[محمد : 4] فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ
4 - (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب) مصدر بدل من اللفظ بفعله أي فاضربوا رقابهم أي اقتلوهم وعبر بضرب الرقاب لأن الغالب في القتل أن يكون بضرب الرقبة (حتى إذا أثخنتموهم) أكثرتم فيهم القتل (فشدوا) فأمسكوا عنهم واسروهم وشدوا (الوثاق) ما يوثق به الاسرى (فإما منا بعد) مصدر بدل من اللفظ بفعله أي تمنون عليهم بإطلاقهم من غير شيء (وإما فداء) تفادونهم بما أو أسرى مسلمين (حتى تضع الحرب) أي أهلها (أوزارها) أثقالها من السلاح وغيره بأن يسلم الكفار أو يدخلوا في العهد وهذه غاية للقتل والأسر (ذلك) خبر مبتدأ مقدر أي الأمر فيهم ما ذكر (ولو يشاء الله لانتصر منهم) بغير قتال (ولكن) أمركم به (ليبلو بعضكم ببعض) منهم في القتال فيصير من قتل منكم إلى الجنة ومنهم إلى النار (والذين قتلوا) وفي قراءة قاتلوا الآية نزلت يوم أحد وقد فشا في المسلمين القتل والجراحات (في سبيل الله فلن يضل) يحبط (أعمالهم)
واخرج عن قتادة في قوله والذين قتلوا في سبيل الله قال ذكر لنا أن هذه الآية نزلت يوم أحد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب وقد نشبت فيهم الجراحات والقتل وقد نادى المشركون يومئذ أعل هبل ونادى المسلمون الله أعلى و أجل فقال المشركون إن لنا العزى ولا عزى لكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا الله مولانا ولا مولى لكم
يقول تعالى ذكره لفريق الإيمان به وبرسله : " فإذا لقيتم الذين كفروا" بالله ورسوله من أهل الحرب فاضربوا رقابهم .
وقوله " حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق " يقول : حتى إذا غلبتموهم وقهرتهم من لم تضربوا رقبته منهم ، فصاروا في أيديكم أسرى " فشدوا الوثاق " يقول فشدوهم في الوثاق كيلا يقتلوكم ، فيهربوا منكم.
وقوله " فإما منا بعد وإما فداء " يقول : فإذا أسرتموهم بعد الإثخان ، فإما أن تمنوا عليهم بعد ذلك بإطلاقكم إياهم من الأسر ، وتحررهم بغير عوض ولا فدية ، وإما أن يفادوكم فداء بأن يعطوكم من أنفسهم عوضاً حتى تطلقوهم ، وتخلوا لهم السبيل .
واختلف أهل العلم في قوله " حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء " فقال بعضهم : هو منسوخ نسخة قوله " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " التوبة:5 وقوله " فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم "الأنفال:57 .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن خميد وابن عيسى الدامغاني قالا: ثنا المبارك عن ابن أبي جريح أنه كان يقول في قوله " فإما منا بعد وإما فداء " نسخها قوله " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " التوبة: 5
حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان عن السدي " فإما منا بعد وإما فداء " قال : نسخها " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " التوبة: 5
حدثنا محمد بن عبد الاعلى : قال : ثنا ثور عن معمر عن قتادة " فإما منا بعد وإما فداء " نسخها قوله " فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم " الأنفال:57
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله " فإذا لقيتم الذين كفروا " إلى قوله " وإما فداء " كان المسلمون إذا لقوا المشركين قاتلوهم ، فإذا أسروا منهم أسيراً فليس لهم إلا أن يفادوه ، أو يمنوا عليه ، ثم يرسلوه ، فنسخ ذلك بعد قوله " فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم " الأنفال:57 أي عظ بهم من سواهم من الناس لعلهم يذكرون .
حدثنا ابن عبد الاعلى ، قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن عبد الكريم الجزري قال : كتب إلى أبو بكر رضي الله عنه في أسير ، فذكر أنهم التمسوه بفداء كذا وكذا ، فقال أبو بكر : اقتلوه لقتل رجل من المشركين ، أحب إلي من كذا وكذا .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قوله " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب " ...إلى آخر الآية ، قال : الفداء منسوخ ، نسختها : "فإذا انسلخ الأشهر الحرم" التوبة: 5 إلى " كل مرصد " التوبة :5 قال : فلم يبق لأحد من المشركين عهد ولا حرمة بعد براءة ، وانسلاخ الأشهر الحرم .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " فإما منا بعد وإما فداء " هذا منسوخ ، نسخه قوله : " فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " التوبة: 5 فلم يبق لأحد من المشركين عهد ولا ذمة بعد براءة .
وقال آخرون : هي محكمة وليست بمنسوخة ، وقالوا : لا يجوز قتل الأسير ، وإنما يجوز المن عليه والفداء .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن المثنى قال : ثنا أبو عتاب سهل بن حماد قال : ثنا خالد بن جعفر عن الحسين قال : أتي الحجاج بأسارى ، فدفع إلى ابن عمر رجلاً يقتله ، فقال ابن عمر : ليس بهذا أمرنا ، قال الله عزوجل " حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء " قال: البكاء بين يديه . فقال الحسن : لو كان هذا وأصحابه لابتدروا إليهم .
حدثنا ابن حميد وابن عيسى الدامغاني قالا : ثنا ابن المبارك عن ابن جريح عن عطاء أنه كان يكره قتل المشرك صبراً ، قال : ويتلو هذه الآية " فإما منا بعد وإما فداء " .
حدثنا ابن عبد الاعلى قال : ثنا ثور عن معمر عن الحسن قال : لا تقتل الأسارى إلا في الحرب يهيب بهم العدو .
قال : ثنا ابن ثور عن معمر قال : كان عمر بن عبد العزيز يفديهم الرجل بالرجل ، وكان الحسن يكره أن يفادي بالمال .
قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن رجل من أهل الشأم ممن كان يحرس عمر بن عبد العزيز ، وهو من بني أسد ، قال : ما رأيت عمر رحمه الله قتل أسيراً إلا واحداً من الترك كان جيء بأسارى من الترك ، فأمر بهم أن يسترقوا فقال رجل ممن جاء بهم : يا أمير المؤمنين ، لو كنت رأيت هذا لأحدهم وهو يقتل المسلمين لكثر بكاؤك عليهم ، فقال عمر : فدونك فاقتله ، فقام إليه فقتله .
والصواب من القول عندنا في ذلك أن هذه الآية محكمة غير منسوخة ، وذلك أن صفة الناسخ والمنسوخ ما قد بينا في غير موضع في كتابنا أنه ما لم يجز اجتماع حكيمها في حال واحدة ، أو ما قامت الحجة بأن أحدهما ناسخ الآخر ، وغير مستنكر أن يكون جعل الخيار في المن و الفداء والقتل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإلى القائمين بعده بأمر الأمة ، وإن لم يكن القبل مذكوراً في هذه الآية ، لأنه قد أذن بقتلهم في آية أخرى ، وذلك قوله " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " التوبة : 5 ...الآية بل ذلك كذلك ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك كان يفعل فيمن صار أسيراً في يده من أهل الحرب ، فيقتل بعضاً ويفادي ببعض ، ويمن على بعض ، مثل يوم بدر قتل عقبة بن أبي معيط وقد أتي به أسيراً ، وقتل بني قريظة وقد نزلوا على حكم سعد ، وصاروا في يده سلماً وهو على فدائهم و المن عليهم قادر ، وفادى بجماعة أسارى المشركين الذين أسروا ببدر ، ومن على ثمامة بن أثال الحنفي ، وهو أسير في يده ، ولم يزل ذلك ثابتاً من سيره في أهل الحرب من لدن أذن الله له لحربهم ، إلى أن قبضة إليه صلى الله عليه وسلم دائماً ذلك فيهم ، وإنما ذكر جل ثناؤه في هذه الآية المن و الفداء في الأسارى فخص ذكرهما فيها ، لأن الأمر بقتلهم والإذن منه بذلك قد كان بقدم في سائر آي تنذيله مكرراً ، فأعلم نبيه صلى الله عليه وسلم بما ذكر في هذه الآية من المن والفداء ماله فيهم مع القتل .
وقوله " حتى تضع الحرب أوزارها " يقول تعالى ذكره : فإذا لقيتم الذين كفروا فاضربوا رقابهم ، وافعلوا بأسراهم ما بينت لكم ، حتى تضع الحرب آثامها وأثقال أهلها المشركين بالله لـن يتوبوا إلى الله من شركهم ، فيؤمنوا به وبرسله ، ويطيعوه في أمره ونهيه ، فذلك وضع الحرب أوزارها ، وقيل : " حتى تضع الحرب أوزارها " والمعنى : حتى تلقي الحرب أوزار أهلها . وقيل : معنى ذلك : حتى يضع المحارب أوزاره .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى : وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله " حتى تضع الحرب أوزارها " قال : حتى يخرج عيسى ابن مريم ، فيسلم كل يهودي ونصراني وصاحب ملة ، وتأمن الشاة من الذئب ، ولا تقرض فأرة جراباً وتذهب العداوة من الأشياء كلها ، ذلك ظهرو الإسلام على الدين كله ، وينعم الرجل المسلم حتى تقطر رجله دماً إذا وضعها .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله " حتى تضع الحرب أوزارها " قال : حتى لا يكون شرك .
حدثنا ابن عبدالأعلى، قال : ثنا ابن ثور، عن معمر ،عن قتادة " حتى تضع الحرب أوزارها " قال : حتى لا يكون شرك.
ذكر من قال : عني بالحر ب في هذا الموضع : المحاربون .
حدثنا ابن عبد الاعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة " حتى تضع الحرب أوزارها " قال : الحرب : : من كان يقاتلهم سماهم حرباً .
وقوله "ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم " يقول تعالى ذكره : هذا الذي أمرتكم به أيها المؤمنون من قتل المشركين إذا لقيتموهم في حرب ، وشدهم وثاقاً بعد قهرهم ، وأسرهم ، والمن والفداء " حتى تضع الحرب أوزارها " هو الحق الذي ألزمكم ربكم ، ولو يشاء ربكم لانتصر من هؤلاء المشركين الذين بين هذا الحكم فيهم بعقوبة منه لهم عاجلة ، وكفاكم ذلك كله ، ولكنه تعالى ذكره كره الانتصار منهم ، وعقوبتهم عاجلاً إلا بأيديكم أيها المؤمنون " ليبلو بعضكم ببعض " يقول : ليختبركم بهم ، فيعلم المجاهدين منكم والصابرين ، ويبلوهم بكم ، فيعاقب بأيديكم من شاء منهم ، ويتعظ من شاء منهم بمن أهلك بأيديكم من شاء منهم حتى ينيب إلى الحق .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة " ولو يشاء الله لانتصر منهم " إي والله بجنوده الكثيرة كل خلقه له جند ، ولو سلط أضعف خلقه لكان جنداً .
وقوله والذين قاتلوا في سبيل الله : اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الحجاز والكوفة والذين قاتلوا بمعنى : حاربوا المشركين ، وجاهدوهم ، بالألف ، وكان الحسن البصري فيما ذكر عنه يقرءه قتلوا بضم القاف وتشديد التاء ، بمعنى : أنه قتلهم المشركون بعضهم بعد بعض ، غير أنه بم يسم الفاعلون . وذكر عن جحدري عاصم أنه كان يقرؤه الذين قتلوا بفتح القاف وتخفيف التاء ، بمعنى : والذين قتلوا المشركون بالله . وكان أبو عمرو يقرؤه " قتلوا " بضم القاف وتخفيفف التاء بمعنى : والذين قتلهم المشركون ، ثم أسقط الفاعلين ، فجعلهم لم يسم فاعل ذلك لهم .
