[محمد : 19] فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ
19 - (فاعلم أنه لا إله إلا الله) أي دم يا محمد على علمك بذلك النافع في القيامة (واستغفر لذنبك) لأجله قيل له ذلك مع عصمته لتستن به أمته وقد فعله قال صلى الله عليه وسلم إني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة (وللمؤمنين والمؤمنات) فيه إكرام لهم بأمر نبيهم بالاستغفار لهم (والله يعلم متقلبكم) متصرفكم لأشغالكم في النهار (ومثواكم) مأواكم إلى مضاجعكم بالليل أي هو عالم بجميع أحوالكم لا يخفى عليه شيء منها فاحذروه والخطاب للمؤمنين وغيرهم
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فاعلم يا محمد أنه لا معبود تنبغي أو تصلح الألوهة ويجوز لك وللخلق عبادته ، إلا الله الذي هو خالق الخلق ، ومالك كل شيء ، يدين له بالربوبية كل ما دونه " واستغفر لذنبك " وسل ربك غفران سالف ذنوبك وحادثها ـ وذنوب أهل الإيمان بك من الرجال والنساء " والله يعلم متقلبكم ومثواكم " يقول : فإن الله يعلم متصرفكم فيما تتصرفون فيه في يقظتكم من الأعمال ، ومثواكم إذا ثويتم في مضاجعكم للنوم ليلاً ، لا يخفى عليه شيء من ذلك ، وهو مجازيكم على جميع ذلك .
وقد حدثنا أيو كريب قال : ثنا عثمان بن سعيد قال : ثنا إبراهيم بن سليمان عن عاصم الأحول عن عبد الله بن سرجس قال : " أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : غفر الله لك يا رسول الله ، فقال رجل من القوم : أستغفر لك يا رسول الله ؟ قال : نعم ولك ، ثم قرأ " واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات " " .
قوله تعالى : " فاعلم أنه لا إله إلا الله " قال الماوردي : وفيه وإن كان الرسول عالماً بالله ثلاثة أوجه : يعني أعلم أن الله أعلمك أن لا إله إلا الله ، الثانية ، ما علمته استدلالاً فاعلمه خبراً يقيناً ، الثالث : يعني فاذكر أن لا إله إلا الله ، فعبر عن الذكر بالعلم لحدوثه عنه ، وعن سفيان بن عيينة أنه سئل عن فضل العلم فقال : ألم تسمع قوله حين بدأ به " فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك " فأمر بالعمل بعد العلم وقال : " اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو " إلى قوله " سابقوا إلى مغفرة من ربكم " [ الحديد : 20 - 21 ] ، وقال " واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة " [ الأنفال : 28 ] ، ثم قال بعد : " فاحذروهم " [ التغابن : 14 ] ، وقال تعالى : " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه " [ الأنفال : 41 ] ، ثم أمر بالعمل بعد .
قوله تعالى : " واستغفر لذنبك " يحتمل وجهين : أحدهما : يعني استغفر الله أن يقع منك ذنب ، الثاني : استغفر الله ليعصمك من الذنوب ، وقيل : لما ذكر له حال الكافرين والمؤمنين أمره بالثبات على الإيمان ، أي اثبت على ما أنت عليه من التوحيد والإخلاص والحذر عما تحتاج معه إلى إستغفار ، وقيل : الخطاب له والمراد به الأمة ، وعلى هذا القول توجب الآية استغفار الإنسان لجميع المسلمين وقيل : كان عليه السلام يضيق صدره من كفر الكفار والمنافقين ، فنزلت الآية ، أي فاعلم أنه لا كاشف يكشف ما بك إلا الله ، فلا تعلق قلبك بأحد سواه ، وقيل : أمر بالاستغفار لتقتدي به الأمة " وللمؤمنين والمؤمنات " أي ولذنوبهم ، وهذا أمر بالشفاعة ، وروى مسلم عن عاصم الأحول ، " عن عبد الله بن سرجس المخزومي قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأكلت من طعامه فقلت : يا رسول الله ، غفر الله لك ! فقال له صاحبي : هل استغفر لك النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، ولك ، ثم تلا هذه الآية : " واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات " ، ثم تحولت فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه ، جمعاً عليه خيلان كأنه الثآليل " .
