقول: أصحابي, فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك, فأقول كما قال العبد الصالح "وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد * إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم" ورواه البخاري عند هذه الاية عن أبي الوليد, عن شعبة, وعن محمد بن كثير, عن سفيان الثوري, كلاهما عن المغيرة بن النعمان به.
وقوله "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" هذا الكلام يتضمن رد المشيئة إلى الله عز وجل, فإنه الفعال لما يشاء, الذي لا يسأل عما يفعل, وهم يسألون, ويتضمن التبري من النصارى الذين كذبوا على الله وعلى رسوله, وجعلوا لله نداً وصاحبة وولداً, تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً, وهذه الاية لها شأن عظيم, ونبأ عجيب, وقد ورد في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بها ليلة حتى الصباح يرددها.
قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن فضيل, حدثني فليت العامري, عن جسرة العامرية, عن أبي ذر رضي الله عنه, قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة, فقرأ بآية حتى أصبح, يركع بها ويسجد بها "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" فلما أصبح, قلت: يا رسول الله ما زلت تقرأ هذه الاية, حتى أصبحت تركع بها وتسجد بها ؟ قال "إني سألت ربي عز وجل الشفاعة لأمتي فأعطانيها, وهي نائلة إن شاء الله لمن لا يشرك بالله شيئاً".
[طريق أخرى وسياق آخر[ ـ قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى, حدثنا قدامة بن عبد الله, حدثتني جسرة بنت دجاجة أنها انطلقت معتمرة, فانتهت إلى الربذة, فسمعت أبا ذر يقول: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي في صلاة العشاء, فصلى بالقوم, ثم تخلف أصحاب له يصلون, فلما رأى قيامهم وتخلفهم, انصرف إلى رحله, فلما رأى القوم قد أخلوا المكان, رجع إلى مكانه يصلي, فجئت فقمت خلفه, فأومأ إلي بيمينه, فقمت عن يمينه, ثم جاء ابن مسعود فقام خلفي وخلفه, فأومأ إليه بشماله فقام عن شماله, فقمنا ثلاثتنا. يصلي كل واحد منا بنفسه, ونتلو من القرآن ما شاء الله أن نتلو, وقام بآية من القرآن يرددها حتى صلى الغداة, فلما أصبحنا أومأت إلى عبد الله بن مسعود, أن سله ما أراد إلى ما صنع البارحة, فقال ابن مسعود بيده: لا أسأله عن شيء, حتى يحدث إلي, فقلت: بأبي وأمي, قمت بآية من القرآن ومع القرآن, لو فعل هذا بعضنا لوجدنا عليه, قال "دعوت لأمتي", قلت: فماذا أجبت أو ماذا رد عليك ؟ قال "أجبت بالذي لو اطلع عليه كثير منهم طلعة تركوا الصلاة" قلت: أفلا أبشر الناس ؟ قال "بلى" فانطلقت معنقاً, قريباً من قذفة بحجر, فقال عمر: يا رسول الله إنك إن تبعث إلى الناس بهذا نكلوا عن العبادات, فناداه أن "ارجع" فرجع, وتلك الاية "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى, حدثنا ابن وهب, أخبرني عمرو بن الحارث, أن بكر بن سوادة حدثه, عن عبد الرحمن بن جبير, عن عبد الله بن عمرو بن العاص, أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول عيسى "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" فرفع يديه, فقال "اللهم أمتي" وبكى, فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد ـ وربك أعلم ـ فاسأله ما يبكيه, فأتاه جبريل فسأله, فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم, فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك .
