[الشوري : 30] وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ
30 - (وما أصابكم) خطاب للمؤمنين (من مصيبة) بلية وشدة (فبما كسبت أيديكم) كسبتم من الذنوب وعبر بالأيدي لأن أكثر الأفعال تزاول بها (ويعفو عن كثير) منها فلا يجازي عليه وهو تعالى أكرم من أن يثني الجزاء في الآخرة أما غير المذنبين فما يصيبهم في الدنيا لرفع درجاتهم في الآخرة
يقول تعالى ذكره : وما يصيبكم أيها الناس من مصيبة في الدنيا في أنفسكم وأهليكم وأموالكم " فبما كسبت أيديكم " يقول : فإنما يصيبكم ذلك عقوبة من الله لكم بما اجترمتم من الآثام فيما بينكم وبين ربكم ويعفو لكم ربكم عن كثير من إجرامكم ، فلا يعاقبكم بها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا أيوب ، قال : قرأت في كتاب أبي قلابة ، قال : نزلت " فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره " [ الزلزلة : 7 - 8 ] وأبو بكر رضي الله عنه يأكل ، فأمسك فقال : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لراء ما عملت من خير أو شر ؟ فقال : أرأيت ما رأيت مما تكره فهو من مثاقيل ذر الشر ، وتدخر مثاقيل الخير حتى تعطاه يوم القيامة . قال : قال إبو إدريس ، فأرى مصداقها في كتاب الله ، قال : " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " .
قال أبو جعفر : حدث هذا الحديث الهيثم بن الربيع ، فقال فيه أيوب عن أبي قلابة ، عن أنس ، أن أبا بكر رضي الله عنه كان جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر الحديث ، وهو غلط ، والصواب عن أبي إدريس .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم " ... الآية ، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " لا يصيب ابن آدم خدش عود ، ولا عثرة قدم ، ولا اختلاج عرق إلا بذنب ، وما يعفو عنه أكثر " .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم " ... الآية ، قال : يعجل للمؤمنين عقوبتهم بذنوبهم ولا يؤاخذون بها في الآخرة .
وقال آخرون : بل عني بذلك : وما عوقبتم في الدنيا من عقوبة بحد حددتموه على ذنب استوجبتموه عليه فيما كسبت أيديكم : يقول : فبما عملتم من معصية الله " ويعفو عن كثير " فلا يوجب عليكم فيها حداً .
ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن " وما أصابكم من مصيبة " ... الآية ، قال : هذا في الحدود ، قال : قتادة : بلغنا أنه ما من رجل يصيبه عثرة قدم ولا خدش عود أو كذا وكذا إلا بذنب ، أو يعفو ، وما يعفو أكثر .
قوله تعالى : " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم " قرأ نافع و ابن عامر (( بما كسبت )) بغير فاء ، الباقون (( فبما )) بالفاء ، واختاره أبو عبيد و أبو عبيد للزيادة في الحرف والأجر ، قال المهدوي : إن قدرت أن (( ما )) الموصولة جاز حذف الفاء وإثباتها ، والإثبات أحسن ، وإن قدرتها التي للشرط لم يجز الحذف عند سيبويه ، وأجاز الأخفش واحتج بقوله تعالى " وإن أطعتموهم إنكم لمشركون " [ الأنعام : 121 ] ، والمصيبة هنا الحدود على المعاصي ، قاله الحسن ، وقال الضحاك : ما تعلم رجل القرآن ثم نسيه إلا بذنب ، قال الله تعالى : " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم " ثم قال : وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن ، ذكره ابن المبارك عن عبد العزيز بن أبي رواد ، قال أبو عبيد : إنما هذا على الترك ، فأما الذي هو دائب في تلاوته حريص على حفظه إلا أن النسيان يغلبه فليس من ذلك في شيء ، ومما يحقق ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينسى الشيء من القرآن حتى يذكره ، من ذلك حديث عائشة " عن النبي صلى الله عليه وسلم : سمع قراءة رجل في المسجد فقال : ما له رحمه الله ! لقد أذكرني آيات كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا "، وقيل : (( ما )) بمعنى الذي ، والمعنى