[الشوري : 8] وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ
8 - (ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة) أي على دين واحد وهو الإسلام (ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون) الكافرون (ما لهم من ولي ولا نصير) يدفع عنهم العذاب
يقول تعالى ذكره : ولو أراد الله أن يجمع خلقه على هدى ، ويجعلهم على ملة واحدة لفعل ، ولجعلهم أمة واحدة : يقول : أهل ملة واحدة ، وجماعة مجتمعة على دين واحد " ولكن يدخل من يشاء في رحمته " يقول : لم يفعل ذلك فيجعلهم أمة واحدة ، ، ولكن يدخل من يشاء من عباده في رحمته ، يعني أنه يدخله في رحمته بتوفيقه إياه للدخول في دينه ، الذي ابتعث به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم " والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير " يقول : والكافرون بالله ما لهم من ولي يتولاهم يوم القيامة ، ولا نصير ينصرهم من عقاب الله حين يعاقبهم ، فينقذهم من عذابه ، ويقتص لهم ممن عاقبهم . وإنما قيل هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسلية له عما كان يناله من الهم بتوليه قومه عنه ، وأمراً له بترك إدخال المكروه على نفسه من أجل إدبار من أدبر عنه منهم ، فلم يستجب لما دعاه إليه من الحق ، وإعلاماً له أن أمور عباده بيده ، وأنه الهادي إلى الحق من شاء ، والمضل من أراد دونه ، ودون كل أحد سواه .
قوله تعالى : " ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة " قال الضحاك : أهل دين واحد ، أهل ضلالة أو أهل هدى ، " ولكن يدخل من يشاء في رحمته " قال أنس بن مالك ، في الإسلام " والظالمون " رفع على الإبتداء ، والخبر ، " ما لهم من ولي ولا نصير " عطف على اللفظ ويجوز (( ولا نصير )) بالرفع على الموضع و (( من )) زائدة .
يقول تعالى وكما أوحينا إلى الأنبياء قبلك "أوحينا إليك قرآناً عربياً" أي واضحاً جلياً بيناً "لتنذر أم القرى" وهي مكة "ومن حولها" أي من سائر البلاد شرقاً وغرباً, وسميت مكة أم القرى لأنها أشرف من سائر البلاد لأدلة كثيرة مذكورة في مواضعها, ومن أوجز ذلك وأدله ما قال الإمام أحمد: حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب عن الزهري حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: إن عبد الله بن عدي بن الحمراء الزهري أخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو واقف بالحزورة في سوق مكة "والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت" هكذا رواية الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث الزهري به وقال الترمذي حسن صحيح. وقوله عز وجل: "وتنذر يوم الجمع" وهو يوم القيامة يجمع الله الأولين والاخرين في صعيد واحد وقوله تعالى: "لا ريب فيه" أي لا شك في وقوعه وأنه كائن لا محالة, وقوله جل وعلا: "فريق في الجنة وفريق في السعير" كقوله تعالى: "يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن" أي يغبن أهل الجنة أهل النار, وكقوله عز وجل: " إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود * وما نؤخره إلا لأجل معدود * يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد " قال الإمام أحمد حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا ليث حدثني أبو قبيل المعافري عن شفي الأصبحي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان فقال: "أتدرون ما هذان الكتابان ؟" قلنا لا إلا أن تخبرنا يا رسول الله. قال صلى الله عليه وسلم للذي في يمينه: "هذا كتاب من رب العالمين بأسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ـ ثم أجمل على آخرهم ـ لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً ـ ثم قال صلى الله عليه وسلم للذي في يساره: هذا كتاب أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً" فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأي شيء نعمل إن كان هذا الأمر قد فرغ منه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "سددوا وقاربوا فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل, وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وإن عمل أي عمل" ثم قال صلى الله عليه وسلم بيده فقبضها ثم قال "فرغ ربكم عز وجل من العباد ـ ثم قال باليمنى فنبذ بها فقال فريق في الجنة ـ ونبذ باليسرى وقال ـ فريق في السعير" وهكذا رواه الترمذي والنسائي جميعاً عن قتيبة عن الليث بن سعد وبكر بن مضر كلاهما عن أبي قبيل عن شفي بن مانع الأصبحي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما به, وقال الترمذي حسن صحيح غريب وساقه البغوي في تفسيره من طريق بشر بن بكر عن سعيد بن عثمان عن أبي الزاهرية عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره بنحوه وعنده زيادات منها ـ ثم قال: فريق في الجنة وفريق في السعير عدل من الله عز وجل ـ ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن عبد الله بن صالح كاتب الليث عن الليث به ورواه ابن جرير عن يونس عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن أبي قبيل عن شفي عن رجل من الصحابة رضي الله عنهم فذكره.
