[الأحقاف : 19] وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ
19 - (ولكل) من جنس المؤمن والكافر (درجات) فدرجات المؤمنين في الجنة عالية ودرجات الكافرين في النار سافلة (مما عملوا) أي المؤمنون من الطاعات والكافرون في المعاصي (وليوفيهم) أي الله وفي قراءة بالنون (أعمالهم) أي جزاءها (وهم لا يظلمون) شيئا ينقص للمؤمنين ويزاد للكفار
وقوله " ولكل درجات مما عملوا " يقول تعالى ذكره : ولكل هؤلاء الفريقين : فريق الإيمان بالله و اليوم الآخر و البر بالوالدين ، وفريق الكفر بالله و اليوم الآخر وعقوق الوالدين ، اللذين وصف صفتهم ربنا عزوجل في هذه الآيات منازل و مراتب عند الله يوم القيامة ، مما عملوا ، يعني من عملهم الذي يعملون في الدنيا من صالح وحسن و سيئ يجازيهم الله به .
وقد حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " ولكل درجات مما عملوا " قال : درج أهل النار يذهب سفالاً ، ودرج أهل الجنة يذهب علواً " وليوفيهم أعمالهم " يقول جل ثناؤه : وليعطي جميعهم أجور أعمالهم التي عملوها في الدنيا ، المحسن منهم بإحسانه ما وعد الله من الكرامة ، و المسيئ منهم إلا عقوبة على ذنبه ، لا على ما لم يعمل و لا يحمل عليه ذنب غيره ، لا يبخس المحسن منهم ثواب إحسانه .
قوله تعالى : " ولكل درجات " أي ولكل واحد من الفريقين المؤمنين والكافرين من الجن والإنس مراتب عند الله يوم القيامة بأعمالهم ، قال ابن زيد : درجات أهل النار في هذه الآية تذهب سفالاً ، ودرج أهل الجنة علواً ، " وليوفيهم أعمالهم " قرأ ابن كثير و ابن محيصن و عاصم و أبو عمرو و يعقوب بالياء لذكر الله قبله ، وهو قوله تعالى : " إن وعد الله حق " [ يونس : 55 ] ، واختاره أبو حاتم : الباقون بالنون رداً على قوله تعالى : " ووصينا الإنسان بوالديه " [ العنكبوت : 8 ] ، وهو اختيار أبي عبيد : " وهم لا يظلمون " أي لا يزداد على مسيء ولا ينقص من محسن .
أع
لما ذكر تعالى حال الداعين للوالدين البارين بهما ومالهم عنده من الفوز, والنجاة, عطف بحال الأشقياء العاقين للوالدين فقال: "والذي قال لوالديه أف لكما" وهذا عام في كل من قال هذا, ومن زعم أنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما فقوله ضعيف, لأن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أسلم بعد ذلك, وحسن إسلامه وكان من خيار أهل زمانه, وروى العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في ابن لأبي بكر الصديق رضي الله عنهما وفي صحة هذا نظر, والله تعالى أعلم. وقال ابن جريج عن مجاهد: نزلت في عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما قاله ابن جريج وقال آخرون عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما, وهذا أيضاً قول السدي, وإنما هذا عام في كل من عق والديه وكذب بالحق, فقال لوالديه "أف لكما" عقهما.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا محمد بن العلاء, حدثنا يحيى بن أبي زائدة, عن إسماعيل بن أبي خالد, أخبرني عبد الله بن المديني, قال: إني لفي المسجد حين خطب مروان فقال: إن الله تعالى قد أرى أمير المؤمنين في يزيد رأياً حسناً, وأن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر عمر رضي الله عنهما, فقال عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما: أهرقلية ؟ إن أبا بكر رضي الله عنه والله ما جعلها في أحد من ولده ولا أحد من أهل بيته, ولا جعلها معاوية في ولده إلا رحمة وكرامة لولده, فقال مروان: ألست الذي قال لوالديه أف لكما ؟ فقال عبد الرحمن رضي الله عنه: ألست ابن اللعين الذين لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباك ؟ قال وسمعتهما عائشة رضي الله عنها فقالت: يامروان أنت القائل لعبد الرحمن رضي الله عنه كذا وكذا ؟ كذبت ما فيه نزلت ولكن نزلت في فلان ابن فلان, ثم انتحب مروان ثم نزل عن المنبر, حتى أتى باب حجرتها, فجعل يكلمها حتى انصرف, وقد رواه البخاري بإسناد آخر ولفظ آخر فقال: حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك قال: كان مروان على الحجاز, استعمله معاوية بن أبي سفيان, رضي الله عنهما, فخطب وجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما شيئاً, فقال: خذوه, فدخل بيت عائشة رضي الله عنها فلم يقدروا عليه, فقال مروان: إن هذا الذي أنزل فيه "والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي" فقالت عائشة رضي الله عنها من وراء الحجاب: ما أنزل الله عز وجل فينا شيئاً من القرآن إلا أن الله تعالى أنزل عذري.
