[الزخرف : 56] فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ
56 - (فجعلناهم سلفا) جمع سالف كخادم وخدم أي سابقين عبرة (ومثلا للآخرين) بعدهم يتمثلون بحالهم فلا يقدمون على مثل أفعالهم
اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الكوفة غير عاصم < فجعلناهم سلفاً > بضم السين واللام ، توجيهاً ذلك منهم إلى جمع سليف من الناس ، وهو المتقدم أمام القوم . وحكى الفراء أنه سمع القاسم بن معن يذكر أنه سمع العرب تقول : مضى سليف من الناس . وقرأته عامة قراء المدينة والبصرة و عاصم : " فجعلناهم سلفاً " بفتح السين واللام . وإذا قرىء كذلك احتمل أن يكون مراداً به الجماعة والواحد والذكر والأنثى ، لأنه يقال للقوم : أنتم لنا سلف ، وقد يجمع فيقال : هم أسلاف ، ومنه الخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يذهب الصالحون أسلافاً " . وكان حميد الأعرج يقرأ ذلك : < فجعلناهم سلفاً > بضم السين وفتح اللام ، توجيهاً منه ذلك إلى جمع سلفة من الناس ، مثل أمة منهم وقطعة .
وأولى القراءات في ذلك بالصواب قراءة من قرأه بفتح السين واللام ، لأنها اللغة الجوداء ، والكلام المعروف عند العرب ، وأحق اللغات أن يقرأ بها كتاب الله من لغات العرب أفصحها وأشهرها فيهم . فتأويل الكلام إذن : فجعلنا هؤلاء الذين أغرقناهم من قوم فرعون في البحر مقدمة يتقدمون إلى النار كفار قومك يا محمد من قريش ، وكفار قومك لهم بالأثر .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : " فجعلناهم سلفاً ومثلاً للآخرين " قال : قوم فرعون كفارهم سلفاً لكفار أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " فجعلناهم سلفاً " في النار .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر " فجعلناهم سلفاً " قال : سلفاً إلى النار .
وقوله : " ومثلاً للآخرين " يقول : وعبرة وعظة يتعظ بهم من بعدهم من الأمم ، فينتهوا عن الكفر بالله . وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال :ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " ومثلاً للآخرين " قال : عبرة لمن بعدهم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " ومثلاً للآخرين " : أي عظة للآخرين .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " ومثلاً للآخرين " : أي عظة لمن بعدهم .
حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي " فجعلناهم سلفاً ومثلاً " قال : عبرة .
وقوله : " ولما ضرب ابن مريم مثلاً " يقول تعالى ذكره : ولما شبه الله عيسى في إحداثه وإنشائه إياه من غير فحل بآدم ، فمثله به بأنه خلقه من تراب من غير فحل ، إذا قومك يا محمد من ذلك يضجون ويقولون : ما يريد محمد منا إلا أن نتخذه إلها نعبده ، كما عبدت النصارى المسيح .
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم بنحو الذي قلنا فيه .
ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله عز وجل : " إذا قومك منه يصدون " قال : يضجون ، قال : قالت قريش : إنما يريد محمد أن نعبده كما عبد قوم عيسى عيسى .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : لما ذكر عيسى بن مريم جزعت قريش من ذلك ، وقالوا : يا محمد ما ذكرت عيسى ابن مريم ؟ وقالوا : ما يريد محمد إلا أن نصنع به كما صنعت النصارى بعيسى ابن مريم ، فقال الله عز وجل : ما ضربوه لك إلا جدلاً .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : لما ذكر عيسى في القرآن قال مشركو قريش : يا محمد ما أردت إلى ذكر عيسى ؟ قال : وقالوا : إنما يريد أن نحبه كما أحبت النصارى عيسى .
قوله تعالى : " فجعلناهم سلفا " أي جعلنا قوم فرعون سلفاً ، قال أبو مجلز : ( سلفاً ) لمن عمل عملهم ، ( ومثلاً ) لمن يعمل عملهم ، وقال مجاهد : ( سلفاً ) إخباراً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ( ومثلاً ) أي عبرة لهم ، وعنه أيضاً ( سلفاً ) لكفار قومك يتقدمونهم إلى النار ، قتادة : ( سلفاً ) إلى النار ، ( ومثلاً ) عظة لمن يأتي بعدهم ، والسلف المتقدم ، يقال : سلف يسلف سلفاً ، مثل طلب طلباً ، أي تقدم ومضى وسلف له عمل صالح أي تقدم والقوم السلاف المتقدمون ، وسلف الرجل ، آباؤه المتقدمون ، والجمع أسلاف وسلاف ن وقراءة العامة ( سلفاً ) ( بفتح السين واللام ) جمع سالف ، كخادم وخدم ، وراصد ورصد ، وحارس وحرس ، وقرأ حمزة و الكسائي ( سلفاً ) ( بضم السين واللام ) قال الفراء : هو جمع سليف نحو سرير وسرر ، وقال أبو حاتم : هو جمع سلف ، نحو خشب وخشب ، وثمر وثمر ، ومعناهما واحد ، وقرأ علي وابن مسعود و علقمة و أبو وائل و النخعي و حميد بن قيس ( سلفاً ) ( بضم السين وفتح اللام ) جمع سلفة ، أي فرقة متقدمة ، قال المؤرج و النضر بن شميل : ( سلفاً ) جمع سلفة ، نحو غرفة وغرف وطرفة وطرف ، وظلمة وظلم .
