[المائدة : 115] قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ
115 - (قال الله) مستجيبا له (إني منْزِلُها) بالتخفيف والتشديد (عليكم فمن يكفر بعد) أي نزولها (منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين) فنزلت الملائكة بها من السماء عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات فأكلوا منها حتى شبعوا قاله ابن عباس وفي حديث أنزلت المائدة من السماء خبزا ولحما فأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا لغد فخانوا وادخروا فمسخوا قردة وخنازير
قال أبو جعفر: وهذا جواب من الله تعالى ذكره القوم فيما سألوا نبيهم عيسى مسألة ربهم ، من إنزاله مائدة عليهم . فقال تعالى ذكره : إني منزلها عليكم ، أيها الحواريون ، فمطعمكموها، "فمن يكفر بعد منكم"، يقول : فمن يجحد بعد إنزالها عليكم ، وإطعاميكموها - منكم رسالتي إليه ، وينكر نبوة نبيي عيسى صلى الله عليه وسلم، ويخالف طاعتي فيما أمرته ونهيته ، "فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين"، من عالمي زمانه . ففعل القوم ، فجحدوا وكفروا بعد ما أنزلت عليهم ، فيما ذكر لنا، فعذبوا، فيما بلغنا، بان مسخوا قردة وخنازير، كالذي :
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : "إني منزلها عليكم" الآية، ذكر لنا أنهم حولوا خنازير.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الوهاب ومحمد بن أبي عدي ، ومحمد بن جعفر، عن عوف ، عن أبي المغيرة القواس ، عن عبد الله بن عمرو قال : إن أشد الناس عذابا ثلاثة : المنافقون ، ومن كفر من أصحاب المائدة، وآل فرعون.
حدثنا الحسن بن عرفة قال ، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن عوف قال : سمعت أبا المغيرة القواس يقول : قال عبد الله بن عمرو: إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة : من كفر من أصحاب المائدة ، والمنافقون ، وآل فرعون.
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : "فمن يكفر بعد منكم"، بعد ما جاءته المائدة، "فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين"، يقول : أعذبه بعذاب لا أعذبه أحدا من العالمين غير أهل المائدة.
قوله تعالى :" قال الله إني منزلها عليكم " هذا وعد من الله تعالى أجاب به سؤال عيسى كما كان سؤال عيسى إجابة للحواريين، وهذا يوجب أنه قد أنزلها ووعده الحق فجحد القوم وكفروا بعد نزولها فمسخوا قردة وخنازير قال ابن عمر و : إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المنافقون ومن كفر من أصحاب المائدة وآل فرعون قال الله تعالى: " فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين " واختلف العلماء في المائدة هل نزلت أم لا ؟ فالذي عليه الجمهور - وهو الحق - نزلها لقوله تعالى :" إني منزلها عليكم " وقال مجاهد: ما نزلت وإنما هو ضرب مثل ضربه الله تعالى لخلقه فنهاهم عن مسألة الآيات لأنبيائه وقيل: وعدهم بالإجابة فلما قال لهم: " فمن يكفر بعد منكم " الآية -استعفوا منها واستغفروا الله وقالوا: لا نريد هذا قاله الحسن وهذا القول والذي قبله خطأ والصواب أنها نزلت قال ابن عباس: إن عيسى ابن مريم قال لبني إسرائيل: صوموا ثلاثين يوماً ثم سلوا الله ما شئتم يعطكم فصاموا ثلاثين يوماً وقالوا: يا عيسى لو عملنا لأحد فقضينا عملنا لأطعمنا، وإن صمنا وجعلنا فادع الله أن ينزل علينا مائدة من السماء فأقبلت الملائكة بمائدة يحملونها عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات فوضعوها بين أيديهم فأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم، وذكر أبو عبد الله بن محمد بن علي الترمذي الحكيم في نوادري الأصول له : حدثنا عمر بن أبي عمر حدثنا عمار بن هارون الثقفي عن زكريا بن حكيم الحنظلي عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال: لما سألت الحواريون عيسى ابن مريم- صلوات الله وسلامه عليه - المائدة قام فوضع ثياب الصوف ولبس ثياب المسوح وهو سربان من مسوح أسود ولحاف أسود- فقال فألزق القدم بالقدم، وألصق العقب بالعقب، والإبهام بالإبهام ،ووضع يده اليمنى على يده اليسرى ثم طأطأ رأسه خاشعاً لله ثم أرسل عينيه يبكي حتى جرى الدمع على لحيته وجعل يقطر على صدره ثم قال : " اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين * قال الله إني منزلها عليكم " الآية فنزلت سفرة حمراء مدورة بين غمامتين غمامة من فوقها وغمامة من تحتها والناس ينظرون إليها فقال عيسى:اللهم اجعلنا رحمة ولا تجعلها فتنة إلهي أسألك من العجائب فتعطي فهبطت بين يدي عيسى عليه السلام وعليها منديل مغطى فخر عيسى ساجداً والحواريون معه وهم يجدون لها رائحة طيبة لم يكونوا يجدون مثلها قبل ذلك فقال عيسى : أيكم أعبد الله وأجرأ على الله وأوثق بالله فليكشف عن هذه السفرة حتى نأكل منها ونذكر اسم الله عليها ونحمد الله عليها فقال الحواريون: يا روح الله أنت أحق بذلك فقام عيسى صلوات الله عليه فتوضأ وضوءاً حسناً وصلى صلاة جديدة ودعا دعاء كثيراً، ثم جلس إلى السفرة فكشف عنها فإذا عليها سمكة مشوية ليس فيها شوك تسيل سيلان الدسم وقد نضد حولها من كل البقول ما عدا الكراث ، وعند رأسها ملح وخل وعند ذنبها خمسة أرغفة على واحد مها خمس رمانات وعلى الآخر تمرات وعلى الآخر زيتون، قال الثعلبي: على واحد منها زيتون وعلى الثاني عسل وعلى الثالث بيض وعلى الرابع جبن وعلى الخامس قديد فبلغ ذلك اليهود فجاءوا غماً وكمداً ينظرون إليه فرأوا عجباً فقال شمعون- وهو رأس الحواريون- يا روح الله أمن طعام الدنيا من طعام الجنة ؟ فقال عيسى صلوات الله عليه أما افترقتم بعد عن هذه المسائل ما أخوفني أن تعذبوا فقال شمعون : وإله بني إسرائيل ما أردت بذلك سوءاً فقالوا: يا روح الله لو كان مع هذه الآية آية أخرى قال عيسى عليه السلام : يا سمكة احيي بإذن الله فاضطربت السمكة طرية تبص عيناها ، ففزع الحواريون فقال عيسى : مالي أراكم تسألون عن الشيء فإذا أعطيتموه كرهتموه ما أخوفني أن تعذبوا وقال: لقد نزلت من السماء وما عليها طعام من الدنيا ولا طعام من الجنة ولكنه شيء ابتدعه الله بالقدرة البالغة فقال لها كوني فكانت فقال عيسى : يا سمكة عودي كما كنت فعادت مشوية كما كانت، فقال الحواريون: يا روح الله كن أول من يأكل منها فقال عيسى : معاذ الله إنما يأكل منها من طلبها وسألها فأبت الحواريون أن يأكلوا منها خشية أن تكون مثله وفتنة فلما رأى عيسى ذلك دعا عليها الفقراء والمساكين والمرضى والزمنى والمجذمين والمقعدين والعميان وأهل الماء الأصفر ، وقال : كلوا من زرق ربكم ودعوة نبيكم واحمدوا الله عليه وقال: يكون المهنأ لكم والعذاب على غيركم فأكلوا حتى صدوا عن سبعة آلاف وثلثمائة يجشئون فبرئ كل سقيم أكل منه واستغنى كل فقير أكل منه حتى الممات فلما رأى ذلك الناس ازدحموا عله فما بقي صغير ولا كبير ولا شيخ ولا شاب ولا غنى ولا فقير إلا جاءوا يأكلون منه، فضغط بعضهم بعضاً فلما رأى ذلك عيسى جعلها نوبا بينهم فكانت تنزل يوماً ولا تنزل يوماً، كناقة ثمود ترعى يوماً وتشرب يوماً فنزلت أربعين يوماً تنزل ضحا فلا تزال هكذا حتى يفيء الفيء موضعه وقال الثعلبي : فلا تزال منصوبة يؤكل منها حتى إذا فاء الفيء طارت صعداً فيأكل منها الناس، ثم ترجع إلى السماء والناس ينظرون إلى ظلها حتى تتوارى عنهم، فلما تم أربعون يوماً أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام يا عيسى اجعل مائدتي هذه للفقراء دون الأغنياء فتمارى الأغنياء في يذلك وعادوا الفقراء وشكوا وشككوا الناس فقال الله يا عيسى : إني أخذ بشرطي فأصبح منهم ثلاثة وثلاثون خنزيراً يأكلون العذرة يطلبونها بالأكباء والأكباء هي الكناسة واحدها كبا بعدما كانوا يأكلون الطعام الطيب وينامون على الفرش اللينة، فلما رأى الناس ذلك اجتمعوا على عيسى يبكون وجاءت الخنازير فجثوا على ركبهم قدام عيسى فجعلوا يبكون وتقطر دموعهم فعرفهم عيسى فجعل يقول: ألست بفلان ؟ فيومئ برأسه ولا يستطيع الكلام فلبثوا كذلك سبعة أيام ومنهم من يقول: أربعة أيام - ثم دعا الله عيسى أن يقبض أرواحهم، فأصبحوا لا يدري أين ذهبوا الأرض ابتلعتهم أو ما صنعوا ؟!
قلت: في هذا الحديث مقال ولا يصح م قبل إسناده وعن ابن عباس وأبي عبد الرحمن السمين كان طعام المائدة خبزاً وسمكاً وقال ابن عطية: كانوا يجدون في المسك طيب كل طعام وذكره الثعلبي وقال عمار بن ياسر وقتادة: كانت مائدة تنزل من السماء وعليها ثمار من ثمار الجنة وقال وهب بن منبه: أنزل الله تعالى أقرصه من شعر وحيتاناً وخرج الترمذي في أبواب التفسير عن عمار بن ياسر قال "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أنزلت المائدة من السماء خبزاً ولحماً وأمروا ألا يخونوا ولا يدخروا لغد فخانوا وادخروا ورفعوا لغد فمسخوا قدرة وخنازير " قال أبو عيسى: هذا حديث قد رواه أبو عاصم وغير واحد عن سعيد بن أبي عربة عن قتادة عن خلاس عن عمار بن ياسر موقوفاً ولا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث الحسن بن قزعة حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا سفيان بن حبيب عن سعيد بن أبي عروبة نحوه ولم يرفعه وهذا أصح من حديث الحسن بن قزعة ولا علم اللحديث المرفوع أصلاً وقال سعيد بن جبير أنزل على المائدة كل شيء إلا الخبز واللحم وقال عطاء: نزل عليها كل شيء إلا السمك واللحم، وقال كعب: نزلت المائدة منكوسة من السماء تطير بها الملائكة بين السماء والأرض عليها كل طعام إلا اللحم .
قلت: هذه الثلاث أقوال مخالفة لحديث الترمذي وهو أولى منها، لنه إن لم يصح مرفوعاً فصح موقوفاً عن صحابي كبير. والله أعلم ، والمقطوع به أنها نزلت وكان عليها طعام يؤكل والله أعلم بتعيينه، وذكر أو نعيم عن كعب أنها نزلت ثانية لبعض عباد بني إسرائيل قال كعب: اجتمع ثلاثة نفر من عباد بين إسرائيل فاجتمعوا في أرض فلاة مع كل رجل منهم اسم من اسماء الله تعالى فقال أحدهم: سألوني فأدعو الله لكم بما شئتم قالوا: نسألك أن تدعوا الله أن يظهر لنا عيناً ساحة بهذا المكان ورياضاً خضراً وعبقرياً قال: فدعا الله فإذا عين ساحة ورياض خضر وعبقري ثم قال أحدهم: سلوني فأدعو الله لكم بما شئتم فقالوا: نسألك أن تدعوا الله أن يطعمنا شيئاً من ثمار الجنة فدعا الله فنزلت عليهم بسرة فأكلوا منها لا تقلب لا تقلب إلا أكلوا منها لوناً ثم رفعت ثم قال أحدهم: سلوني فأدعو الله لكم بما شئتم فقالوا: نسألك أن تدعوا الله أن ينزل علينا المائدة التي أنزلها على عيسى قال: فدعا فنزلت فقضوا منا حاجتهم ثم رفعت وذكر تمام الخبر .