الذي أصابكم فيما مضى بما كسبت أيديكم ، وقال علي رضي الله عنه : هذه الآية أرجى آية في كتاب الله عز وجل وإذا كان يكفر عني بالمصائب ويعفو عن كثير فما يبقى بعد كفارته وعفوه ! وقد روى هذا المعنى مرفوعاً عنه رضي الله عنه ، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله حدثنا بها النبي صلى الله عليه وسلم " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم " الآية : (( يا علي ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم ، والله أكر من أن يثنى عليكم العقوبة في الآخرة وما عفا عنه في الدنيا فالله أحلم من أن يعاقب به بعد عفوه )) ، وقال الحسن : لما نزلت هذه الآية ، " قال النبي صلى الله عليه وسلم : ما من اختلاج عرق ولا خدش عود ولا نكبة حجر إلا بذنب ولما يعفو الله عنه أكثر " ، وقال الحسن : دخلنا على عمران بن حصين فقال رجل : لا بد أن أسألك عما أرى بك من الوجع ، فقال عمران : يا أخي لا تفعل ! فوالله إني لأحب الوجع ومن أحبه كان أحب الناس إلى الله ، قال الله تعالى : " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " فهذا مما كسبت يدي ، وعفو ربي عما بقي أكثر ، وقال مرة الهمداني : رأيت على ظهر كف شريح قرحة فقلت : يا أبا أمية ، ما هذا ؟ قال : هذا بما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ، وقال ابن عون : إن محمد بن سيرين لما ركبه الدين اغتم لذلك فقال : إني لأعرف هذا الغم ، هذا بذنب أصبته منذ أربعين سنة ، وقال أحمد بن أبي الحواري : قيل لـ أبي سليمان الداراني : ما بال العقلاء أزالوا اللوم عمن أساء إليهم ؟ فقال : لأنهم علموا أن الله تعالى إنما ابتلاهم بذنوبهم ، قال الله تعالى : " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " وقال عكرمة : ما من نكبة أصابت عبداً فما فوقها إلا بذنب لم يكن الله ليغفره له إلا بها أو لينال درجة لم يكن يوصله إليها إلا بها ، وروي أن رجلاً قال لموسى : يا موسى سل الله لي في حاجة يقضيها لي هو أعلم بها ، ففعل موسى ، فلما نزل إذ هو بالرجل قد مزق السبع لحمه وقتله ، فقال موسى : ما بال هذا يا رب ؟ فقال الله تبارك وتعالى له : يا موسى إنه سألني درجة علمت أنه لم يبلغها بعمله فأصبته بما ترى لأجعلها وسيلة له في نيل تلك الدرجة ، فكان أبو سليمان الداراني إذا ذكر هذا الحديث يقول : سبحان من كان قادراً على أن ينيله تلك الدرجة بلا بلوى ! ولكنه يفعل ما يشاء .
قلت : ونظير هذه الآية في المعنى قوله تعالى : " من يعمل سوءا يجز به " [ النساء : 123 ] ، وقد مضى القول فيه ، قال علماؤنا : وهذا في حق المؤمنين ، فأما الكافر فعقوبته مؤخرة إلى الآخرة ، وقيل : هذا خطاب للكفار ، وكان إذا أصابهم شر قالوا : هذا بشؤم محمد ، فرد عليهم وقال بل ذلك بشؤم كفركم ، والأول أكثر وأظهر وأشهر ، وقال ثابت البناني : إنه كان يقال ساعات الأذى يذهبن ساعات الخطايا ، ثم فيها قولان : أحدهما أنها خاصة في البالغين أن تكون عقوبة لهم ، وفي الأطفال أن تكون مثوبة لهم . الثاني : أنها عقوبة عامة للبالغين في أنفسهم والأطفال في غيرهم من والد ووالدة ، " ويعفو عن كثير " أي عن كثير من المعاصي ألا يكون عليها حدود ، وهو مقتضى قول الحسن ، وقيل : أي يعفو عن كثير من العصاة ألا يعجل عليهم بالعقوبة .
يقول تعالى: "ومن آياته" الدالة على عظمته وقدرته العظيمة وسلطانه القاهر "خلق السموات والأرض وما بث فيهما" أي ذرأ فيهما في السموات والأرض "من دابة" وهذا يشمل الملائكة والإنس والجن وسائر الحيوانات على اختلاف أشكالهم وألوانهم ولغاتهم وطباعهم وأجناسهم وأنواعهم وقد فرقهم في أرجاء أقطار السموات والأرض "وهو" مع هذا كله "على جمعهم إذا يشاء قدير" أي يوم القيامة يجمع الأولين والاخرين وسائرالخلائق في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر فيحكم فيهم بحكمه العدل الحق.