يقول تعالى مخبراً عن فرعون وتمرده وعتوه وكفره وعناده, أنه جمع قومه فنادى فيهم متبجحاً مفتخراً بملك مصر وتصرفه فيها "أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي" قال قتادة: قد كانت لهم جنات وأنهار ماء "أفلا تبصرون" أي أفلا ترون ما أنا فيه من العظمة والملك, يعني موسى وأتباعه فقراء ضعفاء وهذا كقوله تعالى:" فحشر فنادى * فقال أنا ربكم الأعلى * فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ".
وقوله: "أم أنا خير من هذا الذي هو مهين" قال السدي: يقول بل أنا خير من هذا الذي هو مهين, وهكذا قال بعض نحاة البصرة: إن أم ههنا بمعنى بل, ويؤيد هذا ما حكاه الفراء عن بعض القراء أنه قرأها " أم أنا خير من هذا الذي هو مهين " قال ابن جرير: ولو صحت هذه القراءة لكان معناها صحيحاً واضحاً, ولكنها خلاف قراءة الأمصار فإنهم قرأوا "أم أنا خير من هذا الذي هو مهين" على الاستفهام (قلت) وعلى كل تقدير فإنما يعني فرعون لعنه الله بذلك أنه خير من موسى عليه الصلاة والسلام, وقد كذب في قوله هذا كذباً بيناً واضحاً فعليه لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة. ويعني بقوله مهين كما قال سفيان حقير, وقال قتادة والسدي: يعني ضعيف. وقال ابن جرير: يعني لا ملك له ولا سلطان ولا مال "ولا يكاد يبين" يعني لا يكاد يفصح عن كلامه فهو عيي حصر. قال السدي "لا يكاد يبين" أي لا يكاد يفهم. وقال قتادة والسدي وابن جرير: يعني عيي اللسان, وقال سفيان: يعني في لسانه شيء من الجمرة حين وضعها في فمه وهو صغير, وهذا الذي قاله فرعون لعنه الله كذب واختلاق, وإنما حمله على هذا الكفر والعناد وهو ينظر إلى موسى عليه الصلاة والسلام بعين كافرة شقية, وقد كان موسى عليه السلام من الجلالة والعظمة والبهاء في صورة يبهر أبصار ذوي الألباب.
وقوله: "مهين" كذب. بل هو المهين الحقير خلقة وخلقاً وديناً, وموسى هو الشريف الصادق البار الراشد. وقوله: "ولا يكاد يبين" افتراء أيضاً فإنه وإن كان قد أصاب لسانه في حال صغره شيء من جهة تلك الجمرة, فقد سأل الله عز وجل أن يحل عقدة من لسانه ليفقهوا قوله, وقد استجاب الله تبارك وتعالى له ذلك في قوله: "قد أوتيت سؤلك يا موسى" وبتقدير أن يكون قد بقي شيء لم يسأل إزالته, كما قاله الحسن البصري وإنما سأل زوال ما يحصل معه الإبلاغ والإفهام, فالأشياء الخلقية التي ليست من فعل العبد لا يعاب بها ولا يذم عليها, وفرعون وإن كان يفهم وله عقل, فهو يدري هذا, وإنما أراد الترويج على رعيته فإنهم كانوا جهلة أغبياء وهكذا قوله: "فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب" وهي ما يجعل في الأيدي من الحلي. قال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة وغير واحد "أو جاء معه الملائكة مقترنين" أي يكنفونه خدمة له ويشهدون بتصديقه, نظر إلى الشكل الظاهر ولم يفهم السر المعنوي الذي هو أظهر مما نظر إليه لو كان يفهم, ولهذا قال تعالى: "فاستخف قومه فأطاعوه" أي استخف عقولهم فدعاهم إلى الضلالة فاستجابوا له "إنهم كانوا قوماً فاسقين" قال الله تعالى: "فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: آسفونا أسخطونا, وقال الضحاك عنه: أغضبونا, وهكذا قال ابن عباس أيضاً ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب القرظي وقتادة والسدي وغيرهم من المفسرين.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا عبيد الله بن أخي ابن وهب, حدثنا عمي, حدثنا ابن لهيعة عن عقبة بن مسلم التجيبي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيت الله تبارك وتعالى يعطي العبد ما يشاء وهو مقيم على معاصيه, فإنما ذلك استدراج منه له" ثم تلا صلى الله عليه وسلم: "فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين" وحدثنا أبي, حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني, حدثنا قيس بن الربيع عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: كنت عند عبد الله رضي الله عنه, فذكر عنده موت الفجأة, فقال: تخفيف على المؤمن وحسرة على الكافر, ثم قرأ رضي الله عنه "فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين" وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: وجدت النقمة مع الغفلة يعني قوله تبارك وتعالى: "فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين" وقوله سبحانه وتعالى: " فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين " قال أبو مجلز: سلفاً لمثل من عمل بعملهم. وقال هو ومجاهد: ومثلاً أي عبرة لمن بعدهم, والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب, وإليه المرجع والمآب.