مسألة- جاء في حديث سلمان المذكور بيان المائدة وأنها كانت سفرة لا مائدة ذات قوائم والسفرة مائدة النبي صلى الله عليه وسلم وموائد العرب خرج أبو عبيد الله الترمذي الحكيم: حدثنا محمد بن بشار، قال حدثنا معاذ بن هشام قال حدثا أبي عن يونس، عن قتادة "عن أنس قال:
ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خوان قط ولا في سمرجة ولا خبر له مرقق" قال قلت لأنس: فعلام كانوا يأكلون؟قال : على السفر قال محمد بن بشار: يونس هذا هو أبو الفرات الإسكاف .
قلت: هذا حديث صحيح ثابت أتفق على رجاله، البخاري ومسلم وخرجه الترمذي قال : حدثنا محمد بن بشار حدثنا معاذ بن هشام فذكره وقال فيه: حسن غريب قال الترمذي أبو عبيد الله بن الخوان هو شيء محدث فعلته الأعاجم، وما كانت العرب لتمتهنها وكانوا يأكلون على السفر واحدها سفرة وهي التي تتخذ من الجلود ولها معاليق تنضم وتنفرج فبالانفراج سميت سفرة لأنها إذا حلت معاليقها انفرجت فأسفرت عما فيها فقيل له السفر وإنما سمي السفر سفرا لإسفار الرجل بنفسه عن البيوت وقوله: لولا في سكرجة لأنها أوعية والأصباغ وإنما الأصباغ للألوان ولم تكن من سماتهم الألوان وإنما اكن طعامهم الثريد عليه مقطعات اللحم وان يقول:
"انهسوا اللحم نهساً فإنه أشهى وأمرأ " فإن قيل: فقد جاء ذكر المائدة في الأحاديث من ذلك حديث ابن عباس قال: لو كان الضب حراماً ما أكل على مائدة النبي صلى الله لعيه وسلم خرجه مسلم وغيره و"عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
تصلي الملائكة على الرجل ما دامت مائدته موضوعة " خرجه الثقات وقيل: إن المائدة كل شيء يمد ويبسط مثل المنديل والثوب، وكان من حقه أن تكون مادة الدال مضعفة فجعلوا إحدى الدالين ياء فقيل: مائدة والفعل واقع به فكان ينبغي أن تكون ممدودة ولكن خرجت في اللغة مخرج فاعل كما قالوا: سر كاتم وهو مكتوم وعيشة راضية وهي مرضية وكذلك خرج في اللغة ما هو فاعل على مخرج مفعول فقاول: رجل مشئوم وإنما هو شائم ، وحجاب مستور وإنما هو ساتر فالخوان هو المرتفع عن الأرض بقوائم' والمائدة ما مد وبسط والسفر ما أسفر عما في جوفه وذلك لأنه مضمومة بمالعلقها وعن الحسن قال : الأكل على الخوان فعل الملوك وعلى المنديل فعل العجم وعلى السفرة فعل العرب وهو السنة الله أعلم .
هذه قصة المائدة وإليها تنسب السورة, فيقال سورة المائدة, وهي مما امتن الله به على عبده ورسوله عيسى لما أجاب دعاءه بنزولها, فأنزل الله آية باهرة وحجة قاطعة, وقد ذكر بعض الأئمة أن قصتها ليست مذكورة في الإنجيل, ولا يعرفها النصارى إلا من المسلمين, فالله أعلم, فقوله تعالى: "إذ قال الحواريون" وهم أتباع عيسى عليه السلام "يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك" هذه قراءة كثيرين, وقرأ آخرون " هل يستطيع ربك " أي هل تستطيع أن تسأل ربك "أن ينزل علينا مائدة من السماء" والمائدة هي الخوان عليه الطعام, وذكر بعضهم: أنهم إنما سألوا ذلك لحاجتهم وفقرهم, فسألوه أن ينزل عليهم مائدة كل يوم يقتاتون منها ويتقوون بها على العبادة "قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين" أي فأجابهم المسيح عليه السلام قائلاً لهم: اتقوا الله ولا تسألوا هذا فعساه أن يكون فتنة لكم, وتوكلوا على الله في طلب الرزق إن كنتم مؤمنين, "قالوا نريد أن نأكل منها" أي نحن محتاجون إلى الأكل منها, "وتطمئن قلوبنا" إذا شاهدنا نزولها رزقاً لنا من السماء, "ونعلم أن قد صدقتنا" أي ونزداد إيماناً بك وعلماً برسالتك "ونكون عليها من الشاهدين" أي ونشهد أنها الاية من عند الله, ودلالة وحجة على نبوتك وصدق ما جئت به. " قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا " قال السدي: أي نتخذ ذلك اليوم الذي نزلت فيه عيداً نعظمه نحن ومن بعدنا, وقال سفيان الثوري: يعني يوماً نصلي فيه. وقال قتادة: أرادوا أن يكون لعقبهم من بعدهم. وعن سلمان الفارسي: عظة لنا ولمن بعدنا. وقيل: كافية لأولنا وآخرنا "وآية منك" أي دليلاً تنصبه على قدرتك على الأشياء وعلى إجابتك لدعوتي, فيصدقوني فيما أبلغه عنك, "وارزقنا" أي من عندك رزقاً هنيئاً بلا كلفة ولا تعب " وأنت خير الرازقين * قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم " أي فمن كذب بها من أمتك يا عيسى وعاندها, "فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين" أي من عالمي زمانكم, كقوله تعالى: " ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ", وقوله "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار", وقد روى ابن جرير من طريق عوف الأعرابي عن أبي المغيرة القواس, عن عبد الله بن عمرو قال: إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة ثلاثة: المنافقون, ومن كفر من أصحاب المائدة, وآل فرعون .
ذكر أخبار رويت عن السلف
في نزول المائدة على الحواريين
قال أبو جعفر بن جرير: حدثنا القاسم: حدثنا الحسين, حدثني حجاج عن ليث, عن عقيل, عن ابن عباس أنه كان يحدث عن عيسى أنه قال لبني إسرائيل: هل لكم أن تصوموا لله ثلاثين يوماً, ثم تسألوه فيعطيكم ما سألتم, فإن أجر العامل على من عمل له, ففعلوا ثم قالوا: يا معلم الخير, قلت لنا: إن أجر العامل على من عمل له, وأمرتنا أن نصوم ثلاثين يوماً ففعلنا, ولم نكن نعمل لأحد ثلاثين يوماً إلا أطعمنا حين نفرغ طعاماً, فهل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء ؟ قال عيسى "اتقوا الله إن كنتم مؤمنين * قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين * قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين * قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين" قال: فأقبلت الملائكة تطير بمائدة من السماء عليها سبعة أحوات, وسبعة أرغفة حتى وضعتها بين أيديهم, فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أولهم, كذا رواه ابن جرير, ورواه ابن أبي حاتم عن يونس بن عبد الأعلى, عن ابن وهب, عن الليث, عن عقيل, عن ابن شهاب قال: كان ابن عباس يحدث, فذكر نحوه.