وأولى القراءات بالصواب قراءة من قرأمن قرأه والذين قاتلوا لاتفاق الحجة من القراء ، وإن كان لجميعها وجوه مفهومة .
وإذ كان ذلك أولى القراءات عندنا بالصواب ، فتأويل الكلام : والذين قاتلوا منكم أيها المؤمنون أعداء الله من الكفار في دين الله ، وفي نصرة ما بعث به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم من الهدى، فجاهدوهم في ذلك " فلن يضل أعمالهم"فلن يجعل الله أعمالهم التي عملوها في الدنيا ضلالاًعليهم كما أضل أعمال الكافرين .
ذكر أن هذه الآية عني بها أهل أحد .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة " والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم " ذكر لنا أن هذه الآية أنزلت يوم أحد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب ، وقد فشت فيهم الجراحات و القتل ، وقد نادى المشركون : يوم بيوم ، إن الحرب سجال ، إن لنا عزى لكم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والله مولانا ولا مولى لكم . إن القتلى مختلفة ،أما قتلاء فأحياء يرزقون ، وأما قتلاكم ففي النار يعذبون " .
حدثنا ابن عبد الاعلى ، قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة " والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم " قال : الذين قتلوا يوم أحد .

فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب " لما ميز بين الفريقين أمر بجهاد الكفار ، قال ابن عباس : الكفار المشركون عبدة الأوثان ، وقيل : كل من خالف دين الإسلام من مشرك أو كتابي إذا لم يكن صاحب عهد ولا ذمة ، ذكره الماوردي ، واختار ابن العربي ، وقال : وهو الصحيح لعموم الآية فيه ( فضرب الرقاب ) مصدر ، قال الزجاج : أي فاضربوا الرقاب ضرباً ، وخص الرقاب بالذكر لأن القتل أكثر ما يكون بها ، وقيل نصب على الإغراء ، قال أبو عبيدة : هو كقولك يا نفس صبراً ، وقيل : التقدير اقصدوا ضرب الرقاب ، وقال : ( فضرب الرقاب ) ولم يقل فاقتلوهم ، لأن في العبارة بضرب الرقاب من الغلظة والشدة ما ليس في لفظ القتل ، لما فيه من تصوير القتل بأشنع صورة ، وهو حز العنق وإطارة العضو الذي هو رأس البدن وعلوه وأوجه أعضائه .
الثانية : قوله تعالى : " حتى إذا أثخنتموهم " أي أكثرتم القتل ، وقد مضى في الأنفال عند قوله تعالى : " حتى يثخن في الأرض " [ الأنفال : 67 ] ، " فشدوا الوثاق " أي إذا أسرتموهم ، والوثاق اسم من الإيثاق ، وقد يكون مصدراً يقال : أوثقته إيثاقاً ووثاقاً ، وأما الوثاق ( بالكسر ) فهو اسم الشيء الذي يوثق به كالرباط ، قاله القشيري ، وقال الجوهري : وأوثقه في الوثاق أي شده ، وقال تعالى : ( فشدوا الوثاق ) والوثاق : ( بكسر الواو ) لغة فيه ، وإنما أمر بشد الوثاق لئلا يفلتوا ، " فإما منا " عليهم بالإطلاق من غير فدية " وإما فداء " ولم يذكر القتل هاهنا اكتفاء بما تقدم من القتل في صدر الكلام ، و( منا ) و( فداء ) نصب بإضمار فعل ، وقرئ ( فدى ) بالقصر مع فتح الفاء ، أي فإما أن تمنوا عليهم منا ، وإما أن تفادوهم فداء ، روي عن بعضهم أنه قال : كنت واقفاً على رأس الحجاج حين أتي بالأسرى من أصحاب عبد الرحمن بن الأشعث وهم أربعة آلاف وثمانمائة فقتل منهم نحو من ثلاثة آلاف حتى قدم إليه رجل من كندة فقال : يا حجاج ، لا جازاك الله عن السنة والكرم خيراً ! قال : ولم ذلك ؟ قال : لأن الله تعالى قال : " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء " في حق الذين كفروا فوالله ! ما مننت ولا فديت ؟ وقد قال شاعركم فيما وصف به قومه من مكارم الأخلاف :
ولا نقتل الأسرى ولكن نفكهم إذا أثقل الأعناق حمل المغارم
فقال الحجاج : أف لهذه الجيف ! أما كان فيهم من يحسن مثل هذا الكلام ! ؟ خلوا سبيل من بقي ، فخلي يومئذ عن بقية الأسرى ، وهم زهاء ألفين ، بقول ذلك الرجل .
الثالثة : واختلف العلماء في تأويل هذه الآية على خمسة أقوال :
الأول : أنها منسوخة : وهي في أهل الأوثان ، لا يجوز أن يفادوا ولا يمن عليهم والناسخ لها عندهم قوله تعالى : " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " [ التوبة : 50 ] ، وقوله :" فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم " [ الأنفال : 57 ] ، وقوله : " وقاتلوا المشركين كافة " [ التوبة : 36 ] ، الآية ، قاله قتادة و الضحاك و السدي و ابن جريج و العوفي عن ابن عباس ، قاله كثير من الكوفيين ، وقال عبد الرحمن الجوزي : كتب إلى أبي بكر في أسير أسر ، فذكروا أنهم التمسوه بفداء كذا وكذا ، فقال اقتلوه ، لقتل رجل من المشركين أحب إلي من كذا وكذا .
الثاني : أنها في الكفار جميعاً ، وهي منسوخة على قول جماعة من العلماء وأهل النظر منهم قتادة و مجاهد ، قالوا : إذا أسر المشرك لم يجز أن يمن عليه ، ولا أن يفادي به فيرد إلى المشركين ، ولا يجوز أن يفادي عندهم إلا بالمرأة ، لأنها لا تقتل ، والناسخ لها : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) إذ كانت براءة آخر ما نزلت بالتوقيف ، فوجب أن يقتل كل مشرك إلا من قامت الدلالة على تركه من النساء والصبيان ومن يؤخذ منه الجزية ، وهو المشهور من مذهب أبي حنيفة ، خيفة أن يعودوا حرباً للمسلمين ، ذكر عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة ( فإما منا بعد وإما فداء ) قال : نسخها ( فشرد بهم من خلفهم ) وقال مجاهد : نسخها " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " وهو قول الحكم .
