[فصلت : 19] وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ
19 - واذكر (ويوم يحشر) بالياء والنون المفتوحة وضم الشين وفتح الهمزة (أعداء الله إلى النار فهم يوزعون) يساقون
يقول تعالى ذكره : ويوم يجمع هؤلاء المشركون أعداء الله إلى النار ، إلى نار جهنم ، فهم يحبس أولهم على آخرهم .
كما حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي " فهم يوزعون " قال : يحبس أولهم على آخرهم .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " فهم يوزعون " قال : عليهم وزعة ترد أولاهم على أخراهم .
قوله تعالى : " يوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون " قرأ نافع ( نحشر ) بالنون ( أعداء ) بالنصب . الباقون ( يحشر ) بياء مضموم ( أعداء ) بالرفع ومعناهما بين . وأعداء الله : الذين كذبوا رسله وخالفوا أمره . ( فهم يوزعون ) يساقون ويدفعون إلى جهنم . قال قتادة و السدي : يحبس أولهم على آخرهم حتى يجتمعوا ، قال أبو الأحوص : فإذا تكاملت العدة بدئ بأكابر فالأكابر جرماً . وقد مضى في (النمل ) الكلام في( يوزعون ) مستوفى .
يقول تعالى: "ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون" أي اذكر لهؤلاء المشركين يوم يحشرون إلى النار يوزعون أي تجمع الزبانية أولهم على آخرهم كما قال تبارك وتعالى: "ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً" أي عطاشاً. وقوله عز وجل: " حتى إذا ما جاؤوها " أي وقفوا عليها "شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون" أي بأعمالهم مما قدموه وأخروه لا يكتم منه حرف "وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا" أي لاموا أعضاءهم وجلودهم حين شهدوا عليهم فعند ذلك أجابتهم الأعضاء "قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة" أي فهو لا يخالف ولا يمانع وإليه ترجعون. قال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا محمد بن عبد الرحيم حدثنا علي بن قادم حدثنا شريك عن عبيد المكتب عن الشعبي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وابتسم فقال صلى الله عليه وسلم: "ألا تسألوني عن أي شيء ضحكت ؟" قالوا يا رسول الله من أي شيء ضحكت ؟ قال صلى الله عليه وسلم: "عجبت من مجادلة العبد ربه يوم القيامة يقول أي ربي أليس وعدتني أن لا تظلمني, قال بلى فيقول فإني لا أقبل علي شاهداً إلا من نفسي فيقول الله تبارك وتعالى أوليس كفى بي شهيداً وبالملائكة الكرام الكاتبين ـ قال ـ فيردد هذا الكلام مراراً ـ قال ـ فيختم على فيه وتتكلم أركانه بما كان يعمل, فيقول بعداً لكن وسحقاً, عنكن كنت أجادل" ثم رواه هو وابن أبي حاتم من حديث أبي عامر الأسدي عن الثوري عن عبيد المكتب عن فضيل بن عمرو عن الشعبي ثم قال لا نعلم رواه عن أنس رضي الله عنه غير الشعبي وقد أخرجه مسلم والنسائي جميعاً عن أبي بكر بن أبي النضر عن عبيد الله بن عبد الرحمن الأشجعي عن الثوري به. ثم قال النسائي لا أعلم أحداً رواه عن الثوري غير الأشجعي وليس كما قال كما رأيت والله أعلم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا إسماعيل بن علية عن يونس بن عبيد عن حميد بن هلال قال: قال أبو بردة: قال أبو موسى: ويدعى الكافر والمنافق للحساب فيعرض عليه ربه عز وجل عمله فيجحد ويقول أي رب وعزتك لقد كتب علي هذا الملك ما لم أعمل فيقول له الملك أما عملت كذا في يوم كذا في مكان كذا ؟ فيقول لا وعزتك أي رب ما عملته قال فإذا فعل ذلك ختم على فيه, قال الأشعري رضي الله عنه: فإني لأحسب أول ما ينطق منه فخذه اليمنى. وقال الحافظ أبو يعلى حدثنا زهير حدثنا حسن عن ابن لهيعة قال دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان يوم القيامة عرف الكافر بعمله فجحد وخاصم فيقول هؤلاء جيرانك يشهدون عليك فيقول كذبوا فيقول أهلك وعشيرتك فيقول كذبوا فيقول احلفوا فيحلفون ثم يصمتهم الله تعالى وتشهد عليهم ألسنتهم ويدخلهم النار" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال: سمعت أبي يقول حدثنا علي بن زيد عن مسلم بن صبيح أبي الضحى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لابن الأزرق إن يوم القيامة يأتي على الناس منه حين لا ينطقون ولا يعتذرون ولا يتكلمون حتى يؤذن لهم ثم يؤذن لهم فيختصمون فيجحد الجاحد بشركه بالله تعالى فيحلفون له كما يحلفون لكم فيبعث الله تعالى عليهم حين يجحدون شهداء من أنفسهم جلودهم وأبصارهم وأيديهم ويختم على أفواههم ثم يفتح لهم الأفواه فتخاصم الجوارح فتقول: "أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون" فتقر الألسنة بعد الجحود. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا عبدة بن سليمان حدثنا ابن المبارك حدثنا صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير الحضرمي, عن رافع أبي الحسن قال وصف رجلاً جحد قال فيشير الله تعالى إلى لسانه فيربو في فمه حتى يملأه فلا يستطيع أن ينطق بكلمة ثم يقول لارابه كلها تكلمي واشهدي عليه فيشهد عليه سمعه وبصره وجلده وفرجه ويداه ورجلاه صنعنا عملنا فعلنا. وقد تقدم أحاديث كثيرة وآثار عند قوله تعالى في سورة يس "اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون" بما أغنى عن إعادته ههنا. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا سويد بن سعيد حدثنا يحيى بن سليم الطائفي عن ابن خثيم عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرة البحر قال "ألا تحدثون بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة ؟" فقال فتية منهم: بلى يا رسول الله بينما نحن جلوس إذ مرت علينا عجوز من عجائز رهابينهم تحمل على رأسها قلة من ماء فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت على ركبتيها فانكسرت قلتها فلما ارتفعت التفتت إليه فقالت سوف تعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والاخرين وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غداً ؟ قال يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدقت صدقت كيف يقدس الله قوماً لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم" هذا حديث غريب من هذا الوجه ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الأهوال حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا يحيى بن سليم به وقوله تعالى: "وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم" أي تقول لهم الأعضاء والجلود حين يلومونها على الشهادة عليهم ما كنتم تكتمون منا الذي كنتم تفعلونه بل كنتم تجاهرون الله بالكفر والمعاصي ولا تبالون منه في زعمكم لأنكم كنتم لا تعتقدون أنه يعلم جميع أفعالكم ولهذا قال تعالى: " ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون * وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم " أي هذا الظن الفاسد وهو اعتقادكم أن الله تعالى لا يعلم كثيراً مما تعملون هو الذي أتلفكم وأرداكم عند ربكم "فأصبحتم من الخاسرين" أي في مواقف القيامة خسرتم أنفسكم وأهليكم. قال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله رضي الله عنه قال: كنت مستتراً بأستار الكعبة فجاء ثلاثة نفر قرشي وختناه ثقفيان ـ أو ثقفي وختناه قرشيان ـ كثير شحم بطونهم, قليل فقه قلوبهم فتكلموا بكلام لم أسمعه, فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع كلامنا هذا, فقال الاخر: إنا إذا رفعنا أصواتنا سمعه وإذا لم نرفعه لم يسمعه فقال الاخر: إن سمع منه شيئاً سمعه كله ـ قال ـ فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل " وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون * وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين " وهكذا رواه الترمذي عن هناد عن أبي معاوية بإسناده نحوه, وأخرجه أحمد ومسلم والترمذي أيضاً من حديث سفيان الثوري عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن وهب بن ربيعة عن عبد الله بن مسعود بنحوه, ورواه البخاري ومسلم أيضاً من حديث السفيانين كلاهما عن منصور عن مجاهد عن أبي معمر عبد الله بن سخبرة عن ابن مسعود رضي الله عنه به وقال عبد الرزاق: حدثنا معمر عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: "أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم" قال: "إنكم تدعون يوم القيامة مفدماً على أفواهكم بالفدام فأول شيء يبين عن أحدكم فخذه وكفه" قال معمر: وتلا الحسن "وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم" ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى أنا مع عبدي عند ظنه بي وأنا معه إذا دعاني" ثم افتر الحسن ينظر في هذا فقال: ألا إنما عمل الناس على قدر ظنونهم بربهم فأما المؤمن فأحسن الظن بربه فأحسن العمل, وأما الكافر والمنافق فأساءا الظن بالله فأساءا العمل ثم قال: قال الله تبارك وتعالى: " وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون * وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم " الاية. وقال الإمام أحمد: حدثنا النضر بن إسماعيل القاص وهو أبو المغيرة حدثنا ابن أبي ليلى عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يموتن أحد منكم إلا وهو يحسن بالله الظن فإن قوماً قد أرداهم سوء ظنهم بالله فقال الله تعالى: "وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين" " .وقوله تعالى: "فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين" أي سواء عليهم صبروا أم لم يصبروا هم في النار لا محيد لهم عنها ولا خروج لهم منها, وإن طلبوا ان يستعتبوا ويبدوا أعذارهم فما لهم أعذار ولا تقال لهم عثرات. قال ابن جرير: ومعنى قوله تعالى: "وإن يستعتبوا" أي يسألوا الرجعة إلى الدنيا فلا جواب لهم قال وهذا كقوله تعالى إخباراً عنهم: " قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين * ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون * قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون ".
ثم لما ذكر سبحانه ما عاقبهم به في الدنيا ذكر ما عاقبهم به في الآخرة فقال: 19- "ويوم يحشر أعداء الله إلى النار" وفي وصفهم بكونهم أعداء الله مبالغة في ذمهم، والعامل في الظرف محذوف دل عليه ما بعده تقديره: يساق الناس يوم يحشر، أو باذكر: أي اذكر يوم يحشرهم. قرأ الجمهور يحشر بتحتية مضمومة ورفع أعداء على النيابة، وقرأ نافع نحشر بالنون ونصب أعداء، ومعنى حشرهم إلى النار سوقهم إليها أو إلى موقف الحساب، لأنه يتبين عنده فريق الجنة وفريق النار "فهم يوزعون" أي يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا وجتمعوا، كذا قال قتادة والسدي وغيرهما، وقد سبق تحقيق معناه في سورة النمل مستوفى.
19. " ويوم يحشر أعداء الله إلى النار "، قرأ نافع و يعقوب : ((نحشر)) بالنون، ((أعداء)) نصب، وقرأ الآخرون بالياء ورفعها وفتح الشين ((أعداء)) رفع أي: يجمع إلى النار، " فهم يوزعون "، يساقون ويدفعون إلى النار، وقال قتادة و السدي : يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا.
19-" ويوم يحشر أعداء الله إلى النار " وقرئ يحشر على البناء للفاعل وهو الله عز وجل . وقرأ نافع نحشر بالنون مفتوحة وضم الشين ونصب " أعداء " . " فهم يوزعون " يحبس أولهم على آخرهم لئلا يتفرقوا وهو عبارة عن كثرة أهل النار .
19. And (make mention of) the day when the enemies of Allah are gathered unto the Fire, they are driven on
19 - On the Day that the enemies of God will be gathered together to the Fire, they will be marched in ranks.