وقال الإمام أحمد: حدثنا حسين قال: حدثنا ابن لهيعة, حدثنا ابن هبيرة, أنه سمع أبا تميم الجيشاني يقول: حدثني سعيد بن المسيب, سمعت حذيفة بن اليمان يقول: غاب عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً, فلم يخرج حتى ظننا أن لن يخرج, فلما خرج سجد سجدة ظننا أن نفسه قد قبضت فيها, فلما رفع رأسه قال "إن ربي عز وجل استشارني في أمتي ماذا أفعل بهم ؟ فقلت: ما شئت أي رب, هم خلقك وعبادك, فاستشارني الثانية فقلت له كذلك, فقال لي: لا أخزيك في أمتك يا محمد, وبشرني أن أول من يدخل الجنة من أمتي معي سبعون ألفاً, مع كل ألف سبعون ألفاً ليس عليهم حساب. ثم أرسل إلي فقال: ادع تجب وسل تعط, فقلت لرسوله: أومعطي ربي سؤلي ؟ فقال: ما أرسلني إليك إلا ليعطيك., ولقد أعطاني ربي ولا فخر, وغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر, وأنا أمشي حياً صحيحاً, وأعطاني أن لا تجوع أمتي ولا تغلب, وأعطاني الكوثر, وهو نهر في الجنة يسيل في حوضي, وأعطاني العز والنصر والرعب يسعى بين يدي أمتي شهراً, وأعطاني أني أول الأنبياء يدخل الجنة, وطيب لي ولأمتي الغنيمة, وأحل لنا كثيراً مما شدد على من قبلنا, ولم يجعل علينا في الدين من حرج" .
118- "إن تعذبهم فإنهم عبادك" تصنع بهم ما شئت وتحكم فيهم بما تريد "وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" أي القادر على ذلك الحكيم في أفعاله، قيل قاله على وجه الاستعطاف كما يستعطف السيد لعبده. ولهذا لم يقل إن تعذبهم فإنهم عصوك، وقيل قاله على وجه التسليم لأمر الله والانقياد له، ولهذا عدل عن الغفور الرحيم إلى العزيز الحكيم.
118- قوله تعالى " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم "، فإن قيل كيف طلب المغفرة لهم وهم كفار، وكيف قال: وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم، وهذا لا يليق بسؤال المغفرة، قيل: أما الأول فمعناه إن تعذبهم بإقامتهم على كفرهم وإن تغفر لهم بعد الإيمان وهذا يستقيم على قول السدي : إن هذا السؤال قبل يوم القيامة لأن الإيمان لا ينفع في القيامة .
وقيل: هذا في فريقين منهم، معناه: إن تعذب من كفر منهم وإن تغفر لمن آمن منهم .
وقيل: ليس هذا على وجه طلب المغفرة ولو كان كذلك لقال: فإنك أنت الغفور الرحيم، ولكنه على تسليم الأمر وتفويضه إلى مراده .
وأما السؤال الثاني: فكان ابن مسعود رضي الله عنه يقرأ وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم، وكذلك هو في مصحفه، وأما على القراءة المعروفة قيل فيه تقديم وتأخير تقديره: إن تغفر لهم فإنهم عبادك وإن تعذبهم فإنك أنت العزيز الحكيم .
وقيل: معناه إن تعذهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز في الملك الحكيم في القضاء لا ينقص من عزك شيء، ولا يخرج من حكمك شيء، ويدخل في حكمته ومغفرته وسعة رحمته ومغفرته الكفار، لكنه أخبر أنه لا يغفر وهو لا يخلف خبره .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي ثنا محمد بن عيسى الجلودي حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان حدثنا مسلم بن الحجاج حدثني يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب أخبرني عمر بن الحارث أن بكر بن سوادة حدثه عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله تعالى في إبراهيم: (رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني)، الآية . وقول عيسى عليه السلام: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) فرفع يديه وقال: اللهم أمتي وبكى فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد، وربك أعلم فسله ما يبكيك ؟ فأتاه جبريل فسأله، فأخبر رسول الله تعالى: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك) .
118" إن تعذبهم فإنهم عبادك " أي إن تعذبهم فإنك تعذب عبادك ولا اعتراض على المالك المطلق فيما يفعل بملكه، وفيه تنبيه على أنهم استحقوا ذلك لأنهم عبادك وقد عبدوا غيرك. " وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " فلا عجز ولا استقباح فإنك القادر القوي على الثواب والعقاب، الذي لا يثيب ولا يعاقب إلا عن حكمة وصواب فإن المغفرة مستحسنة لكل مجرم، فإن عذبت فعدل وإن غفرت ففضل. وعدم غفران الشرك بمقتضى الوعيد فلا امتناع فيه لذاته ليمنع الترديد والتعليق بأن.
118. If Thou punish them, lo! they are Thy slaves, and if Thou forgive them (lo! they are Thy slaves). Lo! Thou, only Thou art the Mighty, the Wise.
118 - If thou dost punish them, they are thy servants: if thou dost forgive them, thou are the exalted in power, the wise.