الثالث : أنها ناسخة ، قاله الضحاك وغيره ، روى الثوري عن جويبر عن الضحاك ، " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " قال : نسخها ( فإما منا بعد وإما فداء ) وقال ابن المبارك عن ابن جريج عن عطاء : ( فإما منا بعد وإما فداء ) فلا يقتل المشرك ولكن يمن عليه ويفادي ، كما قال الله عز وجل ، قال أشعث : كان الحسن يكره أن يقتل الأسير ، ويتلو " فإما منا بعد وإما فداء " وقال الحسن أيضاً : في الآية تقديم وتأخير ، فكأنه قال فضرب الرقاب حتى تضع الحرب أوزارها ، ثم قال : " حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق " وزعم أنه ليس للإمام إذا حصل الأسير في يديه أن يقتله ، لكنه بالخيار في ثلاث منازل إما أن يمن ، أو يفادي ، أو يسترق .
الرابع : قول سعيد بن جبير : لا يكون فداء ولا أسر إلا بعد الإثخان والقتل بالسيف ، لقوله تعالى : " ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض " [ الأنفال : 67 ] ، فإذا أسر بعد ذلك فللإمام أن يحكم بما رآه من قتل أو غيره .
الخامس : أن الآية محكمة ، والإمام مخير في كل حال ، روه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وقاله كثير من العلماء منهم ابن عمر و الحسن و عطاء وهو مذهب مالك و الشافعي و الأوزاعي و أبي عبيد وغيرهم ، وهو الاختيار لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين فعلوا كل ذلك ، قتل النبي صلى الله عليه وسلم عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث يوم بدر صبراً وفادى سائر أسارى بدر ، ومن على ثمامة بن أثال الحنفي وهو أسير في يده ، وأخذ من سلمة بن الأكوع جارية ففدى بها أناساً من المسلمين ، وهبط عليه عليه السلام قوم من أهل مكة فأخذهم النبي صلى الله عليه وسلم ومن عليهم ، وقد من على سبي هوازن ، وهذا كله ثابت في الصحيح ، وقد مضى جميعه في الأنفال وغيرها ، قال النحاس : وهذا على أن الآيتين محكمتان معمول بهما ، وهو قول حسن ، لأن النسخ إنما يكون لشيء قاطع فإذا أمكن العمل بالآيتين فلا معنى للقول بالنسخ ، إذا كان يجوز أن يقع التعبد إذا لقينا الذين كفروا قتلناهم ، فإذا كان الأسر جاز القتل والاسترقاق والمفاداة والمن ، على ما فيه الصلاح للمسلمين ، وهذا القول يروى عن أهل المدينة و الشافعي و أبي عبيد ، وحكاه الطحاوي مذهباً عن أبي حنيفة ، والمشهور عنه ما قدمناه ، وبالله عز وجل التوفيق .
الرابعة : قوله تعالى : " حتى تضع الحرب أوزارها " قال مجاهد و ابن جبير : هو خروج عيسى عليه السلام ، عن مجاهد أيضاً : أن المعنى حتى لا يكون دين إلا دين الإسلام ، فيسلم كل يهودي ونصراني وصاحب ملة ، وتأمن الشاة من الذئب ، ونحوه عن الحسن والكلبي و الفراء و الكسائي قال الكسائي : حتى يسلم الخلق ، وقال الفراء : حتى يؤمنوا ويذهب الكفر ، وقال الكلبي : حتى يظهر الإسلام على الدين كله ، وقال الحسن : حتى لا يعبدوا إلا الله ، وقيل : معنى الأوزار السلاح ، فالمعنى شدوا الوثاق حتى تأمنوا وتضعوا السلاح ، وقيل : معناه حتى تضع الحرب ، أي الأعداء المحاربون أوزارهم ، وهو سلاحهم بالهزيمة أو الموداعة ، ويقال للكراع أوزار ، قال الأعشى :
وأعددت للحرب أوزارها رماحاً طوالاً وخيلاً ذكورا
ومن نسج داود يحدي بها على أثر الحي عيراً فعيرا
وقيل : ( حتى تضع الحرب أوزارها ) أي أثقالها ، والوزر الثقل ، ومنه وزير الملك لأنه يتحمل عنه الأثقال ، وأثقالها السلاح لثقل حملها ، قال ابن العربي : قال الحسن و عطاء في الآية تقديم وتأخير ، المعنى فضرب الرقاب حتى تضع الحرب أوزارها فإذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق ، وليس للإمام أن يقتل الأسير ، وقد روي عن الحجاج أنه دفع أسيراً إلى عبد الله بن عمر ليقتله فأبى وقال : ليس بهذا أمرنا الله ، وقرأ " حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق " قلنا : قد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله ، وليس في تفسير اله للمن والفداء منع من غيره ، فقد بي، الله في الزنى حكم الجلد ، وبين النبي صلى الله عليه وسلم حكم الرجم ، ولعل ابن عمر كره ذلك من يد الحجاج فاعتذر بما قال ، وربك أعلم .
