[الزخرف : 12] وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ
12 - (والذي خلق الأزواج) الأصناف (كلها وجعل لكم من الفلك) السفن (والأنعام) كالإبل (ما تركبون) حذف العائد اختصارا وهو مجرور في الأول أي فيه منصوب في الثاني
وقوله : " والذي خلق الأزواج كلها " يقول تعالى ذكره : والذي خلق كل شيء فزوجه ، أي خلق الذكور من الإناث أزواجاً ، والإناث من الذكور أزواجاً " وجعل لكم من الفلك " وهي السفن " والأنعام " وهي البهائم " ما تركبون " يقول : جعل لكم من السفن ما تركبونه في البحار إلى حيث قصدتم واعتمدتم في سيركم فيها لمعايشكم ومطالبكم ، ومن الأنعام ما تركبونه في البر إلى حيث أردتم من البلدان ، كالإبل والخيل والبغال والحمير .
الأولى : قوله تعالى : " والذي خلق الأزواج " أي والله الذي خلق الأزواج ، قال سعيد بن جبير : أي الأصناف كلها ، وقال الحسن : الشتاء والصيف والليل والنهار والسماوات والأرض والشمس والقمر والجنة والنار ، وقيل : أزواج الحيوان من ذكر وأنثى ، قاله ابن عيسى ، وقيل : أراد أزواج النبات ، كما قال تعالى : " وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج " [ ق : 7 ] ، و " من كل زوج كريم " [ الشعراء : 7 ] ، وقيل ما يتقلت فيه الإنسان من خير وشر ، وإيمان وكفر ، ونفع وضر ، وفقر وغنى ، وصحة وسقم .
قلت : وهذا القول يعم الأقوال كلها ويجمعها بعمومه : " وجعل لكم من الفلك " السفن ، " والأنعام " الإبل ، " ما تركبون " في البر والبحر .
يقول تعالى: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين بالله, العابدين معه غيره "من خلق السموات والأرض ؟ ليقولن خلقهن العزيز العليم" أي ليعترفن بأن الخالق لذلك هو الله وحده لا شريك له, وهم مع هذا يعبدون معه غيره من الأصنام والأنداد, ثم قال تعالى: "الذي جعل لكم الأرض مهداً" أي فراشاً قراراً ثابتة تسيرون عليها وتقومون وتنامون وتنصرفون, مع أنها مخلوقة على تيار الماء, لكنه أرساها بالجبال لئلا تميد هكذا ولا هكذا "وجعل لكم فيها سبلاً" أي طرقاً بين الجبال والأودية "لعلكم تهتدون" أي في سيركم من بلد إلى بلد, وقطر إلى قطر, "والذي نزل من السماء ماء بقدر" أي بحسب الكفاية لزروعكم وثماركم وشربكم لأنفسكم ولأنعامكم.
وقوله تبارك وتعالى: "فأنشرنا به بلدة ميتاً" أي أرضاً ميتة, فلما جاءها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج, ثم نبه تعالى بإحياء الأرض على إحياء الأجساد يوم المعاد بعد موتها, فقال: "كذلك تخرجون" ثم قال عز وجل: "والذي خلق الأزواج كلها" أي مما تنبت الأرض من سائر الأصناف من نبات وزروع وثمار وأزاهير وغير ذلك. ومن الحيوانات على اختلاف أجناسها وأصنافها "وجعل لكم من الفلك" أي السفن "والأنعام ما تركبون" أي ذللها لكم وسخرها ويسرها لأكلكم لحومها وشربكم ألبانها وركوبكم ظهورها, ولهذا قال جل وعلا: "لتستووا على ظهوره" أي لتستووا متمكنين مرتفعين "على ظهوره" أي على ظهور هذا الجنس "ثم تذكروا نعمة ربكم" أي فيما سخر لكم "إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين" أي مقاومين, ولولا تسخير الله لنا هذا ما قدرنا عليه. قال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة والسدي وابن زيد: مقرنين, أي مطيقين, "وإنا إلى ربنا لمنقلبون" أي لصائرون إليه بعد مماتنا وإليه سيرنا الأكبر, وهذا من باب التنبيه بسير الدنيا على سير الاخرة, كما نبه بالزاد الدنيوي على الزاد الأخروي في قوله تعالى: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى" وباللباس الدنيوي على الأخروي في قوله تعالى: "وريشاً ولباس التقوى ذلك خير".