وقال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثنا سعد بن عبد الله بن عبد الحكم, حدثنا أبو زرعة وهبة الله بن راشد, حدثنا عقيل بن خالد أن ابن شهاب أخبره عن ابن عباس أن عيسى ابن مريم قالوا له: ادع الله أن ينزل علينا مائدة من السماء, قال: فنزلت الملائكة بالمائدة يحملونها, عليها سبعة أحوات, وسبعة أرغفة, حتى وضعتها بين أيديهم, فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أولهم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا الحسن بن قزعة الباهلي, حدثنا سفيان بن حبيب, حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن خلاس, عن عمار بن ياسر, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نزلت المائدة من السماء عليها خبز ولحم, وأمروا أن لا يخونوا ولا يرفعوا لغد, فخانوا وادخروا ورفعوا, فمسخوا قردة وخنازير, وكذا رواه ابن جرير عن الحسن بن قزعة, ثم رواه ابن جرير عن ابن بشار, عن ابن أبي عدي, عن سعيد, عن قتادة, عن جلاس, عن عمار قال: نزلت المائدة وعليها ثمر من ثمار الجنة, فأمروا أن لا يخونوا ولا يخبأوا ولا يدخروا, قال: فخان القوم وخبأوا وادخروا, فمسخهم الله قردة وخنازير.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن المثنى, حدثنا عبد الأعلى, حدثنا داود عن سماك بن حرب, عن رجل من بني عجل, قال: صليت إلى جانب عمار بن ياسر, فلما فرغ قال: هل تدري كيف كان شأن مائدة بني إسرائيل ؟ قال: قلت: لا. قال: إنهم سألوا عيسى بن مريم مائدة يكون عليها طعام يأكلون منه لا ينفد, قال: فقيل لهم: فإنها مقيمة لكم ما لم تخبأوا أو تخونوا أو ترفعوا, فإن فعلتم فإني معذبكم عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين. قال: فما مضى يومهم حتى خبأوا ورفعوا وخانوا, فعذبوا عذاباً لم يعذبه أحد من العالمين. وإنكم يا معشر العرب كنتم تتبعون أذناب الإبل والشاء, فبعث الله فيكم رسولاً من أنفسكم تعرفون حسبه ونسبه, وأخبركم أنكم ستظهرون على العجم, ونهاكم أن تكنزوا الذهب والفضة, وايم الله لا يذهب الليل والنهار حتى تكنزوهما ويعذبكم الله عذاباً أليماً. وقال: حدثنا القاسم, حدثنا حسين, حدثني حجاج عن أبي معشر, عن إسحاق بن عبد الله أن المائدة, نزلت على عيسى بن مريم, عليها سبعة أرغفة, وسبعة أحوات, يأكلون منها ما شاؤوا. قال: فسرق بعضهم منها وقال: لعلها لا تنزل غداً, فرفعت.
وقال العوفي عن ابن عباس: نزل على عيسى ابن مريم والحواريين خوان عليه خبز وسمك, يأكلون منه أينما نزلوا إذا شاؤوا. وقال خصيف, عن عكرمة ومقسم, عن ابن عباس: كانت المائدة سمكة وأرغفة, وقال مجاهد: هو طعام كان ينزل عليهم حيث نزلوا. وقال أبو عبد الرحمن السلمي: نزلت المائدة خبزاً وسمكاً. وقال عطية العوفي: المائدة سمك فيه طعم كل شيء. وقال وهب بن منبه: أنزلها الله من السماء على بني إسرائيل, فكان ينزل عليهم في كل يوم في تلك المائدة من ثمار الجنة, فأكلوا ما شاؤوا من ضروب شتى, فكان يقعد عليها أربعة آلاف, وإذا أكلوا أنزل الله مكان ذلك لمثلهم, فلبثوا على ذلك ما شاء الله عز وجل. وقال وهب بن منبه: نزل عليهم قرصة من شعير وأحوات, وحشا الله بين أضعافهن البركة, فكان قوم يأكلون ثم يخرجون, ثم يجيء آخرون فيأكلون ثم يخرجون, حتى أكل جميعهم وأفضلوا.
وقال الأعمش, عن مسلم, عن سعيد بن جبير: أنزل عليها كل شيء إلا اللحم. وقال سفيان الثوري, عن عطاء بن السائب عن زاذان وميسرة وجرير, عن عطاء, عن ميسرة, قال: كانت المائدة إذا وضعت لبني إسرائيل اختلفت عليها الأيدي بكل طعام إلا اللحم وعن عكرمة: كان خبز المائدة من الأرز, رواه ابن أبي حاتم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا جعفر بن علي فيما كتب إلي, حدثنا إسماعيل بن أبي أويس, حدثني أبو عبد الله عبد القدوس بن إبراهيم بن أبي عبيد الله بن مرداس العبدري مولى بني عبد الدار, عن إبراهيم بن عمر, عن وهب بن منبه, عن أبي عثمان النهدي, عن سلمان الخير, أنه قال: لما سأل الحواريون عيسى ابن مريم المائدة, كره ذلك جداً, فقال: اقنعوا بما رزقكم الله في الأرض, ولا تسألوا المائدة من السماء, فإنها إن نزلت عليكم كانت آية من ربكم, وإنما هلكت ثمود حين سألوا نبيهم آية فابتلوا بها حتى كان بوارهم فيها, فأبوا إلا أن يأتيهم بها, فلذلك "قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا" الاية, فلما رأى عيسى أن قد أبوا إلا أن يدعو لهم بها, قام فألقى عنه الصوف, ولبس الشعر الأسود, وجبة من شعر, وعباءة من شعر, ثم توضأ واغتسل, ودخل مصلاة فصلى ما شاء الله, فلما قضى صلاته, قام قائماً مستقبل القبلة, وصف قدميه حتى استويا, فألصق الكعب بالكعب وحاذى