[غافر : 9] وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
9 - (وقهم السيئات) أي عذابها (ومن تق السيئات يومئذ) يوم القيامة (فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم)
يعني تعالى ذكره بقوله مخبراً عن قيل ملائكته : وقهم : اصرف عنهم سوء عاقبة سيئاتهم التي كانوا أتوها قبل توبتهم وإنابتهم ، يقولون : لا تواخذهم بذلك ، فتعذبهم به " ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته " يقول : ومن تصرف عنه سوء عاقبة سيئاته بذلك يوم القيامة ، فقد رحمته فنجيته من عذابك " وذلك هو الفوز العظيم " لأنه من نجا من النار وادخل الجنة فقد فاز ، وذلك لاشك هو الفوز العظيم .
وبنحو الذي قلنا في معنى السيئات قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " وقهم السيئات " : أي العذاب .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا معمر بن بشير ، قال : ثنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن قتادة ، عن مطرف ، قال : وجدنا أنصح العباد للعباد الملائكة ، وأغش العباد للعباد الشياطين ، وتلا " الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم " [ غافر : 7 ] .. الآية .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : قال مطرف : وجدنا إغش عباد الله لعباد الله الشياطين ، وجدنا أنصح عباد الله لعباد الله الملائكة .
قوله تعالى : " وقهم السيئات " قال قتادة : أي وقهم ما يسوءهم ، وقيل : التقدير وقهم عذاب السيئات وهو أمر من وقاه الله يقيه وقاية بالكسر ، أي حفظه . " ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته " أي بدخول الجنة " وذلك هو الفوز العظيم " أي النجاة الكبيرة .
يخبر تعالى عن الملائكة المقربين من حملة العرش الأربعة ومن حوله من الملائكة الكروبيين بأنهم يسبحون بحمد ربهم أي يقرنون بين التسبيح الدال على نفي النقائص والتحميد المقتضي لإثبات صفات المدح "ويؤمنون به" أي خاشعون له أذلاء بين يديه وأنهم "يستغفرون للذين آمنوا" أي من أهل الأرض ممن آمنوا بالغيب فقيض الله تعالى ملائكته المقربين أن يدعوا للمؤمنين بظهر الغيب كما ثبت في صحيح مسلم "إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال الملك آمين ولك بمثله". وقد قال الإمام أحمد حدثنا عبد الله بن محمد وهو ابن أبي شبية حدثنا عبدة بن سليمان عن محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق أمية بن أبي الصلت في شيء من شعره" فقال:
زحل وثور تحت رجل يمينه والنسر للأخرى وليث مرصد
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق" فقال:
والشمس تطلع كل آخر ليلة حمراء يصبح لونها يتورد
تأبى فما تطلع لنا في رسلها إلا معذبـــــة وإلا تجلـــــــد
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق" وهذا إسناد جيد وهو يقتضي أن حملة العرش اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة كانوا ثمانية كما قال تعالى: "ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية" وهنا سؤال وهو أن يقال ما الجمع بين المفهوم من هذه الاية ودلالة هذا الحديث ؟ وبين الحديث الذي رواه أبو داود حدثنا محمد بن الصباح البزار حدثنا الوليد بن أبي ثور عن سماك عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: كنت بالبطحاء في عصابة فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرت بهم سحابة فنظر إليها فقال: "ما تسمون هذه ؟" قالوا السحاب, قال: "والمزن" قالوا والمزن قال: "والعنان" قالوا والعنان, قال أبو داود ولم أتقن العنان جيداً, قال: "هل تدرون بعد ما بين السماء والأرض ؟" قالوا لا ندري, قال "بعد ما بينهما إما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة ثم السماء فوقها كذلك حتى عد سبع سموات, ثم فوق السماء السابعة بحر ما بين أسفله وأعلاه مثل بين سماء إلى سماء, ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهن وركبهن مثل ما بين السماء إلى سماء ثم على ظهورهن العرش بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء ثم الله تبارك وتعالى فوق ذلك". ثم رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث سماك بن حرب به وقال الترمذي حسن غريب, وهذا يقتضي أن حملة العرش ثمانية كما قال شهر بن حوشب رضي الله عنه: حملة العرش ثمانية: أربعة منهم يقولون سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك, وأربعة يقولون سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك ولهذا يقولون إذا استغفروا للذين آمنوا "ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً" أي