[الأحقاف : 4] قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
4 - (قل أرأيتم) أخبروني (ما تدعون) تعبدون (من دون الله) الأصنام مفعول أول (أروني) أخبروني ما تأكيد (ماذا خلقوا) مفعول ثان (من الأرض) بيان ما (أم لهم شرك) مشاركة (في) خلق (السماوات) مع الله وأم بمعنى همزة الانكار (ائتوني بكتاب) منزل (من قبل هذا) القرآن (أو أثارة) بقية (من علم) يؤثر عن الأولين بصحة دعواكم في عبادة الأصنام أنها تقربكم إلى الله (إن كنتم صادقين) في دعواكم
يقول تعالى ذكره : قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله من قومك : أرأيتم أيها القوم الآلهة و الأوثان التي تعبدون من دون الله ، أروني أي شيء خلقوا من الأرض فإن ربي خلق الارض كلها ، فدعوتموها من أجل خلقها ما خلقت من ذلك آلهة و أرباباً فيكون لكم بذلك في عبادتكم إياها حجة ، فإن من حجتي على عبادتي إلهي ، و إفرادي له الألوهة أنه خلق الأرض فابتدعها من غير أصل .
وقوله " أم لهم شرك في السماوات " يقول تعالى ذكره : أم لآلهتكم التي تعبدونها أيها الناس شرك مع الله في السماوات السبع ، فيكون لكم بذلك حجة في عبادتكموها ، فإن من حجتي على إفرادي العبادة لربي ، أنه لا شريك له في خلقها ، و أنه المنفرد بخلقها دون كل ما سواه .
وقوله " ائتوني بكتاب من قبل هذا " يقول تعالى ذكره : بكتاب جاء من عند الله من قبل هذا القرآن الذي أنزل علي ، بأن ما تعبدون من الآلهة و الأوثان خلقوا من الارض شيئاً ، أو أن لهم مع الله شركاً في السماوات ، فيكون ذلك حجة لكم على عبادتكم إياها ، لأنها إذا صح لها ذلك صحت لها الشركة في النعم التي أنتم فيها ، ووجب لها عليكم الشكر ،و استحقت منكم الخدمة لأن ذلك لا يقدو أن يخلقه إلا الله .
و قوله " أو أثارة من علم " اختلفت القراء في قراءة ذلك فقرأته عامة قراء الحجاز و العراق " أو أثارة من علم " بالألف ، بمعنى : أن ائتوني ببقية من علم . عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه كن يقرؤه أو أثره من علم بمعنى : أو خاصة من علم أوتيتموه ، و أوثرتم به على غيركم . و القراءة التي لا أستجيز غيرها " أو أثارة من علم " بالألف لإجماع قراء الامصار عليها .
و اختلف أهل التأويل في تأويلها ، فقال بعضهم : معناه : أو ائتوني بعلم بأن آلهتكم خلقت من الأرض شيئاً وأن لها شركاً في السماوات من قبل الخط الذي تخطونه في الأرض ، فإنكم معشر العرب أهل عيافة وزجر و كهانة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر بن آدم ، قال : ثنا أبو العاصم عن سفيان ، عن صفوان بن سليم ، عن أبي سلمة ، عن ابن عباس " أو أثارة من علم " قال : خط كان يخطه العرب في الأرض .
حدثنا أبو كريب ، قال : قال أبو بكر : يعني ابن عياش : الخط : هو العيافة .
و قال آخرون : بل معنى ذلك : أو خاصة من علم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة " أو أثارة من علم " قال : أو خاصة من علم .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة " أو أثارة من علم " قال : أي خاصة من علم .
حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث قال: ثني أبي ، عن الحسين عن قتادة " أو أثارة من علم " قال : خاصة من علم .
وقال آخرو : بل معنى ذلك : أو علم تثيرونه فتستخرجونه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الاعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن الحسن ، في قوله " أو أثارة من علم " قال : أثارة شيء يستخرجونه فطرة .