الأصابع, ووضع يده اليمنى على اليسرى فوق صدره, وغض بصره, وطأطأ رأسه خشوعاً, ثم أرسل عينيه بالبكاء, فما زالت دموعه تسيل على خديه وتقطر من أطراف لحيته حتى ابتلت الأرض حيال وجهه من خشوعه, فلما رأى ذلك دعا الله فقال: "اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء" فأنزل الله عليهم سفرة حمراء بين غمامتين: غمامة فوقها, وغمامة تحتها, وهم ينظرون إليها في الهواء منقضة من فلك السماء تهوي إليهم, وعيسى يبكي خوفاً من أجل الشروط التي أخذها الله عليهم فيها, أنه يعذب من يكفر بها منهم بعد نزولها عذاباً لم يعذبه أحداً من العالمين, وهو يدعو الله في مكانه ويقول: اللهم اجعلها رحمة لهم, ولا تجعلها عذاباً, إلهي كم من عجيبة سألتك فأعطيتني, إلهي اجعلنا لك شاكرين, اللهم إني أعوذ بك أن تكون أنزلتها غضباً ورجزاً, إلهي اجعلها سلامة وعافية, ولا تجعلها فتنة ومثلة. فما زال يدعو حتى استقرت السفرة بين يدي عيسي والحواريين وأصحابه حوله يجدون رائحة طيبة لم يجدوا فيما مضى رائحة مثلها قط, وخر عيسى والحواريون لله سجداً شكراً له لما رزقهم من حيث لم يحتسبوا, وأراهم فيه آية عظيمة ذات عجب وعبرة, وأقبلت اليهود ينظرون, فرأوا أمراً عجيباً أورثهم كمداً وغماً, ثم انصرفوا بغيظ شديد, وأقبل عيسى والحواريون وأصحابه حتى جلسوا حول السفرة, فإذا عليها منديل مغطى فقال عيسى: من أجرؤنا على كشف المنديل عن هذه السفرة, وأوثقنا بنفسه وأحسننا بلاء عند ربه. فليكشف عن هذه الاية حتى نراها, ونحمد ربنا, ونذكر باسمه, ونأكل من رزقه الذي رزقنا ؟ فقال الحواريون: يا روح الله وكلمته, أنت أولانا بذلك, وأحقنا بالكشف عنها, فقام عيسى عليه السلام واستأنف وضوءاً جديداً, ثم دخل مصلاه, فصلى كذلك ركعات, ثم بكى بكاء طويلاً, ودعا الله أن يأذن له في الكشف عنها, ويجعل له ولقومه فيها بركة ورزقاً, ثم انصرف وجلس إلى السفرة وتناول المنديل, وقال: بسم الله خير الرازقين, وكشف عن السفرة, فإذا هو عليها بسمكة ضخمة مشوية, ليس عليها بواسير, ليس في جوفها شوك, يسيل السمن منها سيلاً, قد نضد بها بقول من كل صنف غير الكراث, وعند رأسها خل, وعند ذنبها ملح, وحول البقول خمسة أرغفة, على واحد منها زيتون, وعلى الاخر تمرات, وعلى الاخر خمس رمانات, فقال شمعون رأس الحواريين لعيسى: يا روح الله وكلمته, أمن طعام الدنيا هذا, أم من طعام الجنة ؟ فقال عيسى: أما آن لكم أن تعتبروا بما ترون من الايات وتنتهوا عن تنقير المسائل ؟ ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا في سبب نزول هذه الاية ؟ فقال له شمعون: لا وإله إسرائيل ما أردت بها سؤالاً يا ابن الصديقة, فقال عيسى عليه السلام: ليس شيء مما ترون من طعام الدنيا ولا من طعام الجنة, إنما هو شيء ابتدعه الله في الهواء بالقدرة الغالبة القاهرة, فقال له: كن فكان أسرع من طرفة عين, فكلوا مما سألتم باسم الله واحمدوا عليه ربكم, يمدكم منه ويزدكم, فإنه بديع قادر شاكر, فقالوا: يا روح الله وكلمته, إنا نحب ان يرينا الله آية في هذه الاية, فقال عيسى: سبحان الله أما اكتفيتم بما رأيتم من هذه الاية حتى تسألوا فيها آية أخرى ؟ ثم أقبل عيسى عليه السلام على السمكة, فقال: يا سمكة عودي بإذن الله حية كما كنت, فأحياها الله بقدرته, فاضطربت وعادت بإذن الله حية طرية, تلمظ كما يتلمظ الأسد, تدور عيناها, لها بصيص, وعادت عليها بواسيرها, ففزع القوم منها وانحازوا, فلما رأى عيسى منهم ذلك قال: ما لكم تسألون الاية فإذا أراكموها ربكم كرهتموها ؟ ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا بما تصنعون, يا سمكة عودي بإذن الله كما كنت, فعادت بإذن الله مشوية كما كانت في خلقها الأول, فقالوا: يا عيسى كن أنت يا روح الله الذي تبدأ بالأكل منها ثم نحن بعد, فقال عيسى: معاذ الله من ذلك, يبدأ بالأكل من طلبها, فلما رأى الحواريون وأصحابه امتناع عيسى منها, خافوا أن يكون نزولها سخطة وفي أكلها مثلة, فتحاموها, فلما رأى ذلك عيسى منهم دعا لها الفقراء والزمنى وقال: كلوا من رزق ربكم ودعوة نبيكم, واحمدوا الله الذي أنزلها لكم فيكون مهنؤها لكم وعقوبتها على غيركم, وافتتحوا أكلكم باسم الله واختموه بحمد الله, ففعلوا فأكل منها ألف وثلثمائة إنسان بين رجل وامرأة, يصدرون عنها كل واحد منهم شبعان يتجشأ, ونظر عيسى والحواريون فإذا ما عليها كهيئته إذ نزلت من السماء لم ينقص منها شيء, ثم إنها رفعت إلى السماء وهم ينظرون, فاستغنى كل فقير أكل منها, وبرىء كل زمن أكل منها, فلم يزالوا أغنياء أصحاء حتى خرجوا من الدنيا, وندم الحواريون وأصحابهم الذين أبوا أن يأكلوا منها ندامة سالت منها أشفارهم, وبقيت حسرتها في قلوبهم إلى يوم