56- "فجعلناهم سلفاً" أي قدوة لمن عمل بعملهم من الكفار في استحقاق العذاب. قرأ الجمهور "سلفاً" بفتح السين واللام جمع سالف كخدم وخادم، ورصد وراصد، وحرس وحارس، يقال سلف يسلف: إذا تقدم ومضى. قال الفراء والزجاج: جعلناهم متقدمين ليتعظ بهم الآخرون، وقرأ حمزة والكسائي: "سلفاً" بضم السين واللام. قال الفراء: هو جمع سليف، نحو سرر وسرير. وقال أبو حاتم هو جمع سلف نحو خشب وخشب. وقرأ علي وابن مسعود وعلقمة وأبو وائل والنخعي وحميد بن قيس بضم السين وفتح اللام جمع سلفة وهي الفرقة المتقدمة نحو غرف وغرفة، كذا قال النضر بن شميل "ومثلاً للآخرين" أي عبرة وموعظة لمن يأتي بعدهم، أو قصة عجيبة تجري مجرى الأمثال.
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "ولا يكاد يبين" قال: كانت بموسى لثغة في لسانه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه "فلما آسفونا" قال: أسخطونا. وأخرجا عنه أيضاً آسفونا قال: أغضبونا، وفي قوله: "سلفاً" قال: أهواء مختلفة. وأخرج أحمد والطبراني والبيهقي في الشعب وابن أبي حاتم عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيت الله يعطي العبد ما شاء وهو مقيم على معاصيه فإنما ذلك استدراج منه له، وقرأ "فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين"". وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن طارق بن شهاب قال: كنت عند عبد الله فذكر عنده موت الفجأة فقال: تخفيف على المؤمن وحسرة على الكافر، "فلما آسفونا انتقمنا منهم".
56. " فجعلناهم سلفاً "، قرأ حمزة و الكسائي ((سلفا)) بضم السين واللام، قال الفراء : هو جمع سليف من سلف بضم اللام يسلف، أي تقدم، وقرأ الآخرون بفتح السين واللام على جمع السالف، مثل: حارس وحرس وخادم وخدم، وراصد ورصد، وهما جميعاً الماضون المتقدمون من الأمم، يقال: سلف يسلف، إذا تقدم والسلف من تقدم الآباء، فجعلناهم متقدمين ليتعظ بهم الآخرون. " ومثلاً للآخرين "، عبرة وعظة لمن بقي بعدهم. وقيل: سلفاً لكفار هذه الأمة إلى النار ومثلاً لمن يجيء بعدهم.
56-" فجعلناهم سلفاً " قدوة لمن بعدهم من الكفار يقتدون به في استحقاق مثل عقابهم مصدر نعت به أو جمع سالف كخدم وخادم ، وقرأ حمزة و الكسائي بضم السين واللام جمع سليف كرغف ورغيف ، أو سالف كصبر جمع صابر أو سلف كخشب . وقرئ سلفاً بإبدال ضمة اللام فتحة أو على أنه جمع سلفة أي ثلة قد سلفت . " ومثلاً للآخرين " وعظة لهم أو قصة عجيبة تسير مسير الأمثال لهم فيقال : مثلكم مثل قوم فرعون .
56. And We made them a thing past, and an example for those after (them).
56 - And We made them (a people) of the Past and an Example to later ages.