رحمتك تسع ذنوبهم وخطاياهم وعلمك محيط بجميع أعمالهم وأقوالهم وحركاتهم وسكناتهم "فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك" أي فاصفح عن المسيئين إذا تابوا وأنابوا وأقلعوا عما كانوا فيه واتبعوا ما أمرتهم به من فعل الخيرات وترك المنكرات "وقهم عذاب الجحيم" أي وزحزحهم عن عذاب الجحيم وهو العذاب الموجع الأليم "ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم" أي اجمع بينهم وبينهم لتقر بذلك أعينهم بالاجتماع في منازل متجاورة كما قال تبارك وتعالى: "والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء" أي ساوينا بين الكل في المنزلة لتقر أعينهم وما نقصنا العالي حتى يساوي الداني بل رفعنا ناقص العمل فساويناه بكثير العمل تفضلاً منا ومنة. وقال سعيد بن جبير إن المؤمن إذا دخل الجنة سأل عن أبيه وابنه وأخيه أين هم ؟ فيقال إنهم لم يبلغوا طبقتك في العمل فيقول إني إنما عملت لي ولهم فيلحقون به في الدرجة ثم تلا سعيد بن جبير هذه الاية "ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم" قال مطرف بن عبد الله بن الشخير: أنصح عباد الله للمؤمنين الملائكة ثم تلا هذه الأية "ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم" الاية وأغش عباده للمؤمنين الشياطين. وقوله تبارك وتعالى: "إنك أنت العزيز الحكيم" أي الذي لا يمانع ولا يغالب وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن الحكيم في أقوالك وأفعالك من شرعك وقدرك "وقهم السيئات" أي فعلها أو وبالها ممن وقعت منه "ومن تق السيئات يومئذ" أي يوم القيامة "فقد رحمته" أي لطفت به ونجيته من العقوبة "وذلك هو الفوز العظيم".
9- "وقهم السيئات" أي العقوبات، أو جزاء السيئات على تقدير مضاف محذوف. قال قتادة: وقهم ما يسؤوهم من العذاب "ومن تق السيئات يومئذ" أي يوم القيامة "فقد رحمته" يقال وقاه يقيه وقاية: أي حفظه، ومعنى "فقد رحمته" أي رحمته من عذابك وأدخلته جنتك، والإشارة بقوله: "وذلك" إلى ما تقدم من إدخالهم الجنات، ووقايتهم السيئات وهو مبتدأ، وخبره "هو الفوز العظيم" أي الظفر الذي لا ظفر مثله، والنجاة التي لا تساويها نجاة.
وأخرج ابن مردويه عن أبي أمامة قال: "حم" اسم من أسماء الله. وأخرج عبد الرزاق في المصنف وأبو عبيد وابن سعد وابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي والحاكم وصححه وابن مردويه عن المهلب بن أبي صفرة قال: "حدثني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ليلة الخندق إن أتيتم الليلة فقولوا حم لا ينصرون". وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي والحاكم وابن مردويه عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنكم تلقون عدوكم فليكن شعاركم حم لا ينصرون". وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: "ذي الطول" قال: ذي السعة والغنى. وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن ابن عمر في قوله: "غافر الذنب" الآية قال: غافر الذنب لمن يقول لا إله إلا الله "قابل التوب" ممن يقول لا إله إلا الله "شديد العقاب" لمن لا يقول لا إله إلا الله "ذي الطول" ذي الغنى "لا إله إلا هو" كانت كفار قريش لا يوحدونه فوحد نفسه "إليه المصير" مصير من يقول لا إله إلا الله فيدخله الجنة، ومصير من لا يقول لا إله إلا الله فيدخله النار. وأخرج عبد بن حميد عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن جدالاً في القرآن كفر". وأخرج عبد بن حميد وأبو داود عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مراء في القرآن كفر".
9. " وقهم السيئات "، العقوبات، " ومن تق السيئات "، أي: ومن تقه السيئات يعني العقوبات، وقيل: جزاء السيئات، " يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم ".
9-" وقهم السيئات " العقوبات أو جزاء السيئات ، وهو تعميم بعد تخصيص ، أو تخصيص بمن " صلح " أو المعاصي في الدنيا لقوله : " ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته " أي ومن تقها في الدنيا فقد رحمته في الآخرة كأنهم طلبوا السبب بعد ما سألوا المسبب . " وذلك هو الفوز العظيم " يعني الرحمة أو الوقاية أو مجموعهما .
9. And ward off from them ill deeds; and he from whom Thou wardest off ill deeds that day, him verily hast Thou taken into mercy. That is the supreme triumph.
9 - And preserve them from ills; and any whom thou dost preserve from ills that day, on them wilt thou have bestowed mercy indeed: and that will be truly the highest Achievement.