الممات, قال: وكانت المائدة إذا نزلت بعد ذلك أقبل بنو إسرائيل إليها يسعون من كل مكان يزاحم بعضهم بعضاً, الأغنياء والفقراء, والصغار والكبار, والأصحاء والمرضى, يركب بعضهم بعضاً, فلما رأى ذلك جعلها نوباً بينهم تنزل يوماً ولا تنزل يوماً, فلبثوا على ذلك أربعين يوماً تنزل عليهم غباً عند ارتفاع الضحى, فلا تزال موضوعة يؤكل منها حتى إذا قاموا, ارتفعت عنهم إلى جو السماء بإذن الله, وهم ينظرون إلى ظلها في الأرض حتى تتوارى عنهم. قال: فأوحى الله إلى نبيه عيسى عليه السلام: أن اجعل رزقي في المائدة للفقراء واليتامى, والزمنى دون الأغنياء من الناس, وغمطوا ذلك حتى شكوا فيها في أنفسهم, وشككوا فيها الناس, وأذاعوا في أمرها القبيح والمنكر, وأدرك الشيطان منهم حاجته وقذف وسواسه في قلوب الربانيين حتى قالوا لعيسى, أخبرنا عن المائدة ونزولها من السماء أحق, فإنه قد ارتاب بها منا بشر كثير ؟ فقال عيسى عليه السلام: هلكتم وإله المسيح, طلبتم المائدة إلى نبيكم أن يطلبها لكم إلى ربكم, فلما أن فعل وأنزلها عليكم رحمة لكم ورزقاً, وأراكم فيها الايات والعبر, كذبتم بها, وشككتم فيها, فأبشروا بالعذاب فإنه نازل بكم إلا أن يرحمكم الله, فأوحى الله إلى عيسى: إني آخذ المكذبين بشرطي فإني معذب منهم من كفر بالمائدة بعد نزولها عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين. قال: فلما أمسى المرتابون بها وأخذوا مضاجعهم في أحسن صورة مع نسائهم آمنين, فلما كان في آخر الليل, مسخهم الله خنازير, فأصبحوا يتبعون الأقذار في الكناسات, هذا أثر غريب جداً, قطعه ابن أبي حاتم في مواضع من هذه القصة, وقد جمعته أنا ليكون سياقه أتم وأكمل, والله سبحانه وتعالى أعلم. وكل هذه الاثار دالة على أن المائدة نزلت على بني إسرائيل أيام عيسى بن مريم, إجابة من الله لدعوته, كما دل على ذلك ظاهر هذا السياق من القرآن العظيم "قال الله إني منزلها عليكم" الاية.
وقد قال قائلون: إنها لم تنزل, فروى ليث بن أبي سليم عن مجاهد في قوله: أنزل علينا مائدة من السماء, قال: هو مثل ضربه الله ولم ينزل شيء, رواه ابن أبي حاتم وابن جرير, ثم قال ابن جرير: حدثنا الحارث, حدثنا القاسم هو ابن سلام, حدثنا حجاج عن ابن جريج, عن مجاهد قال: مائدة عليها طعام أبوها حين عرض عليهم العذاب إن كفروا, فأبوا أن تنزل عليهم, وقال أيضاً: حدثنا ابن المثنى, حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن منصور بن زاذان عن الحسن أنه قال في المائدة: إنها لم تنزل, وحدثنا بشر, حدثنا يزيد, حدثنا سعيد عن قتادة قال: كان الحسن يقول لما قيل لهم "فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين" قالوا: لا حاجة لنا فيها فلم تنزل, وهذه أسانيد صحيحة إلى مجاهد والحسن, وقد يتقوى ذلك بأن خبر المائدة لا يعرفه النصارى, وليس هو في كتابهم, ولو كانت قد نزلت لكان ذلك مما توفر الدواعي على نقله, وكان يكون موجوداً في كتابهم متواتراً, ولا أقل من الاحاد, والله أعلم, ولكن الذي عليه الجمهور أنها نزلت, وهو الذي اختاره ابن جرير, قال: لأن الله تعالى أخبر بنزولها في قوله تعالى "إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين" قال: ووعد الله ووعيده حق وصدق, وهذا القول هو ـ والله أعلم ـ الصواب كما دلت عليه الأخبار والاثار عن السلف وغيرهم.
وقد ذكر أهل التاريخ أن موسى بن نصير نائب بني أمية في فتوح بلاد المغرب, وجد المائدة هنالك مرصعة باللالىء وأنواع الجواهر, فبعث بها إلى أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك باني جامع دمشق, فمات وهي في الطريق, فحملت إلى أخيه سليمان بن عبد الملك الخليفة بعده, فرآها الناس فتعجبوا منها كثيراً لما فيها من اليواقيت النفيسة والجواهر اليتيمة, ويقال: إن هذه المائدة كانت لسليمان بن داود عليهما السلام, فالله أعلم. وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن, حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن عمران بن الحكم, عن ابن عباس قال: قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: ادع لنا ربك أن يجعل لنا الصفا ذهباً ونؤمن بك. قال "وتفعلون ؟" قالوا نعم. قال فدعا, فأتاه جبريل فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك: إن شئت أصبح لهم الصفا ذهباً, فمن كفر منهم بعد ذلك عذبته عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين, وإن شئت فتحت لهم باب التوبة والرحمة. قال "بل باب التوبة والرحمة" ثم رواه أحمد وابن مردويه, والحاكم في مستدركه من حديث سفيان الثوري به .
فأجاب الله سبحانه سؤال عيسى عليه السلام فقال: 115- "إني منزلها" أي المائدة "عليكم".
