[الشوري : 35] وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ
35 - (ويعلم) بالرفع مستأنف وبالتصب معطوف على تعليل مقدر أي يغرقهم لينتقم منهم ويعلم (الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص) مهرب من العذاب وجملة النفي سدت مسد مفعولي يعلم والنفي معلق عن العمل
وقوله : " ويعلم الذين يجادلون في آياتنا " يقول جل ثناؤه : ويعلم الذين يخاصمون رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم من المشركين في آياته وعبره وأدلته على توحيده .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة < ويعلم الذين > رفعاً على الاستئناف ، كما قال في سورة براءة [ الآية : 15 ] " ويتوب الله على من يشاء " وقرأته قراء الكوفة والبصرة " ويعلم الذين " نصباً كما قال في سورة آل عمران [ الآية : 142 ] " ويعلم الصابرين " على الصرف ، وكما قال النابغة :
فإن يهلك أبو قابوس يهلك ربيع الناس والشهر الحرام
ونمسك بعده بذناب عيش أجب الظهر ليس له سنام
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان ولغتان معروفتان ، متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القاريء فمصيب .
وقوله : " ما لهم من محيص " يقول تعالى ذكره : ما لهم من محيد من عقاب الله إذا عاقبهم على ذنوبهم ، وكفرهم به ، ولا لهم منه ملجأ .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، قوله : " ما لهم من محيص " : ما لهم من ملجأ .
" ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص " يعني الكفار ، أي إذا توسطوا البحر وغشيهم الرياح من كل مكان أو بقيت السفن رواكد علموا أنه لا ملجأ لهم سوى الله ، ولا دافع لهم إن أراد الله إهلاكهم فيخلصون له العبادة ، وقد مضى هذا المعنى في غير موضع ، ومضى القول في ركوب البحر في (( البقرة )) وغيرها بما يغني عن إعادته ، وقرأ نافع و ابن عامر (( ويعلم )) بالرفع ، بالباقون بالنصب ، فالرفع ، على الاستئناف بعد الشرط والجزاء ، كقوله في سورة التوبة ، " ويخزهم وينصركم عليهم " [ التوبة : 14 ] ، ثم قال : " ويتوب الله على من يشاء " [ التوبة : 15 ] ، رفعاً ، ونظيره في الكلام ، إن تأتني أتك وينطلق عبد الله ، أو على أنه خبر ابتداء محذوف ، والنصب على الصرف ، كقوله تعالى : " ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين " [ آل عمران : 142 ] صرف من حال الجزم إلى النصب استخفافاً كراهية لتوالي الجزم ، كقول النابغة :
فإن يهلك أبو قابوس يهلك ربيع الناس والشهر الحرام
ويمسك بعده بذناب عيش أجب الظهر ليس له سنام
وهذا معنى قول الفراء ، قال : ولو جزم (( ويعلم )) جاز ، وقال الزجاج : نصب على إضمار (( أن )) لأن قبلها جزماً ، تقول : ما تصنع أصنع مثله وأكرمك ، وإن شئت قلت : وأكرمك بالجزم ، وفي بعض المصاحف (( وليعلم )) وهذا يدل على أن النصب بمعنى : وليعلم أو لأن يعلم ، وقال أبو علي و المبرد : النصب بإضمار (( أن )) على أن يجعل الأول في تقدير المصدر ، أي ويكون منه عفو وأن يعلم فلما حمله على الاسم أضمر أن ، كما تقول : إن تأتني وتعطيني أكرمك ، فتنصب تعطيني ، أي إن يكن منك إتيان وأن تعطيني ، ومعنى " من محيص " أي من فرار ومهرب ، قاله قطرب ، السدي : من ملجأ وهو مأخوذ من قولهم : حاص به البعير حيصة إذا رمى به ، ومنه قولهم : فلان يحيص عن الحق أي يميل عنه .
يقول تعالى ومن آياته الدالة على قدرته الباهرة وسلطانه تسخيره البحر لتجري فيه الفلك بأمره وهي الجواري في البحر كالأعلام أي كالجبال, قاله مجاهد والحسن والسدي والضحاك: أي هذه في البحر كالجبال في البر "إن يشأ يسكن الريح" أي التي تسير في البحر بالسفن لو شاء لسكنها حتى لا تحرك السفن بل تبقى راكدة لا تجيء ولا تذهب بل واقفة على ظهره أي على وجه الماء " إن في ذلك لآيات لكل صبار " أي في الشدائد "شكور" أي إن في تسخيره البحر وإجرائه الهوى بقدر ما يحتاجون إليه لسيرهم لدلالات على نعمه تعالى على خلقه لكل صبار أي في الشدائد شكور في الرخاء. وقوله عز وجل "أو يوبقهن بما كسبوا" أي ولو شاء لأهلك السفن وغرقها بذنوب أهلها الذين هم راكبون فيها "ويعف عن كثير" أي من ذنوبهم ولو آخذهم بجميع ذنوبهم لأهلك كل من ركب البحر.
