[الشوري : 26] وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ
26 - (ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات) يجيبهم إلى ما يسألون (ويزيدهم) الله (من فضله والكافرون لهم عذاب شديد)
يقول تعالى ذكره : ويجيب الذين آمنوا بالله ورسوله ، وعملوا بما أمرهم الله به ، وانتهوا عما نهاهم عنه لبعضهم دعاء بعض .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عثام ، قال : ثنا الأعمش ، عن شقيق بن سلمة ، عن سلمة بن سبرة ، قال : خطبنا معاذ فقال : أنتم المؤمنون ، وأنتم أهل الجنة ، والله إني لأرجو أن من تصيبون من فارس والروم يدخلون الجنة ، ذلك بأن أحدهم إذا عمل لأحدكم العمل قال : أحسنت رحمك الله ، أحسنت غفر الله لك ، ثم قرأ " ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله " .
وقوله : " ويزيدهم من فضله " يقول تعالى ذكره : ويزيد الذين آمنوا وعملوا الصالحات مع إجابته إياهم دعاءهم ، وإعطائه إياهم مسألتهم من فضله على مسألتهم إياه ، بأن يعطيهم ما لم يسألوه . وقيل : إن ذلك الفضل الذي ضمن جل ثناؤه أن يزيدهموه ، هو أن يشفعهم في إخوان إخوانهم إذا هم شفعوا فيه في إخوانهم ، فشفعوا فيهم .
ذكر من قال ذلك : حدثنا عبيد الله بن محمد الفريابي ، قال : ثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن إبراهيم النخعي في قوله الله عز وجل : " ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات " قال : يشفعون في إخوانهم ، " ويزيدهم من فضله " قال : يشفعون في إخوان إخوانهم .
وقوله : " والكافرون لهم عذاب شديد " يقول جل ثناؤه : والكافرون بالله لهم يوم القيامة عذاب شديد على كفرهم به .
واختلف أهل العربية في معنى قوله : " ويستجيب الذين آمنوا " فقال بعضهم : أي استجاب فجعلهم هم الفاعلين ، فالذين في قوله رفع ، والفعل لهم . وتأويل الكلام على هذا المذهب : واستجاب الذين آمنوا وعملوا الصالحات لربهم إلى الإيمان به ، والعمل بطاعته إذ دعاهم إلى ذلك .
وقال آخر منهم : بل معنى ذلك : ويجيب الذين آمنوا . وهذا القول يحتمل وجهين : أحدهما الرفع ، بمعنى : ويجيب الله الذين آمنوا . والآخر ما قاله صاحب القول الذي ذكرناه .
وقال بعض نحويي الكوفة " ويستجيب الذين آمنوا " يكون < الذين > في موضع نصب بمعنى : ويجيب الله الذين آمنوا . وقد جاء في التنزيل " فاستجاب لهم ربهم " [ آل عمران : 195 ] والمعنى : فأجاب لهم ربهم . إلا أنك إذا قلت استجاب ، أدخلت اللام في المفعول ، وإذا قلت أجاب حذفت اللام ، ويكون استجابهم بمعنى : استجاب لهم ، كما قال جل ثناؤه " وإذا كالوهم أو وزنوهم " [ المطففين : 3 ] والمعنى والله أعلم : وإذا كالوا لهم ، أو وزنوا لهم " يخسرون " [ المطففين : 3 ] قال : ويكون < الذين > في موضع رفع أن يجعل الفعل لهم ، أي الذين آمنوا يستجيبون لله ، ويزيدهم على إجابتهم ، والتصديق به من فضله ، وقد بينا الصواب في ذلك من القول على ما تأوله معاذ ومن ذكرنا قوله فيه .