قوله تعالى : " ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم " ( ذلك ) في موضع رفع على ما تقدم ، أي الأمر ذلك الذي ذكرت وبينت ، وقيل : هو منصوب على معنى افعلوا ذلك ، ويجوز أن يكون مبتدأ ، المعنى ذلك حكم الكفار ، وهي كلمة يستعملها الفصيح عند الخروج من كلام إلى كلام ، وهو كما قال تعالى : " هذا وإن للطاغين لشر مآب " [ ص : 55 ] ، أي هذا حق وأنا أعرفكم أن للظالمين كذا ، ومعنى : ( لانتصر منهم ) أي أهلكهم بغير قتال ، وقال ابن عباس : لأهلكهم بجند من الملائكة ، " ولكن ليبلو بعضكم ببعض " أي أمركم بالحرب ليبلوا ويختبر بعضكم ببعض فيعلم المجاهدين الصابرين ، كما في السورة نفسها ، " والذين قتلوا في سبيل الله " يريد قتلى أحد من المؤمنين " فلن يضل أعمالهم " قراءة العامة ( قاتلوا ) وهي اختيار أبي عبيد ، وقرأ أبو عمرو و حفض ( قتلوا ) بضم القاف ، وكسر التاء ، وكذلك قرأ الحسن إلا أنه شدد التاء على التكثير ، وقرأ الجحدري و عيسى بن عمر و أبو حيوة ( قتلوا ) بفتح القاف والتاء من غير ألف ، يعني الذين قتلوا المشركين ، قال قتادة : ذكر لنا أن هذه الآية نزلت يوم أحد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب ، وقد فشت يهم الجراحات والقتل ، وقد نادى المشركون : أعل هبل ، ونادى المسلمون : الله أعلى وأجل ، وقال المشركون : يوم بيوم بدر والحرب سجال ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قولوا لا سواء ، قتلانا أحياء عند ربهم يرزقون وقتلاكم في النار يعذبون ، فقال المشركون : إن لنا العزى ولا عزى لكم ، فقال المسلمون : الله مولانا ولا مولى لكم ، وقد تقدم ذكر ذلك في آل عمران .
يقول تعالى مرشداً للمؤمنين إلى ما يعتمدونه في حروبهم مع المشركين "فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب" أي إذا واجهتموهم فاحصدوهم حصداً بالسيوف "حتى إذا أثخنتموهم" أي أهلكتموهم قتلاً "فشدوا الوثاق" الأسارى الذين تأسرونهم, ثم أنتم بعد انقضاء الحرب وانفصال المعركة مخيرون في أمرهم, إن شئتم مننتم عليهم فأطلقتم أساراهم مجاناً, وإن شئتم فاديتموهم بمال تأخذونه منهم وتشارطونهم عليه, والظاهر أن هذه الاية نزلت بعد وقعة بدر, فإن الله سبحانه وتعالى عاتب المؤمنين على الاستكثار من الأسارى يومئذ, ليأخذوا منهم الفداء والتقليل من القتل يومئذ فقال: " ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم * لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم " ثم قد ادعى بعض العلماء أن هذه الاية المخيرة بين مفاداة الأسير والمن عليه منسوخة بقوله تعالى: "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" الاية, رواه العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقاله قتادة والضحاك والسدي وابن جريج وقال الاخرون وهم الأكثرون: ليست بمنسوخة, ثم قال بعضهم: إنما الإمام مخير بين المن على الأسير ومفاداته فقط, ولا يجوز له قتله. وقال آخرون منهم: بل له أن يقتله إن شاء لحديث قتل النبي صلى الله عليه وسلم النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط من أسارى بدر. وقال ثمامة بن أثال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال له: "ما عندك يا ثمامة ؟" فقال إن تقتل تقتل ذا دم, وإن تمنن تمنن على شاكر, وإن كنت تريد المال فاسأل تعط منه ما شئت. وزاد الشافعي رحمة الله عليه فقال: الإمام مخير بين قتله أو المن عليه أو مفاداته أو استرقاقه أيضاً, وهذه المسألة محررة في علم الفروع وقد دللنا على ذلك في كتابنا الأحكام ولله سبحانه وتعالى الحمد والمنة.
وقوله عز وجل: "حتى تضع الحرب أوزارها" قال مجاهد: حتى ينزل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام, وكأنه أخذه من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يقاتل آخرهم الدجال". وقال الإمام أحمد: حدثنا الحكم بن نافع, حدثنا إسماعيل بن عياش عن إبراهيم بن سليمان, عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن نفير قال: إن سلمة بن نفيل أخبرهم أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني سيبت الخيل وألقيت السلاح ووضعت الحرب أوزارها وقلت: لا قتال, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "الان جاء القتال لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الناس يزيغ الله تعالى قلوب أقوام, فيقاتلونهم ويرزقهم الله منهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك, ألا إن عقد دار المؤمنين بالشام والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة" وهكذا رواه النسائي من طريقين عن جبير بن نفير عن سلمة بن نفيل السكوني به.
وقال أبو القاسم البغوي: حدثنا داود بن رشيد, حدثنا الوليد بن مسلم عن محمد بن مهاجر, عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن نفير عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: لما فتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح قالوا يا رسول الله سيبت الخيل ووضعت السلاح ووضعت الحرب أوزارها قالوا لا قتال قال: "كذبوا الان جاء القتال, ولا يزال الله تعالى يرفع قلوب قوم يقاتلونهم فيرزقهم منهم حتى يأتي أمر الله, وهم على ذلك وعقر دار المسلمين بالشام". وهكذا رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي عن داود بن رشيد به, والمحفوظ أنه من رواية سلمة بن نفيل كما تقدم, وهذا يقوي القول بعدم النسخ كأنه شرع هذا الحكم في الحرب إلى أن لا يبقى حرب. وقال قتادة "حتى تضع الحرب أوزارها" حتى لا يبقى شرك, وهذا كقوله تعالى: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله". ثم قال بعضهم: حتى تضع الحرب أوزارها أي أوزار المحاربين وهم المشركون بأن يتوبوا إلى الله عز وجل, وقيل أوزار أهلها بأن يبذلوا الوسع في طاعة الله تعالى. وقوله عز وجل: " ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم " أي هذا ولو شاء الله لا نتقم من الكافرين بعقوبة ونكال من عنده "ولكن ليبلو بعضكم ببعض" أي ولكن شرع لكم الجهاد وقتال الأعداء ليختبركم, ويبلو أخباركم كما ذكر حكمته في شرعية الجهاد في سورتي آل عمران وبراءة في قوله تعالى: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين".