و قال آخرون : بل معنى ذلك : أو تأثرون ذلك علماً عن أحد ممن قبلكم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن ، قال ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد " أو أثارة من علم " قال : أحد يأثر علماً .
و قال آخرون : بل معنى ذلك : أو بينة من الأمر .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال ثني عمي ، قال ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس ،" أو أثارة من علم " يقول بينة من الأمر .
و قال آخرون : بل معنى ذلك : ببقية من علم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب قال : سئل ابو بكر ، يعني ابن عياش عن " أثارة من علم " قال : بقية من علم .
و أولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : الاثارة : البقية من العلم ، لأن ذلك هو الممعروف من كلام العرب ، وهي مصدر من قول القائل : أثر الشيء أثارة ، مثل سمج سماجة ، وقبح قباحة ، كما قال راعي الإبل :
وذات أثارة أكلت عليها نباتاً في أكمته قفارا .
يعني : و ذات بقية من شحم فأما من قرأة : أو أثره فإنه جعله أثره من الأثر كما قيل : قترة و غبرة .
وقد ذكر عن بعضهم أنه قرأه أو أثره بسكون الثاء مثل الرجفة و الخطفة ، و إذا وجه ذلك إلى ما قالنا فيه من أنه بقية من علم جاز ان تكون تلك البقية من علم الخط و من علم استثير من كتب الاولين ، و من خاصة علم كانوا أوثروا به . وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك خبر بأنه تأوله أنه بمعنى الخط ، سنذكره إن شاء الله تعالى . فتأويل الكلام إذن : ائتوني أيها القوم بكتاب من قبل هذا الكتاب بتحقيق ما سألتكم تحقيقه من الحجة على دعواكم ما تدعون لآلهتكم أو ببقية من علم يوصل بها إلى علم صحة ما تقولون من ذلك " إن كنتم صادقين " في دعواكم لها ما تدعون ، فإن الدعوى إذا لم يكن معها حجة لك تغن عن المدعى شيئاً .
فيه خمس مسائل :
الأولى : قوله تعالى : " قل أرأيتم ما تدعون من دون الله " أي ما تعبدون من الأصنام والأنداد من دون الله ، " أروني ماذا خلقوا من الأرض " أي هل خلقوا شيئاً من الأرض ، " أم لهم شرك " أي نصيب " في السماوات " أي في خلق السموات مع الله ، " ائتوني بكتاب من قبل هذا " أي من قبل هذا القرآن .
الثانية : قوله تعالى : " أو أثارة من علم " قراءة العامة ( أو أثارة ) بألف بعد الثاء قال ابن عباس " عن النبي صلى الله عليه وسلم : هو خط كانت تخطه العرب في الأرض " ، ذكره المهدوي و الثعلبي ، وقال ابن العربي : ولم يصح ، وفي مشهور الحديث " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك " ، ولم يصح أيضاً .
قلت : هو ثابت من حديث معاوية بن الحكم السلمي ، خرجه مسلم ، وأسند النحاس : حدثنا محمد بن أحمد ( يعرف بالجرايجي ) قال حدثنا محمد بن بندار قال حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان الثوري عن صفوان بن سليم عن أبي سلمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله عز وجل : " أو أثارة من علم " قالك : الخط ، وهذا صحيح أيضاً ، قال ابن العربي : واختلفوا في تأويله ، فمنهم من قال : جاء لإباحة الضرب ، لأن بعض الأنبياء كان يفعله ومنهم من قال جاء للنهي عنه ، لـ " أنه صلى الله عليه وسلم قال : فمن وافق خطه فذاك " ولا سبيل إلى معرفة طريق النبي المتقدم فيه ، فإذاً لا سبيل إلى العمل به قال :
لعمرك ما تدري الضوارب بالحصا ولا زاجرات الطير ما الله صانع
وحقيقته عند أربابه ترجع إلى صور الكواكب ، فيدل ما يخرج منها على ما تدل عليه تلك الكواكب من سعد أو نحس يحل بهم ، فصار ظناً مبنياً على ظن ، وتعلقاً بأمر غائب قد درست طريقه وفات تحقيقه ، قد نهت الشريعة عنه ، وأخبرت أن ذلك مما اختص الله به وقطعه عن الخلق ، وإن كانت لهم قبل ذلك أسباب يتعلقون بها في درك الأشياء المغيبة ، فإن الله قد رفع تلك الأسباب وطمس تيك الأبواب وأفرد نفسه بعلم الغيب ، فلا يجوز مزاحمته في ذلك ، ولا يحل لأحد دعواه ، وطلبه عناء لو لم يكن فيه نهي ، فإذ وقد ورد النهي فطلبه معصية أو كفر بحسب قصد الطالب .