قوله تعالى : " ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد "
(( الذين )) في موضع نصب ، أي ويستجيب الله الذين آمنوا ، أي يقبل عبادة من أخلص له بقلبه وأطاع ببدنه ، وقيل : يعطيهم مسألتهم إذا دعوه ، وقيل : ويجيب دعاء المؤمنين بعضهم لبعض ، يقال : أجاب واستجاب بمعنى ، وقد مضى في (( البقرة )) وقال ابن عباس : " ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات " يشفعهم في إخوانهم ، " ويزيدهم من فضله " قال : يشفعهم في إخوان إخوانهم ، وقال المبرد : معنى (( ويستجيب الذين آمنوا )) وليستدع الذين آمنوا الإجابة ، هكذا حقيقة معنى استفعل ، (( الذين )) في موضع رفع ، " والكافرون لهم عذاب شديد " .
يقول تعالى ممتناً على عباده بقبول توبتهم إليه إذا تابوا ورجعوا إليه أنه من كرمه وحلمه أن يعفو ويصفح ويستر ويغفر, وكقوله عز وجل: "ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً" وقد ثبت في صحيح مسلم رحمة الله عليه, حيث قال: حدثنا محمد بن الصباح وزهير بن حرب قالا: حدثنا عمر بن يونس, حدثنا عكرمة بن عمار, حدثنا إسحاق بن أبي طلحة, حدثني أنس بن مالك, وهو عمه رضي الله عنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله تعالى أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كانت راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته, فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده, فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك ـ أخطأ من شدة الفرح". وقد ثبت أيضاً في الصحيح من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه نحوه.
وقال عبد الرزاق عن معمر, عن الزهري في قوله تعالى: "وهو الذي يقبل التوبة عن عباده" إن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته في المكان يخاف أن يقتله فيه العطش" وقال همام بن الحارث: سئل ابن مسعود رضي الله عنه عن الرجل يفجر بالمرأة ثم يتزوجها ؟ قال: لا بأس به, وقرأ "وهو الذي يقبل التوبة عن عباده" الاية, رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث شريح القاضي عن إبراهيم بن مهاجر عن إبراهيم النخعي, عن همام فذكره, وقوله عز وجل: "ويعفو عن السيئات" أي يقبل التوبة في المستقبل, ويعفو عن السيئات في الماضي "ويعلم ما تفعلون" أي هو عالم بجميع ما فعلتم وصنعتم وقلتم ومع هذا يتوب على من تاب إليه.
وقوله تعالى: "ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات" قال السدي: يعني يستجيب لهم, وكذا قال ابن جرير: معناه يستجيب لهم الدعاء لأنفسهم ولأصحابهم وإخوانهم, وحكاه عن بعض النحاة, وأنه جعلها كقوله عز وجل: "فاستجاب لهم ربهم" ثم روى هو وابن أبي حاتم من حديث الأعمش عن شقيق بن سلمة, عن سلمة بن سبرة قال: خطبنا معاذ رضي الله عنه بالشام, فقال: أنتم المؤمنون وأنتم أهل الجنة, والله إني لأرجو أن يدخل الله تعالى من تسبون من فارس والروم الجنة وذلك بأن أحدكم إذا عمل له ـ يعني أحدهم عملاً قال: أحسنت رحمك الله, أحسنت بارك الله فيك ثم قرأ "ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله".
وحكى ابن جرير عن بعض أهل العربية أنه جعل قوله: "الذين يستمعون القول" أي هم الذين يستجيبون للحق ويتبعونه كقوله تبارك وتعالى: " إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله " والمعنى الأول أظهر لقوله تعالى: "ويزيدهم من فضله" أي يستجيب دعاءهم فوق ذلك. ولهذا قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا محمد بن المصفى, حدثنا بقية, حدثنا إسماعيل بن عبد الله الكندي, حدثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: "ويزيدهم من فضله" قال "الشفاعة لمن وجبت له النار ممن صنع إليهم معروفاً في الدنيا" وقال قتادة عن إبراهيم النخعي اللخمي في قوله عز وجل: "ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات" قال: يشفعون في إخوانهم "ويزيدهم من فضله" قال: يشفعون في إخوان إخوانهم. وقوله عز وجل "والكافرون لهم عذاب شديد" لما ذكر المؤمنين ومالهم من الثواب الجزيل ذكر الكافرين ومالهم عنده يوم القيامة من العذاب الشديد الموجع المؤلم يوم معادهم وحسابهم.
