[الحجرات : 10] إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
10 - (إنما المؤمنون إخوة) في الدين (فأصلحوا بين أخويكم) إذا تنازعا وقرئ إخوتكم بالفوقانية (واتقوا الله لعلكم ترحمون)
يقول تعالى ذكره لأهل الإيمان به "إنما المؤمنون إخوة " في الدين " فأصلحوا بين أخويكم " إذا اقتتلا بأن تحملوهما على حكم الله وحكم رسوله . ومعنى الأخوين في هذا الموضع : كل مقتتلين من أهل الإيمان . وبالثنية قرأ ذلك قراء الأمصار . وذكر عن ابن سيرين أنه قرأ بين إخوانكم بالنون على مذهب الجمع ، وذلك من جهة العربية صحيح غير أنه خلاف لما عليه قراء الأمصار ، فلا أحب القراءة بها " واتقوا الله لعلكم ترحمون "، يقول تعالى ذكره : وخافوا الله أيها الناس بأداء فرائضه عليكم في الإصلاح بين المقتتلين من أهل الإيمان بالعدل ، وفي غير ذلك من فرائضه ، واجتناب معاصيه ، ليرحمكم ربكم ، فيصفح لكم عن سالف إجرامكم إذا أنتم أطعتموه ، واتبعتم أمره ونهيه ، واتقيتموه بطاعته .
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : " إنما المؤمنون إخوة " أي في الدين والحرمة لا في النسب ، ولهذا قيل : أخوة الدين أثبت من أخوة النسب ، فإن أخوة النسب تنقطع بمخالفة الدين ، وأخوة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب ، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تناجشوا وكونوا عباد الله إخواناً " ، وفي رواية : " لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخواناً ، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ، التقوى هاهنا ، ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه " ، لفظ مسلم ، وفي غير الصحيحين عن أبي هريرة " قال النبي صلى الله عليه وسلم المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يعيبه ولا يخذله ولا يتطاول عليه في البنيان فيستر عليه الريح إلا بإذنه ولا يؤذيه بقتار قدره إلا أن يغرف له غرفة ولا يشتري لبنيه الفاكهة فيخرجون بها إلى صبيان جاره ولا يطعمونهم منها " ، ثم " قال النبي صلى الله عليه وسلم : احفظوا ولا يحفظ منكم إلا قليل " .
الثانية : قوله تعالى : " فأصلحوا بين أخويكم " أي بين كل مسلمين تخاصماً ، وقيل : بين الأوس والخزرج ، على ما تقدم ، وقال أبو علي : أراد بالأخوين الطائفتين ، لأن لفظ التثنية يرد والمراد به الكثرة ، كقوله تعالى : " بل يداه مبسوطتان " [ المائدة : 64 ] ، وقال أبو عبيدة : أي أصلحوا بين كل أخوين ، فهو آت على الجميع ، وقرأ ابن سيرين و نصر بن عاصم و أبو العالية و الجحدري و يعقوب ( بين إخوتكم ) بالتاء على الجمع وقرأ الحسن ( إخوانكم ) الباقون ، ( أخويكم ) بالياء على التثنية .
الثالثة : في هذه الآية والتي قبلها دليل على أن البغي لا يزيل اسم الإيمان ، لأن الله تعالى سماهم إخوة مؤمنين مع كونهم باغين ، قال الحارث الأعور : سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو القدوة عن قتال أهل البغي من أهل الجمل وصفين : أمشركون هم ؟ قال : لا ، من الشرك فروا ، فقيل : أمنافقون ؟ قال : لا ، لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً ، قيل له : فما حالهم ؟ قال إخواننا بغوا علينا .
يقول تعالى آمراً بالإصلاح بين الفئتين الباغين بعضهم على بعض: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما" فسماهم مؤمنين مع الاقتتال, وبهذا استدل البخاري وغيره على أنه لا يخرج عن الإيمان بالمعصية وإن عظمت, لا كما يقوله الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة ونحوهم, وهكذا ثبت في صحيح البخاري من حديث الحسن عن أبي بكر رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوماً, ومعه على المنبر الحسن بن علي رضي الله عنهما, فجعل ينظر إليه مرة, وإلى الناس أخرى ويقول: "إن ابني هذا سيد ولعل الله تعالى أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين". فكان كما قال صلى الله عليه وسلم, أصلح الله به بين أهل الشام وأهل العراق بعد الحروب الطويلة, والواقعات المهولة. وقوله تعالى: "فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله" أي حتى ترجع إلى أمر الله ورسوله, وتسمع للحق وتطيعه, كما ثبت في الصحيح عن أنس رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً" قلت: يا رسول الله, هذا نصرته مظلوماً, فكيف أنصره ظالماً ؟ قال صلى الله عليه وسلم: "تمنعه من الظلم فذاك نصرك إياه".