(طريق أخرى) قال النسائي: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا أمية بن خالد, حدثنا شعبة عن محمد بن زياد قال: لما بايع معاوية رضي الله عنه لابنه, قال مروان: سنة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. فقال عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما: سنة هرقل وقيصر. فقال مروان: هذا الذي أنزل الله تعالى فيه "والذي قال لوالديه أف لكما" الاية. فبلغ ذلك عائشة رضي الله عنها فقالت: كذب مروان والله ما هو به, ولو شئت أن أسمي الذي أنزلت فيه لسميته, ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه فمروان فضض من لعنة الله.
وقوله: "أتعدانني أن أخرج" أي أبعث "وقد خلت القرون من قبلي" أي قد مضى الناس فلم يرجع منهم مخبر "وهما يستغيثان الله" أي يسألان الله فيه أن يهديه ويقولان لولدهما "ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين" قال الله تعالى: "أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين" أي دخلوا في زمرة أشباههم وأضرابهم, من الكافرين الخاسرين أنفسهم وأهليهم يوم القيامة. وقوله: "أولئك" بعد قوله: "والذي قال" دليل على ما ذكرناه من أنه جنس يعم كل من كان كذلك. وقال الحسن وقتادة: هو الكافر الفاجر العاق لوالديه المكذب بالبعث. وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة سهل بن داود من طريق هشام بن عمار, حدثنا حماد بن عبد الرحمن, حدثنا خالد بن الزبرقان الحلبي عن سليم بن حبيب عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربعة لعنهم الله تعالى من فوق عرشه, وأمنت عليهم الملائكة: مضل المساكين" قال خالد الذي يهوي بيده إلى المسكين فيقول: هلم أعطيك, فإذا جاءه قال: ليس معي شيء "والذي يقول للماعون ابن وليس بين يديه شيء, والرجل يسأل عن دار القوم فيدلونه على غيرها, والذي يضرب الوالدين حتى يستغيثا" غريب جداً.
وقوله تبارك وتعالى: "ولكل درجات مما عملوا" أي لكل عذاب بحسب عمله "وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون" أي لا يظلمهم مثقال ذرة فما دونها. قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم, درجات النار تذهب سفالاً ودرجات الجنة تذهب علواً, وقوله عز وجل: "ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها" أي يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً, وقد تورع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن كثير من طيبات المآكل والمشارب. وتنزه عنها ويقول: إني أخاف أن أكون كالذين قال الله لهم وبخهم وقرعهم: "أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها" وقال أبو مجلز: ليفقدن أقوام حسنات كانت لهم في الدنيا فيقال لهم "أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا" وقوله عز وجل: "فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون" فجوزوا من جنس عملهم فكما متعوا أنفسهم واستكبروا عن اتباع الحق وتعاطوا الفسق والمعاصي, جازاهم الله تبارك وتعالى بعذاب الهون, وهو الإهانة والخزي والالام الموجعة والحسرات المتتابعة والمنازل في الدركات المفظعة, أجارنا الله سبحانه وتعالى من ذلك كله.
18- "ولكل درجات مما عملوا" أي لكل فريق من الفريقين المؤمنين والكافرين من الجن والإنس مراتب عند الله يوم القيامة بأعمالهم. قال ابن زيد: درجات أهل النار في هذه الآية تذهب سفلاً، ودرجات أهل الجنة تذهب علوا "وليوفيهم أعمالهم" أي جزاء أعمالهم. قرأ الجمهور " ليوفيهم " بالنون. وقرأ ابن كثير وابن محيصن وعاصم وأبو عمرو ويعقوب بالياء التحتية. واختار أبو عبيد القراءة الأولى واختار الثانية أبو حاتم "وهم لا يظلمون" أي لا يزاد مسيء ولا ينقص محسن بل يوفى كل فريق ما يستحقه من خير وشر، والجملة في محل نصب على الحال، أو مستأنفة مقررة لما قبلها.
19. " ولكل درجات مما عملوا "، قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد من سبق إلى الإسلام، فهو أفضل ممن تخلف عنه ولو بساعة. وقال مقاتل : ولكل فضائل فيوفيهم الله جزاء أعمالهم.
وقيل: ((ولكل)): يعني ولكل واحد من الفريقين المؤمنين والكافرين ((درجات)) منازل ومراتب عند الله يوم القيامة بأعمالهم، فيجازيهم عليها.
قال ابن زيد في هذه الآية: درج أهل النار تذهب سفلاً، ودرج أهل الجنة تذهب علواً.
" وليوفيهم "، قرأ ابن كثير ، وأهل البصرة، وعاصم: بالياء، وقرأ الباقون بالنون. " أعمالهم وهم لا يظلمون ".
19-" ولكل " من الفريقين ." درجات مما عملوا " مراتب من جزاء ما عملوا من الخير والشر ، أو من أجل ما عملوا والـ" درجات " غالبة في المثوبة وها هنا جاءت على التغليب . " وليوفيهم أعمالهم " جزاءها ،وقرأ نافع و ابن عامر و حمزة و الكسائي و ابن ذكوان بالنون ." وهم لا يظلمون " بنقص ثواب وزيادة عقاب .
19. And for all there will be ranks from what they do, that He may pay them for their deeds! and they will not be wronged.
19 - And to all are (assigned) degrees according to the deeds which they (have done), and in order that (God) may recompense their deeds, and no injustice be done to them.