[الجاثية : 14] قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ
14 - (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون) يخافون (أيام الله) وقائعه أي اغفروا للكفار ما وقع منهم من الأذى لكم وهذا قبل الأمر بجهادهم (ليجزي) أي الله وفي قراءة بالنون (قوما بما كانوا يكسبون) من الغفر للكفار أذاهم
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه و سلم : قل يا محمد للذين صدقوا الله و اتبعوك ، يغفروا للذين لا يخافون بأس الله ووقائعه و نقمه إذا هم نالوهم بالأذى و المكروه " ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون " يقول ليجزي الله هؤلاء الذين يؤذنهم من المشركين في الآخرة فيصيبهم عذابه بما كانوا في الدنيا يكسبون من الإثم ثم بأذاهم أهل الإيمان بالله .
و بنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال: ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون " قال : كان نبي الله صلى الله عليه و سلم يعرض عن المشركين إذا آذوه ، و كانوا يستهزئون به ، و يكذبونه ، فأمره الله عز وجل أن يقاتل المشركين كافة قكان هذا من المنسوخ .
حدثني محمد بن عمرو ، قال ثنا أبو العاصم قال : ثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله " للذين لا يرجون أيام الله " قال : لا يبالون نعم الله ، أو نقم الله .
حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن، قال ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد " لا يرجون أيام الله " قال : لا يبالون نعم الله ، وهذه الآيه منسوخة بأمر الله بقتال المشركين . و إنما قلنا : هي منسوخة لإجماع أهل التأويل على أن ذلك كذلك .
ذكر من قال ذلك :
قد ذكرنا الرواية في ذلك عن ابن عباس .
حدثنا يشر ، قال : ثنا سعيد عن قتادة في قوله " قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله " قال : نسختها ما في الأنفال " فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون " الأنفال:57 و في براءة "قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة " التوبة: 36 أمر بقتالهم حتر يشهدوا أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله .
حدثنا ابن عبد الاعلى ، قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة في قوله " قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله " قال : نسختها " اقتلوا المشركين " التوبة :5 .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله " قال : هذا منسوخ ، أمر الله بقتالهم في سورة براءة .
حدثنا ابن حميد ، قال: ثنا حكام قال : ثنا عنبسة عمن ذكره عن أبي صالح " قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله " قال : نسختها التي في الحج " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا " الحج:39
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال أبن زيد ، في قوله " قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله " قال : و قال هؤلاء المشركون ، قال : و قد نسح هذا وفرض جهادهم و الغلظة عليهم .
و جزم قوله " يغفروا " تشبيهاً له بالجزاء والشرط و ليس به و لكن لظهوره في الكلام على مثاله فعرب تعريبه و قد مضى البيان عنه قبل .
و اختلفت القراء في قراءة قوله " ليجزي قوماً " فقرأه بعض قراء المدينه و البصرة و الكوفة : " ليجزي " بالياء على وجه الخبر عن الله أنه يجزيهم و يثيبهم و قرأ ذلك بعض عامة قراء الكوفيين لنجزي بالنون على وجه الخبر من الله عن نفسه . وذكر عن أبي جعفر القارئ أنه كان يقرؤه ليجزى قوماً على مذهب ما لم يسم فاعله وهو على مذهب كلام العرب لحن ، إلاأن يكون أراد : ليجزى الجزاء قوماً بإضمار الجزاء ، و جعله مرفوعاً ليجزي فيكون وجهاً من القراءة و إن كان بعيداً .
و الصواب من القول في ذلك عندنا أن قرائته بالياء و النون على ما ذكرت من قراءة الأمصار جائزة بأي ثينك القرائتين قرأ القارئ . فأما قرائته على ما ذكرت عن أبي جعفر فغير جائزة عندي لمعنيين : أحدهما : أنه خلاف لما عليه الحجة من القراء و غير جائزة عندي خلاف ما جائت به مستفيضاً فيهم .
و الثاني بعدها من الصحة في العربية إلا على استكراه الكلام على غير المعروف من وجهه .
