[فصلت : 28] ذَلِكَ جَزَاء أَعْدَاء اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ
28 - (ذلك) العذاب الشديد وأسوأ الجزاء (جزاء أعداء الله) بتحقيق الهمزة الثانية وإبدالها واوا (النار) عطف بيان للجزاء المخبر به عن ذلك (لهم فيها دار الخلد) أي إقامة لا انتقال منها (جزاء) منصوب على المصدر بفعله (بما كانوا بآياتنا) القرآن (يجحدون)
يقول تعالى ذكره : هذا الجزاء الذي يجزى به هؤلاء الذين كفروا من مشركي قريش جزاء أعداء الله . ثم ابتدأ جل ثناؤه الخبر عن صفة ذلك الجزاء ، وما هو ، فقال : هو النار ، فالنار بيان عن الجزاء ، وترجمة عنه ، وهي مرفوعة بالرد عليه ثم قال : " لهم فيها دار الخلد " يعني لهؤلاء المشركين بالله في النار دار الخلد يعني دار المكث واللبث ، إلى غير نهاية ولا أمد ، والدار التي أخبر جل ثناؤه أنها لهم في النار هي النار ، وحسن ذلك لاختلاف اللفظين ، كما يقال لك من بلدتك دار صالحة ، ومن الكوفة دار كريمة ، والدار : هي الكوفة والبلدة ، فيحسن ذلك لاختلاف الألفاظ . وقد ذكر لنا أنها في قراءة ابن مسعود < ذلك جزاء أعداء الله النار دار الخلد > ففي ذلك تصحيح ما قلنا من التأويل في ذلك ، وذلك أنه ترجم الدار عن النار .
وقوله : " جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون " يقول : فعلنا هذا الذي فعلنا بهؤلاء من مجازاتنا إياهم النار على فعلهم جزاء منا بجحودهم في الدنيا بآياتنا التي احتججنا بها عليهم .
قوله تعالى : " ذلك جزاء أعداء الله النار " أي ذلك العذاب الشديد ، ثم بينه بقوله (النار ) وقرأ ابن عباس ( ذلك حزاء أعداء الله النار دار الخلد ) فترجم بالدار عن النار وهو مجاز الآية . و( ذلك ) ابتداء و( جزاء ) الخبر و(النار ) بدل من ( جزاء ) أو خبر مبتدأ مضمر ، والجملة في موضع بيان للجملة الأولى .
يذكر تعالى أنه هو الذي أضل المشركين وأن ذلك بمشيئته وكونه وقدرته وهو الحكيم في أفعاله بما قيض لهم من القرناء من شياطين الإنس والجن "فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم" أي حسنوا لهم أعمالهم في الماضي وبالنسبة إلى المستقبل فلم يروا أنفسهم إلا محسنين كما قال تعالى: "ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين * وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون". وقوله تعالى: "وحق عليهم القول" أي كلمة العذاب كما حق على أمم قد خلت من قبلهم ممن فعل كفعلهم من الجن والإنس "إنهم كانوا خاسرين" أي استووا هم وإياهم في الخسار والدمار. وقوله تعالى: "وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن" أي تواصوا فيما بينهم أن لا يطيعوا للقرآن ولا ينقادوا لأوامره "والغوا فيه" أي إذا تلي لا تسمعوا له كما قال مجاهد والغوا فيه يعني بالمكاء والصفير والتخليط في المنطق على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ القرآن قريش تفعله, وقال الضحاك عن ابن عباس "والغوا فيه" عيبوه, وقال قتادة: اجحدوا به وأنكروه وعادوه "لعلكم تغلبون" هذا حال هؤلاء الجهلة من الكفار ومن سلك مسلكهم عند سماع القرآن وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بخلاف ذلك فقال تعالى: " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون " ثم قال عز وجل منتصراً للقرآن ومنتقماً ممن عاداه من أهل الكفران "فلنذيقن الذين كفروا عذاباً شديداً" أي في مقابلة ما اعتمدوه في القرآن وعند سماعهم " ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون " أي بشر أعمالهم وسيء أفعالهم " ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون * وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين " قال سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن مالك بن الحصين الفزاري عن أبيه عن علي رضي الله عنه في قوله تعالى: " الذين أضلانا " قال إبليس وابن آدم الذي قتل أخاه. وهكذا روى العوفي عن علي رضي الله عنه مثل ذلك. وقال السدي عن علي رضي الله عنه فإبليس يدعو به كل صاحب شرك وابن آدم يدعو به كل صاحب كبيرة فإبليس الداعي إلى كل شر من شرك فما دونه وابن آدم الأول كما ثبت في الحديث "ما قتلت نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل". وقولهم: "نجعلهما تحت أقدامنا" أي أسفل منا في العذاب ليكونا أشد عذاباً منا ولهذا قالوا "ليكونا من الأسفلين" أي في الدرك الأسفل من النار كما تقدم في الأعراف في سؤال الأتباع من الله تعالى أن يعذب قادتهم أضعاف عذابهم "قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون" أي أنه تعالى قد أعطى كلاً منهم ما يستحقه من العذاب والنكال بحسب عمله وإفساده كما قال تعالى "الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذاباً فوق العذاب بما كانوا يفسدون".
والإشارة بقوله: 28- "ذلك" إلى ما تقدم، وهو مبتدأ وخبره جزاء أعداء الله، أو خبر مبتدإ محذوف: أي الأمر ذلك، وجملة "جزاء أعداء الله النار" مبينة للجملة التي قبلها، والأول أولى وتكون النار عطف بيان للجزاء، أو بدلاً منه، أو خبر مبتدإ محذوف، أو مبتدأ والخبر "لهم فيها دار الخلد". وعلى الثلاثة الوجوه الأولى تكون جملة لهم فيها دار الخلد مستأنفة مقررة لما قبلها، ومعنى دار الخلد: دار الإقامة المستمرة التي لا انقطاع لها "جزاءً بما كانوا بآياتنا يجحدون" أي يجزون جزاءً بسبب جحدهم بآيات الله. قال مقاتل: يعني القرآن يجحدون أنه من عند الله، وعلى هذا يكون التعبير عن اللغو بالجحود لكونه سبباً له، إقامة للسبب مقام المسبب.
28. " ذلك "، الذي ذكرت من العذاب الشديد، " جزاء أعداء الله "، ثم بين ذلك الجزاء فقال: " النار "، أي: هو النار، " لهم فيها "، أي: في لانار، " دار الخلد "، دار الإقامة لا انتقال منها، " جزاءً بما كانوا بآياتنا يجحدون ".
28-" ذلك " : إشارة إلى الأسوأ . " جزاء أعداء الله " خبره . " النار " عطف بيان للـ" جزاء " أو خبر محذوف ز " لهم فيها " في النار . " دار الخلد " فإنها دار إقامتهم ، وهو كقولك : في هذه الدار دار سرور ، وتعني بالدار عينها على أن المقصود هو الصفة . " جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون " ينكرون الحق أو يلغون ، وذكر الجحود الذي هو سبب اللغو .
28. That is the reward of Allah's enemies: the Fire. Therein is their immortal home; payment forasmuch as they denied Our revelations.
28 - Such is the requital of the enemies of God, the Fire: therein will be for them the Eternal Home: a (fit) requital, for that they were wont to reject Our Signs.