[الفتح : 7] وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا
7 - (ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزا) في ملكه (حكيما) في صنعه أي لم يزل متصفا بذلك
وقوله " ولله جنود السماوات والأرض " يقول جل ثناؤه : ولله جنود السماوات والأرض أنصاراً على أعدائه ، إن أمرهم بإهلاكهم أهلكوهم، وسارعوا إلى ذلك بالطاعة منهم له " وكان الله عزيزاً حكيماً " يقول تعالى ذكره : ولم يزل الله ذا عزة ، لا يغلبه غالب ، ولا يمتنع عليه مما أراده به ممتنع ، لعظم سلطانه وقدرته ، حكيم في تدبيره خلقه .
قوله تعالى : " ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزا حكيما " تقدم في غير موضع جميعه ، والحمد لله ، وقيل : لما جرى صلح الحديبية قال ابن أبي : أيظن محمد أنه إذا صالح أهل مكة أو فتحها لا يبقى له عدو ، فأين فارس والروم ! فبين الله عز وجل أن جنود السماوات والأرض أكثر من فارس والروم ، وقيل : يدخل فيه جميع المخلوقات ، وقال ابن عباس : ( ولله جنود السماوات ) الملائكة ، وجنود الأرض المؤمنون ، وأعاد لأن الذي سبق عقيب ذكر المشركين من قريش ، وهذا عقيب ذكر المنافقين ، وسائر المشركين ، والمراد في الموضعين التخويف والتهديد ، فلو أراد إهلاك المنافقين والمشركين لم يعجزه ذلك ، ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى .
يقول تعالى: "هو الذي أنزل السكينة" أي جعل الطمأنينة, قال ابن عباس رضي الله عنهما وعنه: الرحمة وقال قتادة: الوقار في قلوب المؤمنين, وهم الصحابة رضي الله عنهم, يوم الحديبية الذين استجابوا لله ولرسوله وانقادوا لحكم الله ورسوله, فلما اطمأنت قلوبهم بذلك واستقرت زادهم إيماناً مع إيمانهم, وقد استدل بها البخاري وغيره من الأئمة على تفاضل الإيمان في القلوب, ثم ذكر تعالى أنه لو شاء لا نتصر من الكافرين فقال سبحانه وتعالى: "ولله جنود السموات والأرض" أي ولو أرسل عليهم ملكاً واحداً لأباد خضراءهم, ولكنه تعالى شرع لعباده المؤمنين الجهاد والقتال, لما له في ذلك من الحكمة البالغة والحجة القاطعة والبراهين الدامغة, ولهذا قال جلت عظمته: "وكان الله عليماً حكيماً".
ثم قال عز وجل: "ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها" قد تقدم حديث أنس رضي الله عنه حين قالوا: هنيئاً لك يا رسول الله, هذا لك فما لنا ؟ فأنزل الله تعالى: "ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها" أي ما كثين فيها أبداً "ويكفر عنهم سيئاتهم" أي خطاياهم وذنوبهم فلا يعاقبهم عليها, بل يعفو ويصفح ويغفر ويستر ويرحم ويشكر "وكان ذلك عند الله فوزاً عظيماً" كقوله جل وعلا: "فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز" الاية. وقوله تعالى: "ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء" أي يتهمون الله تعالى في حكمه ويظنون بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أن يقتلوا ويذهبوا بالكلية, ولهذا قال تعالى: "عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم" أي أبعدهم من رحمته "وأعد لهم جهنم وساءت مصيراً" ثم قال عز وجل مؤكداً لقدرته على الانتقام من الأعداء أعداء الإسلام ومن الكفرة والمنافقين "ولله جنود السموات والأرض وكان الله عزيزاً حكيماً".
7- "ولله جنود السموات والأرض" من الملائكة والإنس والجن والشياطين "وكان الله عليماً حكيماً" كرر هذه الآية لقصد التأكيد، وقيل المراد بالجنود هنا جنود العذاب كما يفيده التعبير بالعزة هنا مكان العلم هنالك.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن مجمع بن حارثة الأنصاري قال: شهدنا الحديبية، فلما انصرفنا عنها حتى بلغنا كراع الغميم، إذ الناس يوجفون الأباعر، فقال الناس بعضهم لبعض: ما للناس؟ فقالوا: أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجنا مع الناس نوجف، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته عند كراع الغميم، فاجتمع الناس عليه فقرأ عليهم "إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً"، فقال رجل: إي رسول الله أو فتح هو؟ قال: إي والذين نفس محمد بيده إنه لفتح، فقسمت خيبر على أهل الحديبية لم يدخل معهم فيها أحد إلا من شهد الحديبية، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سهماً وكان الجيش ألفاً وخمسمائة منهم ثلثمائة فارس فأعطى الفارس سهمين، وأعطى الراجل سهماً. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في تاريخه وأبو داود والنسائي وابن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود قال: أقبلنا من الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن نسير إذ أتاه الوحي، وكان إذا أتاه اشتد عليه، فسري عنه وبه من السرور ما شاء الله فأخبرنا أنه أنزل عليه "إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً" وأخرج البخاري وغيره عن أنس في قوله: "إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً" قال: الحديبية. وأخرج البخاري وغيره عن البراء قال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحاً ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية. وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ""إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً" قال: فتح مكة" وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن المغيرة بن شعبة قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى ترم قدماه، فقيل: أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال: أفلا أكون عبداً شكوراً" وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله: "هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين" قال: السكينة هي الرحمة وفي قوله: "ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم" قال: إن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم بشهادة أن لا إله إلا الله، فلما صدق بها المؤمنون زادهم الصلاة، فلما صدوا بها زادهم الصيام، فلما صدقوا به زادهم الزكاة، فلما صدقوا بها زادهم الحج، فلما صدقوا بها زادهم الجهاد. ثم أكمل لهم دينهم فقال: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ". قال ابن عباس: "فأوثق إيمان أهل السماء وأهل الأرض وأصدقه وأكمله شهادة أن لا إله إلا الله". وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود "ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم" قال: تصديقاً مع تصديقهم. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال: لما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم "ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر" مرجعه من الحديبية. قال: "لقد أنزلت علي آية هي أحب إلي مما على الأرض ثم قرأها عليهم. فقالوا: هنيئاً مريئاً يا رسول الله، قد بين الله لك ماذا يفعل بك فماذا يفعل بنا؟ فنزلت عليه " ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار " حتى بلغ "فوزاً عظيماً"".
7. " ولله جنود السموات والأرض وكان الله عزيزاً حكيماً "
7-" ولله جنود السموات والأرض وكان الله عزيزاً حكيماً " .
7. Allah's are the hosts of the heavens and the earth, and Allah is ever Mighty, Wise.
7 - For to God belong the Forces of the heavens and the earth; and God is Exalted in Power, Full of Wisdom.