" والله يعلم متقلبكم ومثواكم " فيه خمسة أقوال : أحدها ، يعلم أعمالكم في تصرفكم وأقامتكم ، الثاني : ( متقلبكم ) في أعمالكم نهاراً ( ومثواكم ) في ليلكم نياماً وقيل ( متقلبكم ) في الدنيا ، ( ومثواكم ) في الدنيا والآخرة ، قاله ابن عباس و الضحاك وقال عكرمة : ( متقلبكم ) في أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات ، ( ومثواكم ) مقامكم في الأرض وقال ابن كيسان : ( متقلبكم ) من ظهر إلى بطن إلى الدنيا ، ( ومثواكم ) في القبور .
قلت : والعموم يأتي على هذا كله ، فلا يخفى عليه سبحانه شيء من حركات بني آدم وسكناتهم ، وكذا جميع خلقه ، فهو عالم بجميع ذلك قبل كونه جملة وتفصيلاً أولى وأخرى ، سبحانه ! لا إله إلا هو .
يقول تعالى مخبراً عن المنافقين في بلادتهم وقلة فهمهم, حيث كانوا يجلسون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستمعون كلامه فلا يفهمون منه شيئاً فإذا خرجوا من عنده "قالوا للذين أوتوا العلم" من الصحابة رضي الله عنهم "ماذا قال آنفاً" أي الساعة. لا يعقلون ما قال ولا يكترثون له. قال الله تعالى: "أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم" أي فلا فهم صحيح ولا قصد صحيح. ثم قال عز وجل: "والذين اهتدوا زادهم هدى" أي والذين قصدوا الهداية وفقهم الله تعالى لها فهداهم إليها وثبتهم عليها وزادهم منها "وآتاهم تقواهم" أي ألهمهم رشدهم. وقوله تعالى: "فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة" أي وهم غافلون عنها "فقد جاء أشراطها" أي أمارات اقترابها كقوله تبارك وتعالى: " هذا نذير من النذر الأولى * أزفت الآزفة " وكقوله جلت عظمته: "اقتربت الساعة وانشق القمر" وقوله سبحانه وتعالى: "أتى أمر الله فلا تستعجلوه" وقوله جل وعلا: "اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون" فبعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة, لأنه خاتم الرسل الذي أكمل الله تعالى به الدين وأقام به الحجة على العالمين.
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بأمارات الساعة وأشراطها وأبان عن ذلك وأوضحه بما لم يؤته نبي قبله, كما هو مبسوط في موضعه. وقال الحسن البصري: بعثة محمد صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة وهو كما قال ولهذا جاء في أسمائه صلى الله عليه وسلم أنه نبي التوبة ونبي الملحمة, والحاشر الذي يحشر الناس على قدميه, والعاقب الذي ليس بعده نبي.
وقال البخاري: حدثنا أحمد بن المقدام, حدثنا فضيل بن سليمان, حدثنا أبو حازم, حدثنا سهل بن سعد رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بأصبعيه هكذا بالوسطى والتي تليها "بعثت أنا والساعة كهاتين" ثم قال تعالى: "فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم" أي فكيف للكافرين بالتذكر إذا جاءتهم القيامة حيث لا ينفعهم ذلك كقوله تعالى: "يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى". "وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد". وقوله عز وجل: "فاعلم أنه لا إله إلا الله" هذا إخبار بأنه لا إله إلا الله ولا يتأتى كونه آمراً بعلم ذلك, ولهذا عطف عليه قوله عز وجل: " واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات " وفي الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني, اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي". وفي الصحيح أنه كان يقول في آخر الصلاة "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت, وما أنت أعلم به مني أنت إلهي لا إله إلا أنت" وفي الصحيح أنه قال: "يا أيها الناس توبوا إلى ربكم فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة".