قوله تعالى : " قل للذين آمنوا يغفروا " جزم على جواب ( قل ) تشبيهاً بالشرط والجزاء ، كقولك ، قم تصب خيراً ، وقيل : هو على حذف اللام ، وقيل : على معنى قل لهم اغفروا يغفروا ، فهو جواب أمر محذوف دل الكلام عليه ، قاله علي بن عيسى واختاره ابن العربي ، ونزلت الآية بسبب أن رجلاً من قريش شتم عمر بن الخطاب فهم أن يبطش به قال ابن العربي : وهذا لم يصح وذكر الواحدي و القشيري وغيرهما عن ابن عباس : أن الآية نزلت في عمر مع عبد الله بن أبي في غزوة بني المصطلق ، فإنهم نزلوا على بئر يقال لها المريسيع فأرسل عبد الله غلامه ليستقي ، وأبطأ عليه فقال : ما حبسك ؟ قال : غلام عمر بن الخطاب قعد على فم البئر ، فما ترك أحداً يستقي حتى ملأ قرب النبي صلى الله عليه وسلم وقرب أبي بكر ، وملأ لمولاه ، فقال عبد الله : ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل : سمن كلبك يأكلك ، فبلغ عمر رضي الله عنه قوله ، فاشتمل على سيفه يريد ا لتوجه إليه ليقتله ، فأنزل الله هذه الآية ، هذه رواية عطاء عن ابن عباس ، وروى عنه ميمون بن مهران قال : " لما نزلت " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا " [ البقرة : 245 ] ، قال يهودي بالمدينة يقال له فنحاص : احتاج رب محمد ! قال : فلما سمع عمر بذلك اشتمل على سيفه وخرج في طلبه ، فجاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن ربك يقول لك قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ، وأعلم أن عمر قد اشتمل على سيفه وخرج في طلب اليهودي ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه ، فلما جاء قال : يا عمر ، ضع سيفك ، قال : يا رسول الله صدقت ، أشهد أنك أرسلت بالحق ، قال : فإن ربك يقول " قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله " قال : لا جرم ! والذي بعثك بالحق لا ترى الغضب في وجهي ".
قلت : وما ذكره المهدوي و النحاس فهو رواية الضحاك عن ابن عباس ، وهو قول القرظي و السدي ، وعليه يتوجه النسخ في الآية ، وعلى أن الآية نزلت بالمدينة أو في غزو بني المصطلق فليست بمنسوخة ، ومعنى : ( يغفروا ) يعفوا ويتجاوزا ، ومعنى : ( لا يرجون أيام الله ) أي لا يرجون ثوابه ، وقيل : أي لا يخافون بأس الله ونقمه ، وقيل : الرجاء بمعنى الخوف ، كقوله : " ما لكم لا ترجون لله وقارا " [ نوح : 13 ] ، أي لا تخافون له عظمة والمعنى : لا تخشون مثل عذاب الأمم الخالية ، والأيام يعبر بها عن الوقائع وقيل : لا يأملون نصر الله لأوليائه وإيقاعه بأعدائه ، وقيل : المعنى لا يخافون البعث : " ليجزي قوما بما كانوا يكسبون " قراءة العامة ( ليجزي ) بالياء على معنى ليجزي الله ، وقرأ حمزة و الكسائي و ابن عامر ( لنجزي ) بالنون على التعظيم ، وقرأ أبو جعفر و الأعرج و شيبة ( ليجزي بياء مضموم وفتح الزاي على الفعل المجهول ، ( وقوماً ) بالنصب قال أبو عمرو : وهذا لحن ظاهر ، وقال الكسائي : معناه ليجزي الجزاء قوماً ، نظيره : " وكذلك ننجي المؤمنين " [ الأنبياء : 18 ] ، على قراءة ابن عامر و أبي بكر في سورة الأنبياء قال الشاعر :
ولو ولدت قفيرة جرو كلب لسب بذلك الجرو الكلابا
أي لسب السب . lأمأ
يذكر تعالى نعمه على عبيده فيما سخر لهم من البحر "لتجري الفلك" وهي السفن فيه بأمره تعالى. فإنه هو الذي أمر البحر بحملها "ولتبتغوا من فضله" أي في المتاجر والمكاسب "ولعلكم تشكرون" أي على حصول المنافع المجلوبة من الأقاليم النائية القصية, ثم قال عز وجل: "وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض" أي من الكواكب والجبال والبحار والأنهار, وجميع ما تنتفعون به أي الجميع من فضله وإحسانه وامتنانه ولهذا قال: "جميعاً منه" أي من عنده وحده لا شريك له في ذلك, كما قال تبارك وتعالى: "وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون" وروى ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى: "وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه" كل شيء هو من الله. وذلك الاسم فيه اسم من أسمائه, فذلك جميعاً منه ولا ينازعه فيه المنازعون, واستيقن أنه كذلك. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا محمد بن خلف العسقلاني, حدثنا الفريابي عن سفيان عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن أبي أراكة قال: سأل رجل عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: مم خلق الخلق ؟ قال: من النور والنار والظلمة والثرى. قال: وائت ابن عباس رضي الله عنهما فاسأله, فأتاه فقال له مثل ذلك, فقال: ارجع إليه فسله مما خلق ذلك كله. فرجع إليه فسأله فتلا "وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه" هذا أثر غريب وفيه نكارة " إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ".
وقوله تعالى: "قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله" أي ليصفحوا عنهم ويتحملوا الأذى منهم وكان هذا في ابتداء الإسلام, أمروا أن يصبروا على أذى المشركين وأهل الكتاب ليكون ذلك كالتأليف لهم, ثم لما أصروا على العناد شرع الله للمؤمنين الجلاد والجهاد. هكذا روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة, وقال مجاهد: "لا يرجون أيام الله" لا ينالون نعم الله تعالى, وقوله تبارك وتعالى: "ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون" أي إذا صفحوا عنهم في الدنيا فإن الله عز وجل مجازيهم بأعمالكم السيئة في الاخرة, ولهذا قال تعالى: "من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون" أي تعودون إليه يوم القيامة فتعرضون بأعمالكم عليه فيجزيكم خيرها وشرها, والله سبحانه وتعالى أعلم.