قلت : ما اختاره هو قول الخطابي ، قال الخطابي : "قوله عليه السلام : فمن وافق خطه فذاك " ، هذا يحتمل الزجر إذ كان ذلك علماً لنبوته وقد انقطعت ، فنهينا عن التعاطي لذلك ، قال القاضي عياض : الأظهر من اللفظ خلاف هذا ، وتصويب خط من يوافق خطه ، لكن من أين تعلم الموافقة والشرع منع من التخرص وادعاء الغيب جملة فإنما معناه أن من وافق خطه فذاك الذي يجدون إصابته ، لا أنه يريد إباحة ذلك لفاعله على ما تأوله بعضهم ، وحكى مكي في تفسير قوله : " كان نبي من الأنبياء يخط " ، أنه كان يخط بأصبعه السبابة والوسطى في الرمل ثم يزجر ، و"قال ابن عباس في تفسير قوله ومنا رجال يخطون : هو الخط الذي يخطه الحازي فيعطى حلواناً فيقول : اقعد حتى أخط لك ، وبين يدي الحازي غلام معه ميل ثم يأتي إلى أرض رخوة فيخط الأستاذ خطوطاً معجلة لئلا يلحقها العدد ، ثم يرجع فيمحو على مهل خطين خطين ، فإن بقي خطان فهو علامة النجاح ، وإن بقي خط فهو علامة الخيبة "، والعرب تسميه الأسحم وهو مشؤوم عندهم .
الثالثة : قال ابن العربي : إن الله تعالى لم يبق من الأسباب الدالة على الغيب التي أذن في التعلق بها والاستدلال منها إلا الرؤيا ، فإنه أذن فيها ، وأخبر أنها جزء من النبوة وكذلك الفأل ، وأما الطيرة والزجر فإنه نهى عنهما ، والفأل : هو الاستدلال بما يسمع من الكلام على ما يريد من الأمر إذا كان حسناً ، فإذا سمع مكروهاً فهو تطير ، أمره الشرع بأن يفرح بالفأل ويمضي على أمره مسروراً ، وإذا سمع المكروه أعرض عنه ولم يرجع لأجله ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك " ، وقد روى بعض الأدباء :
الفأل والزجر والكهان كلهم مظللون ودون الغيب أقفال
وهذا كلام صحيح ، إلا في الفأل فإن الشرع استثناه وأمر به ، فلا يقبل من هذا الشاعر ما نظمه فيه ، فإنه تكلم بجهل ، وصاحب الشرع أصدق وأعلم وأحكم .
قلت : قد مضى في الطيرة والفأل وفي الفرق بينهما ما يكفي في المائدة وغيرها .
ومضى في الأنعام أن الله سبحانه منفدر بعلم الغيب ، وأن أحداً لا يعلم ذلك إلا ما أعلمه الله ، أو يجعل على ذلك عادية يعلم بها ما يكون على جري العادة ، وقد يختلف ، مثاله إذا رأى نخلة قد أطلعت فإنه يعلم أنها ستثمر ، وإذا رآها قد تناثر طلعها علم أنها لا تثمر ، وقد يجوز أن يأتي عليه آفة تهلك ثمرها فلا تثمر ، كما أنه جائز أيضاً ألا يلي شهره شهره ولا يومه يوم إذا أراد الله إفناء العالم ذلك الوقت ، إلى غير ذلك مما تقدم في الأنعام بيانه .