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن عاصم الأحول قال: سمعت عبد الله بن سرجس قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلت من طعامه فقلت غفر الله لك يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم: "ولك" فقلت أستغفر لك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم ولكم" وقرأ "واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات" ثم نظرت إلى بعض كتفه الأيمن ـ أو كتفه الأيسر شعبة الذي شك ـ فإذا هو كهيئة الجمع عليه الثآليل, ورواه مسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم من طرق عن عاصم الأحول به, وفي الحديث الاخر الذي رواه أبو يعلى: حدثنا محمد بن عون, حدثنا عثمان بن مطر, حدثنا عبد الغفور عن أبي نصيرة عن أبي رجاء عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عليكم بلا إله إلا الله والاستغفار, فأكثروا منهما فإن إبليس قال: إنما أهلكت الناس بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار, فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء, فهم يحسبون أنهم مهتدون" وفي الأثر المروي "قال إبليس وعزتك وجلالك لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم. فقال الله عز وجل: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني" والأحاديث في فضل الاستغفار كثيرة جداً. وقوله تبارك وتعالى: "والله يعلم متقلبكم ومثواكم" أي يعلم تصرفكم في نهاركم ومستقركم في ليلكم كقوله تبارك وتعالى: "وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار" وقوله سبحانه وتعالى: "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين" وهذا القول ذهب إليه ابن جريج وهو اختيار ابن جرير, وعن ابن عباس رضي الله عنهما متقلبكم في الدنيا ومثواكم في الاخرة, وقال السدي متقلبكم في الدنيا ومثواكم في قبوركم, والأول أولى وأظهر, والله أعلم.
19- "فاعلم أنه لا إله إلا الله" أي إذا علمت أن مدار الخير هو التوحيد والطاعة، ومدار الشر هو الشرك والعمل بمعاصي الله فاعلم أنه لا إله غيره ولا رب سواه، والمعنى: اثبت على ذلك واستمر عليه، لأنه صلى الله عليه وسلم قد كان عالماً بأنه لا إليه إلا الله قبل هذا، وقيل ما علمته استدلالاً فاعلمه خبراً يقيناً. وقيل المعنى: فاذكر أنه لا إله إلا الله، فعبر عن الذكر بالعلم "واستغفر لذنبك" أي استغفر الله أن يقع منك ذنب، أو استغفر الله ليعصمك، أو استغفره مما ربما يصدر منك من ترك الأولى. وقيل الخطاب له، والمراد الأمة، ويأبى هذا قوله: "وللمؤمنين والمؤمنات" فإن المراد به استغفاره لذنوب أمته بالدعاء لهم بالمغفرة عما فرط من ذنوبهم "والله يعلم متقلبكم" في أعمالكم "ومثواكم" في الدار الآخرة، وقيل متقلبكم في أعمالكم نهاراً ومثواكم في ليلكم نياماً. وقيل متقلبكم في أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات ومثواكم في الأرض: أي مقامكم فيها. قال ابن كيسان متقلبكم من ظهر إلى بطن في الدنيا، ومثواكم في القبور.
وقد أخرج عبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة إلى الغار التفت إلى مكة وقال: أنت أحب بلاد الله إلي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك لم أخرج، فأعتى الأعداء من عتا على الله في حرمه، أو قتل غير قاتله، أو قتل بدخول الجاهلية" فأنزل الله "وكأين من قرية" الآية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس "أنهار من ماء غير آسن" قال: غير متغير. وأخرج أحمد والترمذي وصححه وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في البعث عن معاوية بن حيدة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "في الجنة بحر اللبن وبحر الماء وبحر العسل وبحر الخمر ثم تشقق الأنهار منها". وأخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده والبيهقي عن كعب قال: نهر النيل نهر العسل في الجنة، ونهر دجلة نهر اللبن في الجنة، ونهر الفرات نهر الخمر في الجنة، ونهر سيحان نهر الماء في الجنة. وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: "حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفاً" قال: كنت فيمن يسأل. وأخرج عبد بن حميد من وجه آخر عنه في الآية قال: أنا منهم. وفي هذا منقبة لابن عباس جليلة لأنه كان إذا ذاك صبياً غير بالغ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم مات وهو في سن البلوغ، فسؤال الناس له عن معاني القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ووصف الله سبحانه للمسؤولين بأنهم الذين أوتوا العلم وهو منهم من أعظم الأدلة على سعة علمه ومزيد فقهه في كتاب الله وسنة رسوله، مع كون أترابه وأهل سنه إذ ذاك يلعبون مع الصبيان. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: كانوا يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا خرجوا من عنده قالوا لابن عباس: ماذا قال آنفاً؟ فيقول كذا وكذا، وكان ابن عباس أصغر القوم، فأنزل الله الآية، فكان ابن عباس من الذين أوتوا العلم وأخرج ابن أبي شيبة وابن عساكر عن ابن بريدة في الآية قال: هو عبد الله بن مسعود. وأخرج ابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: هو عبد الله بن مسعود. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم" قال: لما أنزل القرآن آمنوا به، فكان هدى، فلما تبين الناسخ من المنسوخ زادهم هدى. وأخرج ابن المنذر عنه "فقد جاء أشراطها" قال: أول الساعات، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة كهاتين، وأشار بالوسطى والسبابة" ومثله عند البخاري من حديث سهل بن سعد. وفي الباب أحاديث كثيرة فيها بيان أشراط الساعة وبيان ما قد وقع منها وما لم يكن قد وقع، وهي تأتي في مصنف مستقل فلا نطيل بذكرها. وأخرج الطبراني وابن مردويه والديلمي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الاستغفار ثم قرأ "فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات"". وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة في قوله: "واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة". وأخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عبد الله بن سرجس قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأكلت معه من طعام، فقلت: غفر الله لك يا رسول الله، قال: ولك، فقيل: أتستغفر لك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم ولكم وقرأ "واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات"" وقد ورد أحاديث في استغفاره صلى الله عليه وسلم لنفسه ولأمته وترغيبه في الاستغفار. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس "والله يعلم متقلبكم" في الدنيا "ومثواكم" في الآخرة.
19. قوله عز وجل: " فاعلم أنه لا إله إلا الله "، قيل: الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره، وقيل: معناه فاثبت عليه. وقال الحسين بن الفضل : فازدد علماً على علمك. وقال أبو العالية و ابن عيينة : هو متصل بما قبله معناه: إذا جاءتهم الساعة فاعلم أنه لا ملجأ ولا مفزع عند قيامها إلا إلى الله. وقيل: فاعلم أنه لا إله إلا الله، أن الممالك تبطل عند قيامها، فلا ملك ولا حكم لأحد إلا لله، " واستغفر لذنبك "، أمر بالاستغفار مع أنه مغفور له لتستن به أمته.
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور السمعاني ، أخبرنا أبو جعفر الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن ثابت، عن أبي بردة، عن الأغر المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة ".
قوله عز وجل: " وللمؤمنين والمؤمنات "، هذا إكرام من الله تعالى لهذه الأمة حيث أمر نبيهم صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لذنوبهم وهو الشفيع المجاب فيهم، " والله يعلم متقلبكم ومثواكم "، قال ابن عباس و الضحاك : ((متقلبكم)) متصرفكم [ومنتشركم في أعمالكم في الدنيا، ((ومثواكم)) مصيركم في الآخرة إلى الجنة أو إلى النار.
وقال مقاتل و ابن جرير : ((متقلبكم)) منصرفكم] لأشغالكم بالنهار، ((ومثواكم)) مأواكم إلى مضاجعكم بالليل.
وقال عكرمة : ((متقلبكم)) من أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات. ((ومثواكم)) مقامكم في الأرض.
وقال ابن كيسان : ((متقلبكم)) من ظهر إلى بطن، ((ومثواكم)) مقامكم في القبور.
والمعنى: أنه عالم بجميع أحوالكم فلا يخفى عليه شيء منها.
19-" فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك " أي إذا علمت سعادة المؤمنين وشقاوة الكافرين فاثبت على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية وتكميل النفس بإصلاح أحوالها وأفعالها وهضمها بالاستغفار " لذنبك " . " وللمؤمنين والمؤمنات " ولذنوبهم بالدعاء بفرط احتياجهم وكثرة ذنوبهم وأنها جنس آخر ، فإن الذنب له ماله تبعة ما بترك الأولى . " والله يعلم متقلبكم " في الدنيا فإنها مراحل لا بد من قطعها . " ومثواكم " في العقبى فإنها دار إقامتكم فاتقوا الله واستغفروه وأعدوا لمعادكم .
19. So know (O Muhammad) that there is no God save Allah, and ask forgiveness for thy sin and for believing men and believing women. Allah knoweth (both) your place of turmoil and your place of rest.
19 - Know, therefore, that there is no god but God, and ask forgiveness for thy fault, and for the men and women who believe: for God knows how ye move about and how ye dwell in your homes.