14- "قل للذين آمنوا يغفروا" أي قل لهم اغفروا يغفروا "للذين لا يرجون أيام الله" وقيل هو على حذف اللام، والتقدير: قل لهم ليغفروا. والمعنى: قل لهم يتجاوزوا عن الذين لا يرجون وقائع الله بأعدائه: أي لا يتوقعونها، ومعنى الرجاء هنا الخوف، وقيل هو على معناه الحقيقي. والمعنى: لا يرجون ثوابه في الأوقات التي وقتها الله لثواب المؤمنين، والأول أولى. والأيام يعبر بها عن الوقائع كما تقدم في تفسير قوله: "وذكرهم بأيام الله" قال مقاتل: لا يخشون مثل عذاب الله للأمم الخالية، وذلك أنهم لا يؤمنون به فلا يخافون عقابه. وقيل المعنى: لا يأملون نصر الله لأوليائه وإيقاعه بأعدائه، وقيل لا يخافون البعث. قيل والآية منسوخة بآية السيف "ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون" قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي "لنجزي" بالنون: أي لنجزى نحن. وقرأ باقي السبعة بالتحتية مبنياً للفاعل: أي ليجزي الله. وقرأ أبو جعفر وشيبة وعاصم بالتحتية مبنياً للمفعول مع نصب قوماً، فقيل النائب عن الفاعل مصدر الفعل أي ليجزى الجزاء قوماً، وقيل إن النائب الجار والمجرور كما في قوله الشاعر:
ولو ولدت فقيرة جـــرو كلب لسب بذلك الجــرو الكلابـــا
وقد أجاز ذلك الأخفش والكوفيون، ومنعه البصريون، والجملة لتعليل الأمر بالمغفرة، والمراد بالقوم المؤمنون، أمروا بالمغفرة ليجزيهم الله يوم القيامة بما كسبوا في الدنيا من الأعمال الحسنة التي من جملتها الصبر على أذية الكفار والإغضاء عنهم بكظم الغيظ واحتمال المكروه. وقيل المعنى: ليجزي الكفار بما عملوا من السيئات كأنه قال: لا تكافئوهم أنتم لنكافئهم نحن، والأول أولى.
14. " قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله "، أي لا يخافون وقائع الله ولا يبالون نقمته، قال ابن عباس و مقاتل : نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك أن رجلاً من بني غفار شتمه بمكة فهم عمر -رضي الله تعالى عنه- أن يبطش به، فأنزل الله هذه الآية، وأمره أن يعفو عنه.
وقال القرظي و السدي : نزلت في أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل مكة كانوا في أذىً شديد من المشركين، من قبل أن يؤمروا بالقتال، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية ثم نسختها آية القتال. " ليجزي قوماً "، قرأ ابن عامر و حمزة و الكسائي ((لنجزي)) بالنون، وقرأ الآخرون بالياء، أي ليجزي الله، وقرأ أبو جعفر ((ليجزى)) بضم الياء الأولى وسكون الثانية وفتح الزاي، قال أبو عمرو: وهو لحن، قال الكسائي : معناه ليجزي الجزاء قوماً، " بما كانوا يكسبون ".
14-" قل للذين آمنوا يغفروا " حذف المقول لدلالة الجواب عليه ، والمعنى قل لهم اغفروا يغفروا أي يعفوا ويصفحوا . " للذين لا يرجون أيام الله " لا يتوقعون وقائعه بأعدائه من قولهم أيام العرب لوقائعهم ، أو لا يأملون الأوقات التي وقتها الله لنصر المؤمنين وثوابهم ووعدهم بها . والآية في عمر رضي الله عنه شتمه غفاري فهم أن يبطش به ، وقيل إنها منسوخة بآية القتال . " ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون " علة للامر ، والقوم هم المؤمنون أو الكافرون أو كلاهما فيكون التتكير للتعظيم أو التحقير أو الشيوع ، والكسب المغفرة أو الإساءة أو ما يعمهما . وقرأ ابن عامر و حمزة و الكسائي لنجزي بالنون وقرئ ليجزي قوم وليجزي قوماً أي ليجزي الخير أو الشر أو الجزاء ، أعني ما يجزى به لا المصدر فإن الإسناد إليه سيما مع المفعول به ضعيف .
14. Tell those who believe to forgive those who hope not for the days of Allah; in order that He may requite folk what they used to earn.
14 - Tell those who believe, to forgive those who do not look forward to the Days of God; it is for Him to recompense (for good or ill) each People according to what they have earned.