[الزخرف : 54] فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ
54 - (فاستخف) استفز فرعون (قومه فأطاعوه) فيما يريد من تكذيب موسى (إنهم كانوا قوما فاسقين)
يقول تعالى ذكره : فاستخف فرعون خلقاً من قومه من القبط ، بقوله الذي أخبر الله تبارك وتعالى عنه أنه قاله لهم ، فقبلوا ذلك منه فأطاعوه ، وكذبوا موسى . قال الله : وإنما أطاعوا فاستجابوا لما دعاهم إليه عدو الله من تصديقه ، وتكذيب موسى ، لأنهم كانوا قوماً عن طاعة الله خارجين بخذلانه إياهم ، وطبعه على قلوبهم .
قوله تعالى ك " فاستخف قومه " قال ابن الأعرابي : المعنى فاستجهل قومه " فأطاعوه " لخفة أحلامهم وقلة عقولهم ، يقال : استخفه الفرح أي أزعجه ، واستخفه أي حمله على الجهل ، ومنه " ولا يستخفنك الذين لا يوقنون " [ الروم : 60 ] ، وقيل : استفزهم بالقوم فأطاعوه على التكذيب ، وقيل : استخف قومه أي وجدهم خفاف العقول ، وهذا لا يدل على أنه يجب أين يطيعوه ، فلا بد من إضمار بعيد تقديره وجدهم خفاف العقول فدعاهم إلى الغواية فأطاعوه ، وقيل : استخف قومه وقهرهم حتى أتبعوه ، يقال : استخفه خلاف استثقله ، واستخف به أهانه : " إنهم كانوا قوماً فاسقين " أي خارجين عن طاعة الله .
يقول تعالى مخبراً عن فرعون وتمرده وعتوه وكفره وعناده, أنه جمع قومه فنادى فيهم متبجحاً مفتخراً بملك مصر وتصرفه فيها "أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي" قال قتادة: قد كانت لهم جنات وأنهار ماء "أفلا تبصرون" أي أفلا ترون ما أنا فيه من العظمة والملك, يعني موسى وأتباعه فقراء ضعفاء وهذا كقوله تعالى:" فحشر فنادى * فقال أنا ربكم الأعلى * فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ".
وقوله: "أم أنا خير من هذا الذي هو مهين" قال السدي: يقول بل أنا خير من هذا الذي هو مهين, وهكذا قال بعض نحاة البصرة: إن أم ههنا بمعنى بل, ويؤيد هذا ما حكاه الفراء عن بعض القراء أنه قرأها " أم أنا خير من هذا الذي هو مهين " قال ابن جرير: ولو صحت هذه القراءة لكان معناها صحيحاً واضحاً, ولكنها خلاف قراءة الأمصار فإنهم قرأوا "أم أنا خير من هذا الذي هو مهين" على الاستفهام (قلت) وعلى كل تقدير فإنما يعني فرعون لعنه الله بذلك أنه خير من موسى عليه الصلاة والسلام, وقد كذب في قوله هذا كذباً بيناً واضحاً فعليه لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة. ويعني بقوله مهين كما قال سفيان حقير, وقال قتادة والسدي: يعني ضعيف. وقال ابن جرير: يعني لا ملك له ولا سلطان ولا مال "ولا يكاد يبين" يعني لا يكاد يفصح عن كلامه فهو عيي حصر. قال السدي "لا يكاد يبين" أي لا يكاد يفهم. وقال قتادة والسدي وابن جرير: يعني عيي اللسان, وقال سفيان: يعني في لسانه شيء من الجمرة حين وضعها في فمه وهو صغير, وهذا الذي قاله فرعون لعنه الله كذب واختلاق, وإنما حمله على هذا الكفر والعناد وهو ينظر إلى موسى عليه الصلاة والسلام بعين كافرة شقية, وقد كان موسى عليه السلام من الجلالة والعظمة والبهاء في صورة يبهر أبصار ذوي الألباب.
