[فصلت : 33] وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ
33 - (ومن أحسن قولا) أي لا أحد أحسن قولا (ممن دعا إلى الله) بالتوحيد (وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين)
يقول تعالى ذكره : ومن أحسن أيها الناس قولاً ممن قال ربنا الله ثم استقام على الإيمان به ، والانتهاء إلى أمره ونهيه ، ودعا عباد الله إلى ما قال وعمل به من ذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : تلا ا لحسن " ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين " قال : هذا حبيب الله ، هذا ولي الله ، هذا صفوة الله ، هذا خيرة الله ، هذا أحب الخلق إلى الله ، أجاب الله في دعوته ، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته ، وعمل صالحاً في إجابته ، وقال : إنني من المسلمين ، فهذا خليفة الله .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله " ... الآية ، قال : هذا عبد صدق قوله عمله ، ومولجه مخرجه ، وسره علانيته ، وشاهده مغيبه ، وإن المنافق عبد خالف قوله عمله ، ومولجه مخرجه ، وسره علانيته ، وشاهده مغيبه .
واختلف أهل العلم في الذي أريد بهذه الصفة من الناس ، فقال بعضهم : عني بها نبي الله صلى الله عليه وسلم .
ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي " ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله " قال : محمد صلى الله عليه وسلم حين دعا إلى الإسلام .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين " قال : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال آخرون : عني به المؤذن .
ذكر من قال ذلك : حدثني داود بن سليمان بن يزيد المكتب البصري ، قال : ثنا عمرو بن جرير البجلي ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، في قول الله " ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله " قال : المؤذن " وعمل صالحاً " قال : الصلاة ما بين الأذان إلى الإقامة .
وقوله : " وقال إنني من المسلمين " يقول : وقال : إنني ممن خضع لله بالطاعة ، وذل له بالعبودة ، وخشع له بالإيمان بوحدانيته .
قوله تعالى : " ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا " هذا توبيخ للذين تواصوا باللغو في القرآن . والمعنى : أي كلام أحسن من القرآن ، ومن أحسن قولاً من الداعي إلى الله وطاعته وهو محمد صلى الله عليه وسلم . قال ابن سرين و السدي و ابن زيد و الحسن : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان الحسن إذا تلا هذه الآية يقول : هذا رسول الله ، هذا حبيب الله ، هذا ولي الله ، هذا صفوة الله ، هذا خيرة الله ، هذا والله أحب أهل الأرض إلى الله ، أجاب الله في دعوته ، ودعا الناس إلى ما أجاب إليه . وقلت عائشة رضي الله عنها و عكرمة و قيس ابن أبي حازم و مجاهد : نزلت في المؤذنين . قال فضيل بن رفيدة : كنت مؤذناً لأصحاب عبد الله بن مسعود ، فقال لي عاصم بن هبيرة : إذا أذنت فقلت : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، فقل وأنا من المسلمين ، ثم قرأ هذه الآية ، قال ابن العربي : الأول أصح ، لأن الآية مكية والأذان مدني ، وإنما يدخل بالمعنى ، لا أنه كان المقصود وقت القول ، يدخل فيها أبو بكر الصديق حين قال في النبي صلى الله عليه وسلم وقد خنقه الملعون " أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله " [ غافر : 28] وتتضمن كل كلام حسن فيه ذكر التوحيد والإيمان .
قلت : وقول ثالث وهو أحسنها ، قال الحسن : هذه الآية عامة في كل من دعا إلى الله . كذا قال قيس بن أبي حازم قلا : نزلت في كل مؤمن . قال : معنى ( وعمل صالحاً ) الصلا ة بين الأذان والإقامة . وقاله أبو أمامة ، قال : صلى ركعتين بن الأذان والإقامة . وقال عكرمة : ( وعمل صالحاً ) صلى وصام . وقال الكلبي : أدى الفرائض . قلت : وهذا أحسنها مع اجتناب المحارم وكثرة المندوب . والله أعلم . " وقال إنني من المسلمين " قال ابن العربي : وما تقدم يدل على الإسلام ، لكن لما كان الدعاء بالقول والسيف يكون للاعتقاد ويكون للحجة ، وكان العمل يكون للرياء والإخلاص ، دل على أنه لا بد من التصريح بالاعتقاد لله في كله ، وأن العلم لوجهه .