وقوله تعالى: "ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض" أي لو أعطاهم فوق حاجتهم من الرزق لحملهم ذلك على البغي والطغيان من بعضهم على بعض أشراً وبطراً.
وقال قتادة: كان يقال خير العيش ما لا يلهيك ولا يطغيك, وذكر قتادة "إنما أخاف عليكم ما يخرج الله تعالى من زهرة الحياة الدنيا" وسؤال السائل: أيأتي الخير بالشر ؟ الحديث. وقوله عز وجل: "ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير" أي ولكن يرزقهم من الرزق ما يختاره مما فيه صلاحهم وهو أعلم بذلك فيغني من يستحق الغنى ويفقر من يستحق الفقر كما جاء في الحديث المروي "إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه".
وقوله تعالى: "وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا" أي من بعد إياس الناس من نزول المطر ينزله عليهم في وقت حاجتهم وفقرهم إليه كقوله عز وجل: "وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين" وقوله جل جلاله: "وينشر رحمته" أي يعم بها الوجود على أهل ذلك القطر وتلك الناحية. قال قتادة: ذكر لنا أن رجلاً قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين قحط المطر وقنط الناس. فقال عمر رضي الله عنه: مطرتم ثم قرأ "وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد" أي هو المتصرف لخلقه بما ينفعهم في دنياهم وأخراهم وهو المحمود العاقبة في جميع ما يقدره ويفعله.
26- "ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات" الموصول في موضع نصب: أي يستجيب الله للذين آمنوا ويعطيهم ما طلبوه منه، يقال أجاب واستجاب بمعنى. وقيل المعنى يقبل عبادة المخلصين، وقيل التقدير ويستجيب لهم، فحذف الكلام كما حذف في قوله وإذا كالوهم أي كالوا لهم، وقيل إن الموصول في محل رفع: أي يجيبون ربهم إذا دعاهم كقوله: "استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم" قال المبرد: معنى "ويستجيب الذين آمنوا" ويستدعي الذين آمنوا الإجابة، هكذا حقيقة معنى استفعل، فالذين في موضع رفع، والأول أولى "ويزيدهم من فضله" أي يزيدهم على ما طلبوه منه، أو على ما يستحقونه من الثواب تفضلاً منه، وقيل يشفعهم في إخوانهم "والكافرون لهم عذاب شديد" هذا للكافرين مقابلاً ما ذكره للمؤمنين فيما قبله.
26. " ويستجيب الذين آمنوا "، [أي: ويجيب الذين آمنوا]، " وعملوا الصالحات "، إذا دعوه، وقال عطاء عن ابن عباس: ويثيب الذين آمنوا. " ويزيدهم من فضله "، سوى ثواب أعمالهم تفضلاً منه. قال أبو صالح عنه: يشفعهم في إخوانهم، ويزيدهم من فضله. قال: في إخوان إخوانهم. " والكافرون لهم عذاب شديد ".
26-" ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات " أي يستجيب الله لهم فحذف اللام كما حذف في " وإذا كالوهم " والمراد إجابة الدعاء أو الإثابة على الطاعة ، فإنها كدعاء وطلب لما يترتب عليها . ومنه قوله عليه الصلاة والسلام " أفضل الدعاء الحمد لله " ، أو يستجيبون لله بالطاعة إذا دعاهم إليها . " ويزيدهم من فضله " على ما سألوا واستحقوا واستوجبوا له بالاستجابة . " والكافرون لهم عذاب شديد " بدل ما للمؤمنين من الثواب والتفضل .
26. And accepteth those who do good works, and giveth increase unto them of His bounty. And as for disbelievers, theirs will be an awful doom.
26 - And He listens to those who believe and do deeds of righteousness, and gives them increase of His Bounty: but for the Unbelievers there is a terrible Penalty.