الرابعة : قال ابن خويجز منداد : قوله تعالى :" أو أثارة من علم " يريد الخط ، وقد كان مالك رحمه الله يحكم بالخط إذا عرف الشاهد خطه ، وإذا عرف الحاكم خطه أو خط من كتب إليه حكم به ، ثم رجع عن ذلك حين ظهر في الناس ما ظهر من الحيل والتزوير ، وقد روي عنه أنه قال : يحدث الناس فيجور فتحدث لهم أقضية ، فأما إذا شهد الشهود على الخط المحكوم به ، مثل أن يشهدوا أن هذا خط الحاكم وكتابه ، أشهدنا على ما فيه وإن لم يعلموا ما في الكتاب ، وكذلك الوصية أو خط الرجل باعترافه بمال لغيره يشهدون أنه خطه ونحو ذلك فلا يختلف مذهبه أنه يحكم به ، وقيل : ( أو أثارة من علم ) أو بقية من علم ، قاله ابن عباس و الكلبي و أبو بكر بن عياش وغيرهم ، وفي الصحاح ( أو أثارة من علم ) بقية منه ، وكذلك الأثرة ( بالتحريك ) ويقال : سمنت الإيل على أثارة ، أي بقية شحم كان قبل ذلك ، وأنشد الماوردي و الثعلبي قول الراعي :
وذات أثارة أكلت عليها نباتاً في أكمته ففارا
وقال الهروي : والأثارة والأثر : البقية ح يقال : ما ثم عين ولا أثر ، وقال ميمون بن مهران و أبو سلمة بن عبد الرحمن و قتادة : ( أو أثارة من علم ) خاصة من علم ، وقال مجاهد : رواية تأثرونها عمن كان قبلكم ، وقال عكرمة و مقاتل : رواية عن الأنبياء ، وقال القرظي : هو الإسناد . الحسن : المعنى شيء يثار أو يستخرج ، وقال الزجاج : ( أو أثارة ) أي علامة ، والأثارة مصدر كالسماحة والشجاعة ، وأصل الكلمة من الأثر ، وهي الرواية ، يقال : أثرت الحديث آثره أثراً أو أثارة وأثرة فأنا آثره ، إذا ذكرته عن غيرك ، ومنه قيل : حديث مأثور ، أي نقله خلف عن سلف ، قال الأعشى :
إن الذي فيه تماريتما بين للسامع والآثر
ويروى ( بين ) وقرئ ( أو أثرة ) بضم الهمزة وسكون الثاء ، ويجوز أن يكون معناه بقية من علم ، ويجوز أن يكون معناه شيئاً مأثوراً من كتب الأولين ، والمأثور : ما يتحدث به مما صح سنده عمن تحدث به عنه ، وقرأ السلمي و الحسن و أبو رجاء بفتح الهمزة والثاء من غير ألف ، أي خاصة من علم أوتيتموها أو أوثرتم بها على غيركم ، وروي عن الحسن أيضاً وطائفة ( أثرة ) مفتوحة الألف ساكنة الثاء ، ذكر الأولى الثعلبي والثانية الماوردي وحكى الثعلبي عن عكرمة : أو ميراث من علم " إن كنتم صادقين " .
الخامسة : قوله تعالى : " ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم " فيه بيان مسالك الأدلة باسرها ، فأولها المعقول ، وهو قوله تعالى : " قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات " هو احتجاج بدليل العقل في أن الجماد لا يصح أن يدعى من دون الله فإنه لا يضر ولا ينفع ثم قال : ( ائتوني بكتاب من قبل هذا ) فيه بيان أدلة السمع ( أو أثارة من علم ) .