مسألة : لما قال الله تعالى : " وقال إنني من المسلمين " ولم يقل له اشترط إن شاء الله ، كان في ذلك رد على من يقول أنا مسلم إن شاء الله .
يقول عز وجل: "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله" أي دعا عباد الله إليه "وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين" أي هو في نفسه مهتد بما يقوله فنفعه لنفسه ولغيره لازم ومتعد وليس هو من الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه وينهون عن المنكر ويأتونه بل يأتمر بالخير ويترك الشر ويدعو الخلق إلى الخالق تبارك وتعالى وهذه عامة في كل من دعا إلى الخير وهو في نفسه مهتد ورسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بذلك كما قال محمد بن سيرين والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم, وقيل المراد بها المؤذنون الصلحاء كما ثبت في صحيح مسلم "المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة" وفي السنن مرفوعاً "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن فأرشد الله الأئمة وغفر للمؤذنين" وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا محمد بن الهروي حدثنا غسان قاضي هراة وقال أبو زرعة: حدثنا إبراهيم بن طهمان عن مطر عن الحسن عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: "سهام المؤذنين عند الله تعالى يوم القيامة كسهام المجاهدين وهو بين الاذان والإقامة كالمتشحط في سبيل الله تعالى في دمه" قال: وقال ابن مسعود رضي الله عنه لو كنت مؤذناً ما باليت أن لا أحج ولا أعتمر ولا أجاهد قال: وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو كنت مؤذناً لكمل أمري وما باليت أن لا أنتصب لقيام الليل ولا لصيام النهار سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم اغفر للمؤذنين" ثلاثاً, قال: فقلت يا رسول الله تركتنا ونحن نجتلد على الأذان بالسيوف قال صلى الله عليه وسلم: "كلا يا عمر إنه سيأتي على الناس زمان يتركون الأذان على ضعافهم وتلك لحوم حرمها الله عز وجل على النار لحوم المؤذنين" قال وقالت عائشة رضي الله عنها ولهم هذه الاية "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين" قالت: فهو المؤذن إذا قال حي على الصلاة فقد دعا إلى الله وهكذا قال ابن عمر رضي الله عنهما وعكرمة إنها نزلت في المؤذنين وقد ذكر البغوي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه قال في قوله عز وجل وعمل صالحاً يعني صلاة ركعتين بين الأذان والإقامة. ثم أورد البغوي حديث عبد الله بن المغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بين كل أذانين ـ صلاة ـ ثم قال في الثالثة ـ لمن شاء" وقد أخرجه الجماعة في كتبهم من حديث عبد الله بن بريدة عنه وحديث الثوري عن زيد العمي عن أبي إياس معاوية بن قرة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال الثوري: لا أراه إلا قد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم "الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة" ورواه أبو داود والترمذي والنسائي في اليوم والليلة كلهم من حديث الثوري به وقال الترمذي: هذا حديث حسن, ورواه النسائي أيضاً من حديث سليمان التيمي عن قتادة عن أنس به. والصحيح أن الاية عامة في المؤذنين وفي غيرهم فأما حال نزول هذه الاية فإنه لم يكن الأذان مشروعاً بالكلية لأنها مكية والأذان إنما شرع بالمدينة بعد الهجرة حين أريه عبد الله بن عبد ربه الأنصاري رضي الله عنه في منامه فقصه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يلقيه على بلال رضي الله عنه فإنه أندى صوتاً كما هو مقرر في موضعه فالصحيح إذن أنها عامة كما قال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن البصري أنه تلا هذه الاية "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين" فقال هذا حبيب الله هذا ولي الله هذا صفوة الله هذا خيرة الله هذا أحب أهل الأرض إلى الله أجاب الله في دعوته ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته وعمل صالحاً في إجابته وقال إنني من المسلمين هذا خليفة الله, وقوله تعالى: "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة" أي فرق عظيم بين هذه وهذه "ادفع بالتي هي أحسن" أي من أساء إليك فادفعه عنك بالإحسان إليه كما قال عمر رضي الله عنه: ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه.