وقوله عز وجل: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم" أي مهما أصابكم أيها الناس من المصائب فإنما هي عن سيئات تقدمت لكم "ويعفو عن كثير" أي من السيئات فلا يجازيكم عليها بل يعفو عنها "ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة" وفي الحديث الصحيح "والذي نفسي بيده ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن إلا كفر الله عنه بها من خطاياه حتى الشوكة يشاكها". وقال ابن جرير: حدثنا يعقوب بن إبراهيم, حدثنا ابن علية, حدثنا أيوب قال: قرأت في كتاب أبي قلابة قال نزلت "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" وأبو بكر رضي الله عنه يأكل فأمسك وقال: يا رسول الله إني أرى ما عملت من خير وشر, فقال: "أرأيت ما رأيت مما تكره, فهو من مثاقيل ذر الشر وتدخر مثاقيل الخير حتى تعطاه يوم القيامة" وقال: قال أبو إدريس: فإني أرى مصداقها في كتاب الله تعالى: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" ثم رواه من وجه آخر عن أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه قال والأول أصح.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع, حدثنا مروان بن معاوية الفزاري, حدثنا الأزهر بن راشد الكاهلي عن الخضر بن القواس البجلي عن أبي سخيلة عن علي رضي الله عنه قال: ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله عز وجل, وحدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير, وسأفسرها لك يا علي: ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم والله تعالى أحلم من أن يثني عليه العقوبة في الاخرة وما عفا الله عنه في الدنيا فالله تعالى أكرم من أن يعود بعد عفوه" وكذا رواه الإمام أحمد عن مروان بن معاوية وعبدة عن أبي سخيلة قال: قال علي رضي الله عنه فذكر نحوه مرفوعاً.
ثم روى ابن أبي حاتم نحوه من وجه آخر موقوفاً فقال: حدثنا أبي, حدثنا منصور بن أبي مزاحم, حدثنا أبو سعيد بن أبي الوضاح عن أبي الحسن عن أبي جحيفة قال دخلت على علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: ألا أحدثكم بحديث ينبغي لكل مؤمن أن يعيه ؟ قال: فسألناه فتلا هذه الاية "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" قال ما عاقب الله تعالى به في الدنيا فالله أحلم من أن يثني عليه بالعقوبة يوم القيامة وما عفا الله عنه في الدنيا فالله أكرم من أن يعود عفوه يوم القيامة. وقال الإمام أحمد: حدثنا يعلى بن عبيد, حدثنا طلحة يعني ابن يحيى عن أبي بردة عن معاوية هو ابن أبي سفيان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من شيء يصيب المؤمن في جسده يؤذيه إلا كفر الله تعالى عنه به من سيئاته " وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا حسين عن زائدة عن ليث عن مجاهد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كثرت ذنوب العبد ولم يكن له ما يكفرها ابتلاه الله تعالى بالحزن ليكفرها".
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي, حدثنا أبو أسامة عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن هو البصري قال في قوله تبارك وتعالى: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" قال لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والذي نفس محمد بيده ما من خدش عود ولا اختلاج عرق ولا عثرة قدم إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر". وقال أيضاً: حدثنا أبي, حدثنا عمر بن علي, حدثنا هشيم عن منصور عن الحسن عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: دخل عليه بعض أصحابه وقد كان ابتلي في جسده فقال له بعضهم إنا لنبأس لك لما نرى فيك, قال فلا تبتئس بما ترى فإن ما ترى بذنب وما يعفو الله عنه أكثر ثم تلا هذه الاية "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير".
وحدثنا أبي, حدثنا يحيى بن الحميد الحماني, حدثنا جرير عن أبي البلاد قال: قلت للعلاء بن بدر "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم" وقد ذهب بصري وأنا غلام ؟ قال فبذنوب والديك. وحدثنا أبي, حدثنا علي بن محمد الطنافسي, حدثنا وكيع عن عبد العزيز بن أبي داود عن الضحاك قال: ما نعلم أحداً حفظ القرآن ثم نسيه إلا بذنب ثم قرأ الضحاك "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" ثم يقول الضحاك: وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن.