وقال تبارك وتعالى في سورة براءة: "قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين * ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم" ثم لما كان من شأن القتال أن يقتل كثير من المؤمنين قال: "والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم" أي لن يذهبها بل يكثرها وينميها ويضاعفها . ومنهم من يجري عليه عمله طول برزخه, كما ورد بذلك الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده حيث قال: حدثنا زيد بن يحيى الدمشقي, حدثنا ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن كثير بن مرة عن قيس الجذامي ـ رجل كانت له صحبة ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يعطى الشهيد ست خصال: عند أول قطرة من دمه تكفر عنه كل خطيئة, ويرى مقعده من الجنة, ويزوج من الحور العين, ويأمن من الفزع الأكبر, ومن عذاب القبر, ويحلى حلة الإيمان" تفرد به أحمد رحمه الله.
(حديث آخر) قال أحمد أيضاً: حدثنا الحكم بن نافع, حدثني إسماعيل بن عياش عن بحير بن سعيد عن خالد بن معدان عن المقدام بن معد يكرب الكندي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن للشهيد عند الله ست خصال: أن يغفر له في أول دفقة من دمه, ويرى مقعده من الجنة, ويحلى حلة الإيمان, ويزوج الحور العين ويجار من عذاب القبر, ويأمن من الفزع الأكبر, ويوضع على رأسه تاج الوقار مرصع بالدر والياقوت, الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين, ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه". وقد أخرجه الترمذي وصححه وابن ماجة. وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين" وروي من حديث جماعة من الصحابة رضي الله عنهم, وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته" ورواه أبو داود والأحاديث في فضل الشهيد كثيرة جداً.
وقوله تبارك وتعالى: "سيهديهم" أي إلى الجنة كقوله تعالى: "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم". وقوله عز وجل "ويصلح بالهم" أي أمرهم وحالهم "ويدخلهم الجنة عرفها لهم" أي عرفهم بها وهداهم إليها. قال مجاهد: يهتدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم, وحيث قسم الله لهم منها لا يخطئون كأنهم ساكنوها منذ خلقوا لا يستدلون عليها أحداً, وروى مالك عن ابن زيد بن أسلم نحو هذا, وقال محمد بن كعب: يعرفون بيوتهم إذا دخلوا الجنة كما تعرفون بيوتكم إذا انصرفتم من الجمعة. وقال مقاتل بن حيان: بلغنا أن الملك الذي كان وكل بحفظ عمله في الدنيا يمشي بين يديه في الجنة ويتبعه ابن آدم حتى يأتي أقصى منزل هو له فيعرفه كل شيء أعطاه الله تعالى في الجنة, فإذا انتهى إلى أقصى منزله في الجنة دخل إلى منزله وأزواجه وانصرف الملك عنه, ذكره ابن أبي حاتم رحمه الله. وقد ورد الحديث الصحيح بذلك أيضاً رواه البخاري من حديث قتادة عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار, يتقاضون مظالم كانت بينهم في الدنيا, حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة, والذي نفسي بيده إن أحدهم بمنزله في الجنة أهدى منه بمنزله الذي كان في الدنيا ".
ثم قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم" كقوله عز وجل: "ولينصرن الله من ينصره" فإن الجزاء من جنس العمل ولهذا قال تعالى: "ويثبت أقدامكم" كما جاء في الحديث "من بلغ ذا سلطان حاجة من لا يستطيع إبلاغها, ثبت الله تعالى قدميه على الصراط يوم القيامة" ثم قال تبارك وتعالى: "والذين كفروا فتعساً لهم" عكس تثبيت الأقدام للمؤمنين الناصرين لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم, وقد ثبت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تعس عبد الدينار, تعس عبد الدرهم, تعس عبد القطيفة, تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش!" أي فلا شفاه الله عز وجل. وقوله سبحانه وتعالى: "وأضل أعمالهم" أي أحبطها وأبطلها, ولهذا قال: "ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله" أي لا يريدونه ولا يحبونه "فأحبط أعمالهم".
4- "فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب" لما بين سبحانه حال الفريقين أمر بجهاد الكفار، والمراد بالذين كفروا المشكرين ومن لم يكن صاحب عهد من أهل الكتاب، وانتصاب فضرب على أنه مصدر لفعل محذوف. قال الزجاج: أي فاضربوا الرقاب ضرباً، وخص الرقاب بالذكر لأن القتل أكثر ما يكون بقطعها، وقيل هو منصوب على الإغراء. قال أبو عبيدة: هو كقولهم: يا نفس صبراً، وقيل التقدير: اقصدوا ضرب الرقاب. وقيل إنما خص ضرب الرقاب لأن في التعبير عنه من الغلظة والشدة ما ليس في نفس القتل، وهي حز العنق وإطارة العضو الذي هو رأس البدن وعلوه وأحسن أعضائه "حتى إذا أثخنتموهم" أي بالغتم في قتلهم وأكثرتم القتل فيهم، وهذه غاية للأمر بضرب الرقاب، لا لبيان غاية القتل، وهو مأخوذ من الشيء الثخين: أي الغليظ، وقد مضى تحقيق معناه في سورة الأنفال "فشدوا الوثاق" الوثاق بالفتح ويجيء بالكسر: اسم الشيء الذي يوثق به كالرباط. قال الجوهري: وأوثقه في الوثاق: أي شده، قال: والوثاق بكسر الواو لغة فيه. قرأ الجمهور "فشدوا" بضم الشين، وقرأ السلمي بكسرها. وإنما أمر سبحانه بشد الوثاق لئلا ينفلتوا، والمعنى: إذا بالغتم في قتلهم فأسروهم وأحيطوهم بالوثاق "فإما منا بعد وإما فداء" أي فإما أن تمنوا عليهم بعد الأسر منا، أو تفدوا فداء، والمن: الإطلاق بغير عوض، والفداء: ما يفدي به الأسير نفسه من الأسر، ولم يذكر القتل هنا اكتفاء بما تقدم. قرأ الجمهور "فداء" بالمد. وقرأ ابن كثير " فهدى " بالقصر، وإنما قدم المن على الفداء، لأنه من مكارم الأخلاق، ولهذا كانت العرب تفتخر به، كما قال شاعرهم:
ولا نقتل الأسرى ولكن نفكهم إذا أثقل الأعناق حمل المغارم
ثم ذكر سبحانه الغاية لذلك فقال: "حتى تضع الحرب أوزارها" أوزار الحرب التي لا تقوم إلا بها من السلام والكراع، أسند الوضع إليها وهو لأهلها على طريق المجاز، والمعنى: أن المسلمين مخيرون بين تلك الأمور إلى غاية هي أن لا يكون حرب مع الكفار. قال مجاهد: المعنى حتى لا يكون دين غير دين الإسلام وبه قال الحسن والكلبي. قال الكسائي: حتى يسلم الخلق: قال الفراء: حتى يؤمنوا ويذهب الكفر. وقيل المعنى: حتى يضع الأعداء المحاربون أوزارهم، وهو سلاحهم بالهزيمة أو الموادعة. وروي عن الحسن وعطاء أنهما قالا: في الآية تقديم وتأخير، والمعنى: فضرب الرقاب حتى تضع الحرب أوزارها، فإذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق.