وقد اختلف أهل العلم هل نزلت عليهم المائدة أم لا؟ فذهب الجمهور إلى الأول وهو الحق لقوله سبحانه: "إني منزلها عليكم" ووعده الحق وهو لا يخلف الميعاد. وقال مجاهد: ما نزلت وإنما هو ضرب مثل ضربه الله لخلقه نهياً لهم عن مسألة الآيات لأنبيائه، وقال الحسن: وعدهم بالإجابة، فلما قال: "فمن يكفر بعد منكم" استغفروا الله وقالوا لا نريدها. قوله: "فمن يكفر بعد منكم" أي بعد تنزيلها "فإني أعذبه عذاباً" أي تعذيباً "لا أعذبه" صفة لعذاباً، والضمير عائد إلى العذاب بمعنى التعذيب: أي لا أعذب مثل ذلمك التعذيب "أحداً من العالمين" قيل المراد عالمي زمانهم، وقيل جمع العالمين، وفي هذا من التهديد والترهيب ما لا يقادر قدره.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عائشة قالت: كان الحواريون أعلم بالله من أن يقولوا: "هل يستطيع ربك" إنما قالوا: هل تستطيع أنت ربك أن تدعوه، ويؤيد هذا ما أخرجه الحاكم وصححه والطبراني وابن مردويه عن معاذ بن جبل أنه قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هل يستطيع ربك " بالتاء يعني الفوقية. وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس أنه قرأها كذلك. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: المائدة الخوان، وتطمئن: توقن. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: "تكون لنا عيداً" يقول: نتخذ اليوم الذي نزلت فيه عيداً نعظمه نحن ومن بعدنا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس: أنه كان يحدث عن عيسى ابن مريم أنه قال لبني إسرائيل: هل لكم أن تصوموا لله ثلاثين يوماً ثم تسألوه فيعطيكم ما سألتم؟ فإن أجر العامل على من عمل له، ففعلوا ثم قالوا: يا معلم الخير، قلت لنا إن أجر العامل على من عمل له، وأمرتنا أن نصوم ثلاثين يوماً، ففعلنا، ولم نكن نعمل لأحد ثلاثين يوماً إلا أطعمنا " هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة " إلى قوله: "أحداً من العالمين" فأقبلت الملائكة تطير بمائدة من السماء عليها سبعة أحوات وسبعة أرغفة حتى وضعتها بين أيديهم، فأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم. وأخرج الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نزلت المائدة من السماء خبزاً ولحماً، وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا لغد، فخافوا وادخروا ورفعوا لغد فمسخوا قردة وخنازير" وقد روي موقوفاً على عمار. قال الترمذي: والوقف أصح. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: المائدة سمكة وأريغفة. وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عنه قال: نزلت على عيسى ابن مريم والحواريين خوان عليه سمك وخبز يأكلون منه أينما تولوا إذا شاءوا. وأخرج ابن جرير نحوه عنه من طريق عكرمة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن عبد الله بن عمرو قال: إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة من كفر من أصحاب المائدة والمنافقون وآل فرعون.
115- " قال الله "، تعالى مجيباً لعيسى عليه السلام، " إني منزلها عليكم "، يعني: المائدة وقرأ أهل المدينة و ابن عامر و عاصم (منزلها) بالتشديد لأنها نزلت مرات، والتفعيل يدل على التكرير مرة بعد أخرى، وقرأ الآخرون بالتخفيف لقوله : أنزل علينا، " فمن يكفر بعد منكم "، أي: بعد نزول المائدة " فإني أعذبه عذابا "، أي جنس عذاب، " لا أعذبه أحداً من العالمين "، يعني: عالمي زمانه، فجحد القوم وكفروا بعد نزول المائدة فمسخوا قردة وخنازير، قال عبد الله بن عمرو: إن اشد الناس عذاباً يوم القيامة المنافقون ومن كفر من أصحاب المائدة وآل فرعون .
واختلف العلماء في المائدة هل نزلت أم لا ؟ فقال مجاهد و الحسن : لم تنزل لأن الله عز وجل لما أوعدهم على كفرهم بعد نزول المائدة خافوا أن يكفر بعضهم فاستعفوا، وقالوا: لا نريدها، فلم تنزل، وقوله: (إني منزلها عليكم)، يعني: إن سألتم .
والصحيح الذي عليه الأكثرون: أنها نزلت، لقوله تعالى:" إني منزلها عليكم "، ولا خلف في خبره، لتواتر الأخبار فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين .
واختلفوا في صفتها فروى خلاس بن عمرو عن عمار بن ياسر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها نزلت خبزاً ولحماً‌، وقيل لهم: إنها مقيمة لكم ما لم تخونوا [وتخبؤوا]فما مضى يومهم حتى خانوا وخبؤوا فمسخوا قردة وخنازير .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن عيسى عليه السلام قال لهم: صوموا ثلاثين يوما‌ً ثم سلوا الله ما شئتم يعطكموه، فصاموا فلما فرغوا قالوا: يا عيسى إنا لو عملنا لأحد فقضينا عمله لأطعمنا، وسألوا الله المائدة فأقبلت الملائكة بمائدة يحملونها، عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات حتى وضعتها بين أيديهم، فأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم .
قال كعب الأحبار : نزلت [مائدة ] منكوسة تطير بها الملائكة بين السماء والأرض، عليها كل الطعام إلا اللحم.
وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: أنزل على المائدة كل شيء إلا الخبز واللحم، قال قتادة كان عليها ثمر من ثمار الجنة .
وقال عطية العوفي : نزلت من السماء سمكة فيها طعم كل شيء .
وقال الكلبي : كان عليها خبز ورز ويقل .
وقال وهب بن منبه: أنزل الله أقرصة من شعير وحيتاناً وكان قوم يأكلون ثم يخرجون ويجيء آخرون فيأكلون حتى أكلوا جميعهم وفضل .
وعن الكلبي و مقاتل : أنزل الله خبزاً وسمكاً وخمسة أرغفة، فأكلوا ما شاء الله تعالى،والناس ألف ونيف فلما رجعوا إلى قراهم، ونشروا الحديث ضحك منهم من لم يشهد، وقالوا: ويحكم إنما ليس فيهم صبي ولا امرأة، فمكثوا بذلك ثلاثة أيام ثم هلكوا، ولم يتوالدوا ولم يأكلوا ولم يشربوا، وكذلك كل ممسوخ.