وقال بعض علماء التفسير معنى قوله تعالى: "أو يوبقهن بما كسبوا" أي لو شاء لأرسل الريح قوية عاتية فأخذت السفن وأحالتها عن سيرها المستقيم فصرفتها ذات اليمين أو ذات الشمال آبقة لا تسير على طريق ولا إلى جهة مقصد, وهذا القول يتضمن هلاكها وهو مناسب للأول وهو أنه تعالى لو شاء لسكن الريح فوقفت أو لقواه فشردت وأبقت وهلكت, ولكن من لطفه ورحمته أنه يرسله بحسب الحاجة كما يرسل المطر بقدر الكفاية ولو أنزله كثيراً جداً لهدم البنيان أو قليلاً لما أنبت الزرع والثمار حتى إنه يرسل إلى مثل بلاد مصر سيحاً من أرض أخرى غيرها لأنهم لا يحتاجون إلى مطر ولو أنزل عليهم لهدم بنيانهم وأسقط جدرانهم, وقوله تعالى: "ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص" أي لا محيد لهم عن بأسنا ونقمتنا فإنهم مقهورون بقدرتنا.
35- "ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص" قرأ الجمهور بنصب "يعلم" قال الزجاج: على الصرف، قال: ومعنى الصرف صرف العطف على اللفظ إلى العطف على المعنى، قال: وذلك أنه لما لم يحسن عطف ويعلم مجزوماً على ما قبله إذ يكون المعنى: إن يشأ بعلم عدل إلى العطف على مصدر الفعل الذي قبله، ولا يتأتى ذلك إلا بإضمار أن لتكون مع الفعل في تأويل اسم، ومن هذا بيتا النابغة المذكوران قريباً، وكما قال الزجاج: قال المبرد وأبو علي الفارسي: واعترض على هذا الوجه بما لا طائل تحته. وقيل النصب على العطف على تعليل محذوف والتقدير: لينتقم منهم ويعلم. واعترضه أبو حيان بأنه ترتيب على الشرط إهلاك قوم ونجاة قوم فلا يحسن تقدير لينتقم منهم. وقرأ نافع وابن عامر برفع "يعلم" على الاستئناف وهي قراءة ظاهرة المعنى واضحة اللفظ. وقرئ بالجزم عطفاً على المجزوم قبله على معنى: وإن يشأ يجمع بين الإهلاك والنجاة والتحذير، ومعنى "ما لهم من محيص" ما لهم من فرار ولا مهرب، قاله قطرب. وقال السدي: ما لهم من ملجأ، وهو مأخوذ من قولهم حاص به البعير حيصة: إذا رمى به، ومنه قولهم فلان يحيص عن الحق: أي يميل عنه.
35. " ويعلم "، قرأ أهل المدينة والشام: ((ويعلم)) برفع الميم على الاستئناف كقوله عز وجل في سورة براءة: " ويتوب الله على من يشاء " (التوبة-15)، وقرأ الآخرون بالنصب على الصرف، والجزم إذا صرف عنه معطوفه نصب، وهو كقوله تعالى: " ويعلم الصابرين " (آل عمران-142)، صرف من حال الجزم إلى النصب استخفافاً وكراهية لتوالي الجزم. " الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص "، أي: يعلم الذين يكذبون بالقرآن إذا صاروا إلى الله بعد البعث أن لا مهرب لهم من عذاب الله.
35-" ويعلم الذين يجادلون في آياتنا " عطف على علة مقدرة مثل لينتقم منهم " ويعلم " ، أو على الجزاء ونصب نصب الواقع جواراً للأشياء الستة لأنه أيضاً غير واجب ، وقرأ نافع و ابن عامر بالرفع على الاستئناف ، وقرئ بالجزم عطفاً على " يعف " فيكون المعنى ويجمع بين إهلاك قوم و إنجاء قوم وتحذير آخرين . " لهم من محيص " محيد من العذاب والجملة معلق عنها الفعل .
35. And that those who argue concerning Our revelations may know they have no refuge.
35 - But let those know, who dispute about Our Signs, that there is for them no way of escape.