وقد اختلف العلماء في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة، فقيل إنها منسوخة في أهل الأوثان وأنه لا يجوز أن يفادوا ولا يمن عليهم، والناسخ لها قوله: "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" وقوله: "فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم" وقوله: "وقاتلوا المشركين كافة" وبهذا قال قتادة والضحاك والسدي وابن جريح وكثير من الكوفيين: قالوا: والمائدة آخر ما نزل، فوجب أن يقتل كل مشرك إلا من قامت الدلالة على تركه من النساء والصبيان ومن تؤخذ منه الجزية، وهذا هو المشهور من مذهب أبي حنيفة. وقيل إن هذه الآية ناسخة لقوله: "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" روي ذلك عن عطاء وغيره.وقال كثير من العلماء: إن الآية محكمة والإمام مخير بين القتل والأسر، وبعد الأسر مخير بين المن والفداء. وبه قال مالك والشافعي والثوري والأوزاعي وأبو عبيد وغيرهم. وهذا هو الراجح لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده فعلوا ذلك. وقال سعيد بن جبير: لا يكون فداء ولا أسر إلا بعد الإثخان والقتل بالسيف لقوله: "ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض" فإذا أسر بعد ذلك فللإمام أن يحكم بما رآه من قتل أو غيره " ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم " محل ذلك الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف: أي الأمر ذلك، وقيل في محل نصب على المفعولية بتقدير فعل: أي افعلوا ذلك، ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره محذوف يدل عليه ما تقدم: أي ذلك حكم الكفار، ومعنى لو يشاء الله لانتصر منهم: أي قادر على الانتصار منهم بالانتقام منهم وإهلاكهم وتعذيبهم بما شاء من أنواع العذاب "ولكن" أمركم بحربهم "ليبلو بعضكم ببعض" أي ليتخير بعضكم ببعض فيعلم المجاهدين في سبيله والصابرين على ابتلائه ويجزل ثوابهم ويعذب الكفار بأيديهم "والذين قتلوا في سبيل الله" قرأ الجمهور "قاتلوا" مبنياً للفاعل، وقرأ أبو عمرو وحفص "قتلوا" مبنياً للمفعول، وقرأ الحسن بالتشديد مبنياً للمفعول أيضاً. وقرأ الجحدي وعيسى بن عمر وأبو حيوة قتلوا على البناء للفاعل مع التخفيف من غير ألف، والمعنى على القراءة الأولى والرابعة: أن المجاهدين في سبيل الله ثوابهم غير ضائع، وعلى القراءة الثانية والثالثة: أن المقتولين في سبيل الله كذلك لا يضع الله سبحانه أجرهم. قال قتادة: ذكر لنا أن هذه الآية نزلت يوم أحد.
4. " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب "، نصب على الإغراء، أي فاضربوا رقابهم يعني أعناقهم. " حتى إذا أثخنتموهم "، بالغتم في القتل وقهرتموهم، "فشدوا الوثاق "، يعني في الأسر حتى لا يفلتوا منكم، والأسر يكون بعد المبالغة في القتل، كما قال: " ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض " (الأنفال-67)، " فإما مناً بعد وإما فداءً "، يعني: بعد أن تأسروهم فإما أن تمنوا عليهم مناً بإطلاقهم من غير عوض، وإما أن تفادوهم فداء.
واختلف العلماء في حكم هذه الآية، فقال قوم: هي منسوخة بقوله: " فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم " (الأنفال-57)، وبقوله: " اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " (التوبة-5).
وإلى هذا القول ذهب قتادة و الضحاك و السدي و ابن جريج ، وهو قول الأوزاعي وأصحاب الرأي، قالوا: لا يجوز المن على من وقع في الأسر من الكفار ولا الفداء.
وذهب آخرون إلى أن الآية محكمة، والإمام بالخيار في الرجال العاقلين من الكفار إذا وقعوا في الأسر بين أن يقتلهم أو يسترقهم أو يمن عليهم، فيطلقهم بلا عوض أو يفاديهم بالمال، أو بأسارى المسلمين، وإليه ذهب ابن عمر، وبه قال الحسن ، و عطاء ، وأكثر الصحابة والعلماء، وهو قول الثوري و الشافعي ، و أحمد و إسحاق .
قال ابن عباس: لما كثر المسلمون واشتد سلطانهم أنزل الله عز وجل في الأسارى " فإما مناً بعد وإما فداء ".
