[فصلت : 32] نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ
32 - (نزلا) رزقا مهيئا منصوب بجعل مقدرا (من غفور رحيم) هو الله
وقوله : " نزلاً من غفور رحيم " يقول : أعطاكم ذلك ربكم نزلاً لكم من رب غفور لذنوبكم ، رحيم بكم أن يعاقبكم بعد توبتكم . ونصب نزلاً على المصدر من معنى قوله : " ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون " لأن في ذلك تأويل أنزلكم ربكم بما تشتهون من النعيم نزلاً .
قوله تعالى : "نزلا " أي رزقاً وضياقة . وقد تقدم في ( آل عمران ) وهو منصوب علىالمصرد أي أنزلناه نزلاً . وقيل : على الحال . وقيل : هو جمع نازل ، أي لكم ما تدعون نازلين ، فيكون حالاً من الضمير المرفوع في ( تدعون ) أو من المجرور في (لكم ) .
يقول تعالى: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا" أي أخلصوا العمل لله وعملوا بطاعة الله تعالى على ما شرع الله لهم قال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا الجراح حدثنا سلم بن قتيبة أبو قتيبة الشعيري حدثنا سهيل بن أبي حزم حدثنا ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا" قد قالها ناس ثم كفر أكثرهم فمن قالها حتى يموت فقد استقام عليها, وكذا رواه النسائي في تفسيره والبزار وابن جرير عن عمرو بن علي الفلاس عن سلم بن قتيبة به. وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن الفلاس به. ثم قال ابن جرير: حدثنا ابن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن سعيد بن نمران قال: قرأت عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه هذه الاية: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا" قال هم الذين لم يشركوا بالله شيئاً ثم روى من حديث الأسود بن هلال قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه ما تقولون في هذه الاية: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا" قال فقالوا: "ربنا الله ثم استقاموا" من ذنب فقال: لقد حملتموه على غير المحمل قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلم يلتفتوا إلى إله غيره. وكذا قال مجاهد وعكرمة والسدي وغير واحد وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عبد الله الظهراني أخبرنا حفص بن عمر العدلي عن الحكم بن أبان عن عكرمة قال سئل ابن عباس رضي الله عنهما أي آية في كتاب الله تبارك وتعالى أرخص ؟ قال قوله تعالى: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا" على شهادة أن لا إله إلا الله. وقال الزهري: تلا عمر رضي الله عنه هذه الاية على المنبر ثم قال استقاموا والله لله بطاعته ولم يروغوا روغان الثعالب.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما "قالوا ربنا الله ثم استقاموا" على أداء فرائضه, وكذا قال قتادة: قال وكان الحسن يقول اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة, وقال أبو العالية "ثم استقاموا" أخلصوا له الدين والعمل.
وقال الإمام أحمد: حدثنا هشيم حدثنا يعلى بن عطاء عن عبد الله بن سفيان الثقفي عن أبيه أن رجلاً قال: يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحداً بعدك قال صلى الله عليه وسلم: "قل آمنت بالله ثم استقم" قلت فما أتقي ؟ فأومأ إلى لسانه. ورواه النسائي من حديث شعبة عن يعلى بن عطاء به. ثم قال أحمد: حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا إبراهيم بن سعد حدثني ابن شهاب عن محمد بن عبد الرحمن بن ماعز الغامدي عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به قال صلى الله عليه وسلم "قل ربي الله ثم استقم" قلت: يا رسول الله ما أكثر ما تخاف علي ؟ فأخذ رسول الله بطرف لسان نفسه ثم قال: "هذا" وهكذا رواه الترمذي وابن ماجه من حديث الزهري به وقال الترمذي حسن صحيح. وقد أخرجه مسلم في صحيحه والنسائي من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك قال صلى الله عليه وسلم: "قل آمنت بالله ثم استقم" وذكر تمام الحديث. وقوله تعالى: "تتنزل عليهم الملائكة" قال مجاهد والسدي وزيد بن أسلم وابنه: يعني عند الموت قائلين " أن لا تخافوا " قال مجاهد وعكرمة وزيد بن أسلم أي مما تقدمون عليه من أمر الاخرة "ولا تحزنوا" على ما خلفتموه من أمر الدنيا من ولد وأهل ومال أو دين فإنا نخلفكم فيه "وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون" فيبشرونهم بذهاب الشر وحصول الخير: وهذا كما جاء في حديث البراء رضي الله عنه قال: "إن الملائكة تقول لروح المؤمن اخرجي أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينه اخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان" وقيل إن الملائكة تتنزل عليهم يوم خروجهم من قبورهم حكاه ابن جرير عن ابن عباس والسدي. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة حدثنا عبد السلام بن مطهر حدثنا جعفر بن سليمان قال سمعت ثابتاً قرأ سورة حم السجدة حتى بلغ "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة" فوقف فقال بلغنا أن العبد المؤمن حين يبعثه الله تعالى من قبره يتلقاه الملكان اللذان كانا معه في الدنيا فيقولان لا تخف ولا تحزن "وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون" قال فيضمن من الله تعالى خوفه ويقر عينه فما عظيمة يخشى الناس يوم القيامة إلا هي للمؤمن قرة عين لما هداه الله تبارك وتعالى ولما كان يعمل في الدنيا وقال زيد بن أسلم: يبشرونه عند موته وفي قبره وحين يبعث. رواه ابن أبي حاتم وهذا القول يجمع الأقوال كلها وهو حسن جداً وهو الواقع. وقوله تبارك وتعالى: " نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة " أي تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار نحن كنا أولياءكم في الحياة الدنيا نسددكم ونوفقكم ونحفظكم ونوفقكم ونحفظكم بأمر الله وكذلك نكون معكم في الاخرة نؤنس منكم الوحشة في القبور وعند النفخة في الصور ونؤمنكم يوم البعث والنشور ونجاوز بكم الصراط المستقيم ونوصلكم إلى جنات النعيم "ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم" أي في الجنة من جميع ما تختارون مما تشتهيه النفوس وتقر به العيون "ولكم فيها ما تدعون" أي مهما طلبتم وجدتم وحضر بين أيديكم كما اخترتم "نزلاً من غفور رحيم" أي ضيافة وعطاء من غفور لذنوبكم رحيم بكم رؤوف حيث غفر وستر ورحم ولطف. وقد ذكر ابن أبي حاتم ههنا حديث سوق الجنة عند قوله تعالى: " ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون * نزلا من غفور رحيم " فقال: حدثنا أبي حدثنا هشام بن عمار حدثنا عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين أبي سعيد حدثنا الأوزاعي حدثني حسان بن عطية عن سعيد بن المسيب أنه لقي أبا هريرة رضي الله عنه فقال أبو هريرة رضي الله عنه أسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة فقال سعيد: أو فيها سوق ؟ فقال: نعم أخبرني رسول الله أن أهل الجنة إذا دخلوا فيها ونزلوا بفضل أعمالهم فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا فيزورون الله عز وجل ويبرز لهم عرشه ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة ويوضع لهم منابر من نور ومنابر من لؤلؤ ومنابر من ياقوت ومنابر من زبرجد ومنابر من ذهب ومنابر من فضة ويجلس أدناهم وما فيهم دنيء على كثبان المسك والكافور ما يرون أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلساً. قال أبو هريرة رضي الله عنه قلت يا رسول الله وهل نرى ربنا, قال صلى الله عليه وسلم: "نعم, هل تمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر" قلنا لا , قال صلى الله عليه وسلم: "فكذلك لا تمارون في رؤية ربكم تعالى ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره الله محاضرة حتى إنه ليقول للرجل منهم يا فلان بن فلان أتذكر يوم عملت كذا وكذا يذكره غدراته في الدنيا ـ أي رب أفلم تغفر لي, فيقول بلى, فبسعة مغفرتي بلغت منزلتك هذه ـ قال ـ فبينما هم على ذلك غشيتهم سحابة من فوقهم فأمطرت عليهم طيباً لم يجدوا مثل ريحه شيئاً قط ـ قال ـ ثم يقول ربنا عز وجل قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة وخذوا ما اشتهيتم, قال فنأتي سوقاً قد حفت به الملائكة, فيها ما لم تنظر العيون إلى مثله ولم تسمع الاذان ولم يخطر على القلوب قال فيحمل لنا ما اشتهينا ليس يباع فيه شيء ولا يشترى وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضاً. قال فيقبل الرجل ذو المنزلة الرفيعة فيلقى من هو دونه. وما فيهم دنيء فيروعه ما يرى عليه من اللباس فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل عليه أحسن منه وذلك لأنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها ثم ننصرف إلى منازلنا فيتلقانا أزواجنا فيقلن مرحباً وأهلاً بحبيبنا لقد جئت وإن بك من الجمال والطيب أفضل مما فارقتنا عليه فيقول إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار تبارك وتعالى وبحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا به" وقد رواه الترمذي في صفة الجنة من جامعه عن محمد بن إسماعيل عن هشام بن عمار ورواه ابن ماجة عن هشام بن عمار به نحوه ثم قال الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه, وقال الإمام أحمد: حدثنا ابن أبي عدي عن حميد عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" قلنا يا رسول الله: كلنا نكره الموت قال صلى الله عليه وسلم: "ليس ذلك كراهية الموت ولكن المؤمن إذا حضر جاءه البشير من الله تعالى بما هو صائر إليه فليس شيء أحب إليه من أن يكون قد لقي الله تعالى فأحب الله لقاءه ـ قال ـ وإن الفاجر ـ أو الكافر ـ إذا حضر جاءه بما هو صائر إليه من الشر أو ما يلقى من الشر فكره لقاء الله فكره الله لقاءه" وهذا حديث صحيح وقد ورد في الصحيح من غير هذا الوجه.
وانتصاب 32- "نزلاً من غفور رحيم" على الحال من الموصول، أو من عائده، أو من فاعل تدعون، أو هو مصدر مؤكد لفعل محذوف: أي أنزلناه نزلاً، النزل: ما يعد لهم حال نزولهم من الرزق والضيافة، وقد تقدم تحقيقه في سورة آل عمران.
32. " نزلاً "، رزقاً، " من غفور رحيم ".
32-" نزلاً من غفور رحيم " حال من ما تدعون للإشعار بأن ما يتمنون بالنسبة إلى ما يعطون مما لا يخطر ببالهم كالنزل للضيف .
32. A gift of welcome from the Forgiving, the Merciful.
32 - A hospitable gift from One oft Forgiving, Most Merciful!