يخبر تعالى أنه أنزل الكتاب على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم, صلوات الله عليه دائماً إلى يوم الدين, ووصف نفسه بالعزة التي لا ترام, والحكمة في الأقوال والأفعال, ثم قال تعالى: "ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق" أي لا على وجه العبث والباطل "وأجل مسمى" أي وإلى مدة معينة مضروبة لا تزيد ولا تنقص, وقوله تعالى: "والذين كفروا عما أنذروا معرضون" أي لا هون عما يراد بهم, وقد أنزل الله تعالى إليهم كتاباً وأرسل إليهم رسولاً, وهم معرضون عن ذلك كله أي وسيعلمون غب ذلك. ثم قال تعالى: "قل" أي لهؤلاء المشركين العابدين مع الله غيره "أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض" أي أرشدوني إلى المكان الذي استقلوا بخلقه من الأرض "أم لهم شرك في السموات ؟" أي ولا شرك لهم في السموات ولا في الارض وما يملكون من قطمير, إن الملك والتصرف كله إلا لله عز وجل, فكيف تعبدون معه غيره وتشركون به ؟ من أرشدكم إلى هذا ؟ من دعاكم إليه ؟ أهو أمركم به ؟ أم هو شيء اقترحتموه من عند أنفسكم ؟ ولهذا قال: "ائتوني بكتاب من قبل هذا" أي هاتوا كتاباً من كتب الله المنزلة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يأمركم بعبادة هذه الأصنام "أو أثارة من علم" أي دليل بين على هذا المسلك الذي سلكتموه "إن كنتم صادقين" أي لا دليل لكم لا نقلياً ولا عقلياً على ذلك, ولهذا قرأ آخرون: أو أثرة من علم أي أو علم صحيح تؤثرونه عن أحد ممن قبلكم, كما قال مجاهد في قوله تعالى: "أو أثارة من علم" أو أحد يأثر علماً, وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أو بينة من الأمر. وقال الإمام أحمد حدثنا يحيى عن سفيان عن صفوان بن سليم, عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال سفيان: لا أعلم إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم, أو أثرة من علم, قال: الخط. وقال أبو بكر بن عياش: أو بقية من علم. وقال الحسن البصري: أو أثارة شيء يستخرجه فيثيره. وقال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وأبو بكر بن عياش أيضاً: أو أثارة من علم يعني الخط. وقال قتادة: أو أثارة من علم خاصة من علم وكل هذه الأقوال متقاربة. وهي راجعة إلى ما قلناه وهو اختيار ابن جرير رحمه الله وأكرمه وأحسن مثواه.
وقوله تبارك وتعالى: " ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون " أي لا أضل ممن يدعو من دون الله أصناماً, ويطلب ما لا تستطيعه إلى يوم القيامة, وهي غافلة عما يقول لا تسمع ولا تبصر ولا تبطش, لأنها جماد حجارة صم, وقوله تبارك وتعالى: "وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين" كقوله عز وجل: "واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزاً* كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضداً" أي سيخونونهم أحوج ما يكونون إليهم. وقال الخليل عليه الصلاة والسلام: " إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ".