وهذا هو الأصح والاختيار، لأنه عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده:
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، حدثنا محمد بن يوسف ، [حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبد الله بن يوسف ] حدثنا الليث، حدثنا سعيد بن أبي سعيد سمع أبا هريرة قال:" بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلاً قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية [من سواري] المسجد، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي خير يا محمد إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت، حتى كان الغد، فقال له: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر، [إن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال سل تعط] فتركه حتى كان بعد الغد، فقال له: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي ما قلت لك، فقال: أطلقوا ثمامة ، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، يا محمد والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينك أحب الدين إلي، والله ما كان من بلد أبغض
إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد إلي، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: أصبوت؟ فقال: لا، ولكن أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم".
أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، حدثنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين قال: "أسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني عقيل فأوثقوه، وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ففداه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجلينت اللذين أسرتهما ثقيف".
قوله عز وجل: " حتى تضع الحرب أوزارها "، أي أثقالها وأحمالها، يعني حتى تضع أهل الحرب السلاح، فيمسكوا عن الحرب.
وأصل ((الوزر)): ما يحتمل الإنسان، فسمى الأسلحة أوزاراً لأنها تحمل.
وقيل: ((الحرب)) هم المحاربون، كالشرب والركب.
وقيل: ((الأوزار)) الآثام، ومعناه حتى يضع المحاربون آثامها، بأن يتوبوا من كفرهم فيؤمنوا بالله ورسوله.
وقيل: حتى تضع حربكم وقتالكم أوزار المشركين وقبائح أعمالهم بأن يسلموا، ومعنى الآية: أثخنوا المشركين بالقتل والأسر حتى يدخل أهل الملل كلها في اإسلام، ويكون الدين كله لله فلا يكون بعده جهاد ولا قتال، وذلك عند نزول عيسى بن مريم عليهما السلام، وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: " الجهادماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال ".
وقال الكلبي : حتى يسلموا أو يسالموا.
وقال الفراء : حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم.
" ذلك "، الذي ذكرت وبينت من حكم الكفار، " ولو يشاء الله لانتصر منهم "، فأهلكهم وكفاكم أمرهم بغير قتال، " ولكن "، أمركم بالقتال، " ليبلو بعضكم ببعض "، فيصير من قتل من المؤمنين إلى الثواب ومن قتل من الكافرين إلى العذاب، " والذين قتلوا في سبيل الله "، قرأ أهل البصرة وحفص: ((قتلوا)) بضم القاف وكسر التاء خفيف، يعني الشهداء، وقرأ الآخرون: ((قاتلوا)) بالألف من المقاتلة، وهم المجاهدون، " فلن يضل أعمالهم "، قال قتادة : ذكر لنا أن هذه الآية نزلت يوم أحد، وقد فشت في المسلمين الجراحات والقتل.
4-" فإذا لقيتم الذين كفروا " في المحاربة . " فضرب الرقاب " أصله فاضربوا الرقات ضرباً فحذف الفعل وقدم المصدر ، وأنيب منابه مضافاً إلى المفعول ضماً إلى التأكيد والاختصار . والتعبير به عن القتل إشعاراً بأنه ينبغي أن يكون بضرب الرقاب حيث أمكن ، وتصوير له بأشنع صورة . " حتى إذا أثخنتموهم " أكثرتم قتلهم وأغلظتموه من الثخين وهو الغليظ . " فشدوا الوثاق " فأسروهم واحفظوهم ، والوثاق بالفتح والكسر ما يوثق به . " فإما منا بعد وإما فداءً " أي فإما تمنون منا أو تفدون فداء ، والمراد التخيير بعد الأسر بين المن والإطلاق وبين أخذ الفداء ، وهو ثابت عندنا فإن الذكر الحر المكلف إذا أسر تخير الإمام بين القتل والمن والفداء ، والاسترقاق منسوخ عند الحنفية أو مخصوص بحرب بدر فإنهم قالوا يتعين القتل أو الاسترقاق . وقرئ فدا كعصا . " حتى تضع الحرب أوزارها " آلاتها وأثقالها التي لا تقوم إلا بها كالسلاح والكراع ، أي تنقضي الحرب ولم يبق إلا مسلم أو مسالم . وقيل آثامها والمعنى حتى يضع أهل الحرب شركهم ومعاصيهم ، وهو غاية للضرب أو الشد أو للمن والفداء أو للمجموع بمعنى أن هذه الأحكام جارية فيها حتى لا يكون حرب مع المشركين بزوال شوكتهم .وقيل بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام " ذلك " اي الأمر ذلك ، أو افعلوا بهم ذلك . " ولو يشاء الله لانتصر منهم " لانتقم منهم بالاستئصال . " ولكن ليبلو بعضكم ببعض " ولكن أمركم بالقتال ليبلوا المؤمنين بالكافرين بأن يجاهدوهم فيستوجبوا الثواب العظيم بالمؤمنين بأن يعاجلهم على أيديهم ببعض عذابهم كي يرتدع بعضهم عن الكفر ." الذين قتلوا في سبيل الله " أي جاهدوا ، وقرأ البصريان و حفص قتلوا أي استشهدوا ." فلن يضل أعمالهم " فلن يضيعها ، و قرئ يضل من ضل ويضل على البناء للمفعول .
4. Now when ye meet in battle those who disbelieve, then it is smiting of the necks until, when ye have routed them, then making fast of bonds; and afterward either grace or ransom till the war lay down its burdens. That (is the ordinance). And if Allah willed He could have punished them (without you) but (thus it is ordained) that He may try some of you by means of others. And those who are slain in the way of Allah, He rendereth not their actions vain.
4 - Therefore, when ye meet the Unbelievers (in fight). Smite at their necks; at length, when ye have thoroughly subdued them, bind a bon firmly (on them): thereafter (is the time for) either generosity or ransom: until the war lays down its burdens. Thus (are ye commanded): but if it had been God's Will, He could certainly have exacted retribution from them (Himself); but (He lets you fight) in order to test you, some with others. But those who are slain in the way of God, He will never let their deeds be lost.