ثم روي عن يونس عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث وحيوة بن شريح عن يحيى بن أبي أسيد أن أبا فراس حدثه أنه سمع عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: إن الله تعالى يقول: إن الله تعالى لما خلق آدم نفضه نفض المزود وأخرج منه كل ذريته فخرج أمثال النغف فقبضهم قبضتين ثم قال شقي وسعيد ثم ألقاهما ثم قبضهما فقال فريق في الجنة وفريق في السعير وهذا الموقوف أشبه بالصواب والله سبحانه وتعالى أعلم. وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الصمد حدثنا حماد يعني ابن سلمة أخبرنا الحريري عن أبي نضرة قال: إن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له أبو عبد الله دخل عليه أصحابه يعني يزورونه فوجدوه يبكي, فقالوا له ما يبكيك ؟ ألم يقل لك رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ من شاربك ثم أفره حتى تلقاني, قال بلى ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله تعالى قبض بيمينه قبضة وأخرى باليد الأخرى قال هذه لهذه وهذه لهذه ولا أبالي" فلا أدري في أي القبضتين أنا وأحاديث القدر في الصحاح والسنن والمسانيد كثيرة جداً منها حديث علي وابن مسعود وعائشة وجماعة جمة رضي الله عنهم أجمعين. وقوله تبارك وتعالى: "ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة" أي إما على الهداية أو على الضلالة ولكنه تعالى فاوت بينهم فهدى من يشاء إلى الحق وأضل من يشاء عنه وله الحكمة والحجة البالغة ولهذا قال عز وجل: "ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير".
وقال ابن جرير حدثني يونس أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارس عن أبي سويد أنه حدثه عن ابن حجيرة أنه بلغه أن موسى عليه الصلاة والسلام قال: يا رب خلقك الذين خلقتهم جعلت منهم فريقاً في الجنة وفريقاً في النار لو ما أدخلتهم كلهم الجنة فقال يا موسى ارفع درعك فرفع قال قد رفعت قال ارفع فرفع فلم يترك شيئاً قال يا رب قد رفعت قال ارفع قال قد رفعت إلا ما لا خير فيه قال كذلك أدخل خلقي كلهم الجنة إلا ما لا خير فيه.
8- "ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة" قال الضحاك: أهل دين واحد، إما على هدى وإما على ضلالة، ولكنهم افترقوا على أديان مختلفة بالمشيئة الأزلية، وهو معنى قوله: "ولكن يدخل من يشاء في رحمته" في الدين الحق: وهو الإسلام "والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير" أي المشركون ما لهم من ولي يدفع عنهم العذاب، ولا نصير ينصرهم في ذلك المقام، ومثل هذا قوله: "ولو شاء الله لجمعهم على الهدى" وقوله: "ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها" وها هنا مخاصمات بين المتمذهبين المحامين على ما درج عليه أسلافهم فدبوا عليه من بعدهم وليس بنا إلى ذكر شيء من ذلك فائدة كما هو عادتنا في تفسيرها هذا فهو تفسير سلفي يمشي مع الحق ويدور مع مدلولات النظم الشريف، وإنما يعرف ذلك من رسخ قدمه وتبرأ من التعصب قلبه ولحمه ودمه.
8. قوله عز وجل: " ولو شاء الله لجعلهم أمةً واحدةً "، قال ابن عباس رضي الله عنهما: على دين واحد. وقال مقاتل : على ملة الإسلام كقوله تعالى: " ولو شاء الله لجمعهم على الهدى " (الأنعام-35)، " ولكن يدخل من يشاء في رحمته "، في دين الإسلام، " والظالمون "، الكافرون، " ما لهم من ولي "، يدفع عنهم العذاب، " ولا نصير "، يمنعهم من النار.
8-" ولو شاء الله لجعلهم أمةً واحدةً " مهتدين أو ضالين . " ولكن يدخل من يشاء في رحمته " بالهداية والحمل على الطاعة . " والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير " أي يدعهم بغير ولي ولا نصير في عذابه ،ولعل تغيير المقابلة للمبالغة في الوعيد إذ الكلام في الإنذار .
8. Had Allah willed, He could have made them one community, but Allah bringeth whom He will into His mercy. And the wrong doers have no friend nor helper.
8 - If God had so willed, He could have made them a single people; but He admits whom He will to His Mercy; and the wrong doers will have no protector nor helper.