30- "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم" أي ما أصابكم من المصائب كائنة ما كانت فبسبب ما كسبت أيديكم من المعاصي. قرأ نافع وابن عامر "بما كسبت" بغير فاء، وقرأ الباقون بالفاء، وما في وما أصابكم هي الشرطية، ولهذا دخلت الفاء في جوابها على قراءة الجمهور ولا يجوز حذفها عند سيبويه والجمهور، وجوز الأخفش الحذف كما في قوله: "وإن أطعتموهم إنكم لمشركون" وقول الشاعر:
من يفعل الحسنات الله يشكرها والشر بالشر عند الله مثلان
وقيل هي الموصولة فيكون الحذف والإثبات جائزين، والأول أولى. قال الزجاج: إثبات الفاء أجود لأن الفاء مجازاة جواب الشرط، ومن حذف الفاء فعلى أن ما في معنى الذي، والمعنى: الذي أصابكم وقع بما كسبت أيديكم. قال الحسن: المصيبة هنا الحدود على المعاصي، والأولى الحمل على العموم كما يفيده وقوع النكرة في سياق النفي ودخول من الاستغراقية عليها "ويعفو عن كثير" من المعاصي التي يفعلها العباد فلا يعاقب عليها، فمعنى الآية: أنه يكفر عن العبد بما يصيبه من المصائب ويعفو عن كثير من الذنوب. وقد ثبتت الأدلة الصحيحة أن جميع ما يصاب به الإنسان في الدنيا يؤجر عليه أو يكفر عنه من ذنوبه. وقيل هذه الآية مختصة ما يصاب به الإنسان في الدنيا يؤجر عليه أو يكفر عنه من ذنوبه. وقيل هذه الآية مختصة بالكافرين على معنى: أن ما يصابون به بسبب ذنوبهم من غير أن يكون ذلك مكفراً عنهم لذنب ولا محصلاً لصواب، وبترك عقوبتهم عن كثير من ذنوبهم فلا يعاجلهم في الدنيا بل يمهلهم إلى الدار الآخرة. والأولى حمل الآية على العموم، والعفو يصدق على تأخير العقوبة كما يصدق على محو الذنب ورفع الخطاب به. قال الواحدي: وهذه أرجى آية في كتاب الله لأنه جعل ذنوب المؤمنين صنفين: صنف كفره عنهم بالمصائب، وصنف عفا عنه في الدنيا وهو كريم لا يرجع في عفوه، فهذه سنة الله مع المؤمنين. وأما الكافر فإن لا يعجل له عقوبة ذنبه حتى يوافي به يوم القيامة.
30. " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم "، قرأ أهل المدينة والشام ((بما كسبت)) بغير فاء، وكذلك هو في مصاحفهم/ فمن حذف الفاء جعل ((ما)) في أول الآية بمعنى الذي أصابكم بما كسبت أيديكم. " ويعفو عن كثير "، قال الحسن : لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفس محمد بيده ما خدش عود ولا عثرة قدم، ولا اختلاج عرق إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر ".
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخربنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني أبو عبد الله بن فنجويه ، حدثنا أبو بكر بن مالك القطيعي ، حدثنا بشر بن موسى الأسدي ، حدثنا خلف بن الوليد ، حدثنا مروان بن معاوية ، أخبرني الأزهر بن راشد الباهلي عن الخضر بن القواس البجلي عن أبي سخيلة قال: قال علي بن أبي طالب: ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله عز وجل حدثنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير "، قال: وسأفسرها لك ياعلي: (( ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فيما كسبت أيديكم، والله عز وجل أكرم من أن يثني عليهم العقوبة في الآخرة، وما عفا عنكم في الدنيا فالله أحلم من أن يعود بعد عفوه )).
قال عكرمة : ما من نكبة أصابت عبداً فما فوقها إلا بذنب لم يكن الله ليغفر له إلا بها، أو درجة لم يكن الله ليبلغها إلا بها.
30-" وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم " فبسبب معاصيكم ، والفاء لأن " ما " شرطية أو متضمنة معناه ،ولم يذكرها نافع و ابن عامر استغناء بما في الباء من معنى السببية . " ويعفو عن كثير " من الذنوب فلا يعاقب عليها . والآية مخصوصة بالمجرمين ، فإن ما أصاب غيرهم فلأسباب أخر منها تعريضه للأجر العظيم بالصبر عليه .
30. Whatever of misfortune striketh you, it is what your right hands have earned. And He forgiveth much
30 - Whatever misfortune happens to you, is because of the things your hands have wrought, and for many (of them) He grants forgiveness.