وقال الإمام أحمد: حدثنا عارم, حدثنا معتمر قال: سمعت أبي يحدث أن أنساً رضي الله عنه قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم, لو أتيت عبد الله بن أبي, فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم, وركب حماراً وانطلق المسلمون يمشون, وهي أرض سبخة, فلما انطلق النبي صلى الله عليه وسلم إليه قال: "إليك عني فوالله لقد آذاني ريح حمارك" فقال رجل من الأنصار: والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحاً منك. قال: فغضب لعبد الله رجال من قومه, فغضب لكل واحد منهما أصحابه, قال: فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال, فبلغنا أنه أنزلت فيهم "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما" ورواه البخاري في الصلح عن مسدد ومسلم في المغازي عن محمد بن عبد الأعلى كلاهما عن المعتمر بن سليمان عن أبيه به نحوه.
وذكر سعيد بن جبير أن الأوس والخزرج كان بينهما قتال بالسعف والنعال, فأنزل الله تعالى هذه الاية فأمر بالصلح بينهما, وقال السدي: كان رجل من الأنصار يقال له عمران , كانت له امرأة تدعى أم زيد, وإن المرأة أرادت أن تزور أهلها, فحبسها زوجها وجعلها في علية له لا يدخل عليها أحد من أهلها. وإن المرأة بعثت إلى أهلها, فجاء قومها وأنزلوها لينطلقوا بها, وإن الرجل كان قد خرج, فاستعان أهل الرجل, فجاء بنو عمه ليحولوا بين المرأة وبين أهلها, فتدافعوا واجتلدوا بالنعال فنزلت فيهم الاية, فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصلح بينهم وفاؤوا إلى أمر الله تعالى. وقوله عز وجل: "فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين" أي اعدلوا بينهما فيما كان أصاب بعضهم لبعض بالقسط وهو العدل "إن الله يحب المقسطين".
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي, حدثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن المقسطين في الدنيا على منابر من لؤلؤ بين أيدي الرحمن عز وجل بما أقسطوا في الدنيا" ورواه النسائي عن محمد بن المثنى عن عبدالأعلى به. وهذا إسناده جيد قوي رجاله على شرط الصحيح, وحدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد, حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار, عن عمرو بن أوس عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المقسطون عند الله تعالى يوم القيامة على منابر من نور على يمين العرش, الذين يعدلون في حكمهم وأهاليهم وماولوا" ورواه مسلم والنسائي من حديث سفيان بن عيينة به. وقوله تعالى: "إنما المؤمنون إخوة" أي الجميع إخوة في الدين, كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه" وفي الصحيح "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" وفي الصحيح أيضاً "إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال الملك آمين ولك مثله" والأحاديث في هذا كثيرة, وفي الصحيح "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتواصلهم كمثل الجسد الواحد, إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر" وفي الصحيح أيضاً "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً" وشبك بين أصابعه صلى الله عليه وسلم.
وقال أحمد: حدثنا أحمد بن الحجاج, حدثنا عبد الله, أخبرنا مصعب بن ثابت حدثني أبو حازم قال: سمعت سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد, يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد في الرأس" تفرد به أحمد ولا بأس بإسناده, وقوله تعالى: "فأصلحوا بين أخويكم" يعني الفئتين المقتتلتين "واتقوا الله" أي في جميع أموركم "لعلكم ترحمون" وهذا تحقيق منه تعالى للرحمة لمن اتقاه.
وجملة 10- "إنما المؤمنون إخوة" مستأنفة مقررة لما قبلها من الأمر بالإصلاح، والمعنى: أنهم راجعون إلى أصل واحد وهو الإيمان. قال الزجاج: الدين يجمعهم، فهم إخوة إذا كانوا متفقين في دينهم فرجعوا بالاتفاق في الدين إلى أصل النسب لأنهم لآدم وحواء "فأصلحوا بين أخويكم" يعنى كل مسلمين تخاصما وتقاتلا، وتخصيص الاثنين بالذكر لإثبات وجوب الإصلاح فيما فوقهما بطريق الأولى. قرأ الجمهور "بين أخويكم" على التثنية، وقرأ زيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود والحسن وحماد بن سلمة وابن سيرين إخوانكم بالجمع، وروي عن أبي عمر ونصر بن عاصم وأبي العالية والجحدري ويعقوب أنهم قرءوا " بيوت أخواتكم " بالفوقية على الجمع أيضاً. قال أبو علي الفارسي في توجيه قراءة الجمهور: أراد بالأخوين الطائفتين، لأن لفظ التثنية قد يرد ويراد به الكثرة. وقال أبو عبيدة: أي أصلحوا بين كل أخوين "واتقوا الله" في كل أموركم "لعلكم ترحمون" بسبب التقوى، والترجي باعتبار المخاطبين: أي راجين أن ترحموا، وفي هذه الآية دليل على قتال الفئة الباغية إذا تقرر بغيها على الإمام، أو على أحد من المسلمين، وعلى فساد قول من فال بعدم الجواز مستدلاً بقوله صلى الله عليه وسلم: "قتال المسلم كفر" فإن المراد بهذا الحديث وما ورد في معناه قتال المسلم الذي لم يبغ. قال ابن جرير: لو كان الواجب في كل اختلاف يكون بين فريقين من المسلمين الهرب منه ولزوم المنازل لما أقيم حق، ولا أبطل باطل ولوجد أهل النفاق والفجور سبباً إلى استحلال كل ما حرم الله عليهم من أموال المسلمين وسبي نسائهم وسفك دمائهم بأن يتحزبزا عليهم، ولكف المسلمين أيديهم عنهم، وذلك مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم: "خذوا على أيدي سفهائكم". قال ابن العربي: هذه الآية أصل في قتال المسلمين، وعمدة في حرب المتأولين، وعليها عول الصحابة، وإليها لجأ الأعيان من أهل الملة، وإياها عنى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "تقتل عماراً الفئة الباغية"، وقوله صلى الله عليه وسلم في شأن الخوارج: "يخرجون على حين فرقة من الناس تقتلهم أولى الطائفتين بالحق".