وقال قتادة كانت تنزل عليهم بكرة وعشياً حيث كانوا كالمن والسلوى لبني إسرائيل، وقال عطاء بن أبي رباح عن سلمان الفارسي لما سأل الحواريون المائدة لبس عيسى عليه السلام صوفاً وبكى، وقال: " اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء" الآية فنزلت سفرة حمراء بين غمامين غمامة من فوقها وغمامة من تحتها، وهم ينظرون إليها وهي تهوى منقضة حتى سقطت بين أيديهم فبكى عيسى، وقال: اللهم اجعلني من الشاكرين اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عقوبة، واليهود ينظرون إلى شيء لم يروا مثله قط ولم يجدوا ريحاً أطيب من ريحه ، فقال عيسى عليه السلام: ليقم أحسنكم عملاً فيكشف عنا ويذكر اسم الله تعالى، فقال شممعون الصفار رأس الحواريين: أنت أولى بذلك منا [فقام عيسى عليه السلام ] فتوضأ وصلى صلاة طويلة وبكى كثيراً ثم كشف المنديل عنا، وقال: بسم الله خير الرازقين فإذا هو سمكة مشوية ليس عليها فلوسها ولا شوك عليها تسيل من الدسم وعند رأسها ملح وعند ذنبها خل، وحولها من ألوان البقول ما خلا الكراث ، وإذا خمسة أرغفة على واحد زيتون، وعلى الثاني عسل، وعلى الثالث سمن، وعلى الرابع جبن، وعلى الخامس قديد، فقال شمعون: يا روح الله أمن طعام الدنيا هذا أم من/طعام الآخرة ؟ فقال: ليس شيء مم ترون من طعام الدنيا ولا من طعام الآخرة، ولكنه شيء افتعله الله تعالى بالقدرة الغالبة ،كلوا مما سألتم يمددكم ويزدكم من فضله، قالوا: يا روح الله كن أول من يأكل مناه،, فقال عيسى عليه السلام: معاذ الله أن آكل منها ولكن يأكل منها من سألها فخافوا أن يأكلوا منها، فدعا لها أهل الفاقة والمرض وأهل البرص والجذام والمقعدين والمبتلين، فقال: كلوا من رزق الله ولكم المهنأ ولغيركم البلاء،فأكلوا وصدر عنها ألف وثلاثمائة رجل وامرأة من فقير ومريض وزمن ومبتلى كلهم شبعان، وإذا السمكة بهيئتها حين نزلت، ثم طارت سفرة المائدة صعداً وهم ينظرون إليها حتى توارت، فلم يأكل منها فلبثت أربعين صباحاً تنزل ضحى، فإذا نزلت اجتمعت الأغنياء والفقراء والصغار والكبار والرجال والنساء،ولا تزال منصوبة يؤكل منها حتى إذا فاء الفيء طارت وهم ينظرون في ظلها حتى توارت عنهم، وكانت تنزل غباً تنزل يوماً ولا تنزل يوماً كناقة ثمود، فأوحى الله تعالى [إلى عيسى عليه السلام ]: اجعل مائدتي ورزقي للفقراء دون الأغنياء فعظم ذلك على الأغنياء حتى شكوا وشككوا الناس فيها، وقالوا: أترون المائدة حقاً تنزل من السماء ؟ فأوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام: إني شرطت أن من كفر بعد نزولها عذبته عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين، فقال عيسى عليه السلام: (أن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) فمسخ منهم ثلاثمائة وثلاثون رجلا باتوا من ليلتهم على فرشهم مع نسائهم فأصبحوا خنازير يسعون في الطرقات والكناسات، ويأكلون العذرة في الحشوش فلما رأى الناس ذلك فزعوا إلى عيسى عليه السلام وبكوا فلما أبصرت الخنازير عيسى عليه السلام بكت وجعلت تطيف بعيسى عليه السلام وجعل عيسى يدعوهم بأسمائهم فيشيرون برؤسهم ويبكون ولا يقدرون على الكلام، فعاشوا ثلاثة أيام ثم هلكوا .

115" قال الله إني منزلها عليكم " إجابة إلى سؤالكم. وقرأ نافع و ابن عامر و عاصم "منزلها" بالتشديد. " فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا " أي تعذيباً ويجوز أن يجعل مفعولاً به على السعة. " لا أعذبه " الضمير للمصدر، أو للعذاب إن أريد ما يعذب به على حذف حرف الجر. "أحداً من العالمين" أي من عالمي زمانهم أو للعالمين مطلقاً فإنهم مسخوا قردة وخنازير، ولم يعذب بمثل ذلك غيرهم. روي: أنها نزلت سفرة حمراء بين غمامتين وهو ينظرون إليها حتى سقطت بين أيديهم، فبكى عيسى عليه الصلاة والسلام وقال: اللهم اجعلني من الشاكرين اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها مثلة وعقوبة، ثم قام فتوضأ وصلى وبكى، ثم كشف المنديل وقال: بسم الله خير الرازقين، فإذا سمكة مشوية بلا فلوس ولا شوك تسيل دسماً وعند رأسها ملح وعند ذنبها خل وحولها من ألوان البقول ما خلا الكراث، وإذا خمسة أرغفة على واحد منها زيتون وعلى الثاني عسل وعلى الثالث سمن وعلى الرابع جبن وعلى الخامس قديد فقال شمعون: يا روح الله أمن طعام الدنيا أم من طعام الآخرة قال: ليس منهما ولكن اخترعه الله سبحانه وتعالى بقدرته كلوا ما سألتم واشكروا يمددكم الله ويزدكم من فضله، فقالوا: يا روح الله لو أريتنا محمد هذه الآية آية أخرى فقال: يا سمكة أحيي بإذن الله تعالى فاضطربت ثم قال لها عودي كما كنت فعادت مشوية ثم طارت المائدة، ثم عصوا بعدها فمسخوا. وقيل كانت تأتيهم أربعين يوماً غباً يجتمع عليها الفقراء والأغنياء والصغار والكبار يأكلون حتى إذا فاء الفيء طارت وهم ينظرون في ظلها، ولم يأكل منها فقير إلا غني مدة عمره، ولا مريض إلا بريء ولم يمرض أبداً، ثم أوحي الله تعالى إلى عيسى عليه الصلاة والسلام أن اجعل مائدتي في الفقراء والمرضى دون الأغنياء والأصحاء، فاضطرب الناس لذلك فمسخ منهم ثلاثة وثمانون رجلاً. وقيل لما وعد الله إنزالها بهذه الشريطة استعفوا وقالوا: لا نريد فلم تنزل.. وعن مجاهد أن هذا مثل ضربه الله لمقترحي المعجزات. وعن الصوفية: المائدة ههنا عبارة عن حقائق المعارف، فإنها غذاء الروح كما أن الأطعمة غذاء البدن وعلى هذا فلعل الحال أنهم رغبوا في حقائق لم يستعدوا للوقوف عليها، فقال لهم عيسى عليه الصلاة والسلام: إن حصلتما الإيمان فاستعملوا التقوى حتى تتمكنوا من الإطلاع عليها، فلم يقلعوا عن السؤال وألحوا فيه فسأل لأجل اقتراحهم، فبين الله سبحانه وتعالى أن إنزاله سهل ولكن فيه خطر وخوف عاقبة، فإن السالك إذا انكشف له ما هو أعلى من مقامه لعله لا يحتمله ولا يستقر له فيضل به ضلالاً بعيداً.
115. Allah said: Lo! I send it down for you. And whoso disbelieveth of you afterward, him surely will I punish with a punishment wherewith I have not punished any of (My) creatures.
115 - God said: I will send it down unto you: but if any of you after that resisteth faith, I will punish him with a penalty such as I have not inflicted on any one among all the peoples.