[غافر : 75] ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ
75 - ويقال لهم أيضا (ذلكم) العذاب (بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق) من الاشراك وإنكار البعث (وبما كنتم تمرحون) تتوسعون في الفرح
يعني تعالى ذكره بقوله " ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق " هذا الذي فعلنا اليوم بكم أيها القوم من تعذيبناكم العذاب الذي أنتم فيه ، بفرحكم الذي كنتم تفرحونه في الدنيا ، بغيرها ما أذن لكم به من الباطل والمعاصي ، وبمرحكم فيها . والمرح : هو الأشر والبطر .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق " إلى " فبئس مثوى المتكبرين " قال : الفرح والمرح : الفخر والخيلاء ، والعمل في الأرض بالخطيئة ، وكان ذلك في الشرك ، وهو مثل قوله لقارون : " إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين " [ القصص : 76 ] . وذلك في الشرك .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون " قال : تبطرون وتأشرون .
حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، قوله " تمرحون " قال : تبطرون .
قوله تعالى : " ذلكم " أي ذلك م العذاب " بما كنتم تفرحون " بالمعاصي يقال لهم ذلك توبيخاً . أي نالكم هذا بما كنتم تظهرون في الدنيا من السرور بالمعصية وكثرة المال والأتباع والصحة . وقيل إن فرحهم بها عندهم أنهم قالوا للرسل : نحن نعلم أنا لا نبعث ولا نعذب . وكذا قال مجاهد في قوله جل وعز " فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم " [ غافر : 83] . " وبما كنتم تمرحون " قال مجاهد وغيره : أي تبطرون وتأشرونه . وقد مضى في (سبحان ) بيانه . وقال الضحاك : الفرح السرور ، والمرح العدوان . وروى خالد عن ثور عن معاذ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله يبغض البذخين الفرحين ويحب كل قلب حزين ويبغض أهل بيت لحمين ويبغض كل حبر سمين" فأما أهل بيت لحمين : فالذي يأكلون لحوم الناس بالغيبة . وأما الحبر السمين : فالمتحبر بعلمه ولا يخبر بعلمه الناس ، يعني المستكثر من علمه ولا ينتفع به الناس . ذكره الماوردي . وقد قيل في اللحمين : أنهم الذين يكثرون أكل اللحم ، ومنه قول عمر : اتقوا هذه المجازر فإن لها ضاروة كضراوة الخمر ، ذكره المهدوي . والأول قول سفيان الثوري .
يقول تعالى ألا تعجب يا محمد من هؤلاء المكذبين بآيات الله ويجادلون في الحق بالباطل كيف تصرف عقولهم عن الهدى إلى الضلال "الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا" أي من الهدى والبيان "فسوف يعلمون" هذا تهديد شديد, ووعيد أكيد, من الرب جل جلاله لهؤلاء كما قال تعالى: "ويل يومئذ للمكذبين" وقوله عز وجل: "إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل" أي متصلة بالأغلال بأيدي الزبانية يسحبونهم على وجوههم تارة إلى الحميم وتارة إلى الجحيم ولهذا قال تعالى: " يسحبون * في الحميم ثم في النار يسجرون " كما قال تبارك وتعالى: " هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون * يطوفون بينها وبين حميم آن " وقال تعالى بعد ذكر أكلهم الزقوم وشربهم الحميم: " وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال * في سموم وحميم * وظل من يحموم * لا بارد ولا كريم * إنهم كانوا قبل ذلك مترفين * وكانوا يصرون على الحنث العظيم * وكانوا يقولون أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون * أو آباؤنا الأولون * قل إن الأولين والآخرين * لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم * ثم إنكم أيها الضالون المكذبون * لآكلون من شجر من زقوم * فمالئون منها البطون * فشاربون عليه من الحميم * فشاربون شرب الهيم * هذا نزلهم يوم الدين " وقال عز وجل: " إن شجرة الزقوم * طعام الأثيم * كالمهل يغلي في البطون * كغلي الحميم * خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم * ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم * ذق إنك أنت العزيز الكريم * إن هذا ما كنتم به تمترون " أي يقال لهم ذلك على وجه التقريع والتوبيخ والتحقير والتصغير والتهكم والاستهزاء بهم, قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين حدثنا أحمد بن منيع حدثنا منصور بن عمار حدثنا بشير بن طلحة الخزامي عن خالد بن دريك عن يعلى بن منبه رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ينشىء الله عز وجل سحابة لأهل النار سوداء مظلمة ويقال يا أهل النار أي شيء تطلبون ؟ فيذكرون بها سحاب الدنيا فيقولون نسأل بارد الشراب فتمطرهم أغلالاً تزيد في أغلالهم وسلاسل تزيد في سلاسلهم وجمراً يلهب النار عليهم" هذا حديث غريب. وقوله تعالى: " ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون * من دون الله " أي قيل لهم أين الأصنام التي كنتم تعبدونها من دون الله هل ينصرونكم اليوم "قالوا ضلوا عنا" أي ذهبوا فلم ينفعونا " بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا " أي جحدوا عبادتهم كقوله جلت عظمته: "ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين" ولهذا قال عز وجل: "كذلك يضل الله الكافرين". وقوله: "ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون" أي تقول لهم الملائكة هذا الذي أنتم فيه جزاء على فرحكم في الدنيا بغير حق ومرحكم وأشركم وبطركم "ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين" أي فبئس المنزل والمقيل الذي فيه الهوان والعذاب الشديد لمن استكبر عن آيات الله واتباع دلائله وحججه, والله أعلم.
والإشارة بقوله: 75- "ذلكم" إلى الإضلال المدلول عليه بالفعل: أي ذلك الإضلال بـ ـسبب "ما كنتم تفرحون في الأرض" أي بما كنتم تظهرون في الدنيا من الفرح بمعاصي الله والسرور بمخالفة رسله وكتبه، وقيل بما كنتم تفرحون به من المال والأتباع والصحة، وقيل بما كنتم تفرحون به من إنكار البعث، وقيل المراد بالفرح هنا البطر والتكبر، وبالمرح الزيادة في البطر. وقال مجاهد وغيره: تمرحون: أي تبطرون وتأشرون. وقال الضحاك: الفرح السرور، والمرح العدوان. وقال مقاتل. المرح: البطر والخيلاء.
75. " ذلكم " العذاب الذي نزل بكم، " بما كنتم تفرحون "، تبطرون وتأشرون، " في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون " تفرحون وتختالون.
75-" ذلكم " الإضلال . " بما كنتم تفرحون في الأرض " تبطرون وتتكبرون . " بغير الحق " وهو الشرك والطغيان . " وبما كنتم تمرحون " تتوسعون في الفرح ، والعدول إلى الخطاب للمبالغة في التوبيخ .
75. (And it is said unto them): This is because ye exulted in the earth without right, and because ye were petulant.
75 - That was because ye were wont to rejoice on the earth in things other than the Truth, and that ye were wont to be insolent.