10. " إنما المؤمنون إخوة "، في الدين والولاية، " فأصلحوا بين أخويكم "، إذا اختلفا واقتتلا، قرأ يعقوب ((بين إخوتكم)) بالتاء على الجمع، " واتقوا الله "، فلا تعصوه ولا تخالفوا أمره، " لعلكم ترحمون ".
[أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ]، أخبرنا أبة محمد الحسين بن أحمد المخلدي ، أخبرنا أبو العباس محمد بن السراج ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يشتمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربةً فرج الله بها عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة ".
وفي هاتين الآيتين دليل على أن البغي لا يزيل اسم الإيمان، لأن الله تعالى سماهم إخوة مؤمنين مع كونهم باغين، يدل عليه ما روي عن الحارث الأعور أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سئل -وهو القدوة- في قتال أهل البغي، عن أهل الجمل وصفين: أمشركون هم؟ فقال: لا، من الشرك فروا، فقيل: أمنافقون هم؟ فقال: لا، إن النتافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً، قيل: فما حالهم. قال: إخواننا بغوا علينا.
والباغي في الشرع هو الخارج على الإمام العدل، فإذا اجتمعت طائقة لهم قوة ومنعة فامتنعوا عن طاعة الإمام العدل بتأويل محتمل، ونصبوا إماماً فالحكم فيهم أن يبعث الإمام إليهم ويدعوهم إلى طاعته، فإن أظهروا مظلمة أزالها عنهم، وإن لم يذكروا مظلمة، وأصروا على بغيهم، قاتلهم الإمام حتى يفيئوا إلى طاعته، ثم الحكم في قتالهم أن لا يتبع مدبرهم ولا يقتل أسيرهم، ولا يذفف على جريحهم، نادى منادي علي رضي الله عنه يوم صفين بأسير فقال له: لا أقتلك صبراً إني أخاف الله رب العالمين. وما أتلفت إحدى الطائفتين على الأخرى في حال القتال من نفس أو مال فلا ضمان عليه.
قال ابن شهاب : كانت في تلك الفتنة دماء يعرف في بعضها القاتل والمقتول، وأتلف فيها أموال كثيرة، ثم صار الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم، وجرى الحكم عليهم، فما علمته اقتص من أحد ولا أغرم مالاً أتلفه.
أما من لم يجتمع فيهم هذه الشرائط الثلاث بأن كانوا جماعة قليلين لا منعة لهم، أو لم يكن لهم تأويل، أة لم ينصبوا إماماً فلا يتعرض لهم إن لم ينصبوا قتالاً ولم يتعرضوا للمسلمسن، فإن فعلوا فهم كقطاع الطريق.
روي أن علياً رضي الله عنه سمع رجلاً يقول في ناحية المسجد: لا حكم إلا لله تعالى، فقال علي: كلمة حق أريد بها باطب، لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نبدؤكم بقتال.
10-" إنما المؤمنون إخوة " من حيث إنهم منتسبون إلى أصل واحد وهو الإيمان الموجب للحياة الإبدية ، وهو تعليل وتقرير للأمر بالإصلاح ولذلك كرره مرتباً عليه بالفاء فقال: " فأصلحوا بين أخويكم " ووضع الظاهر موضع الضمير مضافاً إلى المأمورين للمبالغة في التقرير والتخصيص ، وخص الاثنين بالذكر لأنهما أقل من يقع بينهم الشقاق . وقيل المراد بالأخوين الأوس والخزرج .وقرئ بين إخوانكم و إخوانكم . " واتقوا الله " في مخالفة حكمه والإهمال فيه . " لعلكم ترحمون " على تقواكم .
10. The believers are naught else than brothers. Therefore make peace between your brethren and observe your duty to Allah that haply ye may obtain mercy.
10 - The Believers are but a single Brotherhood: so make peace and reconciliation between your two (contending) brothers; and fear God, that ye may receive Mercy.