3- "قل أرأيتم ما تدعون من دون الله" أي أخبروني ما تعبدون من دون الله من الأصنام "أروني ماذا خلقوا من الأرض" أي أي شيء خلقوا منها، وقوله: "أروني" يحتمل أن يكون تأكيداً لقوله أرأيتم: أي أخبروني أروني والمفعول الثاني لأرأيتم "ماذا خلقوا"، ويحتمل أن لا يكون تأكيداً، بل يكون هذا من باب التنازع، لأن أرأيتم يطلب مفعولاً ثانياً، و"أروني" كذلك "أم لهم شرك في السموات" أم هذه هي المنقطعة المقدرة ببل والهمزة، والمعنى: بل ألهم شركة مع الله فيها، والاستفهام للتوبيخ والتقريع "ائتوني بكتاب من قبل هذا" هذا تبكيت لهم وإظهار لعجزهم وقصورهم عن الإتيان بذلك، والإشارة بقوله هذا إلى القرآن، فإنه قد صرح ببطلان الشرك، وأن الله واحد لا شريك له، وأن الساعة حق لا ريب فيها، فهل للمشركين من كتاب يخالف هذا الكتاب، أو حجة تنافي هذه الحجة "أو أثارة من علم". قال في الصحاح: أو أثارة من علم بقية منه، وكذا الأثرة بالتحريك. قال ابن قتيبة: أي بقية من علم الأولين. وقال الفراء والمبرد: يعني ما يؤثر عن كتب الأولين. قال الواحدي: وهو معنى قول المفسرين. قال عطاء: أو شيء تأثرونه عن نبي كان قبل محمد صلى الله عليه وسلم. قال مقاتل: أو رواية من علم عن الأنبياء. وقال الزجاج أو أثارة: يقال أثرت الحديث آثره أثرة وأثارة وأثراً: إذا ذكرته عن غيرك. قرأ الجمهور "أثارة" على المصدر كالسماحة والغواية. وقرأ ابن عباس وزيد بن علي وعكرمة والسلمي والحسن وأبو رجاء بفتح الهمزة والثاء من غير ألف. وقرأ الكسائي " أثارة " بضم الهمزة وسكون الثاء "إن كنتم صادقين" في دعواكم التي تدعونها، وهي قولكم إن لله شريكاً ولم تأتوا بشيء من ذلك فتبين بطلان قولهم لقيام البرهان العقلي والنقلي على خلافه.
4. " قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات ائتوني بكتاب من قبل هذا "، أي بكتاب جاءكم من الله قبل القرآن فيه بيان ما تقولون، " أو أثارة من علم "، قال الكلبي : أي بقية من علم يؤثر عن الأولين، أي يسند إليهم. قال مجاهد و عكرمة و مقاتل : رواية عن الأنبياء. وقال قتادة : خاصة من علم. وأصل الكلمة من الأثر وهو الرواية، يقال: أثرت الحديث أثراً وأثارة، ومنه قيل للخبر: أثر. " إن كنتم صادقين ".
4-" قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات " أي أخبروني عن حال آلهتكم بعد تأمل فيها ، هل يعقل أن يكون في انفسها مدخل في خلق شيء من أجزاء العالم فنستحق به العبادة . وتخصيص الشرك بالسموات احتراز عما يتوهم أن للوسائط شركة في إيجاد الحوادث السفلية . " ائتوني بكتاب من قبل هذا " من قبل هذا الكتاب يعني القرآن فإنه ناطق بالتوحيد . " أو أثارة من علم " أو بقية من علم بقيت عليكم من علوم الأولين هل فيها ما يدل على استحقاقهم للعبادة أو الأمر به . " إن كنتم صادقين " في دعواكم ، وهو إلزام بعدم ما يدل على ألوهيتهم بوجه ما نقلاً بعد إلزامهم بعدم ما يقتضيها عقلاً ، وقرئ إثارة بالكسر أي مناظرة فإن المناظرة تثير المعاني ، و أثرة أي شيء أوثرتم به وأثرة بالحركات الثلاث في الهمزة وسكون الثاء فالمفتوحة للمرة من مصدر أثر الحديث إذا رواه والمكسورة بمعنى الأثرة والمضمومة اسم ما يؤثر .
4. Say (unto them, O Muhammad): Have ye thought on all that ye invoke beside Allah? Show me what they have created of the earth. Or have they any Portion the heavens? Bring me a Scripture before this (Scripture), or some vestige of knowledge (in support of what ye say), if ye are truthful.
4 - Say: Do ye see what it is ye invoke besides God? Show me what it is they have created on earth, or have they a share in the heavens? Bring me a Book (Revealed) before this, or any remnant of knowledge (ye may have), if ye are telling the truth!