وقوله: "مهين" كذب. بل هو المهين الحقير خلقة وخلقاً وديناً, وموسى هو الشريف الصادق البار الراشد. وقوله: "ولا يكاد يبين" افتراء أيضاً فإنه وإن كان قد أصاب لسانه في حال صغره شيء من جهة تلك الجمرة, فقد سأل الله عز وجل أن يحل عقدة من لسانه ليفقهوا قوله, وقد استجاب الله تبارك وتعالى له ذلك في قوله: "قد أوتيت سؤلك يا موسى" وبتقدير أن يكون قد بقي شيء لم يسأل إزالته, كما قاله الحسن البصري وإنما سأل زوال ما يحصل معه الإبلاغ والإفهام, فالأشياء الخلقية التي ليست من فعل العبد لا يعاب بها ولا يذم عليها, وفرعون وإن كان يفهم وله عقل, فهو يدري هذا, وإنما أراد الترويج على رعيته فإنهم كانوا جهلة أغبياء وهكذا قوله: "فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب" وهي ما يجعل في الأيدي من الحلي. قال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة وغير واحد "أو جاء معه الملائكة مقترنين" أي يكنفونه خدمة له ويشهدون بتصديقه, نظر إلى الشكل الظاهر ولم يفهم السر المعنوي الذي هو أظهر مما نظر إليه لو كان يفهم, ولهذا قال تعالى: "فاستخف قومه فأطاعوه" أي استخف عقولهم فدعاهم إلى الضلالة فاستجابوا له "إنهم كانوا قوماً فاسقين" قال الله تعالى: "فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: آسفونا أسخطونا, وقال الضحاك عنه: أغضبونا, وهكذا قال ابن عباس أيضاً ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب القرظي وقتادة والسدي وغيرهم من المفسرين.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا عبيد الله بن أخي ابن وهب, حدثنا عمي, حدثنا ابن لهيعة عن عقبة بن مسلم التجيبي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيت الله تبارك وتعالى يعطي العبد ما يشاء وهو مقيم على معاصيه, فإنما ذلك استدراج منه له" ثم تلا صلى الله عليه وسلم: "فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين" وحدثنا أبي, حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني, حدثنا قيس بن الربيع عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: كنت عند عبد الله رضي الله عنه, فذكر عنده موت الفجأة, فقال: تخفيف على المؤمن وحسرة على الكافر, ثم قرأ رضي الله عنه "فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين" وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: وجدت النقمة مع الغفلة يعني قوله تبارك وتعالى: "فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين" وقوله سبحانه وتعالى: " فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين " قال أبو مجلز: سلفاً لمثل من عمل بعملهم. وقال هو ومجاهد: ومثلاً أي عبرة لمن بعدهم, والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب, وإليه المرجع والمآب.
54- "فاستخف قومه فأطاعوه" أي حملهم على خفة الجهل والسفه بقوله وكيده وغروره، فأطاعوه فيما أمرهم به، وقبلوا وكذبوا موسى "إنهم كانوا قوماً فاسقين" أي خارجين عن طاعة الله. قال ابن الأعرابي: المعنى فاستجهل قومه فأطاعوه بخفة أحلامهم وقلة عقولهم، يقال استخفه الفرح: أي أزعجه، واستخفه: أي حمله، ومنه "ولا يستخفنك الذين لا يوقنون" وقيل استخف قومه: أي وجدهم خفاف العقول وقد استخف بقومه وقهرهم حتى اتبعوه.
54. قال الله تعالى: " فاستخف قومه "، أي استخف فرعون قومه القبط، أي وجدهم جهالاً. وقيل: حملهم على الخفة والجهل. يقال: استخفه عن رأيه، إذا حمله على الجهل وأزاله عن الصواب، " فأطاعوه "، على تكذيب موسى، " إنهم كانوا قوماً فاسقين ".
54-" فاستخف قومه " فطلب منهم الخفة في مطاوعته أو فاستخف أحلامهم . " فأطاعوه " فيما أمرهم به . " إنهم كانوا قوماً فاسقين " فلذلك أطاعوا ذلك الفاسق .
54. Thus he persuaded his people to make light (of Moses), and they obeyed him. Lo! they were a wanton folk.
54 - Thus did he make fools of his people, and they obeyed him: Truly were they a people rebellious (against God).