وقوله عز وجل: "فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" وهو الصديق إذا أحسنت إلى من أساء إليك قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك ومحبتك والحنو عليك حتى يصير كأنه ولي لك حميم أي قريب إليك من الشفقة عليك والإحسان إليك, ثم قال عز وجل: "وما يلقاها إلا الذين صبروا" أي وما يقبل هذه الوصية ويعمل بها إلا من صبر على ذلك فإنه يشق على النفوس "وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم" أي ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والاخرة, قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الاية: أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب والحلم عند الجهل والعفو عند الإساءة فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم. وقوله تعالى: "وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله" أي أن شيطان الإنس ربما ينخدع بالإحسان إليه فأما شيطان الجن فإنه لا حيلة فيه إذا وسوس إلا الاستعاذة بخالقة الذي سلطه عليك فإذا استعذت بالله والتجأت إليه كفه عنك ورد كيده, وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يقول: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه", وقد قدمنا أن هذا المقام لا نظير له في القرآن إلا في سورة الأعراف عند قوله تعالى: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين * وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم" وفي سورة المؤمنين عند قوله: "ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون * وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين * وأعوذ بك رب أن يحضرون".
33- "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله" أي إلى توحيد الله وطاعته. قال الحسن: هو المؤمن أجاب الله دعوته ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من طاعته "وعمل صالحاً" في إجابته "وقال إنني من المسلمين" لربي. وقال ابن سيرين والسدي وابن زيد: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروري هذا أيضاً عن الحسن. وقال عكرمة وقيس بن أبي حازم ومجاهد: نزلت في المؤذنين. ويجاب عن هذا بأن الآية مكية، والأذان إنما شرع بالمدينة. والأولى حمل الآية على العموم كما يقتضيه اللفظ ويدخل فيها من كان سبباً لنزولها دخولاً أولياً، فكل من جمع بين دعاء العباد إلى ما شرعه الله وعمل عملاً صالحاً، وهو تأدية ما فرضه الله عليه مع اجتناب ما حرمه عليه، وكان من المسلمين ديناً لا من غيرهم فلا شيء أحسن منه ولا أوضح من طريقته ولا أكثر ثواباً من عمله.
33. قوله عز وجل: " ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله "، إلى طاعته، " وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين "/ قال ابن سيرين بو السدي وابن عباس]: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى شهادة أن لا إله إلا الله. وقال الحسن : هو المؤمن الذي أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب إليه، وعمل صالحاً في إجابته، وقال: إنني من المسلمين.
وقالت عائشة: أرى هذه الآية نزلت في المؤذنين.
وقال عكرمة : هو المؤذن أبو أمامة الباهلي، ((وعمل صالحاً)): صلى ركعتين بين الأذان والإقامة.
وقال قيس بن أبي حازم: هو الصلاة بين الأذان والإقامة.
أخبرنا أبو سعيد بن محمد بن العباس الحميدي ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي ، حدثنا أبو يحيى بن أبي ميسرة ، حدثنا عبد الله بن زيد المقري ، حدثنا كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة بن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بين كل أذانين صلاة، ثلاث مرات ثم قال في الثالثة: لمن شاء ".
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور السمعاني ، حدثنا أبو جعفر الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا سفيان عن زيد العمي عن أبي إياس معاوية بن قرة عن أنس بن مالك قال سفيان: لا أعلمه إلا وقد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة ".
33-" ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله " إلى عبادته . " وعمل صالحاً " فيما بينه وبين ربه . " وقال إنني من المسلمين " تفاخراً به واتخاذاً للإسلام ديناً ومذهباً من قولهم : هذا قول فلان لمذهبه . والآية عامة لمن استجمع تلك الصفات . وقيل نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وقيل في المؤذنين .
33. And who is better in speech than him who prayeth unto his Lord and doeth right, and saith: Lo! I am of those who surrender (unto Him).
33 - Who is better in speech than one who calls (men) to God, works righteousness, and says, I am of those who bow in Islam?