ذكر الأحاديث الواردة عند ركوب الدابة
(حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب) رضي الله عنه. قال الإمام: حدثنا يزيد, حدثنا شريك بن عبد الله عن أبي إسحاق, عن علي بن ربيعة قال: رأيت علياً رضي الله عنه أتى بدابة, فلما وضع رجله في الركاب قال: باسم الله, فلما استوى عليها قال: الحمد لله "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون" ثم حمد الله تعالى ثلاثاً وكبر ثلاثاً, ثم قال: سبحانك لا إله إلا أنت قد ظلمت نفسي فاغفر لي ثم ضحك, فقلت له: مم ضحكت يا أمير المؤمنين ؟ فقال رضي الله عنه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثلما فعلت ثم ضحك, فقلت: مم ضحكت يا رسول الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "يعجب الرب تبارك وتعالى من عبده إذا قال رب اغفر لي, ويقول علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري" وهكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي الأحوص, زاد النسائي ومنصور عن أبي إسحاق السبيعي عن علي بن ربيعة الأسدي الوالبي به. وقال الترمذي: حسن صحيح, وقد قال عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة: قلت لأبي إسحاق السبيعي: ممن سمعت هذا الحديث ؟ قال: من يونس بن خباب, فلقيت يونس بن خباب فقلت: ممن سمعته ؟ فقال: من رجل سمعه من علي بن ربيعة, ورواه بعضهم عن يونس بن خباب عن شقيق بن عقبة الأسدي عن علي بن ربيعة الوالبي به.
(حديث عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما. قال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة "حدثنا أبو بكر بن عبد الله عن علي بن أبي طلحة عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما, قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه على دابته, فلما استوى عليها كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً وحمد ثلاثاً, وهلل واحدة, ثم استلقى عليه وضحك, ثم أقبل عليه فقال ما من امرىء مسلم يركب فيصنع كما صنعت, إلا أقبل الله عز وجل عليه, فضحك إليه كما ضحكت إليك" تفرد به أحمد.
(حديث عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. قال الإمام أحمد: حدثنا أبو كامل, حدثنا حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن علي بن عبد الله البارقي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركب راحلته كبر ثلاثاً ثم قال "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ـ ثم يقول ـ اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى, ومن العمل ما ترضى, اللهم هون علينا السفر واطو لنا البعيد, اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل, اللهم اصحبنا في سفرنا واخلفنا في أهلنا". وكان صلى الله عليه وسلم إذا رجع إلى أهله قال: "آيبون تائبون إن شاء الله عابدون لربنا حامدون" وهكذا رواه مسلم وأبو داود والنسائي من حديث ابن جريج, والترمذي من حديث حماد بن سلمة, كلاهما عن أبي الزبير به.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبيد حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن عمرو بن الحكم بن ثوبان عن أبي لاس الخزاعي قال: حملنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على إبل من إبل الصدقة إلى الحج, فقلنا: يا رسول الله ما نرى أن تحملنا هذه, فقال صلى الله عليه وسلم: "ما من بعير إلا في ذروته شيطان, فاذكروا اسم الله عليها إذا ركبتموها كما آمركم, ثم امتهنوها لأنفسكم فإنما يحمل الله عز وجل" أبو لاس اسمه محمد بن الأسود بن خلف.
(حديث آخر) في معناه ـ قال أحمد: حدثنا عتاب, أخبرنا عبد الله, وعلي بن إسحاق , أخبرنا عبد الله يعني ابن المبارك, أخبرنا أسامة بن زيد, أخبرني محمد بن حمزة أنه سمع أباه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "على ظهر كل بعير شيطان فإذا ركبتموها فسموا الله عز وجل ثم لا تقصروا عن حاجاتكم".
12- "والذي خلق الأزواج كلها" المراد بالأزواج هنا الأصناف، قال سعيد بن جبير: الأصناف كلها. وقال الحسن: الشتاء والصيف والليل والنهار والسموات والأرض والجنة والنار، وقيل أزواج الحيوان من ذكر وأنثى، وقيل أزواج النبات، كقوله: "وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج" و"من كل زوج كريم" وقيل ما يتقلب فيه الإنسان من خير وشر وإيمان وكفر، والأول أولى "وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون" في البحر والبر: أي ما تركبونه.
12. " والذي خلق الأزواج "، أي الأصناف " كلها ": " وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون "، في البر والبحر.
12-" والذي خلق الأزواج كلها " أصناف المخلوقات . " وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون " ما تركبونه على تغليب المتعدي بنفسه على المتعدي بغيره إذ يقال : ركبت الدابة وركبت في السفينة ، أو المخلوق للركوب على المصنوع له أو الغالب على النادر ولذلك قال :
12. He who created all the pairs, and appointed for you ships and cattle whereupon ye ride.
12 - That has created pairs in all things, and has made for you ships and cattle on which ye ride,